قيد التشكيل:| "ندوة": مستقبل العمل الأهلي في دول الربيع العربي بعد 30 يونيو
20-11-2013

هيام عبد العزيز
* باحثة في العلوم السياسية.
يشكل التقارب بين منظمات العمل الأهلي بعد ثورة 30 يونيو لبنة مهمة من نتائج تلك الثورة، بحسبانها ستربط بين مصر ودول الأورومتوسط  بشقيه العربي في الجنوب، والأوروبي في الشمال، من خلال تفعيل هذا الدور لتلك المنظمات،  وصياغته بمفهوم أعمق وأشمل، ولكن أيضا في إطار شرعيته القانونية، وتوافقه مع معايير حقوق الإنسان .
 
ومن هنا، عقدت مؤسسة "ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان" ورشة العمل الإقليمية،  تحت عنوان "تبادل الخبرات لتعزيز حرية تنظيم العمل الأهلي في دول الربيع العربي"، والتي جاءت في إطار مشروع تبادل الثقافات العربية والغربية من أجل حرية تنظيم العمل الأهلي الذي تنفذه "ماعت"، بالتعاون مع مؤسسة "آنا ليند" لحوار الثقافات، وعدد من المنظمات الأهلية بمصر وبعض الدول العربية.
 
وشارك في المؤتمر كل من الدكتور ماجد عثمان، مدير المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة)، الذي تحدث عن دور مراكز التفكير وبحوث الرأي العام في تعزيز العمل الأهلي، كما حضر  الدكتور نبيل حلمي، أستاذ القانون الدولي وعضو مجلس حقوق الإنسان سابقا، والذي تحدث عن ضرورة توافق التشريعات المنظمة للعمل الأهلي مع معايير حقوق الإنسان، وكذلك شارك عماد حجاب، نائب رئيس تحرير الأهرام، الذي تحدث عن دور الإعلام في تعزيز العمل الأهلي.
 
أولا- أهداف تأسيس الشبكة الإقليمية لتعزيز العمل الاهلى:
 
في البداية، رسم  أيمن عقيل، رئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، ملامح تطور العمل الأهلى بمنظماته في مصر، وضرورة إثراء هذا العمل، ومواجهة المشاكل التي تعوقه حتى في الدول العربية. وأشار إلى كيفية تأثير الثقافة فى حرية تنظيم العمل الأهلى، والقوانين التي تنظمه، إلا أنه أدلى بتوضيح مبدئي لتلك العلاقة التي تربط بين ماعت ومؤسسة آناليند ، مؤكدا أن ماعت مؤسسة أهلية مشهرة طبقا لقانون 1984 ، وأنها قد بدأت العمل في مصر منذ عام  2005 ، مشيرا إلى تعدد ميادين العمل بها، والتي تضم  المشاركة السياسية من الانتخابات والسلام الدولي، ودعم الفئات المهمشة، والآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان .أما عن مؤسسة آناليند، فقد أوضح أنها مؤسسة دولية وموجودة في مصر منذ عام  2005 وكان مقرها الرئيسي في مكتبة الإسكندرية، والذي يدير 43 دولة، وهى عدد الدول التي تضمها المؤسسة، لذلك فهي مؤسسة حكومات وليست أفرادا، ومن أهدافها العمل على الفن، والحوار، والثقافة، والمواطنة، والدمج بين دول حوض البحر الأبيض  المتوسط في الشمال والجنوب، حتى طرأت بعض التغييرات بعد الثورة، حيث كانت هناك مطالبات بإجراء انتخابات ليكون هناك تداول للسلطة في مؤسسة آناليند، على أن تكون رئاسة الشبكة بالانتخاب، وأن يكون هناك أيضا مجلس أمناء للشبكة، وكانت النتيجة  في 22 يونيو أن تم انتخاب مؤسسة ماعت كرئيس للشبكة ومجلس أمناء مكون من 5 جمعيات .
 
ثم أضاف أنه تم تطوير نشاط المؤسسة أخيرا من خلال الدمج بين العمل الفني والثقافات لما له من تأثير فى المجتمع المدني حيث تم تخصيص ثلاثة ملايين يورو لمشروع "مواطنون من أجل الحوار"، والذي يهدف إلى الحوار، ودعم فكرة المواطنة  في 8 دول عربية وإعداد كوادر قادرة على إتمام ذلك. أما عن عدد الأعضاء، فقد أشار عقيل إلى أنه قد توسعت الشبكة الوطنية في الأعضاء حتى وصلت إلى 145 عضوا منضما، كما أن هناك 100 متقدم للعضوية، وفى انتظار قرار مجلس الأمناء لمعرفة من تتوافر فيه شروط العضوية. 
 
وعن التطورات الأخيرة التي تشهدها المؤسسة، كان مشروع حرية تنظيم العمل الأهلى في مصر، والذي نحن بصدده، مشيرا إلى أنه كان للشبكة الوطنية مقترح في طرح حملة "حاول تتحاور"، والتي ستقوم بها الشبكة لمدة سنتين على تدريب أعضاء  المنظمات الأهلية على إدراة حوار مجتمعي، سواء في المؤسسات، أو الجامعات، أو الهيئات،  وطرق إدراة هذا الحوار من خلال آليات جديدة من الفن، والمسرحيات، والرسم، والجرافيت . كما تم الإعلان عن تأسيس الشبكة الإقليمية لتعزيز العمل الأهلى بالتعاون مع أربع دول، هى: مصر، وفلسطين، ولبنان، وتونس، وجار الآن إعداد مسودة خاصة بنظام هذه الشبكة، وكيفية انضمام الأعضاء لها .
 
وبمزيد من الشفافية، كانت الإشارة إلى التمويل لتلك المؤسسة، والذي أكد أنه تم  بالتعاون مع المجلس البريطاني في مشروع صوت الشباب العربي، والذي يهدف إلى القدرة على إدارة المناظرات .
 
ثانيا-حدود حرية التنظيم في القانون الدولي: 
 
أشار الدكتور نبيل حلمي، أستاذ القانون الدولي وعضو مجلس حقوق الإنسان سابقا، إلى أن مؤشر تحضر الدولة يقاس بمدى احترامها لآدمية مواطنيها، وأن العمل الأهلى الآن هو أقوى من المجالس الحكومية، لأنه يستطيع  رصد أية  انتهاكات لأى سلطة تنفيذية بالدولة، كما أن لديه القدرة على حماية حقوق الإنسان، والمساواة، واحترام الأديان، والدفاع عن المجتمع بكافة أطيافه وأشكاله . 
 
 وعن الإطار القانوني الذي يحدد عمل تلك الجمعيات، يشير حلمي إلى أن القيام  برصد انتهاكات الدولة هو شكل للتعاون مع الدولة نفسها لتقويمها، لأننا لسنا ضد أحد، وإنما الهدف الأكبر هو خدمة المجتمع المصري، لذلك فهو لا يمانع فى إنشاء تلك الجمعيات الأهلية، ولكن أن تكون لها ضوابط ورقابة من خلال  دستور ينظم دور تلك الجمعيات. وفى حالة المخالفة، سيكون هناك ردع قانوني، بالإضافة إلى ضرورة التعاون بين المنظمات المختلفة، لأن هذا يعضد دور باقي الجمعيات، وفكرة العمل الجماعي بشكل عام.
 
أما عن التمويل ونظرة القانون تجاهه، فيرى أن تمويل تلك المنظمات يحكمه قانون ينظم تلك الأمور، وقواعد تحدد طرق صرف هذا التمويل .
 
ثالثا-الإعلام وتأثيره فى العمل الأهلى: 
 
يقول عماد حجاب، نائب رئيس تحرير الأهرام، والخبير الحقوقي والإعلامي بمؤسسة "عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان" إن وسائل الإعلام والصحف القومية لا تضع المجتمع المدني ضمن أولوياتها، ولا ينظر إليه ككيان قوى له دور مهم في خدمة هذا المجتمع، وإنما ينظر إليه نظرة نقدية تقوم على عدة محاور، أولها أنها مؤسسات ضد الدولة، وتسعى لإضعافها، وتحتاج للعمل خارج رقابة القانون، لذلك تتعامل تلك المؤسسات الإعلامية القومية بشىء من الريبة مع المنظمات غير الحكومية في مصر. يؤكد ذلك أنه عندما ظهر المجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للطفل، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، كان اهتمام الصحف القومية والخاصة بها سواء، رغم أدائها الضعيف، ووتقوم على التمويل الدولي بشكل كبير جدا. ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل كانت وسائل الإعلام القومية  تتعامل مع تقارير المنظمات الحقوقية بانتقائية شديدة، حيث كانت تنشر ما يتماشى منها مع الإرادة السياسية للنظام الحاكم. وبالتالي، لم تكن داعما لمنظمات المجتمع المدني، وإنما تسعى لهدمه دائما. ولكننا بعد ثورة 25 يناير، أردنا تغيير تلك السياسات في أداء المؤسسات الصحفية، والتي فوجئنا أن معظمها  لم تكن من الأساس تمتلك سياسة تحريرية، وإنما كانت قائمة على الاجتهاد الشخصي لرئيس التحرير ومعاونيه في تحديد زوايا القضايا المطروحة، التي كانت أغلبها تهتم بمناصرة النظام السياسي فقط مصر. وهذا  الأداء السلبي لوسائل الإعلام كان له دور كبير في نظرة عدد كبير من المواطنين إلى مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، وحقوق الإنسان، بعدم الجدية وعدم الاقتناع بدور المجتمع المدني، ولذلك  كان الهدف عقب الثورة هو تقديم دورات تدريبية للصحفيين للتدريب على دور المجتمع المدني، والعمل الأهلى في المجتمع، وإمدادهم من خلال تلك الجمعيات بالمعلومات حول أنشطة هذا العمل والمشاركة فيه .
 
رابعا- دور بحوث الرأي العام في تعزيز العمل الأهلي:
 
استهل الدكتور ماجد عثمان كلمته حول الشخصية المصرية، والتغيرات التي صاحبتها عقب الثورة، وكيف أن المصريين أصبحوا لا يخافون من السلطة، واقتناعهم بأنه من حقهم مساءلة الحاكم، واهتمامهم الكبير بالشأن العام. إلا أن هذه التغيرات لم تصاحبها تغييرات مؤسسية وتشريعية في السنوات الثلاث الماضية.  ومن هنا، أشار دكتور ماجد إلى دور المؤسسات المجتمعية التي تساعد المواطن في مواكبة تلك المعرفة بكل ما يحدث تجاه الشأن العام، ومنها مركز بصيرة  الذي أوضح أن لديه  أنشطة ليست هادفة للربح، وتقوم بعمل استطلاعات رأى سياسية لا يتم التقاضي من ورائها، وإنما يتم تمويلها من دراسات أخرى اقتصادية واجتماعية .
 
وأضاف أن هذه الاستطلاعات تساعد في التوصل إلى نتائج جيدة، ويتم طرحها على جميع وسائل الإعلام، وليس على أحزاب محددة أو جهة حكومية، وإنما تكون من حق أى مواطن مصري للحصول على تلك المعلومات. كما قاموا بتقديم فكرة "رقم في حياتنا"، وهى كبسولة معلوماتية تصل إلى ما يقرب من 20 ألف شخص في موضوعات مختلفة تخص الشأن العام، أو القضايا التي تهم المواطن المصري، مثل قانون التظاهر، والإبقاء على مجلس الشورى من عدمه، كذلك استطلاع الرأي حول المواد الخلافية بالدستور بعد توضيح تلك المواد بشكل مبسط. كل تلك الخطوات والإسهامات  تساعد العمل الأهلى في القيام بدوره والارتقاء به .
 
وفي نهاية الندوة، تم الاتفاق على وضع اللبنات الأولى لتأسيس الشبكة الإقليمية لتعزيز العمل الأهلي، والتي تضع في حسبانها الدفاع عن حقوق تكوين تلك المنظمات، والعمل على فتح آفاق جديدة للتعاون، وتبادل الخبرات بين دول المنطقة العربية والأوروبية لتطوير قدراتها وأدوارها المجتمعية في إطار العمل الاهلى، والدفاع عن حرية التنظيم، وتقديم فرص التأهيل، وبناء القدرات، واستيعاب انتقال وتبادل الخبرات.
 
كما أكدت توصيات  الندوة ضرورة الضغط من أجل تغيير الأطر التشريعية الحاكمة للعمل الأهلي في بعض دول الربيع العربي، خاصة مصر، لتكون أكثر توافقا مع معايير الحق فى حرية التنظيم، كما أقرتها مبادئ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

رابط دائم: