التأثير الاسترجاعى: | "ندوة" ملامح الحراك المجتمعى والتغيير السياسى فى مصر فى المرحلة الراهنة
8-1-2014

أبوزيد عادل أبوزيد
* باحث دكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
ما هو مفهوم الحراك المجتمعى ودوره فى إحداث التغيير السياسى فى الحالة المصرية فى مرحلتها الراهنة؟ وما مدى توافر الحراك المجتمعى وكيفية قياس مؤشراته؟ وما هو حقيقة دور العمال والفلاحين فى إحداث التغيير السياسى الجارى فى مصر؟ وما هى إشكالية الفلاحين فى مصر بعد التغيير السياسى الراهن؟ هل هناك ظهور لفاعين جدد وقضايا جديدة فى الواقع السياسى المصرى؟ وما هو دور حركة تمرد والشباب فى السياسة المصرية الراهنة؟.. للإجابة على كل هذه التساؤلات، نظم مركز الدول النامية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بالتعاون مع معهد بحوث التنمية الفرنسى، ندوة حملت عنوان" الحراك المجتمعى والتغيير السياسى فى مصر"، شارك فيها نخبة من خبراء النظم السياسية.
 
1- إشكالية حقوق الإنسان فى المراحل التحويلية: 
 
فى سياق هذا الموضوع، تناولت الدكتورة علياء سرايا، أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم الساسية، بالبحث والتحليل هذه الإشكالية، خاصة فى هذه الفترات التحولية للنظام السياسى المصرى. وقد أوضحت الباحثة فى ورقتها أن حقوق الإنسان نشأت كفكرة، وأصبحت قضية، وأكدت أنها  قضية تشغل الإنسانية منذ زمن بعيد، وفى لحظات تاريخية مختلفة. انطلاقاً من هذين المحورين، تطرقت الباحثة إلى الكيفية التى تثيرها إشكالية حقوق الإنسان فى المراحل التحولية، بحسبانها مرحلة استثنائية، وما يتعلق بذلك من  احترام لحقوق الإنسان فى المرحلة الاستثنائية التى تجمع بين ثنائين متنافضين إلى حد واضح، وهما( الحرية والأمن)، وما يفرضه هذا التنافض من جدل حول أولوية أحد عنصرى هذه الثنائية على الآخر . ثم تطرقت الباحثة إلى العدالة الانتقالية، وكيفية تحقيقها. وأوضحت فى هذا السياق آليات تحقيق هذه العدالة،  من خلال لجان تقصى الحقيقة والمصالحة والملاحقات القضائية لمرتكبى انتهاكات حقوق الإنسان فى المرحلة السابقة. وفى نهاية الورقة، نوهت الباحثة إلى ما سمى " مضمون العقد الاجتماعى الجديد "الذى يتم التفاوض حوله فى المراحل التحولية، والذى يعكس عندما يتم إبرامه رؤية حقوق الإتسان التى ستميز المرحلة اللاحقة، مؤكدة أن هذا  المضمون يمكن أن يعطى تفصيلاً للحقوق والحريات التى تتطلب تدخلا من جانب الدولة بالأساس فى شكل خدمات، والتى ترتبط ارتباطاً وثيقاً برؤتين مختلفتين لدور الدولة فى تحقيقها وللقانون.
 
2- أبعاد الدور السياسي للعمال ورجال الأعمال فى مصر: 
 
     أما الورقة البحثية المقدمة من الدكتورة ناهد عز الدين، الأستاذ المساعد للعلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية،  فقد  ناقشت محاور الجدل الأسياسية المثارة منذ ثورة 25 يناير وحتى اليوم بشأن العلاقة بين جماعتى العمال ورجال الأعمال، بحسبانهما من جماعات المصالح والضغط الاقتصادية.  وقد أسهبت الباحثة فى ورقتها فى عدد من العاصر الأساسية، أهمها ، النفوذ والتأثير والقدرة على الضغط السياسى لهاتين الفئتين من جماعات المصالح ، ودورهما كطرفين محوريين فى العملية الإنتاجية، ودور الدولة  كطرف ثالث فى تنظيم العلاقة بينهما ، خاصة أن هذه العلاقة  لم تشهد تحولات كبرى على أثر الثورة بالمقارنة بالتجرية الغربية، إذ غلبت عليها ملامح الاستمرارية، ولم يطلها من ملامح التغيير سوى النذر اليسير . 
 
   ثم تناولت الباحثة عددا من القضايا موضع الجدل، والملفات التى أعيد فتحها بمناسبة كتابة الدستور عام 2012 ، ثم بمناسبة تعديله بعد 3 يوليو 2013 ، والتى من أهمها قضية 50% تمثيل الفلاحين والعمال، والحد الأدنى للأجور، والضرائب التصاعدية، والحريات النقابية، ومكافحة الفساد الاقتصادى والسياسى، علاوة على الحديت عن دور رجال الأعمال من فلول الحزب الوطنى فى تمويل عدد من الأحزاب السياسية، وقنوات الإعلام والفضائيات والصحف. 
 
3-  الفاعلين غير المرئيين في الشارع المصري:
 
 تحت هذا العنوان، جاءت الورقة البحثية المقدمة من  الدكتور صقر النور، أستاذ الاجتماع السياسى بالجامعة الامريكية ببيروت، والتى أوضحت فيها بالأساس أنه فى عام 1992 أقر البرلمان المصرى قانون 96 المعروف باسم قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر للأراضى الزراعية. وقد وصل عدد المتضرين من القانون إلى نحو مليون مستاجر زراعى تضرروا بشكل كلى أو جزئى من جراء القانون الذى ألغى الأمان الإيجارى، وأنهى التعاقدات التى حصل عليها الفلاحون من زمن الإصلاح الزراعى الناصرى. ونوه الباحث إلى أنه بتطبيق القانون خضعت أسعار الإيجارات الزراعية للسوق، مما أدى إلى ارتفاعها لأكثر من10 أضعاف، مؤكداً أن هذا القانون  فاقم  من معدلات التفاوت الاجتماعى، والإفقار بالريف، خاصة أنه  جاء فى نهاية سلسلة من الإجراءات النيوليبرالية التى همشت الزراعة بالوادى والدلتا، وأنتجت تحولا فى مكانة الزراعة وموقعها داخل سبيل عيش الفلاحين. وأوضح أنه على الرغم  تطبيق القانون، فإنه فى النهاية  قام ما سمى "انتفاضة فلاحية فى الريف فى 1996"، والتى  بدأت بتقديم الشكاوى، ثم تنظيم المؤتمرات، والوقفات الاحتجاجية، وصولاً إلى الصدامات العنيف مع الملاك والشرطة. وقد أكد الباحث أنه لم تستجب النخب السياسية الحضرية بالقدر الكافى لانتفاضة الريف.
 
 فى إطار هذا، فان الورقة البحثية أوضحت أن الريف لم يكن غائباً عن 25 يناير 2011 وما بعدها ، موكدةً أن انتفاضة الفلاحين التى بدأت عام 1996 وتم إجهاضها استعادت زخمها بعد يناير، وطورت أساليب ووسائل بل وخطابا جديدا للحصول على الظهور والاعتراف الاجتماعيين اللذين افتقدتهما خلال انطلاقهتا الأولى فى هذه المداخلة. ولتوضيح هذا، تناول الباحث بشكل مقتضب التغيرات التى حدثت فى الريف المصرى خلال عصر مبارك، وتاريخ الحركات الاجتماعية للفلاحين، وعلاقتها بالحركة الوطنية، وركز على الحركة الاحتجاجية ضد قانون المالك والمستأجر وصولاً إلى يناير 2011 ومابعدها، مع إعطاء بعض الأمثلة على التطور الصراعات واستمرارية الحركة الفلاحية، وطبيعة الحراك الفعل الريفى، واختلافه عن نظيره المصرى. 
 
4-  الشباب والسياسة فى مصر بعد 30 يونيو: 
 
 تناولت كارولين بربرى، باحثة دكتوراه فى جامعة بالريس- مارسليا، حركة تمرد ودور الشباب، بحسبانه أحد أهم الفواعل فى المجتمع المدنى لإحداث التغيير السياسى فى مصر. وقد أشارت الباحثة إلى أنه قد اندلعت ثورة 25 يناير 2011 بدعوة النزول إلى الشارع، أطلقها مجموعات من الشباب. وقد أوضحت الباحثة فى ورقتها تأثير الديناميكيات السياسية لدى الشباب المصرى، والتى استمرت بعد عامين من رحيل مبارك. وقد أشارت فى هذا الصدد إلى أن  حملة تمرد لا تتجزأ من دراسة العملية الثورية، مؤكدةً أن الهدف من هذه الورقة هو تحليل أشكال العمل الجماعى والفاعلين المؤسسين لحملة تمرد. كما تناولت الديناميكيات الجديدة فى هذه الحركة، مما مكنها من إحداث تحول سياسي واضح فى الوضع المصرى الراهن، مشيرةً إلى مدى قدرة  آليات العمل الجماعى هذه المرة على النجاح،  مما انعكس على ضخامة الحدث 30 يونيو 2013.
 
5- الالتزام السياسى وقضية المرأة عند مناضلات الإخوان المسلمين فى مصر:
 
أشارت الباحثة آمال عباسى، باحثة دكتوراه فى جامعة إكس، مارسليا، فى ورقتها البحثية إلى أنه يطلق مصطلح الأخت على المرأة العضوة فى جماعة الإخوان المسلمين، حيث تلعب دوراً مهماً فى التنظيم. وقد أضافت الباحثة أن أدبيات الإخوان بما فيها رسائل حسن البنا نصت على دوره ومكانة المرأة فى المنظومة الإخوانية، وفى المجتمع المصرى. فمنذ تأسيس قسم الأخوات سنة 1939، انحصر عملهن فى إطار العمل الدعوى والاجتماعى التربوى حتى سنة 2000، حيث طرأت لأول مرة فكرة مشاركة الأخوات فى المجال السياسى لتثير جدلاً كبيراً داخل الجماعة، وسجل أول ظهور لهن على الساحة العامة، انطلاقاً من سنة 2005 ليصبح أكثر بروزاً مع انتخابات 2010 بعد دخول جماعة الإخوان فى إطار مؤسسى وحزبى، مما أتاح للأخوات فرصة أكبر للمشاركة فى العمل السياسى. وقد أكدت الورقة أن الأخوات لعبن دوراً مهماَ فى انتخابات   2011و2012 ، مما أدى إلى تغيير محورى فى مسار الأخوات، وتحولهن من العمل بالدعوة إلى العمل الحزبى والسياسى. فى هذا السياق، تناولت الباحثة بالتحليل مدى وأبعاد هذا التغيير، ومن جهة أخرى مكانة ودور الأخت كمرأة فى السياق الجديد، مما يقتضى طرح فرضية ما إذا كانت تجربة العمل فى إطار حزب سياسى ذى مرجعية إسلامية عاملاً فى إحياء فكرة الحركة النسائية الإسلامية، أم لا. 
 
  وفى ختام الندوة، أكدت  الدكتورة أمانى مسعود أهمية الحراك المجتمعى فى إحداث التغيير الساسى فى مصر، وضروة الاهتمام بإشكالية حقوق الإنسان، وحقوق العمال الفلاحين، ودور رجال الأعمال فى إحداث هذا الحراك المجتمع، مع الأخذ فى الحسبان أهمية دور الشباب فى إحداث هذا الحراك، خاصة أن ثورة 25 يناير كان الشباب نواتها. وفيما يتعلق بالإخوان المسلمين، وتجربة التغيير السياسى، أوضخت  أهمية دور المرأة فى الجماعة، وعدم اللجوء إلى العنف. بالإضافة إلى ذلك، فان دور شباب الإخوان لا يمكن إنكاره، وما لهذا الدور من تأثير ملموس على حاضر ومستقبل التغيير السياسى فى مصر .

رابط دائم: