البراجماتية:|"الصعود المتدرج" للإسلاميين في الحياة السياسية الموريتانية
21-6-2012

أليكس ثورستون
* مرشح لنسل درجة الدكتوراه في الدراسات الدينية في جامعة نورث وسترن

عرض: شيريهان نشأت المنيري - باحثة متخصصة بمجال الدراسات الإعلامية والمعلوماتية

بدأ " أليكس ثورستون" دراسته حول الإسلاميين في موريتانيا بالقول إنهم أصبحوا قوة سياسية صاعدة لها مكانتها في موريتانيا، وبالأخص منذ ظهور الجمعيات الإسلامية في السبعينيات. وذكر أن هذا جلي فيما نراه حالياً - بشكل واضح - من خلال انتشار المساجد والجمعيات الإسلامية في "نواكشوط". ويرى أن إزالة القيود السياسية على الإسلاميين سمحت بالمشاركة في الانتخابات كمستقلين، ومن هنا أصبح "تواصل" أقوى حزب إسلامي في موريتانيا اليوم.

وترى الدارسة الصادرة عن مؤسسة كارنيجى للسلام الدولي والمعنونة بـ"الإسلاميون في موريتانيا" خلال العام 2012 أن الولايات المتحدة الأمريكية تجد ميزة في صعود الإسلاميين، حيث إن التيار الرئيسي للزعماء الإسلاميين يدين علناً هجمات "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" التي لا تزال الحكومة الموريتانية تحاربها منذ 2005. في حين تختلف وجهات نظر صناع القرار في الغرب بشأن مشاكل موريتانيا، حيث يعتقد البعض أن استعداد الجيش لمطاردة الإرهابيين، سواء على المستوى المحلي أو في جمهورية مالي المجاورة، يجعل البلاد شريكاً قوياً في جهود مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة. ولكن آخرين يخشون من أن الحياة السياسية المَضطربة في موريتانيا تجعلها أرضاً خصبة لتجنيد الإسلاميين المتطرفين.

وتشير الدراسة إلى أن المنظمات الإسلامية الموريتانية لا تهدد الولايات المتحدة حاليا، فالحركة الإسلامية التقليدية تبدو ملتزمة بالديمقراطية، وليس من المرجح أن تستولي على السلطة، سواء عن طريق استخدام العنف، أو في صناديق الاقتراع.

الإسلاميون كداعم للديمقراطية

يرى "ثورستون" أن الضغط الأمريكي على النظام الموريتاني لتجاوز المخاوف من الإسلاميين يمكن أن يؤجج المشاعر المعادية للغرب في أوساط الإسلاميين والسكان على حد سواء. وعن تداعيات الانتفاضات العربية التي بدأت في الظهور مع بدايات عام 2011 ، رأت الدراسة أنها قد تسهم في تغير الحياة السياسية في شمال إفريقيا، حيث يعتقد "ثورستون" أنهم سيقيمون على الأرجح صلات أقوى مع الإسلاميين في الجزائر وتونس وليبيا. مشيرا إلى أن الجمهورية الإسلامية الموريتانية عملت منذ وقت طويل على الاهتمام بهويتها العربية وطابعها الإسلامي وعلاقاتها مع الغرب. فالإسلاميون في موريتانيا يحبذون وسائل مختلفة لأسلمة الدولة والمجتمع.

أشارت الدراسة إلى أن التغيرات السياسية والديموغرافية التي يعود تاريخها إلى سبعينيات القرن الماضي هي التي أنعشت نمو الإسلام السياسي في موريتانيا. كما دفع الجفاف البدو الرحل للهجرة إلى المدن، مما أدى إلى زيادة عدد سكان المدن في موريتانيا من 8% من السكان في عام 1962 إلى 25% في عام 1975. وأدت عمليات تطوير المدن لظهور جمعيات مدنية جديدة، بما في ذلك أول تنظيم إسلامي في البلاد، وهى جماعة مقرها "نواكشوط" متعاطفة مع جماعة الإخوان المسلمين.

وأرجع "ثورستون" تقسيم الطبقة الناشئة حديثاً من القادة الإسلاميين في الجماعة الإسلامية، وظهور شبكة متنامية من المساجد والمنظمات السلفية في العاصمة، إلى تجارب الإسلاميين المبكرة في الحياة السياسية. وذكر أنه في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، مارس الناشطون السلفيون الذين تلقى بعضهم التدريب والتمويل من السعودية، أو غيرها من دول الخليج العربي، العمل الدعوي في المناطق الحضرية الفقيرة، ووزعوا الخطب المسجلة على أشرطة الكاسيت. كما رأى أن السياسة العرقية المعقدة أثرت في موريتانيا، وبالأخص في التضاريس التي يعمل فيها الإسلاميون.

وأشارت الدراسة إلى أن موريتانيا تقطن فيها ثلاث مجموعات عرقية رئيسية: البيضان"المغاربة البيض"، والذين يتحدثون اللغة العربية، و"الهراتين" أو "المغاربة السود"، والذين يتحدثون العربية أيضاً، والسكان السود غير الناطقين باللغة العربية، بما في ذلك الإثنيات. وقد تربع المغاربة البيض طويلاً، وهم المتحدون من الجماعات المالكة للرقيق. ولكن منذ أواخر السبعينيات، أصبح الموريتانيون غير البيض أكثر صراحة في مكافحة الرق والمطالبة بحصة من السلطة السياسية. وقد أدت عملية التحرير الاقتصادي، التي حث عليها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلى زيادة التفاوت الاجتماعي، الذي بدوره جعل بعض الجماعات، خاصة الشباب العاطلين عن العمل، تتعاطف مع التصريحات التي تقول إن من شأن أسلمة المجتمع أن تحل مشاكل البلاد.

أما في أوائل التسعينيات، وبعد سجل موريتانيا السيئ في مجال حقوق الإنسان ودعمها للرئيس العراقي السابق "صدام حسين" خلال حرب الخليج، فإن عزلتها الدولية تُضاف إلى قائمة المشاكل التي تعانيها. وتتحدث الدراسة عن قيام الحكومة بإجراء تغييرات جذرية في السياسة لاستعادة المساعدات الأمريكية والدعم الدولي. ومن المفارقات أن هذه التغييرات عززت شعبية الحركة الإسلامية.

ثم تناولت الدراسة لمحات من حياة القادة الإسلاميين الذين يجسدون اتجاهات عدة بين القادة الإسلاميين في البلاد، فهم حاصلون على التعليم الجامعي، ولهم علاقات قوية مع الدول الأجنبية، وإحساس حاد بالرمزية السياسية، وناجحون في استخدام وسائل الإعلام، ويرفضون استخدام العنف في خدمة القيم الإسلامية. وقد حققت المرأة وغير العرب أهمية داخل الحركة الإسلامية، وانتهج القادة البارزون أشكالاً مختلفة من النشاط السياسي.

حزب "تواصل" بين المعارضة والتأييد

كما أكدت الدراسة أن حزب "تواصل" هو أهم تنظيم إسلامي في موريتانيا اليوم، وهو حزب كبير معترف بهِ قانونياً، وإسلامي بشكل صريح يرتبط بالفرع الموريتاني لجماعة الإخوان المسلمين. فحزب "تواصل" ليس الحزب الإسلامي الوحيد في موريتانيا. فبالإضافة إلى حزب الفضيلة، هناك أحزاب صغيرة أخرى. وقد أدت المكاسب المتواضعة التي حققها "تواصل" في الانتخابات، وقدرته على كسب اهتمام وسائل الإعلام، ودفع الحوار السياسي، إلى جعلهِ أهم جماعة إسلامية في البلاد، ولاعباً في السياسة الموريتانية.

وطبقاً للدراسة، فإن الأيديولوجية الإسلامية لم تمنع "تواصل" من التصرف في بعض الأحيان بطريقة براجماتية ، مثل غيره من أحزاب المعارضة الموريتانية، والانتقال بين المواقف المؤيدة والمناهضة للنظام، وفقاً للضرورات السياسية الراهنة. فقد شملت مبادرات "تواصل" السياسة الرئيسية منذ 2010 استمرار النشاط المعادي لإسرائيل (مثل المشاركة في قافلة غزة)، ودعم زيادة استخدام اللغة العربية في التعليم العالي. وانضم حزب "تواصل" في يونيو 2011 إلى مجموعة من أحزاب المعارضة في الدعوة إلى حوار وطني حول قضايا مثل إصلاح قطاع الأمن، وحرية وسائل الإعلام. وقد كانت هذه الدعوة تهدف في جانب منها إلى الاستفادة من ثورة الشباب في البلاد، ولكن بقى حزب "تواصل" شريكاً محتملاً للرئيس. ومع ذلك، فإن الحكومة لم تتوقف عن سجن الإسلاميين، وخاب أمل بعض مؤيدي "تواصل"، عندما فشل في إحراز تقدم بشأن إسرائيل، وأهداف السياسات الأخرى.

ولا يزال الإسلاميون عرضة للهجوم والانتقاد، على الرغم من النجاحات السياسية التي حققوها. ولم يحقق "تواصل" حتى الآن مكانة حزبية كبيرة في موريتانيا، كما أن مكاسبه في الانتخابات لا تزال متواضعة. لكن بالمقارنة مع وضع الإسلاميين السياسي في التسعينيات، يمثل "تواصل" كحزب سياسي مرخص ومنظم، بصورة جيدة وذى بنية داخلية متطورة، تقدماً كبيراً.

ومن الجدير بالذكر أن الإسلاميين في موريتانيا لهم علاقات وثيقة مع الإسلاميين العرب الآخرين، حيث أقام الإسلاميون الموريتانيون علاقات وثيقة مع الحركات الإسلامية الأخرى، خاصة في منطقة الخليج العربي والجزائر. ومنذ انتخابات عام 2009، وقع الحزب اتفاقا مع حزب إسلامي جزائري رئيسي "حركة مجتمع السلم"، وقد جعلت العلاقات الخارجية للحزب منه وسيطاً مهماً في علاقات الدولة الموريتانية الخارجية مع العالم الإسلامي.

العرب والإسلام في موريتانيا

أما في سياق الربيع العربي والحرب الأهلية في ليبيا، فقد أشارت الدراسة إلى أن "تواصل" أصبح وسيلة للتعبير عن المشاعر المناهضة للقذافي بين العديد من الموريتانيين. كما أعلن "تواصل" دعمه للمحتجين المناهضين للنظام في سوريا، كما سيكون  تأثير الإسلاميين ضئيلاً، لكنه مهم بالنسبة لعلاقات موريتانيا مع جيرانها في شمال إفريقيا الجديدة. فعلاقاتهم مع الجزائر يمكن أن تعني أن ضعف ليبيا مكسب للجزائر. ولكن من المرجح أن يعزز الإسلاميون أيضاً علاقاتهم مع نظرائهِم الليبيين في ليبيا ما بعد القذافي. ويمكن أن تتحسن حظوظ الإسلام السياسي بشكل عام في شمال إفريقيا الجديدة، حيث سيكون الإسلاميون الموريتانيون في وضع يمكنهم من المساعدة في تشكيل هذا الاتجاه.  

وذكر "ثورستون" أن الخليج لا يزال مقصداً مهماً لإسلاميي موريتانيا، فالعديد من الدعاة والناشطين الموريتانيين، بمن فيهم سلفيون معروفون، مثل الشيخ "عبد الله بنبيه"، يقيمون في منطقة الخليج، ولكنهم يعودون إلى بلادهم بشكل منتظم، ويتصرفون بوصفهم حلقات اتصال شخصية مع الشبكة الإسلامية العالمية. وتؤوي  دولة الإمارات العربية المتحدة آلافاً عدة من الموريتانيين، حيث يعمل العشرات منهم أئمة وخطباء، وقضاة، وأساتذة جامعيين.

ولا يزال دعم الإسلاميين الموريتانيين للقضية الفلسطينية يسهم في تشكيل الحركة، كما أن روابط "تواصل" مع جماعة الإخوان المسلمين تجعله جزءاً من شبكة فضفاضة من الأحزاب الإسلامية في جميع أنحاء العالم العربي. وتشكل هذه الروابط مسارات للتبادل السياسي والثقافي، ولكن من غير المرجح أن تغذي التطرف الإسلامي.
الفكر الجهادي ومعارضة الإسلاميين التقليديين.

أشارت الدراسة إلى أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يعمل في جميع أنحاء الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا، وقد أعلن مسئوليته عن عمليات خطف ومحاولات خطف لغربيين في السنوات الأخيرة. ويؤكد الكاتب في دراسته أن الأغلبية الساحقة من الموريتانيين ترفض نسخة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من الإسلام. فعلى الرغم من اختلاف الإسلام السياسي المعتدل عن الفكر الجهادي، فإن الأنظمة الموريتانية خلطت أحياناً بين الاتجاهين في الماضي.

وقد رفض الإسلاميون التقليديون بحدة العنف بشكل عام، وعلى وجه الخصوص عنف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ومن المرجح أن وجود الأحزاب الإسلامية المرخصة والمنظمات الإسلامية والسلفية قد قلص انتشار الفكر الجهادي، من خلال تزويد الشباب الموريتانيين بوسائل غير عنيفة للتعبير عن الهوية الإسلامية المسيسة.

كما يرجح أن تكون إدانات الفكر الجهادي مؤثرة إلى حد ما في أوساط الشباب الموريتاني، فضلا عن أن الإسلاميين يواجهون ضغوطاً لانتقاد الجهاديين من دون استعداء المتعاطفين معه بشكل مفرط، والتعاون مع النظام، من دون أن يرتبطوا بهِ بشكل وثيق للغاية. فإذا ما اصطف الساسة الإسلاميون بشكل وثيق جداً مع النظام، فقد يفقدون مصداقيتهم كأصوات مستقلة.


رابط دائم: