ضرورات ملحة:| "مؤتمر" رؤية المجتمع المدنى لمتطلبات الدول العصرية فى الدستور الجديد
10-10-2013

أحمد خميس كامل
* مدرس مساعد علوم سياسية، جامعة حلوان
  فى ظل الرؤى المتعددة لمختلف القوى السياسية في الشارع المصرى عن متطلبات دولة ما بعد 30 يونيو في الدستور المصري الجديد، نظمت الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، (منتدى حوار الثقافات)، مؤتمرا حول "المجتمع المدني ودوره فى تطوير فلسفة الدستور". وقد شهد المؤتمر حضور لفيف من الشخصيات السياسية والمجتمع المدنى، من أبرزهم الدكتور علي السلمي، نائب رئيس الوزراء الأسبق، والمستشار محمود الخضيري، رئيس اللجنة التشريعية فى مجلس الشعب المنحل، وجورج إسحاق، الناشط السياسي، وحافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
 
 افتتحت المؤتمر الدكتورة مرفت أخنوخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية،  والتى رحبت بالحضور، وأكدت دور الهيئة وأقدميتها فى خدمة المجتمع المصري منذ قرابة ستين عاما. وأضافت أن الدستور عماد الحياة فى المجتمع،  ويجب أن يعبر عن ثورة 30 يونيو المجيدة.
 
وأكد  الدكتور القس أندريه زكى، مدير عام الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، ضرورة تغيير المواد الدستورية والمفاهيم التى تُهمش وتُفقر أي فئة من فئات المجتمع المصري، وفق خريطة الطريق 3 يوليو الماضي، لتحقيق أحلام المصريين. وعبر عن رأيه فى العديد من المواد فى مسودة الدستور، وأكد تأييده المادة الثانية  من الدستور، بينما يرى عدم ضرورة المادة الثانية الخاصة بشرائع المسيحيين واليهود. ويرفض إعطاء الحق لأية جهة دينية فى تفسير الدستور، وأن هذا حق أصيل للمحكمة الدستورية العليا، بما يؤكد مدنية الدولة، ومواد تتعلق بالحريات والمرأة والطفولة. وأضاف أن جوهر الديمقراطية يتمثل فى قدرة الأغلبية على استيعاب الأقلية. 
 
أولا- رؤية المجتمع المدني للمبادئ الأساسية للدولة العصرية
 
تحدث الدكتور علي السلمي عن وثيقة التحالف الديمقراطي الذي وصفه بأنه كان تحالفا سياسيا بالأساس، وليس تحالفا انتخابيا، وأن دستور 2012 حُمل بأخطاء الأحزاب الدينية. وأكد رفض حزب النور للدولة المدنية، مشيرا إلى خطاب الدكتور سعد الكتاتنى إلى الدكتور يحيى الجمل، نائب رئيس الوزراء آنذاك، والذى تحدث فيه عن المبادئ الحاكمة، ليعد أول من تحدث عن وضع مبادئ حاكمة لعملية وضع الدستور، ثم انشغلوا بالانتخابات البرلمانية.  
 
 وتحدث السلمي عن عدة مبادئ، أبرزها أن الدولة المصرية ليست مقطوعة الصلة بالدين، وأن القيم الدينية أساس التنمية المجتمعية، على أن يكون الدستور الجديد هو المرجعية والحكم بين السلطات . وأضاف أنه لا بد من الإقرار بمبدأ اللامركزية، ومنح اختصاصات الرقابة والمساءلة للمجالس المحلية المنتخبة.
 
وتحدث حافظ أبو سعدة عن  أهمية الإعلان العالمي لحقوق الانسان، وأن حكم المؤسسات مقدم على حكم الجماعة "الإخوان المسلمين".  وأشار إلى بناء دولة ديمقراطية تقوم على التعددية، والتنوع، ودولة حقوق الإنسان، والتوزان بين السلطات.
 
وأضاف أبو سعدة أن دستور 2012 خال تماما من حقوق الإنسان، مشيرا  إلى ضرورة النص على المواثيق الدولية التى صدقت عليها مصر فى دستور مصر بعد ثورة 30 يونيو.
 
 وأشار أبوسعدة إلى التزام الدولة، أو السلطة التنفيذية، باحترام حقوق الإنسان، والتزام السلطة التشريعية بالمبادئ الأساسية الدولية لحقوق الإنسان، وضرورة النص على الحق فى إقامة الشعائر الدينية، ودور العبادة، وحق الاعتقاد، وحق المجتمع المدنى فى الإشهار بالإخطار، وفق معياري الشفافية والمساءلة، وحرية الرأي والتعبير،  وحق التظاهر السلمي، ولا بد من إجراء انتخابات حرة ونزيهة ودورية، والتى يجب أن تكون فى قلب دستور مصر بعد ثورة 30 يونيو، على أن يتمتع بها الحكام والمحكومون.
 
 ثانيا- شروط كتابة المبادئ الرئيسية في الدستور الجديد:
 
 أشار المفكر السياسي سمير مرقس إلى ثلاثة أنواع للدساتير، أولها: دستور الحركة الوطنية الذي يعبر عن  الوطن كدستور 1923، والثاني: دستور الحاكم بالأمر، دستور 1971، والثالث: دستور الغلبة، إذ يعطي تيار سياسي نفسه الحق في كتابة الدستور،  كما كان الحال في دستور 2012.
 
وقد أبدى مرقس العديد من الملاحظات على عدة مواد فى دستور 2012 خاصة المادتين 43 و47، وغياب فكرة النموذج التنموي للدولة، والبعد الثقافي للدولة المصرية، وقضايا التعليم، والصحة، والحديث عن منظومة الحقوق الجديدة كالحقوق الرقمية مثلا، وحقوق الملكية الفكرية، وحقوق المعاقين، وزرع الأعضاء. وأخيرا، انعكاس 25 يناير على الدستور المقترح،  وضرورة تعريف الهوية الوطنية المصرية والاقتصادية فى قلبها، والمجتمع المدني.
 
وأضاف الكاتب الصحفي حسين عبد الرازق أن الدساتير الديمقراطية لا تعرف، ولا تذكر هوية دينية للدولة، ولا تحتاج إلى نص، بخلاف الحال فى مصر. وأكد أن لجنة المقومات الأساسية للمجتمع قد أقرت العديد من المواد، منها المادتان الأولى والثالثة.
 
 وأكد محمد عبد العزيز، عضو حركة تمرد، أن ثورة يناير سُرقت من سلطات مستبدة بحكم القوة الدينية، فى قلبها جماعة الإخوان المسلمين، وفشلهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية. وتحدث عن الملكية العامة، والخاصة، والتعاونية التى يجب أن يرعاها الدستور رعاية كاملة، مشيرا إلى أن فلسفة الدستور الجديد هى  العيش، والحرية، والكرامة الإنسانية، والاستقلال الوطني، وأن التعديل يعتمد على الدساتير المصرية والدساتير المقارنة، وسيختلف كلية عن دستور 2012 من حيث الموضوع، وليس من حيث الشكل، وفق نص القرار الجمهوري بتشكيل لجنة الخمسين.
 
 ثالثا- متطلبات الإصلاح المؤسسي بعد المرحلة الانتقالية
 
  أشار الدكتور هاني سري  إلى تقرير الأمم المتحدة والبرنامج الإنمائي للدول العربية 2011، محددا 14 نقطة لتجاوز المرحلة الانتقالية لتجنب الأخطاء،  وأهمها: التركيز على نقاط الاختلاف أكثر من نقاط الاتفاق، والمصالحة. ويرى أن الالتزام بخريطة الطريق هى البداية للمصالحة، على أن تبدأ بالتعديلات الدستورية.
 
  وأكد سري الدين أن المقومات الاقتصادية فى الدستور من الأمور المسكوت عنها، فضلا عن أننا من أسوأ دول العالم فى التنافسية فى التعليم. ومن ثم، لا بد من البدء بإصلاح قطاعي التعليم والاقتصاد. وقد أبدى العديد من القصور فى الدستور، فالدستور لا يعالج كافة القضايا، وإنما يضع المبادئ العامة والنظام، وهو وثيقة سياسية قانونية، لذا لابد أن تكون منضبطة، وليست نصوصا أدبية. وعلى سبيل المثال، المادة 23 غير منضبطة وعمومية الصياغة، والمادة 24 التى تحدثت عن بعض القطاعات الاقتصادية المحددة وتركت أخرى، والمادة 33 المتعلقة بالادخار غير منضبطة أيضا. وأخيرا، النص المتعلق بفرض الضرائب التصاعدية لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن نُص عليها في الدستور لوجود بعض الضرائب غير المتصاعدة كضرائب المبيعات، والمضاربة فى البورصة.
 
وأكد الدكتور وحيد عبد المجيد السعي لترميم البناء الدستوري فى مجمل التاريخ الدستوري المصري، خاصة بعد كارثة دستور 2012.  ومن ثم، نحن فى حاجة لوضع دستور يعبر عن الواقع الفعلي، خاصة أن الدستور يستمد شعبيته من ثقافة دستورية لدى المواطنين، وأن دساتير الغرف المغلقة لا علاقة للشعب فى معظمها بها، مهما حسنت النوايا، خاصة إن كان نبض المجتمع بعيدا وغير معنى بالدستور. وقصد عبد المجيد بإصلاح المؤسسات الدستورية أمرين: إعادة صياغة العلاقة بين بعض المؤسسات الدستورية، وإعادة بناء بعضها الآخر.   
 
 وأكد المستشار محمود الخضيري أن البدء بالانتخابات البرلمان، ثم انتخابات الرئاسية، ثم الدستور اتجاه خاطئ، وأن الأصح ما يتم الآن من البدء بالدستور أولا، إذ يعبر عن الهيكل العظمي للدولة. وتعجب من الحديث عن الهوية فى مصر، ويرى أنها تتم مع الدول الحديثة وليست الدولة القديمة جدا كمصر.
 
 وأشار الخضيري إلى أن إحساس التفرقة سيؤذى الجميع، واقترح لذلك الأخذ بقاعدة المساواة التى تتفق مع الأصول القانونية والدستورية، وشيوع فكرة التوريث التى كان من بين أسبابها تشجيع الناس على عدم الموضوعية فى الاختيار، وقد نال ذلك كافة المؤسسات، بما فيها مؤسسة القضاء، بما يعبر عن مدى ضياع المصالح العامة.  واقترح الخضيري وضع قواعد عامة مجردة لكافة العاملين فى الدولة، على أن يتم ذلك على أساس الكفاءة. 
 
وفى ختام أعمال المؤتمر، أكدت الهيئة القبطية الإنجيلية أنها ستعد كافة المقترحات والتوصيات التي ذكرت علي مدى اليومين، وترسلها إلى لجنة الخمسين لتعبر عن وجهة نظر المجتمع المدني فى الدستور.

رابط دائم: