شروط التعاون:|جدل العلاقة بين الفاعلين المسلحين من غير الدول واستقرار الدولة
5-1-2014

روبرت ماندل
* أستاذ الشئون الدولية

عرض : رضوي عمار- باحثة دكتوراه في العلوم السياسية،‮ ‬جامعة القاهرة

Robert Mandel, Global Security Upheaval: Armed Non-State Groups Usurping State Stability Functions,(California: Stanford University Press, 2013)

أضحي الفاعلون من‮ ‬غير الدول يلعبون دورا مؤثرا في سياسات الدول الأمنية الداخلية والدولية بصورة جذبت انتباه الدارسين للعلوم السياسية،‮ ‬والمهتمين بالدراسات الأمنية علي نحو كبير‮. ‬وفي هذا السياق،‮ ‬قدم روبرت ماندل كتابه (اضطرابات الأمن العالمي‮.. ‬الجماعات المسلحة من‮ ‬غير الدول تغتصب وظائف استقرار الدولة) الذي يركز من خلاله علي تقديم فهم أعمق لسلوك الجماعات والفاعلين المسلحين‮ ‬غير الدول، وعلاقة هذا السلوك بالاستقرار علي المستويات المحلية، والوطنية والعالمية‮. ‬بعبارة أخري،‮ ‬هذا الكتاب يتناول دراسة تأثير الفاعلين المسلحين من‮ ‬غير الدول في الاستقرار في سياق التحولات الأمنية‮.‬

روبرت ماندل هو أستاذ الشئون الدولية في كلية لويس وكلارك في بورتلاند، أوريجون،‮ ‬وقد نشر أحد عشر كتابا،‮ ‬وأكثر من أربعين مقالا وفصلا في كتب عن قضايا الأمن والصراع في العالم،‮ ‬وهو من الخبراء الذين سبق أن قدموا شهاداتهم أمام الكونجرس الأمريكي،‮ ‬وقد سبق له العمل في العديد من وكالات الاستخبارات الأمريكية‮.‬

الفاعلون المسلحون من‮ ‬غير الدول وتهديد الاستقرار‮:‬

بداية،‮ ‬يشار إلي أن ماندل قد ذكر عددا من الأنواع الرئيسية من الجماعات والفاعلين المسلحين من‮ ‬غير الدول،‮ ‬وهم‮: ‬المجرمون،‮ ‬والمرتزقة،‮ ‬والمتمردون والإرهابيون،‮ ‬وأمراء الحرب‮.‬ وأشار ماندل إلي أنه‮ ‬غالبا ما يتم تناول الفاعلين المسلحين من‮ ‬غير الدول كقوي مناهضة لتحقيق الأمن والاستقرار الدولي‮. ‬وهو ما يرتبط بخمسة افتراضات رئيسية، هي‮:‬

أولا‮- ‬إن الدول والمنظمات الحكومية الدولية هي مركز السلطة في المجتمع الدولي، حيث يرسم مفهوم سيادة الدولة الإقليمية محددات النظام العالمي‮.‬

ثانيا‮- ‬الجماعات المسلحة من الفاعلين من‮ ‬غير الدول لا تتمتع بالشرعية، وتخل بنظام الأمن،‮ ‬وتثير اضطرابات سياسية،‮ ‬وصراعات عنيفة‮.‬

ثالثا‮- ‬الجمهور العام يطالب باستمرار حكومات الدول بتقديم الحماية له‮.‬

رابعا‮- ‬الكيانات الخاصة يمكن أن تكفل تحقيق الأمن فقط،‮ ‬في حال إذا كانت لا تعتمد علي التهديد أو استخدام العنف،‮ ‬وذلك من خلال الأساليب الوطنية،‮ ‬أو المنظمات الإنسانية‮.‬

خامسا‮- ‬في حال لم توفر الدولة الاستقرار،‮ ‬فإن استراتيجية تقوية وتوسيع القدرات الحكومية يمكن أن تكون ردا معقولا لعجز الحوكمة‮.‬

لكن ماندل يجادل تلك المفاهيم،‮ ‬ويطرح رؤية مختلفة لعلاقة الفاعلين من‮ ‬غير الدول بمفهوم الاستقرار من منطلق كونهم جزءا من الحوكمة الرشيدة، حيث يرى الكتاب إمكانية أن تعزز الجماعات المسلحة من‮ ‬غير الدول الاستقرار، وأن تمثل عاملا فاعلا في تحسين الحوكمة الأمنية‮. ‬كما يعرض بالتفصيل للعلاقات بين التحولات الأمنية،‮ ‬والتنازع في القيم المجتمعية‮.‬

وقد اعتمد الكتاب في عرض هذا المنظور علي‮  ‬دراسة‮  ‬اثنتي عشرة حالة تم اختيارها للفحص والتمحيص، وهي‮: ‬الشيشان في روسيا، وشركة‮ ‬Executive  Outcome‮ ‬في سيراليون، والقوات الثورية المسلحة في كولومبيا، والعصابات في الصومال، وحزب الله في لبنان، والجيش الجمهوري الأيرلندي في المملكة المتحدة، والجيش الإسلامي لعدن في اليمن، وجيش الرب للمقاومة في أوغندا، وماراسالفاتروتشا في الولايات المتحدة الأمريكية، وبوسيس في جاميكا، وطالبان في أفغانستان، والياكوزا في اليابان‮.‬

الاستقرار والأمن‮:‬

حدد ماندل أربع وظائف رئيسية للاستقرار،‮ ‬تدور حول أمن الدولة،‮ ‬والتي تتمثل في‮:‬

أولا‮- ‬النظام الذي تضعه السلطة،‮ ‬والذي تفرض من خلاله القانون الذي يمنع أو يقيد الإخلال بالنظام‮.‬
ثانيا‮- ‬الأمن الإنساني،‮ ‬ويتعلق بشبكة أمان الرفاه العامة،‮ ‬والتي تتحقق بمنع أو تقييد الإخلال الاجتماعي،‮ ‬من خلال تقديم احتياجات أساسية للأشخاص المستهدفين‮.‬

ثالثا‮- ‬الأمن الداخلي،‮ ‬ويتضمن حل النزاعات الداخلية بوسائل‮ ‬غير عنيفة‮.‬

رابعا‮- ‬الأمن الدولي،‮ ‬ويتعلق بتفادي التدخل الأجنبي الإكراهي‮ ‬غير المرغوب‮.‬

وتناول ماندل عددا من العوامل التي يرى أنها تضمن أن تكفل جماعات الفاعلين المسلحين من‮ ‬غير الدول الاستقرار، وتدور حول عجز الدولة عن تحقيق الأمن والعدالة،‮ ‬والذي ينتج عنه استشراء الفوضي والعنف، وفشل الحكومة في فرض القانون للقضاء علي الفوضي‮. ‬وتكون هذه الجماعات الطريقة الوحيدة لوقف العنف،‮ ‬وغالبا ما يحدث ذلك في المناطق الحدودية المنعزلة‮.‬

من ناحية ثانية، في حال كانت سلطة العرف تقع خارج حكومة الدولة الوطنية،‮ ‬فإن التقاليد الاجتماعية للعشائر والقبائل،‮ ‬أو سلطة الجماعات المسلحة من الفاعلين‮ ‬غير الدول،‮ ‬تلعب دورا مهما‮. ‬ويلاحظ في هذه الحالة أن السكان المتأثرين بهذا الوضع لديهم ولاء محدود للحكومة،‮ ‬ويرون أن الحكومة المركزية لا تعكس مطالبهم،‮ ‬وهو ما يأتي نتيجة‮ ‬غياب بنية خطوط الاتصالات،‮ ‬والمواصلات،‮ ‬والتكنولوجيا‮. ‬في الوقت ذاته،‮ ‬فإن الفاعلين المسلحين من‮ ‬غير الدول تكون لديهم أسلحة وتدريب عسكري كبير من الدولة‮.‬

ومن العوامل التي عرضها ماندل،‮ ‬ويرى أنها تعزز دور الفاعلين المسلحين من‮ ‬غير الدول في تحقيق الاستقرار درجة التعاون بين جماعة الفاعلين المسلحين من‮ ‬غير الدول وحكومة الدولة،‮ ‬من حيث شكل التمثيل أو الارتباط بالحكومة‮. ‬بمعني آخر،‮ ‬مدي تسامح ومرونة أو نفوذ نظام الدولة تجاه الفاعلين المسلحين من‮ ‬غير الدول‮.‬
من ناحية أخري، تسهم درجة التوافق الداخلي داخل جماعة الفاعلين المسلحين من‮ ‬غير الدول في سيطرة هذه الجماعات علي تحقيق الاستقرار،‮ ‬خاصة في حال وجود فصائل متعددة تتنافس علي السلطة والتحكم في الأراضي،‮ ‬حيث إن جماعات الفاعلين المسلحين من‮ ‬غير الدول تكون السبيل الوحيد لتقليل العنف،‮ ‬وإنهاء الدمار‮. ‬كما تبرز مدي اتفاق الرأي العام في المجتمع علي أهمية الدور الذي يلعبه الفاعلون المسلحون من‮ ‬غير الدول في تحقيق الاستقلال‮.‬


رابط دائم: