تحولات مفاجئة:|دلالات صعود مرسي وشفيق لجولة الإعادة في السباق الرئاسي المصري
31-5-2012

محمد عبد الله يونس
* مدرس مساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة

الأثنين 28 مايو 2012

كشفت النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية المصرية عن تحولات مفاجئة في الخريطة السياسية المصرية؛ إذ اتسم المزاج التصويتي بالاستقطاب السياسي في انتخابات لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها حوالي 46.4% من إجمالي الناخبين. حيث تصدر مرشح جماعة الإخوان المسلمين د. محمد مرسي السباق الرئاسي بحوالي 5.7 مليون صوت، بنسبة 24.5% من إجمالي الأصوات الصحيحة، بفارق ضئيل عن الفريق أحمد شفيق؛ الذي حصل على 5.5 مليون صوت بنسبة 23.7%، وجاء في المرتبة الثالثة حمدين صباحي بإجمالي 4.8 مليون صوت بنسبة 20.7%. بينما احتل د. عبد المنعم أبو الفتوح المركز الرابع  بحصوله علي 4 ملايين و65 ألفا و239 صوتا  بنسبة 17.5%، وجاء عمرو موسي في المركز الخامس بحصوله على 2.6 مليون صوت بنسبة 11% تقريبا من إجمالي الأصوات الصحيحة .

وبهذه النتيجة يخوض كل من د. محمد مرسي والفريق أحمد شفيق جولة الإعادة، وهو ما يعتبر مخالفا لجميع التوقعات والاستطلاعات؛ التي تنبأت بوصول عمرو موسي أو د. عبد المنعم أبو الفتوح لجولة الإعادة. وتثير هذه التحولات في السلوك التصويتي للناخبين عدة تساؤلات حول أسباب تراجع تأييد القوى السياسية الإسلامية والثورية، في مقابل تصاعد تأييد المرشحين المنتمين للنظام السابق في ظل تأزم الأوضاع السياسية، واحتدام الصدام السياسي بين البرلمان؛ الذي تسيطر عليه التيارات الإسلامية والدولة العميقة بمؤسساتها العسكرية والبيروقراطية الداعمة للحفاظ على الوضع الراهن، والتصدي لمحاولات تغيير الركائز الأساسية للنظام السياسي، أو تحول توازنات القوى باتجاه تأسيس قواعد جديدة للعمل السياسي أو تكريس هيمنة تيار سياسي على الدولة، بما يهدد المصالح الحيوية لتلك المؤسسات.

أولاً: دلالات النتائج في الانتخابات الرئاسية:

تكشف القراءة الأولية للنتائج عن تغير جذري في السلوك التصويتي للمواطنين المصريين في الفترة الفاصلة بين الانتخابات البرلمانية، والانتخابات الرئاسية؛ التي لم تتجاوز أربعة أشهر، بما يعتبر انعكاسا لمناخ الاستقطاب السياسي السائد، وميل غالبية الناخبين لخيارات سياسية حدِّية، بعيدا عن مرشحي الوسط السياسي التوافقيين، فضلاً عن ارتفاع معدلات التصويت لمرشحي النظام السابق، وتمثلت معالم هذه التحولات فيما يلي:

1- تغير تركيبة الكتل التصويتية:

تراجع حجم الكتلة التصويتية للإخوان من حوالي 10 ملايين صوت حصل عليها حزب الحرية والعدالة في انتخابات مجلس الشعب، إلى حوالي 5.7 مليون صوت، كما تراجع مستوى التأييد للتيار السلفي وحزب الوسط الداعمين لعبد المنعم أبو الفتوح من حوالي 8.5 مليون صوت مجتمعين إلى 4 مليون صوت، بما يعكس تراجع مستوى تأييد التيارات الدينية برافديها الإخواني والسلفي، نتيجة للمخاوف السياسية لبعض المواطنين من إعادة إنتاج النظام السابق، والاحتكار السياسي للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وتغيير النظام القانوني والدستوري، باتجاه مزيد من القيود على تنظيم الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ومصادرة الحريات السياسية.

في المقابل، تشكلت كتلتان جديدتان؛ إحداهما تدعم رجال الدولة ذوي الخبرة السياسية، تمثلت فيمن اتجهوا للتصويت لكل من أحمد شفيق وعمرو موسي؛ حيث ضمت حوالي 8.1 مليون صوت، بما يمثل تغيرا جذريا عن الانتخابات البرلمانية؛ التي لم تتمكن خلالها الأحزاب التي شكلتها قيادات الحزب الوطني المحظور من تحقيق نتائج انتخابية ملحوظة؛ بسبب التصويت العقابي ضدهم، أما الكتلة الأخرى فتمثلت في داعمي التغيير الثوري على النمط اليساري القومي، والتي تمكن من الإفادة منها المرشح حمدين صباحي، بحصوله على 4.8 مليون صوت؛ ليحتل المركز الثالث، متفوقا على د. عبد المنعم أبو الفتوح؛ الذي توقعت غالبية استطلاعات الرأي أن يخوض جولة الإعادة كطرف أساس.

2- تغير الأنماط التصويتية لبعض المحافظات:

شهدت الانتخابات الرئاسية تراجع دعم الإخوان المسلمين في محافظات كانت توصف بأنها معاقل للجماعة، حيث حل الدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة، في مراكز متأخرة بمحافظات الشرقية والإسكندرية والغربية والسويس، على الرغم من حصول الحزب على أغلبية الأصوات بها، أثناء انتخابات مجلسي الشعب والشورى.

في المقابل، تصدر الفريق أحمد شفيق في المحافظات ذات الطابع السياحي مثل الأقصر، وفي المناطق ذات الكتل التصويتية الكبيرة للأقباط، مثل: أسيوط والمنيا، وفي بعض مناطق القاهرة والإسكندرية، كما نجح المرشح في تصدر الأصوات في محافظتي المنوفية والشرقية، بينما تمكن حمدين صباحي من التفوق في المحافظات الساحلية والقاهرة، خاصة في كفر الشيخ والإسكندرية والسويس ودمياط، بما يعكس تغير التوزيع الجغرافي لاتجاهات التصويت بصورة كبيرة، بعيدًا عن الاحتكار السياسي لتيار معين وباتجاه مساحة أكبر للتعددية السياسية.

3- احتدام التدافع بين ثنائية الديني والمدني:

كشفت الانتخابات عن تراجع نسبي لتأييد المرشحين الداعمين للمرجعية الدينية على اختلاف روافدها وتصورات تطبيقها، حيث لم يحصلوا سوى على 42% من الأصوات، في مقابل 58% أيدوا مرشحين أكدوا على تأييدهم لمدنية الدولة على مستوى التدافع بين مؤيدي الدولة ذات المرجعية الدينية والدولة المدنية، بمعنى أن مخاوف بعض قطاعات المجتمع من القيود؛ التي قد تفرض تحت شعار تطبيق الشريعة، دفعتهم للتصويت باتجاه التيار المدني برافديه الثوري والمحافظ.

4- تراجع محدود في دعم القوى الثورية:

فيما يتعلق بثنائية الثورة والاستقرار، فإن النتائج كشفت قدرا من التراجع في الدعم المجتمعي للتغيير الجذري الثوري، على الرغم من استمرار الكتلة التصويتية الداعمة للتيارات التي أفرزتها الثورة في المقدمة، حيث حاز المرشحون المنتمون للتيارات الثورية بمن فيهم مرشح جماعة الإخوان المسلمين على 66% من الأصوات، فيما نجح المرشحون المنتمون للنظام السابق والداعمون للاستقرار في الحصول على 34% من الأصوات تقريبا، بما يعكس تصاعدا نسبيا لدعم مرشحي النظام السابق ورجال الدولة ممن يتبنون مقولات الاستقرار السياسي والأمني.

ثانياً:- دلالات النتائج وأسباب التحولات التصويتية:

ترتبط نتائج الانتخابات الرئاسية بالمزاج الاستقطابي المسيطر على الناخبين بنهاية الفترة الانتقالية، وباصطدام ثورة الآمال والتوقعات اليوتوبية بالواقع السياسي والمجتمعي المعقد، فضلاً عن فقدان الرأي العام للثقة في الأحزاب السياسية باختلاف انتماءاتها وقدرتها على إنهاء الأزمات المحتدمة الأمنية والاقتصادية، بما دفعهم لخيارات حدية بعيدا عن مرشحي الوسط والمرشحين التوافقيين، ويمكن تفسير تراجع تأييد المرشحين الإسلاميين والثوريين بعدة عوامل أساسية:

1- تفتيت الأصوات:

حيث تشتتت أصوات داعمي التيار الإسلامي بين د. محمد مرسي ود. عبد المنعم أبو الفتوح، بينما تقاسم كل من صباحي وأبو الفتوح ومرسي أصوات داعمي الأحزاب والقوى السياسية الثورية، ونجح صباحي في حشد أصوات الاتجاهات الثورية الداعمة لمدنية الدولة، في حين حصل أبو الفتوح على أصوات الثوريين من داعمي التوافق الوطني والمرجعية الإسلامية الوسطية، واقتنص مرسي تأييد الثوريين المحافظين وداعمي التيار الإسلامي، بما أدى لتشتيت الكتلتين الكبريين في الانتخابات الرئاسية، وإتاحة الفرصة لأحمد شفيق لحشد الكتلة التصويتية لداعمي الاستقرار ومدنية الدولة لصالحه.

2- إحجام بعض التيارات عن حشد أنصارها:

أثرت الانقسامات داخل الكتلة السلفية حول دعم المرشح الرئاسي عبد المنعم أبو الفتوح على مستوى التصويت له في الانتخابات، حيث لم يتمكن حزب النور من حشد داعمي التيار السلفي وإقناعهم بـ"أبو الفتوح" ممثلاً عن التيار السلفي؛ بسبب توجهات المرشح التي تميل لدعم الليبرالية ومدنية الدولة وحقوق المواطنة، واعتبارها من دعائم الفهم الوسطي للشريعة الإسلامية. وفي السياق ذاته أثر التباس مواقف "أبو الفتوح" من قضايا عديدة مثل انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين وميله لإرضاء كافة الأطراف السياسية على قدرته على حشد كتلة تصويتية متماسكة لصالحه، وأدى إلى انصراف قطاعات واسعة من داعمي التيارات الثورية عن دعمه لصالح حمدين صباحي.

3- حشد أحمد شفيق للكتل التصويتية السائلة:

نجح الفريق أحمد شفيق في حشد تأييد عدد كبير من الكتل التصويتية السائلة غير المنتمية حزبيا بخطابه السياسي الواضح، حول استعادة الأمن والاستقرار السياسي، وتحفيز الاقتصاد، والتأكيد على مدنية الدولة، بما جعله المرشح المفضل لقطاعات واسعة من الأقباط، وبعض المحافظات الريفية، كما تمكن شفيق من الإفادة من النزعات العائلية والقبلية في بعض المحافظات، ومن المصالح الاقتصادية للمحافظات السياحية؛ التي تخشى فرض التيارات الإسلامية لقيود على النشاط السياحي.

4- التصويت العقابي:

يمكن تفسير تراجع التصويت للتيارات السياسية الإسلامية والثورية باتجاه بعض المواطنين لحشد أصواتهم ضد الأحزاب الحائزة على الأغلبية البرلمانية والمرشحين الثوريين، بالنظر إلى عدم رضائهم عن الأداء السياسي لمجلس الشعب، وفقدانه القدرة على حسم العديد من القضايا، لا سيما تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور عبر توافق وطني، أو تخفيف الأعباء الحياتية على المواطنين، على الرغم من أن تبعة التباطؤ في عمل مجلس الشعب ومحدودية الفاعلية لا تقع فحسب على مجلس الشعب، وإنما على السلطة التنفيذية ممثلةً في مجلس الوزراء والمجلس العسكري.

ويمكن القول: إن احتدام الصراعات السياسية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية جاءت بنتائج عكسية على مستوى التأييد الشعبي للأحزاب الرئيسة في مجلس الشعب.

5- دور الإعلام:

أدت المناظرات الإعلامية والبرامج الحوارية التي نظمتها القنوات الخاصة المملوكة لبعض رجال الأعمال، وأصحاب المصالح، إلى تغيير توجهات الرأي العام تجاه عدد كبير من المرشحين، لا سيما عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى، حيث جاءت انعكاسات المناظرة بينهما سلبية على تأييد كل منهما، ودفعت المترددين للجوء لمرشح بديل، وكان للنهج النخبوي المعقد لخطاب بعض المرشحين أثرٌ سلبيٌّ في فقدانهم مزيدًا من الأصوات، بينما تمكن شفيق من حشد التأييد بأطروحات سياسية مبسطة وغير معقدة، مبديًا عدم تأثره بالجدل السياسي حول ترشحه للرئاسة، والاتهامات التي وجهها خصومه إليه لتقليل حظوظه الانتخابية.

ثالثاً:- مآلات التنافس في جولة الإعادة:

لم تخرج القوي السياسية المختلفة من تأثير صدمة نتائج الجولة الأولى، ووصول كل من د. محمد مرسي والفريق أحمد شفيق لجولة الإعادة، على الرغم من أن مختلف التقديرات واستطلاعات الرأي لم تكن تضعهما في ترتيب متقدم، ومن المتوقع أن تشهد جولة الإعادة، ترتيب الكتل التصويتية، وتغير الخطاب السياسي لكل من مرسي وشفيق، بحيث يتبنى كلاهما خطابا توافقيا تصالحيا، حيث يقدم شفيق نفسه كرجل دولة داعم للمدنية؛ أولوياته استعادة الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي، في مقابل تبني مرسي لمفردات الخطاب الثوري التوافقي الداعم للمواطنة من منظور إسلامي معتدل.

ومن المتوقع أن يلجأ كل من شفيق ومرسي لتوسيع نطاق تحالفاتهما؛ لتعزيز فرص الإفادة من الأصوات التي حصل عليها نظراؤهما، حيث يتوقع أن يميل شفيق للتحالف مع عمرو موسى، وأن يضم إلى فريقه الرئاسي بعض الرموز الإسلامية، لا سيما من التيارين الصوفي والسلفي، وفي المقابل سيلجأ د. محمد مرسي للتفاوض مع كل من د. عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي؛ لتكوين تحالف رئاسي ثوري، وربما يتفاوض مع بعض الشخصيات العامة الليبرالية مثل د. محمد البرادعي، أو المرشح السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل، لتعزيز قاعدته الانتخابية التي لم تتجاوز 25% من أصوات الجولة الأولى.

ويمكن لمرسي أن يوسع من قاعدة تأييده بالاستناد لتوافق وطني واسع النطاق، إذا ما قدم تنازلات لمختلف التيارات حول المشاركة في تشكيل حكومة ائتلافية، بعد الانتخابات، وتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بصورة توافقية، فضلاً عن تقديم ضمانات حول حقوق المواطنة والحريات في عملية صياغة الدستور؛ ليضمن تبديد مخاوف داعمي مدنية الدولة، ويدفعهم للمشاركة في الانتخابات.

بينما يملك شفيق خيارات بديلة لتوسيع قاعدة تأييده، بالإضافة لتشكيل فريق رئاسي متنوع الانتماءات، وربما يضم بعض الرموز الثورية إلى جانبه، فضلاً عن التركيز على المواطنين المترددين ممن يطلق عليهم "الأغلبية الصامتة"، وحشدهم بشعارات استعادة الأمن والاستقرار، وتعزيز قوة الاقتصاد، اعتمادا على خلفيته العسكرية وعلاقاته الوطيدة مع رجال الأعمال والبيروقراطية.


رابط دائم: