الحراك الشعبي:| " ندوة " ملامح التحول الديمقراطي في النظام المغاربي الجديد
22-5-2012

د. محمد بوبوش
* ‬باحث في العلاقات الدولية، جامعة محمد الخامس، المغرب

مع هبوب رياح الربيع العربي، عرفت منطقة المغرب العربي تحركات مكثفة توحي بوجود رغبة حقيقية في بعث الروح في الجسد المغاربي الميت، وإعادته إلى الواجهة من جديد، بعد غياب دام سنوات بسبب فتور العلاقات الثنائية بين الدول الموقعة على اتفاقية مراكش سنة 1989، حيث شكلت تداعيات الربيع العربي الحجر الذي حرك مياه الاتحاد المغاربي الراكدة .ولتفسير هذه الرؤية، عقدت في رحاب مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة ندوة علمية في موضوع: "الحراك السياسي ومعالم النظام المغاربي الجديد"، وذلك يومي الأربعاء والخميس18 و 19 أبريل 2012، بمقر المركز-منار المعرفة- بتأطير نخبة من الباحثين المغاربيين، ومشاركة طلبة باحثين بسلكي الماستر والدكتوراه بكلية الحقوق.

أولا - مداخل بناء النظام المغاربي الجديد:

 وتميزت الندوة بافتتاح بكلمة الدكتور عبد الرحيم بودلال، مدير المركز، رحب فيها بالباحثين والحاضرين، ونوه في كلمته الافتتاحية بأهمية البحث في الشأن المغاربي، وضرورة تكرار مثل هذه المبادرات التي ستسهم ولا شك في تجميع المثقفين، وإرساء لبنات التضامن فيما بينهم، كما أشار إلى سياق الندوة وأهميتها. وفي الإطار نفسه، جاءت كلمة اللجنة المنظمة التي ألقاها الأستاذ سعيد هادف، مذكرا بالمشروع الذي تشتغل عليه وحدة الدراسات المغاربية، وارتباط هذه الندوة بالتحولات التي تعيشها المنطقة المغاربية ومحيطها الإقليمي.

تمحورت أشغال  الجلسة الأولى حول موضوع: "مداخل بناء النظام المغاربي الجديد"، أطر أولى مداخلاتها الباحث والأستاذ الجامعي إدريس لكريني (أستاذ العلاقات الدولية ومدير مجموعة الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات)، في موضوع "المدخل الديمقراطي لبناء الاتحاد المغاربي"، وقد استهل عرضه بتأكيد نجاعة وأهمية التكتل والشروط المؤسسة له، مشيرا إلى حالة التشرذم التي تحيق بالبلدان المغاربية، دون أن يغفل الذاكرة المغاربية في أهم محطاتها منذ لقاء القاهرة 1947، وهي محطات كانت تحمل هاجس الاستقلال المؤسس على الاتحاد. ورأى أن تكلفة الاستبداد في المنطقة المغاربية باهظة على المستويين: الداخلي عبر قمع الحريات والحقوق، وصدّ أي تغيير سياسي بنّاء، وإهدار الطاقات، وتعطيل مسار التنمية، أو الخارجي  المتمثل في تدهور النظام الإقليمي العربي، وتنامي التهديدات الخارجية والصراعات في عدد من البلدان العربية، وتأزّم المنظمات الإقليمية العربية. وقد رأى الوضعية المأزومة للاتحاد المغاربي نتاج غياب أرضية ديمقراطية صلبة؛ وغياب إرادة سياسية حقيقية تترجم إرادة الشعوب المغاربية وتوقها نحو التعاون والاندماج؛ على طريق بناء تكتل إقليمي عربي في منطقة استراتيجية مهمة. وفي عرضه المستفيض، خلص إلى القول إنه لامناص من إعمال إصلاحات سياسية ديمقراطية مبنية على الحوار والحرية وحقوق الإنسان، والانفتاح على المجتمع؛ لكونها ستهييّء الأجواء اللازمة لبناء الاتحاد المغاربي الذي يعد مطلبا اجتماعيا في كل أنحاء المنطقة.

ثانيا- البعد الديني ومسيرة التحول :

وقدم الورقة الثانية الدكتور عمران محمد عبد النبي (جامعة الزاوية بليبيا)، بعنوان "البعد الديني وأثره على مسيرة الاتحاد المغاربي"، وقد ركز في مداخلته على الحالة الليبية. وانطلاقا من البحث في مسألة الدين والدولة والإثنية كمجال يكتنفه الكثير من الصعوبة والجدل، قدم الباحث قراءة متأنية خرج من خلالها إلى جملة من الملاحظات، من ضمنها أن ثالوث (الدعوة، والقبيلة، والدولة) يمثل القانون المضمر، والسبب الخفي، والعقل الباطن الذي حرك التاريخ، ووجه مساره، ورسم غاياته، وجعل منه مسرحا تتصارع فيه قوى يطبعها التضاد والتحالف، وهذا ما جعل المسألة السياسية دائما جوهرية في الإسلام. وتبعا لذلك، تشكلت ملامح الوضع في ليبيا، التي رآها أرضا بكرا للدراسة والبحث. كما تحدث عن العامل الديني كموجه وضابط للسياسة المغاربية، باعتبار أن مختلف الأنطمة وظفت الدين كأيديولوجيا، وانعكس ذلك على صعوبة التحول من منظومة إلى أخرى، فكان الثمن مكلفا وباهظا.

الورقة الثالثة في موضوع: "الديمقراطية وحقوق الإنسان شرط الاندماج المغاربي" ناقش فيها الأستاذ  عفيف البوني (جامعة تونس) مشروع حركة التحرر المغاربية، وما سمعه شخصيا من بعض الشخصيات المغاربية من الرعيل الأول الذين أكدوا له أن الاستقلال كان مقرونا في مشروعهم التحرري بالاتحاد. وفي صدد حديثه عن التجارب الاتحادية التي عرفها العصر الحديث، وأسباب فشلها ونجاحها، خلص إلى القول إن شروط نجاح الاتحاد المغاربي تكمن في انتهاج الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

ثالثا- دور الاعلام والمجتمع المدني في المشهد السياسي :

الجلسة المسائية التي ترأستها الأستاذة يمينة هكو(جامعة محمد الأول بوجدة) تمحورت حول موضوع: "السياق العام للحراك المغاربي" وتضمنت خمس مداخلات، كانت أولاها في موضوع: "التعاطي الإعلامي مع الحراك وآفاق المشهد بدول المغرب العربي"، أطرها الدكتور محمد الإمام ماء العينين (جامعة محمد الأول بوجدة)، حيث تمحورت مداخلته حول الدور الفعال للإعلام البديل في نجاح الحراك الشعبي، من خلال الاستغلال الجيد لتكنولوجيا التواصل في نقل الأحداث، وتعبئة الرأي العام المحلي والعالمي، وربط الاتصالات بين مختلف الفاعلين. وفي مقاربته لمشهد الحراك المغاربي، أفرد الباحث فقرتين خاصتين بتونس وليبيا، بوصفهما البلدين اللذين عرفا مشهدا إعلاميا مطبوعا بالكثافة والإثارة والتنوع، سواء بالنسبة للإعلام الداعم للحراك، أو للإعلام الرسمي، بينما أجمل باقي البلدان في فقرة واحدة. بعد ذلك، أعطى فكرة عن ملامح المشهد الإعلامي بعد الحراك، سواء على مستوى الأداء، أو التضييق، أو الإصلاحات التي مست قانون الصحافة.

الورقة الثانية تحت عنوان: "دور المجتمع المدني في البناء المغاربي"، قدمها الدكتور عثمان الزياني (جامعة مولاي إسماعيل – الرشيدية)، حيث استهل عرضه بالحديث عن الوضع المغاربي غداة الاحتلال، وقد ركز على الحراك المدني، وبوادر تشكل مجتمع مغاربي مدني بدأ يتقوى، غير أنه تعرض للإجهاض بعد الاستقلال في ظل الدولة الوطنية، كما تحدث عن المعيقات السياسية والقانونية والبيروقراطية، وأثر ذلك على قدرات المجتمع المدني، كما تطرق إلى الانقسام الذي ظل يطبع أنظمة لبلدان المغاربية. وخلص إلى القول إن نجاح البناء المغاربي لن يكون إلا على أسس ديمقراطية، وهذا مشروط بتشكل مجتمع مدني مغاربي قوي وفاعل، يتمتع بالاستقلالية، ومتشبع بالثقافة الحقوقية.

الورقة الثالثة في موضوع: "الديمقراطية والإصلاح في دول المغرب العربي"، أطرها الأستاذ أنس المشيشي (جامعة مولاي إسماعيل – الرشيدية)، حيث يرى أن  تحقيق الديمقراطية في البلدان المغاربية مشروع حتمي، سواء عبر الثورات، أو عبر الإصلاح، وأن الاتحاد المغاربي لن يتحقق إلا بسيادة الديمقراطية على كافة البلدان المغاربية. ينطلق الباحث من وضع مغاربي لايزال يحبو، محاولا رسم ملامحه المستقبلية المأمولة. فالمستقبل المغاربي المأمول مشروط بفرضيتين: الفرضية الأولى تتمثل في وعي الأنظمة التي لم تسقط بخطورة المرحلة، ومدى كفاءتها في خلق البدائل السلمية، وقدرتها على الانخراط في التغيير عبر الإصلاحات السياسية والدستورية الكفيلة بإحداث نقلة نوعية على مستوى الممارسات والتمثلات القادرة على بناء الثقة والشفافية في تدبير الشأن العام.

الفرضية الثانية، وهي التي يرجحها الباحث، تتمثل في نجاح القوى التي أسقطت النظامين التونسي والليبي في بناء دولتين ديمقراطيتين، حيث إن فشل كلتيهما سينعكس سلبا على المنطقة برمتها، بينما النجاح سيؤسس، مهما تكن الصعوبات، لمنطقة مغاربية ديمقراطية.

الورقة الرابعة في موضوع: "الحراك المغاربي: قراءة في الفهم والتحديد"، أطرها الباحث مصطفى البوعزاتي (طالب بسلك الماستر جامعة محمد الأول)، وقد قدم قراءة حول السياق العام للحراك المغاربي وأسبابه المباشرة ومساره ونتائجه. فعلى المستوى العالمي، تطرق للأزمة المالية، وديكتاتورية الأسواق، وهيمنة المال على عالم السياسة والاقتصاد، وبالموازاة الحراك الاحتجاجي في اليونان وبعض البلدان الغربية. أما السياق الوطني، بكل تجلياته السياسية والثقافية والاقتصادية، فقد اتسم بطغيان النزعة الفردانية، والفساد، واقتصاد الريع، وغياب الشفافية، والإفلات من العقاب؛ ثم انتقل إلى الحديث عن تسريبات ويكيليكس وتكنولوجيا الاتصال، ودورها في تعبئة الرأي العام، وتشجيعه على الاحتجاج. لكن يتساءل: هل ما يحدث ثورة؟ ويقف عند المكاسب، وعلى رأسها التحرر من الخوف، والتهاوي السريع للأنظمة، وعودة الاعتبار للإرادة الشعبية.

المداخلة الخامسة في موضوع: "دور تماثل العقائد السياسية في عملية الاندماج" (من إعداد الباحثين حميد بلغيت ولطفي علاي)، أطرها الباحث حميد بلغيت، حيث يرى أن العقائد المتحكمة في السلوك الخارجي للبلدان المغاربية تتمثل في مجملها في (عقيدة الاحتواء، وعقيدة الارتهان للماضي، وعقيدة التلازم بين أمن النظام والفوضى الإقليمية...). وقد اعتمد في قراءته معيارين كأساس للتحليل (معيار شكلي، وآخر سلوكي)، الأول يتمثل في الاتفاقيات والمعاهدات، وهي في الغالب لا يحترم تفعيلها، والثاني سلوكي يقف على الطرف النقيض من الأول. وحول الطبيعة السياسية لهذه العقائد، يتساءل الباحث: هل نشأت عن طبيعة التفاعلات العالمية؟ أم أنها ناجمة عن سلوك هذه البلدان إزاء محيطها المغاربي؟ وكيف تتحكم هذه العقائد الموروثة في تأزيم العلاقات البينية؟ وكيف يمكن للحراك السياسي أن يؤسس لعقائد بديلة ذات نزعة اندماجية؟

ويخلص إلى القول إنه رغم كل ما يشير إلى إمكانية التماثل العقائدي للسلوك السياسي المغاربي، فإن واقع الحال السياسي يبدو ساكنا أكثر منه ديناميا، وأن العلاقات البينية لن تخضع إلا لمراجعة ناعمة دون أن تمس بجوهر الاتجاهات والمواقف والسمات والخصائص.

تضمنت الجلسة الصباحية ليوم الخميس 18 أبريل/ نيسان 2012 موضوع: "آفاق الاندماج المغاربي"  سبع مداخلات، كانت أولاها في موضوع: "تأثير الحراك السياسي على الحقوق السياسية للمرأة"، أطرتها الأستاذة نعيمة البالي (جامعة محمد الأول بوجدة). وحول تغير الوضع ومآله، استهلت الباحثة مداخلتها بالحديث عن المغرب، بوصفه بلدا اكتملت فيه مكونات المشهد السياسي، ثم انتقلت للحديث عن حقوق المرأة في مرآة القانون الأممي والوطني، كما تحدثت عن المرور من القانون الشكلي إلى الواقعي، ونصه على الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والثقافية للمرأة. وتخلص الباحثة إلى أن التمثيلية متدنية تعكس النظرة الدونية التي تكرسها ثقافة المجتمع، مما يستلزم ضرورة التأطير الجيد للمواطنين، وتجديد الثقافة السياسية.

المداخلة الثالثة لعبد الفتاح ويوسف اليحياوي، أطرها الأستاذ يوسف اليحياوي، حيث تطرق إلى عوامل الانسجام بين البلدان المغاربية. غير أنه رغم هذا الانسجام، فإنها ظلت عاجزة عن الاندماج فيما بينها، وتجلى هذا القصور بشكل صارخ في ضعف الاعتماد المتبادل، وهو ضعف، في رأيه، يرجع إلى غياب النظم والبنيات القانونية الكفيلة بتحقيق وتنظيم وضبط التكامل بمختلف مجالاته. ورأى أن الديمقراطية عامل أساسى في بناء الصيرورة الاندماجية. وحول تعاطي البلدان المغاربية مع الخيار الديمقراطي، تناول محطتين، رآهما أساسيتين في مسار الديمقراطي لهذه البلدان، وهما انهيار المنظومة الشيوعية، ثم ثورات الربيع العربي.

المداخلة الثالثة أطرتها الأستاذة سمية حامدي في موضوع: "آفاق الإصلاحات السياسية بعد الحراك"،  حيث استهلت الباحثة عرضها بطرح الإشكاليات التالية: هل الإصلاحات التي تمت مباشرتها في البلدان المغاربية تمهد فعلا للتحول الديمقراطي؟ وهل تؤدي هذه التحولات إلى إحياء مشروع الاتحاد؟

ولمعالجة هذين الإشكالين، اقترحت محورين:

المحور الأول (آفاق الإصلاحات السياسية في البلدان المغاربية بعد الحراك)، تناولت فيه وضعية كل بلد على حدة، ومظاهر التحول التي انخرط فيها طوعا أو كرها. غير أن الإشكال، في رأي الباحثة، هو مآل هذه الإصلاحات، تفعيلا وتنزيلا.

وخلصت إلى  أن الحراك السياسي وما تمخض عنه من تحولات يشير إلى بناء بلدان مستقرة قادرة على تحقيق اندماجها.

رابعا- الأبعاد الأمنية في الاندماجات الإقليمية:

 الورقة الرابعة أطرها الأستاذ خالد القضاوي في موضوع: "الأبعاد الأمنية في الاندماجات الإقليمية". استهل الباحث عرضه بمدخل مفاهيمي ونظري حول الاندماج الإقليمي، انطلاقا من نظريات مختلفة (النظرية الاتحادية، الوظيفية الجديدة، النظرية الاتصالية)، بعد ذلك انتقل إلى الأهداف العامة للتكاملات والاندماجات، ومن بينها (الوحدة السياسية، السلم والأمن الإقليميان، الازدهار الاقتصادي، الرفع من مستوى عيش المواطنين، مشاريع تنموية تكاملية ومستديمة، التعامل مع قضايا العولمة...)، لينتقل بعد ذلك إلى الأبعاد الاستراتيجية الأمنية في البلدان المغاربية، على مستوى الواقع المحلي والبيني، وعلى مستوى الاتفاقيات والمعاهدات، وفي ضوء تجارب أخرى. وخلص إلى أن بناء الاتحاد المغاربي مشروط بصيرورة العمل التكاملي على أسس ديمقراطية، بوصفها مدخلا  ضروريا لكل مشروع تنموي أو اندماجي.

الورقة الخامسة كانت بعنوان: "أزواد امتداد ثقافي واجتماعي للمغرب العربي"، أطرها الباحث الموريتاني سيدي اعمر بن شيخنا. تحدث فيها الباحث عن ثلاثة مظاهر تؤكد الامتداد الثقافي والاجتماعي المغاربي في منطقة أزواد، والمتمثلة في (التركيبة السكانية الأمازيغية العربية)، و(ارتباط حواضر أزواد على مثل "تمبكتو"، و"غاو" بالحواضر المغاربية مثل "فاس"، و"تلمسان"، وغدامس")، و(وحدة المرجعية الثقافية الصوفية). وبعد أن تطرق إلى جذور المطالبة بالاستقلال، من خلال وثيقة مؤرخة بتاريخ 30 أكتوبر 1957، بعثها أعيان أزواد عبر نائب الإقليم بالبرلمان الفرنسي، حبيب مصطفى وافي، إلى الجنرال ديغول الذي رد عليهم إلى قاضي تمبكتو، محمد الشيخ في رسالة بتاريخ 18 ديسمبر من السنة نفسها، معبرا عن اهتمامهم وتقديرهم لمطلبهم. وحول العلاقة المغاربية بمحيطها الجنوبي، يقول الباحث، اتصفت باللامبالاة، كون المحيط المغاربي نفسه ظل يعيش حالة من التشرذم، وما الراهن الذي تعيشه البلدان المغاربية ومحيطها ليس سوى تجل للماضي، وهو راهن أمامه تحديات عديدة، جراء ما تتعرض له منطقة أزواد من قبل (الجماعات الإرهابية، وتجارة الممنوعات كالمخدرات والسلاح، والهجرة السرية، فضلا عن الأطماع الخارجية). وتطرق الباحث إلى تداعيات هذه الأزمة على المنطقة المغاربية، مما يؤكد ضرورة الانخراط في الإصلاحات الدستورية والسياسية المؤسسة للممارسة الديمقراطية، بوصفها الحل الوحيد لبناء منطقة مغاربية آمنة، وبالتالي الإسهام في بسط الأمن بأزواد، عبر بدائل حقوقية وديمقراطية وتنموية، بعيدا عن المقاربات الأمنية الصرف التي برهنت على إفلاسها.

خامسا- التيار السلفي والحراك السياسي خلال عام 2011 :

الورقة السادسة أطرها الباحث محمد الكنفودي في موضوع: " تحولات التيار السلفي بالمغرب العربي على ضوء الحراك السياسي خلال سنة 2011"، استهل الباحث عرضه بمدخل سوسيوتاريخي عام. وفي هذا المحور، تطرق إلى  التفاعل السياسي للتيار السلفي، والتفاعل الأمني، وتحولات تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وطبيعة الاحتجاجات السلفية، والعلاقة البينية بين السلفية والأحزاب الإسلامية، ثم مؤشرات التحول. بعد ذلك، انتقل إلى مقاربة المحور الثاني، حول تحديد بعض معالم التوجهات المستقبلية للقضايا ذات الارتباط بالتيار السلفي، ومنها التفاعل السياسي، والتفاعل الديني السياسي مع الفكر السلفي والإسلام، في تمثله المغاربي، وتجلياته الجغرافية، والتيار السلفي كظاهرة جديدة. ثم كفرضية للنقاش، تحدث عن بروز التيار السلفي مع انتشار العنف السياسي ( تونس 2002 – المغرب 2003).

وقد صنف التيارات السلفية إلى التقليدية المعروفة بالسلفية العلمية، وهي ذات توجه، والجهادية ذات التوجه السلفي الأكثر بروزا في المنطقة، وثالثا: السياسية ذات التوجه الذي يؤمن بالمشاركة السياسية، وقد ظهر في الجزائر مع مشروع جبهة الإنقاذ كتيار يتبنى الفكر الوهابي، ويؤمن بالتفاعل السياسي.

أما عن معالم التوجهات المستقبلية للقضايا ذات الارتباط بالتيار السلفي، فيرى أنها مرتبطة بطبيعة التحولات في المنطقة المغاربية ومحيطها الجنوبي.

الورقة السابعة أطرها الباحث محمد بوبوش (باحث في العلاقات الدولية – جامعة محمد الخامس-الرباط وعضو بوحدة الدراسات المغاربية بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة) في موضوع: "الربيع العربي ومستقبل التكامل المغاربي". استهل الباحث محمد بوبوش مداخلته بمحور حول "الاتحاد المغاربي وتحديات الربيع العربي"، حيث تطرق إلى المخاضات التي عرفتها المنطقة المغاربية، أثناء الثمانينيات من القرن العشرين، وما أسفرت عنه من تحولات. ومن هذا المدخل، تحدث عن ثورات الربيع العربي، وما ترتب عليه من سقوط النظامين (التونسي والليبي)، ومسارعة باقي الأنظمة إلى الإصلاحات.

سادسا- الملامح الجديدة للإقليم المغاربي:

وحول محور "ملامح النظام الإقليمي المغاربي الجديد"، عرض الباحث جملة الخصائص العامة للتحولات المغاربية التي بدأت تسم المشهد المغاربي بملامح جديدة: (الريادة التونسية في قدرتها على تجاوز الثنائيات، البراجماتية التي جنح إليها النظامان المغربي والجزائري من أجل تجاوز الجمود، انخراط المجتمع المدني في النقاش السياسي، التحولات التي مست الإسلام السياسي). أما المحور الثالث، فقد أفرده لـ"محفزات تفعيل التكامل الاقتصادي المغاربي"، وقد أجملها في توافر المنطقة على مخزون من الثروات، وعوامل بناء التكامل الاقتصادي، فضلا عن المشترك الثقافي والحضاري. وقد خلص إلى القول إن تحقيق المسيرة التكاملية يتوقف على مدى توافر المقومات السياسية، ومدى فاعلية المؤسسات التكاملية، وخلص إلى  أن الظروف الحالية المفعمة بالديمقراطية والحرية تشجع على تحقيق الاتحاد، خاصة إذا صدقت نيات الحكام.

وقد طرحت هذه الندوة سؤالا مهما:  لماذا لم تتحقق، أو لماذا فشلت التجارب السابقة الداعية لوحدة المغرب العربي؟، ولماذا انتقلت الفكرة من الحلم إلى الذكرى؟، فذاك راجع لعدة عوامل إقليمية ودولية، كما  أن الأمر يتعلق بآليات العمل والتطبيق، لأن فكرة  مشروع اتحاد المغرب العربي لم تطرح كحاجة ملحة لصالح شعوب المغرب العربي، وككتلة اقتصادية ، بل كانت مزاجية، وسيادة فكرة الهيمنة الاقتصادية والسياسية، وهو نهج الطغمة العسكرية الجزائرية ونظام القذافي البائد، في غياب أحزاب مدنية ووطنية قوية ومؤثرة . وعندما تتحقق هذه الشروط الضرورية، وتغيب المزاجية، ونؤسس للتنمية الإنسانية الشاملة بالمعايير العلمية، هنا فقط تتحقق الوحدة، والنمو، والتقدم ، وهنا فقط- كذلك – يصبح التطرف والتعصب والإرهاب حالات فردية ومنعزلة، وليس حركات وتنظيمات .

ولا شك فى أن هذه التطورات قد أحيت الأمل في بعث الحياة في الاتحاد المغاربي، ولكن هذا الأمل يجب أن يبقى حذراً، ويجب أن يكون المتحمسون له على بينة من الصعاب الحقيقية التي تعترض تحقيقه. هناك أولاً استمرار الخلاف المغربي- الجزائري حول قضية الصحراء، ويلاحظ أن كل التطورات الإيجابية السابقة لم تتناول هذا الخلاف من قريب أو بعيد باعتراف طرفيه نفسيهما، وهي قضية بالغة المحورية والتعقد، لأنها تتعلق بالتنافس بين أكبر دولتين في الاتحاد، وتوازنات القوى في منطقة المغرب العربي. ورغم تعقد القضية، فإن مقاربتها مغاربيّاً تمهيداً لحلها واجبة، حيث سيبقى ذلك الخلاف مهدِداً لمسيرة الاتحاد، ولن يجدي حديث الرئيس التونسي عن الالتفاف حول الجدار (أي النزاع حول الصحراء)، وليس الاصطدام به. ولذلك، نجد أن المسئولين في البلدين مع تأييدهم فكرة تفعيل الاتحاد حريصون على صياغة هذا التأييد في عبارات شديدة الحذر. فالرئيس الجزائري يتحدث عن "نهج واقعي تدرجي" في هذا الصدد، والمغرب يتبنى في اجتماع مجلس وزراء خارجية الاتحاد فكرة إقامة منطقة حرة بين أعضائه، وكلها أشياء طبيعية. لكن قضية الصحراء ستبقى، كما سبقت الإشارة، قنبلة موقوتة في طريق الاتحاد. وربما كانت قضية فتح الحدود بين البلدين أيسر بكثير من قضية الصحراء، لكن فتح الحدود لا يعالج الأضرار المتوقعة، لو تفجرت قضية الصحراء، لا قدر الله.

ومن ناحية أخرى، يجب ألا ننسى أن الأوضاع لم تستقر بعد في المغرب العربي. فلا يزال مستقبل ليبيا يثير علامات استفهام كثيرة، بل إن البناء التونسي الجديد لم تكتمل صورته بعد، رغم ما قطعته تونس من خطوات واثقة في هذا الصدد، وكذلك لا تزال العلاقات التونسية- الليبية تعاني آثار الثورة الليبية. فعلى سبيل المثال، فإنه قبل زيارة الرئيس التونسي لليبيا بأيام قليلة، حدث اشتباك بين دورية حدودية تونسية وعناصر ليبية مسلحة، حاولت التسلل إلى تونس، بالإضافة إلى مشكلة وجود رموز مهمة من النظام الليبي السابق على الأراضي التونسية، الأمر الذي يعكر صفو العلاقات بين البلدين، والأمر نفسه موجود في حالة العلاقات الليبية- الجزائرية، ولأسباب مشابهة.

كما عرفت أشغال هذه الندوة مائدة مستديرة حول مفاهيم البناء الديمقراطي، والهوية والتحدي الأمني، ووصول الإسلاميين لسدة الحكم. ويبقى السؤال المطروح: هل يشكل بناء اتحاد مغاربي قوي حلا لهذه المشاكل؟ لكن يبقى السؤال المركزي: هل هناك رغبة حقيقية لإعادة الحياة لهذا الاتحاد؟ أم هي مجرد انحناءة أمام رياح الربيع العربي؟


رابط دائم: