علاقة جدلية:| " ندوة" دور الإعلام في صناعة النخبة السياسية المصرية بعد ثورة يناير
24-10-2013

سارة محمود خليل
* باحثة في العلوم السياسية.
يعد تأثير الإعلام فى النخب السياسية إحدى أهم الأدوات الرئيسية في تشكيل العلاقة بين السلطة والمجتمع. ففي الفترة التي تلت ثورة 25 يناير، لعبت وسائل الإعلام دورا لا يستهان به فى صناعة نخبة سياسية تتسم بغموض الرؤية وفقدان المصداقية .
 
فى هذا السياق، عقد مركز القاهرة للدراسات والتدريب والاستشارات، بالتعاون مع النقابة للإعلام الإلكترونى، ندوة بعنوان " الإعلام وصناعة النخبة السياسية في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير"، ناقشت خلالها ماهية النخبة، ودورها، فضلاً عن دور الإعلام فى صناعة النخبة السياسية المصرية. 
 
في البداية، تناول باسم راشد، المسئول الإعلامي بمركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء، مفهوم النخبة من الناحية النظرية بأنها عبارة عن مجموعة الأفراد التي تؤثر بشكل مباشر فى مراكز صنع القرار، أو بشكل غير مباشر من خلال تشكيل الرأي العام، قائلا إن محددات النخبة تتمثل فى موقع سلطوي، أو ثروة، أو شهرة، مما يتيح لهؤلاء الأفراد الإسهام فى اتخاذ القرارات.
 
 وأضف د. أحمد عبد ربه، أستاذ بكلية الاقتصاد، أن النخبة تعني حلقة الوصل بين من لا يستطيعون التعبير عن آرائهم، وبين من يملكون اتخاذ القرار، فهي صاحبة الرشادة فى القرارات، وهى ذاتها صاحبة الريادة فى توجيه المجتمع نحو التقدم. ولكن مع تغير المجتمعات، وحدوث ثورات أو حروب، فإن دور النخبة يتأرجح أحياناً كثيرة، خاصة فى ظل انخفاض درجة الوعي المجتمعي، مما يشوه صورتهم أمام المجتمع، ويترتب على ذلك صعوبة انسياق الرأي العام لآرائهم.
 
أولا- دور الإعلام في صناعة النخبة بعد ربيع الثورات العربية: 
 
  أكد المشاركون أن دور الإعلام في المجتمع يتوقف على معدلات الحرية المتاحة فى ذلك المجتمع، ومدى تعدد آليات التواصل بين المواطنين، كما أوضح المشاركون. ويتمثل دور الإعلام فى الثورات، وفقا للمشاركين، في تهيئة الأجواء لشعوب الربيع العربي للقيام بالثورات، وبلورة توجهاتها السياسية والمجتمعية. وهنا، يمكن تأكيد أنه إذا كان القهر السياسي والاجتماعي لأنظمة الاستبداد والاستغلال هو المفجَر للثورات، فإن الإعلام الحر –الذي يتسم بالحيادية والموضوعية- هو الذي يهيئ ويعجل بإنجازها.
 
وأضاف المشاركون أن لوسائل الإعلام دورا فاعلا في إدارة النقاش الحر، والتأثير في صنع القرار، واتجاهات الرأي العام، فضلاً عن تشكيل السياقات المختلفة داخل أي مجتمع، سواء في سياق الإصلاح السياسي، أو الرأي العام، أو الهوية وغيرها، حيث تعكس وسائل الإعلام العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين النخبة والجماهير. وبالتالي، كلما أتيح للإعلام القيام بهذه الوظائف بقدر من الشفافية، وفى إطار المسئولية الأخلاقية والمهنية أمام المجتمع، كان الإعلام فاعلاً ومستنيراً، ومساهماً في تقدم المجتمع، وتحقيق نهضته. أما إذا انحرف عن أداء دوره المنوط به، فبذلك يهدد كيان المجتمع، ويعرضه للتفكك والانهيار.
 
وأوضح عبد ربه أنه لا يمكن للإعلام تحديد توجهات الرأي العام، والإسهام في تشكيله إلا من خلال نخبة مساندة تسانده في تحقيق هذا الهدف، سواء من ناحية تفسير السياسات، أو صياغة الرؤى والأفكار، وعرض وجهات النظر بشكل موضوعي، أو من ناحية الابتعاد عن لغة الحوار الهشة، التي لا تضيف للمجتمع بقدر ما تشوه صورته.
 
ثانيا-التحول السياسي وعملية تدوير النخبة:
 
أكد المشاركون أن دور النخبة يظهر جلياً في عملية الانتقال السياسي، وليس شرطاً عقب الثورات والمظاهرات والانتفاضات فحسب، حيث تلعب النخبة دورا ما في العلاقة ما بين السلطة والمجتمع. فخلال عملية الانتقال السياسي، ينتقل دور المؤسسات للأفراد – أى النخبة- لأن المؤسسات تقابل بالرفض من الشعب، وهنا تقوم النخبة بحلقة وصل بينهما. 
 
وفيما يتعلق بعملية "تدوير النخبة" وآليات ذلك، أوضح عبد ربه أن هناك آليات ثابتة لتغيير النخبة فى الدول الديمقراطية، سواء أكانت سياسية، أم اقتصادية، أم غيرها، وذلك من خلال النظام الحزبي أو الانتخابات، حتى لا تتحول النخبة إلى موقع سلطوي.
 
 أما فى الدول الأقل ديمقراطية، فألمح المتحدث إلى  أنه عادة ما تكون الآلية المتاحة لتغيير النخبة ضعيفة، لأن أى شخص يشغل منصبا لفترة كبيرة يصبح مقاوما لعملية التغيير، وتتم هذه العملية فى تلك الدول، من خلال القيام بالثورات، التي تطالب بثلاثة مطالب أساسية، أولها: تبديل النخبة، وثانيها: تغيير قواعد الانضمام للنخبة، وآخرها: أن تتسم النخبة الجديدة بسمات مغايرة للقديمة. وذكر المشاركون أن النخبة أحد الفواعل الرئيسية في حدوث ثورات الربيع العربي، التي غيرت ملامح المجتمعات والشعوب، فقد كانت الكتابات الصحفية والأكاديمية تظهر مساوئ الأنظمة الحاكمة بصورة جلية.
 
ثالثا- دور النخب الإلكترونية في توجيه مسارات الشباب:
 
أكد المشاركون أن النخبة المصرية بجميع توجهاتها دعمت التحركات الثورية، حتى سقط مبارك،    وأن  الإعلام كان في تلك المرحلة يقوم بدوره قدر المستطاع لعرض جميع وجهات النظر، وإتاحة المساحة المتساوية لجميع التيارات. ولكن مع ازدياد التباين بين الفصائل، ظهر جلياً انحسار الإعلام لطرف على حساب الآخر.  
 
وأشار المشاركون إلى أن ترنح النخبة السياسية كان واضحاً تلك الفترة، وازداد وضوحاً بعدها، مما أفقد الجماهير ثقتها فى تلك النخبة، التي من المفترض أن تتحكم فى زمام أمورها، وهذا مرتبط بالتغيرات الاجتماعية التي وقعت بعد الثورة، وحالة الحراك غير المسبوقة، وسقوط العديد من الرموز، مما جعل آراءهم غير قابلة للتصديق. وكان التشكيك والتخوين أحد الملامح المميزة لتعامل المواطنين مع النخبة فى تلك الفترة، مما جعل النخبة تتخلى عن مواقفها التي تتبناها لتنحاز إلى رأى الجمهور، حتى وإن كان خطأ. وبالتالي، بدأ العمود الفقري لجسم المجتمع تتفكك مفاصله، وتحول الأمر لفكرة الظهور فى وسائل الإعلام، وظهر أشخاص يتحدثون بلغة المواطنين، حتى وإن كان حديثهم هشا، ولا يستند إلى وثائق.
 
وتطرق المشاركون  إلى حكومات ما بعد الثورة، مشيرين إلى أن بعض الأشخاص ما إن ينضموا للحكومة، حتى يقبلوا بقواعد اللعبة السياسية، رغم أن موقفهم عندما كانوا في صفوف الجماهير مختلفا تماماً. إلا أن البعض يرى أنه عندما يتولى منصبا رسميا، فإنه يرى الأمور من وجهة نظر الحاكم، ولكن لابد من عدم التخلي عن المبادئ، والموازنة بينها. وهذه مشكلة واجهتنا على مسار الحكومات المتعاقبة منذ الثورة، بداية من حكومة عصام شرف إلى حكومة الببلاوى، حيث يرتفع سقف تطلعات الرأي العام.
 
وأضاف المشاركون أن جميع حكومات بعد الثورة كان بينها قاسم مشترك، ألا وهو وجود شخصيات أمنية، بما فيها حكومة قنديل، إما وزراء، أو صناع قرار في النظام القديم. لذا، كان ينبغي التمييز بين النخبة الجديدة والقديمة، فقد ظهرت أوجه جديدة فى الإعلام عقب ثورة يناير.
 
وفى سياق متصل، أشار  المشاركون إلى نجاح الهياكل الإدارية للدولة المصرية فى فرض سياق معين على من يتولون مناصب حكومية. فبمجرد أن البعض يتولى المنصب، حتى يتخلى عن شعاراته، تعقبها التصريحات الأمنية، والحديث عن مؤامرة، وضرورة فرض إجراءات استثنائية من الواجب تقبلها، وكان الدكتور عصام شرف مثالاً لذلك.
 
 كما تطرق المشاركون إلى دور "النخبة الإلكترونية"، التي كان لديها القدرة على توجيه مسار طاقات الشباب في اتجاه معين، فقد كان لها تأثير بالغ الأهمية في إحداث الثورة واستمرارها. وبما أن الحماس يغلب على العقل عند الشباب، فقد كان هذا الدور الذي من المفترض أن تقوم به النخبة، بحسبانها الأكثر وعياً ورشادة، وأعمق رؤية لمسار الأحداث وتطورها.
 
وألمح المشاركون أيضا إلى دور "الإعلام الجديد"، مؤكدين أن الشبكات الاجتماعية استطاعت أن تترجم حالات السخط الشعبي والجماهيري على الأنظمة الحاكمة، من التواصل إلى الاحتجاجات. وأيضاً، استطاعت أن تلعب دور الإعلام البديل بنجاح، من خلال توفيرها وسائل سهلة وسريعة من أجل التبادل الحر للمعلومات والآراء.
 
وأخيرا، اتفق المشاركون على تحمل النخبة جزءا كبيرا من عدم التحول الديمقراطي، لأنه ليس هناك مشروع حقيقي لإدارة الدولة، فالنخبة القائمة غير قادرة على إحداث حراك حقيقى فى المجتمع. فلا يمكن للدور الإعلامي أن يتم بفاعلية إلا فى ظل نخبة تفسر وتحلل المشهد القائم. إلا أن حالة الثورة المصرية كان لها قدر كبير من الخصوصية، والتفرد فى التعامل مع موضوع النخبة، وإفساح المجال الإعلامي لها.

رابط دائم: