ضغوطات متبادلة:|مآلات الأزمة المصرية بعد فض اعتصامات الإخوان
28-8-2013

نوران شفيق علي
* معيدة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية،‮ ‬جامعة القاهرة‮.

15 أغسطس 2013

تشهد مصر حالة من الاضطراب الأمني والسياسي بعد أن قامت قوات الأمن صباح الأربعاء 14 أغسطس 2013 بتنفيذ قرار فض اعتصام مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي في ميداني رابعة والنهضة، وهو القرار الذي تم تأجيله لفترة طويلة، وتخوف الكثير من المحللين والسياسيين من تداعياته، واختلفوا حول تقييم فعاليته. ولكن بطبيعة الحال، لم يكن هذا القرار ليمر دون أن يزيد من تعقد الأوضاع على الساحة الداخلية بغض النظر عن كيفية تقييمه، ودون أن يُحدث مجموعة من الآثار التي من شأنها أن تغير من ملامح المشهد السياسي في مصر، والقواعد الحاكمة له، والفواعل التي من المتوقع أن تلعب الدور الرئيسي فيه.

تداعيات فض الاعتصام

أسفرت عمليات فض الاعتصام في ميداني رابعة العدوية والنهضة عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى من صفوف مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي، فضلا عن سقوط ضحايا من رجال الشرطة، غير أن ثمة مجموعة من التداعيات الأمنية والسياسية برزت إثر عملية فض الاعتصام وأبرزها:

- توسيع دائرة الاضطرابات الأمنية، إذ تمت مهاجمة عدد كبير من أقسام الشرطة على مستوى الجمهورية عقب بدء الفض، وتم استهداف الكثير من المنشآت العامة، والمرافق، والكنائس.

وعلى الرغم من نجاح قوات الأمن في فض الاعتصامين، فإن الاشتباكات لم تقتصر فقط على ميداني النهضة ورابعة، وإنما تجددت في أماكن أخرى في مختلف المحافظات. وترتب على ذلك صدور قرار من مجلس الوزراء يقضي بفرض قانون الطوارئ لمدة شهر، وفرض حظر التجوال في 14 محافظة.

- تزايد الضغوط الدولية، إذ نتج عن فض الاعتصام موجة من الرفض الدولي، والإدانة لقرار الحكومة باستخدام القوة وإعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال، فقد قالت وزارة الخارجية الأمريكية انها ستراجع المساعدة لمصر "بكل الاشكال" بعدما الغى الرئيس باراك اوباما خططا لمناورات عسكرية مقررة مع الجيش المصري الذي تقدم له واشنطن مساعدات سنوية بقيمة 1.3 مليار دولار، كما قال اوباما "تندد الولايات المتحدة بشدة بالخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية المؤقتة وقوات الامن." أضف إلى ذلك ، ازدياد التوتر بين القاهرة وأنقره ، بعدما استدعت تركيا سفيرها لدى القاهرة للتشاور بعد الادانة القوية من انقرة لما اعتبرته قمعا لاعتصامات الإخوان، وهو ما ردت عليه القاهرة باجراء مضاد باستدعاء السفير المصري في تركيا للتشاور.

- بروز خلافات بين القوى السياسية داخليا، خاصة بعد تقديم دكتور محمد البرادعي نائب الرئيس الانتقالي استقالته احتجاجًا على استخدام القوة ضد المؤيدين، وهو الموقف الذي تبرأت منه جبهة الإنقاذ، وقالت إنه لا يمثلها، وأنها تدعم قرار الحكومة دعمًا كاملا. كما وجهت العديد من الانتقادات لهذه الاستقالة من قبل مؤيدي الفض، وذلك لأن من شأنها أن تحرج الحكومة دوليًّا، وتدعم موقف الإخوان في توقيت حرج. في الوقت نفسه ، أدانت القوى الإسلامية كحزب النور، وحزب مصر القوية، والجماعة الإسلامية، وتحالف دعم الشرعية وغيرها، استخدام ما وصفته "بالعنف المفرط ضد المعتصمين السلميين"، في المقابل بدا أن  القوى السياسية المؤيدة لـ30 يونيو أكثر تماسكا بتأييد التيار الشعبي وجبهة الانقاذ وحركة تمرد لاجراءات فض الاعتصام.

تحديات ومآلات ما بعد فض الاعتصام

بغض النظر عن تقييم قرار فض الاعتصام، وما إذا كان هو الخيار الوحيد أمام الحكومة أم كان من الممكن تجنبه؟ فلا يمكن تجاهل ما سيترتب على هذا القرار من آثار على المديين القصير والبعيد. فحتى وإن نجح الفض بشكل كامل، فإن تحقق هذا الهدف لن يمثل في حد ذاته عبورًا آمنًا من الأزمة التي تشهدها مصر. فسيناريوهات النجاح أو الفشل تحوي في طياتها مجموعة من التحديات التي ستواجه النظام المصري في إدارة المرحلة الانتقالية، والخروج بالبلاد من دائرة الخطر.

-الأوضاع الأمنية، لن يكون من السهل السيطرة على الوضع الأمني، وعودة الاستقرار داخليًّا في الفترة القادمة. فحتى وإن نجحت قوات الشرطة في فض الاعتصامين الرئيسيين في ميداني النهضة ورابعة تمامًا، والقبض على عدد كبير من القيادات المحركة لجموع المعتصمين وملاحقتهم، فمن غير المتوقع أن ينتهي الأمر عند هذا الحد.

فإن اقتصرت المواجهات في الأيام الأولى لفض الاعتصام على مؤيدي مرسي من جماعة الإخوان، إلى جانب مجموعة من المتعاطفين معهم، وعدد من أعضاء الجماعات الدينية الأخرى، فقد يؤدي ما حدث إلى اتساع دائرة العنف لتشمل قوى وجماعات إسلامية أخرى في مختلف المحافظات، ليس في صورة مشاركة فردية للأعضاء، وإنما بصورة تنظيمية. ففض الاعتصام بالقوة سيعزز من رؤية القوى الإسلامية للصراع الدائر على أنه صراع وجودي وليس مجرد صراع سياسي، وأنها إن رضخت لقوات الأمن فستكون بذلك تكتب السطور الأخيرة لنهايتها.ومن ثم، من الممكن أن تواجه الحكومة تحديين أمنيين رئيسيين في الفترة القادمة:

تجدد الاعتصامات في أماكن وميادين أخرى على مستوى الجمهورية. وهو ما حدث بالفعل بعد أن قامت مجموعة من المؤيدين بالاعتصام أمام مسجد الإيمان في مدينة نصر في اليوم التالي لفض الاعتصام، واحتشاد البعض في مصطفى محمود في المهندسين، ومحاولتهم تشكيل بؤر بديلة لاستمرار اعتصامهم. ومن شأن ذلك أن يزيد من تأزم الموقف، وخاصة بعد إعلان وزير الداخلية أن الحكومة لن تسمح بوجود أي اعتصام آخر في أي ميدان. ولذا، قد تشهد مصر في الفترة القادمة اشتباكات ومواجهات متكررة بين قوات الأمن والمعتصمين في ميادين ومناطق عدة على مستوى الجمهورية وخاصة القاهرة، سيترتب عليها إنهاك قوة رجال الأمن، وسقوط عدد أكبر من الضحايا والمصابين، وما يصاحب ذلك من إرباك للحكومة في التعامل مع الموقف.

التحدي الآخر الذي قد تواجهه الحكومة وقوات الأمن هو استمرار الهجمات على المنشآت العامة، والأقسام، والمؤسسات الحكومية. فنتيجة غضب القوى الإسلامية واستثارتها من عملية فض الاعتصام، من الممكن أن تتسع دوائر الهجمات، بحيث تشمل عددًا أكبر من المحافظات، وتتزايد حدتها نتيجة تنوع هوية القائمين بها.

ولكن يبقى احتمال تهدئة الأوضاع على المدى البعيد قائمًا. ففض الاعتصام جاء بعد أن تضاءلت درجة التعاطف المجتمعي مع الإخوان نتيجة طول مدة الاعتصام، وتعطيله لحياة المواطنين، وما تردد من معلومات عن الأسلحة الموجودة بحوزة الموجودين داخله، وقيامهم بمهاجمة بعض الوزارات، إلى آخره. فلولا هذه المعطيات كان من الممكن أن يكون لفض الاعتصام تداعيات أكثر تعقيدًا إذا ما اعترض جزء كبير من المواطنين عليه. غير أن القرار أتى في ظل تأييدٍ من قبل عدد كبير من المواطنين، وهو ما يقلل من إمكانية نجاح استراتيجيات الإخوان في المواجهة في الأيام القادمة، بسبب محدودية القاعدة المؤيدة لهم داخليًّا.

كما أن استخدام القوة في فض الاعتصام قد ينتج عنه انخفاض في أعداد المتظاهرين، بحيث تقتصر على أعضاء الجماعة والجماعات الدينية الأخرى من أصحاب المصلحة المباشرة في التظاهر، في حين يحجم المتعاطفون عن النزول أو محاولة الاعتصام مجددًا نظرًا لما يحيط بذلك من مخاطر قد تودي بحياتهم. ومن ثم، يتخوف البعض من النزول، ويدرك مؤيدو مرسي أنهم لن يستطيعوا الانتصار على قوات الأمن مع طول فترة الاشتباكات، ومن ثم يحجمون عن المواجهة، حرصًا على بقائهم في المشهد السياسي، وبخاصة إذا ما زاد الرفض المجتمعي لما قد يستخدمونه من عنف في المواجهات.

وعليه، فيمكن القول بأن التحدي الأمني سيكون من أبرز ما تواجهه الحكومة من تحديات في الفترة القادمة، وقد لا تستطيع إعادة الاستقرار للأوضاع الداخلية على المدى القصير. ولكن إذا ما تم التعامل بقدر من الرشادة مع تحركات مؤيدي مرسي، بحيث لا تفقد الحكومة التأييد المجتمعي، وفي نفس الوقت تفقد الهجمات العنيفة جدواها بحيث تصبح استراتيجية خاسرة من وجهة نظر الإسلاميين، من الممكن أن يهدئ ذلك من الحالة الأمنية على المدى البعيد.

- تحدي إدارة المرحلة الانتقالية، حيث تواجه مصر بعد عزل مرسي مجموعة من التحديات لإدارة المرحلة الانتقالية واستعادة الاستقرار للحياة السياسية، وضمان ديمقراطية العملية السياسية. ويأتي في مقدمة هذه التحديات ذلك المتعلق بكيفية إدماج كافة القوى في العملية السياسية، وعلى رأسها القوى الإسلامية، وبخاصة جماعة الإخوان. وتجلت مظاهر صعوبة تحقيق التوافق السياسي ما بين كافة الأطراف في تشكيل الحكومة، واعتراض حزب النور على ترشيحات رئاسة الوزراء، وفي تشكيل لجنة الـ50 لتعديل الدستور، والتي اعترض أيضًا حزب النور على معايير اختيار أعضائها.

إلا أن مآلات فض الاعتصام قد لا تقتصر فقط على خروج جماعة الإخوان من المشهد السياسي، بل من الممكن أن تؤدي إلى إحجام القوى الإسلامية الأخرى أيضًا عن المشاركة في إدارة المرحلة الانتقالية. إذ أجمعت كافة القوى الإسلامية من بينها حزب النور، والجماعة الإسلامية، وتحالف دعم الشرعية، وحزب مصر القوية، على إدانة فض الاعتصام بالقوة. حيث طالب المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح على سبيل المثال بمحاكمة وزارة الببلاوي، ووصف ما حدث بالمجزرة، كما أعلن تحالف دعم الشرعية "الاستنفار العام"، وأعربت القوى الأخرى عن نيتها حشد مؤيديها، والتظاهر ضد الحكومة.

ومن ثم، لم يعد التحدي هو فقط في إدماج الإخوان في العملية السياسية، بل أصبح أيضًا في كيفية ضمان مشاركة القوى الإسلامية قاطبة في إدارة المرحلة. كما أن استمرار المواجهات ما بين قوات الأمن وجماعة الإخوان سيزيد من حدة الاستقطاب بين مؤيديهم ومعارضيهم. فمع تزايد الاشتباكات، يزداد المؤيدون تعاطفًا، ويزداد المعارضون رفضًا في أن يكون للجماعة أي دور في العملية السياسية في الفترة القادمة.

وفي ظل انقسام مجتمعي، واستقطاب سياسي، ورؤية جزء كبير من أفراد المجتمع للإخوان على أنهم جماعة إرهابية تهدد أمن الوطن، واعتراض القوى الإسلامية على القرارات الحكومية، ومطالبتهم لها بالاستقالة، وبعد استقالة الدكتور البرادعي أحد أبرز رموز القوى الليبرالية احتجاجًا على قرار الفض؛ يصبح تحقيق التوافق السياسي لإدارة مرحلة انتقالية تحقق قدرًا من الاستقرار السياسي أمرًا بعيد المنال.

وعليه، قد يتأخر تشكيل لجنة وضع الدستور وتحديد موعد للانتخابات، وتطول فترة المرحلة الانتقالية، مع استمرار الاحتقان السياسي، وتقويض الاضطرابات الأمنية آفاق التسوية السياسية على المدى القصير. ولكن كما هو الحال من الناحية الأمنية، يبقى الاستقرار السياسي وإمكانية التوصل إلى توافق جزئي متوقفًا على احتمالية فشل استراتيجيات الاعتصام والمواجهة مع قوات الأمن من قبل القوى الإسلامية، ومحدودية بدائل الحركة، واتساع دائرة الرفض المجتمعي لهم، بحيث تنتقل معركة البقاء من الشوارع والميادين إلى صناديق الانتخابات. فالقوى الإسلامية لم تزل تتمتع بقواعد انتخابية عريضة تستطيع الاعتماد عليها، وحشدها، لكي تضمن بقاءها في المشهد السياسي على المدى البعيد إذا ما فشلت آليات المواجهة الأخرى.

كما أن الحكومة قد تضطر لتقديم بعض التنازلات مع استمرار الضغوط الدولية، والتهديد بوقف المساعدات الاقتصادية، واتهام المجتمع الدولي لها بانتهاك حقوق الإنسان. فالمواقف الخارجية هي أحد أبرز عناصر قوة الإخوان ومؤيديهم، والتي من الممكن أن تحدث تغيرًا في المشهد السياسي إذا ما استمرت الضغوط لفترة طويلة. فإذا ما تحول الأمر إلى نزاع وضغوطات متبادلة بين طرفين أحدهما يتمتع بتعاطف دولي والآخر بشرعية داخلية، فسيدفع ذلك كلا منهما لتقديم بعض التنازلات التي قد تدفع نحو تسوية وإن كانت جزئية على المدى البعيد.


رابط دائم: