المؤثرات الثقافية: |" ندوة " قراءة في مسارات ثورة يناير وخرائطها المعرفية بعد عام ونصف عام
20-5-2012

أحمد خميس كامل
* مدرس مساعد علوم سياسية، جامعة حلوان

 بعد مرور قرابة عام ونصف عام على ثورة 25 يناير 2012 ، لا يزال البعد الثقافي في أسباب اندلاع ثورة يناير بعيدا عن المحللين والسياسيين الذين رأوا أن العوامل الاقتصادية وانتشار الفساد السياسي والمالي هما مفجرات الثورة الأساسية ، لذا عقد المجلس الأعلى للثقافة المؤتمر الدولى تحت عنوان "الثورة والثقافة"، من 14 إلى 16 أبريل 2012 ، وقد افتتح المؤتمر وزير الثقافة، وأمين عام المجلس الاعلى للثقافة، وتمت المناقشات على مدى عشر جلسات، كانت أبرز فعالياتها كما يلى:

أولا- مقدمات الربيع العربي:

رصدت الأبحاث التى قدمت فى المؤتمر مقدمات الربيع العربي من خلال عدة مؤشرات، لعل أبرزها:

1- الأداء الاقتصادى الذى وصفه أ.أحمد السيد النجار بأنه أداء اقتصادى فظ خالف كافة البيانات التى صدرت عن الحكومات المصرية المتعاقبة، وصندوق النقد والبنك الدوليين اللذين وصفاه بالأداء الاقتصادى الرائع. وأرجع النجار أسباب انحياز الصندوق والبنك لوجهة نظر الحكومة المصرية لاهتمامها بتطبيق نظام مبارك لبرامجها، والانحياز للدول الدائنة المسيطرة على المؤسستين الدوليتين، ومن ثم أدى تناقض الواقع الاقتصادى، مع بيانات نظام مبارك والمؤسسات الدولية، إلى الثورة المصرية فى يناير 2011، خاصة مع اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتوجيه الدعم للأغنياء، وانتشار البطالة، والتضخم.

2- الأداء السياسي الهزيل الذى أدى لتفجر الغضب الشعبي على مدى سنوات، وترتب عليه ظهور حركات احتجاجية تكاثرت باستمرار، والمعارك الجزئية المتعلقة بقضايا قد لا تكون جوهرية، ولكنها تراكمت وولدت جيلا جديدا من المناضلين الحركيين فى الشارع، يمتلك أدوات عصر المعلومات والمعرفة، واستطاع تطويعها لتحقيق أهدافه الكبرى، وهذا ما تناولته ورقة الدكتور عماد أبو غازى.

3- أداء المرأة خلال فترة الثورات العربية، إذ مثلت عضوا فاعلا فى المجتمع الثورى، وفى الميادين الثورية، وتمثل ذلك فى رفعها لنفس الشعارات: التغيير، والحرية، والعدالة، وكأنها أثبتت قدرتها الكامنة الحاضنة للديمقراطية، ولقيم العدالة الاجتماعية، التى كثيرا ما طالبت بحقوقها، من قبل شرائح اجتماعية متعددة. وقد تؤدى مشاركة المرأة الفاعلة فى الثورة إلى تغير موقعها الاجتماعى من تابع وملحق إلى فاعلى ومؤثر، وما قد ينعكس إيجابا على حصولها على حقوقها بعد الثورة.

4- الطريق للربيع العربي: رؤية تاريخية أرجعها الدكتور محمد عفيفي إلى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وسقوط حائط برلين، وبدء تصاعد الانتشار الديمقراطى فى العالم، والذى ابتعد عن العالم العربي الذى وأد الحلم فيها، وأثر ربط الانحيارز للغرب مقابل تنازل الغرب عن تطبيق الديمقراطية فى العالم العربي، والسماح للاستبداد فى تلك الدول. ولكن نشأ جيل جديد بثقافة ومفاهيم مختلفة، أبرز ملامحها سقوط النظام الأبوى، وتجاوز البنى السياسية التقليدية.

ثانيا- ثورة 25 يناير.. المفهوم والحدث:

تعد أبرز ملامح هذا المحور ما يلى:

1- ثورة يناير فى سياق ازدواجية مفهوم الثورة، تحدثت جيدرا شابا عن ذلك، وبدأت بسؤال محورى عن يناير 2011 : هل كانت ثورة بمفهوم التغيير الجذرى لهياكل الدولة والمجتمع، أم مجرد انتفاضة شعبية ضد السلطة؟ وتحدثت عن مضمون كلمة ثورة فى اللغة العربية الذى يحمل معنى التمرد والثورة فى الوقت ذاته. وتطرقت لشعارات يناير 2011،  فقد استخدمت فيها الثورة بمعنى التمرد "ثورة ثورة حتى النصر"، واستخدمت فيها ثورة بمعنى ثورة كالــ "التحالف الانتخابي الثورة مستمرة". وتصل إلى أن إطلاق وصف ثورة على نتائج تاريخية مهمة، كثورة 1919، وثورة 1952، و25 يناير 2011 ، يعطى انطباعا بإمكانية المقارنة  بين هذه الأحداث من وجهة نظر تاريخية، فضلا عن تشجيع ذلك على التنافس التاريخى بين ثورة 1919 وثورة 1952، وبين ثورة 1952 وثورة 2011. وتوصلت إلى أن المعنى الحقيقى للثورة التمرد، ولم يكتسب المعنى الخاص بالتحول الجذرى للدولة والمجتمع إلا متاخرا فى الثلث الأخير من القرن العشرين، وذلك نتيجة حدثين:

أ- ترجمة الثورة الفرنسية بالثورة الفرنساوية من قبل الكتاب السوريين واللبنانيين حوالى عام 1880، بينما كان الحدث حتى هذه اللحظة يتم تعريفه بكلمة "فتنة".

ب- تطبيق المفهوم الماركسي للتاريخ المصري الوطنى، مما سمح بتفسير الثورات المصرية على أنها حلقة من حلقات الثورة نفسها. وقد وضع عصام الدين ناصف الخطوط العريضة لهذا الاتجاه، واستكمله المؤرخ المصري عبد الرحمن الرافعى.

2- سؤال السبب فى ثورة يناير: ركز خليل كلفت على العامل الظروفى الذى أشعل النار فى وقود جاهز للاشتعال، إذ رأى أن الحديث عن أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية المتردية يقدم تحليلا عاما، وأن السبب تمثل فى تأثير الدومينو القادم من الثورة التونسية التى فجرها انتحار البو عزيزى، ليصل فى النهاية إلى تأكيد أن دوائر بعينها عقب الثورة عملت على إغراق أى محاولة جادة اجتماعية أو تاريخية لفهم هذه الثورات، للوصول إلى إعلان تفسير اللا تفسير فى فهم أسباب الثورة.

3- يتحدث هذا البعد عن الأشكال التنظيمية الجديدة التى ابتكرها المصريون منذ تأسيس لجنة دعم الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 ، وتأسيس كفاية 2004، وحركة 6 أبريل، وغيرها، كأشكال تنظيمية مهدت الطريق لثورة 25 يناير 2011 التى حصدت الإطاحة بمبارك من الحكم وكفى.

ثالثاً- مسارات الثورة وخرائطها المعرفية:

يركز هذا المحور على عدة أبعاد:

1- ثورة 25 يناير من العالم الافتراضي إلى المجتمع الواقعى: ويعد أبرز ما ركز عليه المفكر الكبير السيد يسين فى هذا البحث:

أ-  وصفه لثورة يناير بأنها ثورة فريدة فى تاريخ الثورات العالمية، لأنها أول ثورة تنطلق من الفضاء المعلوماتى إلى المجتمع الواقعى.
ب-   ابتكار نوع جديد من التحليل السوسيولوجى أطلق عليه "التحليل السوسيولوجى اللحظى"؛ لانطلاقها من متابعة الحدث لحظة وقوعه، وتتبع مساره، صعودا وهبوطاً.
ج- رسمه لخريطة معرفية للمجتمع المصري بعد الثورة أساسا لفهم الحاضر، واستشراف المستقبل.

2- قراءة فى هتافات وكتابات الثورة المصرية:

- قدم الدكتور كمال مغيث هذا البحث، منطلقا من أن الشعارات والهتافات السياسية والوطنية لعبت دورا حاسما فى الصراع السياسي على أساس اعتبارها إحدى وسائل النضال السياسي والوطنى.

- ووضح أهمية الشعارات فى الحشد والمناصرة، واستنهاض الهمم، وقدرتها على الوصول إلى القطاع الأعظم من الجماهير.

- وانتهى بالتساؤل عن سبب اختفاء الشعارات فى مظاهرات أبناء مبارك، أو بنحبك ياريس، أو الأغلبية الصامتة.

- ومرفق بالبحث عشرات الهتافات والكتابات والمشاهدات من 25 يناير حتى نوفمبر 2011، لعل أبرزها: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، و"الشعب يريد إسقاط النظام"، و"يسقط يسقط حكم العسكر"، و" ارحل، العصابة زى ما هيا".

رابعاً- الثقافة والثورة:

يتناول العديد من الأبعاد، أهمها:

1-    الثقافة والثورة للدكتور إكرام بدر الدين، الذى ركز على عدة أبعاد، لعل أهمها:

-    ربط بين الثقافة والثورة، وأكد العلاقة الوطيدة والمتبادلة بينهما، وتأثير كل منهما فى الآخر. فالثقافة تحدد شكل الثورة، وأهدافها، وشعاراتها، ودرجة العنف فيها، كما تحدث الثورة تغييرا جذريا فى ثقافة المجتمع.

-    الثقافة مرآة ينعكس عليها مختلف التطورات الراهنة والتحولات السياسية، بما فى ذلك الثورة.

-    يتأثر مضمون الثقافة بطبيعة المجتمع والتطورات الحادثة فيه، وأهمها الثورات.
   
-    وضحت الثورة بلا شك دور المثقفين، سواء بالكلمة أو بالمشاركة الفعلية فى المظاهرات والاعتصامات؛ مما أسهم فى وصول صوت المثقف إلى السلطة.
   
2- الدور الثقافى للدولة فى ظل التحول الديمقراطى: انطلق فى هذه الدراسة السيد سعيد المصري من الإشارة إلى عدة نقاط، لعل أبرزها:

- الربط بين نجاح الدولة فى التحول الديمقراطى ومدى وضوح الرؤية الاستراتيجية لدورها الثقافى وفعالية المؤسسات الثقافية للقيام بدورها، انطلاقا من كون الوظيفة الثقافية للدولة هى جوهر التوجهات الاستراتيجية للدولة، وأساس الإجماع السياسي بين مختلف القوى، وأساس الإجماع المجتمعى المفترض على طبيعة العقد الاجتماعى القائم بين الدولة والمجتمع بفئاته كافة.

- عرفت الوظيفة الثقافية للدولة على أنها الدور الذى يمكن أن تلعبه الحكومة بمختلف مؤسساتها فى تعزيز الديمقراطية والرفاه الاجتماعى والاقتصادى فى المجتمع. وفى ضوء ذلك، يمكن للمؤسسات الثقافية العامة أن تعمل على لعب دور فعال فى تعزيز الديمقراطية فى المجتمع، بما فيه من مؤسسات، إلى جانب تعزيز جهود التنمية فى مجالات الخدمات الاجتماعية.

- أثر تغير الدور الثقافى للدولة وفقدانها ذلك الدور فى اتساع  الفجوة بين الدولة والمجتمع، وعبر عن ذلك فى المسح العالمى للقيم فيما يخص مصر عام 2008 ، إذ بين ميلا شعبيا نحو مجانية التعليم، واستمرار الدعم، والتزام الدولة بالتشغيل، وملكية الدولة للأصول الرأسمالية، وأولوية الذكور على الإناث، والميل نحو قيم الأبوية والدينية والعائلية.

- وطرح دور المؤسسات الثقافية فى إنجلترا، والهند، وماليزيا، وتركيا، وجنوب إفريقيا، تلك الدول التى مرت بمراحل تحول ديمقراطى ناجح، مع التركيز على هذه الدول، والاستفادة منها لتطوير وإعادة هيكلة وزارة الثقافة المصرية بعد الثورة.

3- حقوق الثقافات الفرعية فى ظل ثورة يناير: انطلق حجاج أدول فى تحليله من أسطورة إيزيس وأوزوريس كثنائية فى وحدة الخير، ويعملان على وحدة الشعب المصري، وعدوهما "ست" الممثل للشر، وتشبيهه ثورة 25 يناير 2011 بأنها حورس الذى يطيح بشرور "ست" المتمثل فى نظام المخلوع مبارك. وقدت نجحت ثورة يناير فى وقف شيطنة الأقليات الثقافية بالوطن المصري الإيزيسي، وأسفرت عن فهم المسئولين لأهمية الثقافات الفرعية، وفهم التعددية الثقافية كحق للشعوب، وأهمها الثقافة النوبية لضرورتها فى الاتصال بشعوب الجوار، ودور النوبيين فى الحفاظ على الأمن القومى الجنوبي لمصر، بما فيه العنصر المائي، ومن ثم النظر للثقافة النوبية على أنها المدخل إلى ربط مصر بشعوب حوض النيل، والتى يحترمها شعوب حوض النيل.

4- الملامح الجديدة للثورة السياسية: طرحها د.أنور مغيث، إذ رأى أن أبرز تلك الملامح:

- طرح غايات جديدة حملتها قوى اجتماعية تتجاوز التصنيف الطبقي.

- فتحت الباب أمام مراجعة الكثير من المفاهيم المستقرة حول الشرعية وآليات التغيير السياسي.

- وفرت الثورة المصرية حلولا للمجتمعات العربية أجمع، إذ مثلت تجليا سياسيا إنسانيا لمعنى المواطنة الجديدة التى تجازوت المفهوم التقليدى للمساواة أمام القانون والحريات الشكلية، إلى ترسيخ البعد الاجتماعى كبعد أصيل فى الحياة المشتركة، يتجاوز ما تطرحه الليبرالية واقتصاد الدولة فى آن واحد.

5- المثقف المتسلط والمثقف الديمقراطى: طرحها الدكتور فيصل دراج، وركز فيها على ثلاثة أمور فى غاية الأهمية:

- الفصل بين المعرفة المختصة والحاجات الإنسانية المادية، بما يبارك المعرفة من أجل المعرفة، ويسوغ عموميات لفظية، لها شكل المعرفة تبقي الجاهل على جهله، وتبقي المحتاج مع الموضوع الذى يحتاج إليه.

- الربط بين التقسيم الاجتماعى للمعرفة والتقسيم الاجتماعى للسلطة. فمن يعرف يعد إنتاج معرفته، ويعد معه إنتاج جهل المواطن الذى لا يستفيد من العارف شيئا.

- الربط بين تعميم التعليم الديمقراطى والحياة السياسية، فلا سياسة بلا  إنسان مفكر، يتمتع بالمبادرة وإمكانية الرفض والقبول. فمثلما يحق لصاحب المعرفة أن يقود الذى يفتقر إليها، فيحق للطرف المتمتع بالسلطة – دون مساءلة جذورها وشرعيتها- أن يقود هؤلاء الذين لا سلطة لهم.


رابط دائم: