الآليات المتعارضة:| " ندوة " السياسات الاجتماعية وأوضاع الفئات المهمشة في برامج مرشحي الرئاسة المصرية
20-5-2012


*

 في ظل تعدد برامج مرشحي الرئاسة المصرية، بل وتشابه غالبيتها في كيفية الاقتراب من المشاكل التي يعانيها المواطن المصري منذ ثلاثين عاما ، وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة، يتجلى المشهد الانتخابي للمارثون الرئاسي بين المرشحين، على اختلاف توجهاتهم وتياراتهم ، والذي يعلق عليه الناخبون آمالا للفصل في القضايا الجدلية وتحقيق مبتغاهم من الاستقرار والعدالة في كافة مناحي الحياة . جاءت الندوة المنعقدة بوحدة دراسات الشباب ، تحت عنوان ( قراءة في برامج مرشحي الرئاسة ) بهدف توعوي يقوم على تعميق المعلومات، من خلال المتابعة الجادة لتحليل هذا الموضوع ، وذلك من خلال عرض أولويات المرشحين تجاه كافة القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، الداخلية منها والخارجية ، ومدى الوجود الفعلي للآليات المنفذة لهذه الطموحات. وقد شارك في هذه الندوة نخبة بارزة من الخبراء، و أساتذة الاقتصاد والسياسة، وبعض الشخصيات الشبابية، وحملت رؤية كل منهم تحليلات بارزة ومعانِى عميقة حول تقييمهم لبرامج المرشحين، وعرضها بشكل نقدي قائم على المنهج المقارن من حيث التشابهات والتباينات لأولويات المرشحين، ومدى وجود الآليات الملائمة لتنفيذ برامجهم. وفي هذا السياق، انصب هدف الخبراء من خلال قراءتهم للبرامج على الخروج بمؤشرات تساعد على عملية المفاضلة بشكل علمي وموضوعي .

أولا - قضايا إعادة بناء الدولة والنظام الديمقراطي :

جاءت الرؤية التحليلية لهذا المحور من خلال عرض  د. عمرو هاشم ربيع لمجمل الملامح، عبر التعمق في أفكار فرعية، والمتمثلة في  السمات العامة لبرامج المرشحين، والتي قامت على معايير الوضوح ، والحجم ، والمنهجية ، والمرجعية، فضلا عن الطابع الشخصي الذي ظهر في بعض الصياغات لبرامج مرشحي الرئاسة. فيظهر من برنامج أبو الفتوح -على سبيل المثال- الحجم الكبير لبرنامجه بخلاف البرامج الأخرى، إلا أنه لا يعول على الحجم بقدر ما يعول على المنهجية والتبويب للأولويات في هذا البرنامج. وفي هذا الاتجاه، تتحدد مواقف المرشحين من فكرة العلاقة بين السلطات وطبيعة النظام، وكذلك بالنسبة لموقفهم من عمل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، ورؤاهم نحو المشكلات والقضايا الأخرى. فقد كانت بعض برامج المرشحين مفصلة ( موسى / أبو الفتوح) والبعض الآخر جاء مبتسرا (مرسي / صباحي )، وذلك من حيث الشكل. بينما من حيث المضمون، تباينت أولوياتهم من حيث مهام السلطات والعلاقة بينها. وكان ينزلق البعض منهم في مصطلحات، ومن ثم يعود ليبرر معناها، مثل برنامج عيسى الذي استخدم فيه مصطلح" ديكتاتورية المؤسسات" وهو ما يعني ديكتاتورية السلطات. ومن حيث طبيعة النظام السياسي، فلم يتبن أي منهم النظام البرلماني ، بل كان اتجاه المعظم ناحية النظام الرئاسي، فيما عدا برنامج أبو الفتوح الذي تبنى فيه البرنامج البرلماسي أو المختلط. ويسلط د.عمرو هاشم الضوء على محور مهام السلطات في برامج المرشحين، من حيث الغياب الواضح لسلطة الرئيس في عزل وتأليف الحكومة وحل البرلمان، باستثناء برنامج مرسي الذي أكد حكومة ائتلافية واسعة دون إقصاء. ولكل برنامج رؤية مختلفة في هذه الجزئية ، إذ يرى أبو الفتوح أن شعار الحكومة هو خدمة الشعب، بينما يقر موسى أنه خلال 100 يوم، ستتألف حكومة تحوز ثقة الشعب. كذلك يتجلى هذا الاختلاف حول الدستور، وما إذا كان وفاقيا قائما على الديمقراطية والاشتراكية، أم أنه يستقي مبادئه من الشريعة الإسلامية، وفقا لخير الله. وعلى الجانب الإداري، تتبنى ثلاثة برامج مدخل اللامركزية، كما هو الحال عند موسى وأبو الفتوح وصباحي. وعن موقفهم من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، فقد اتفقت معظم البرامج على ضرورة إعادة هيكلة الشرطة، وأكدوا جميعا دور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، فضلا عن موقفهم من قضايا الفساد، وتضارب المصالح، وحقوق المسيحيين، والمرأة.

ثانيا -  توجهات السياسة الخارجية في برامج المرشحين:

وعلى الصعيد الخارجي للسياسة المصرية ، طغى على برامج المرشحين ملمح التراجع لأولوية السياسة الخارجة ، وأوعزت د. نورهان الشيخ السبب إلى إلحاح القضايا الداخلية، لاسيما الاقتصادية والتي وصفتها بالورقة الرابحة في جذب تأييد المرشح الفائز. وعلى الرغم من الخبرة الطويلة لعمرو موسى في هذا المجال، فإن برنامجه لم يعمق هذه الأولوية بالقدر المطلوب. وتختلف مواقف المرشحين في مسألة الهوية الوطنية وترتيباتها العربية والإسلامية والإفريقية، إلا أن المرشحين أجمعوا على أن تكون العربية في المقام الأول. وفيما يتعلق بتوظيف السياسة الخارجية، فقد غاب هذا التوظيف في برامجهم، مقترنا بغياب الآليات لقضايا السياسة الخارجية، وانعدام الرؤية حول التعامل مع المستجدات، بالإضافة إلى غياب الاهتمام بالرعايا المصريين في الخارج. وتظهر ملامح التعجب عند قراءة انتخابات 2005 . فالبرغم من أنها كانت هزلية، فإنها احتوت على هذه الأولوية، مقارنة بالبرامج الحالية. وعن الدور الإقليمي، فقد كان استعادة هذا الدور من أولويات البرامج، إلا أن الكيفية اتسمت بالغياب والمنهجية بالانعدام. وتشابهت البرامج في أن تكون العلاقة مع أمريكا قائمة على الندية والمصلحة الوطنية، في حين لم تشر بعض البرامج، ولو بالتلميح، إلى موقفها تجاه اسرائيل. وعلى العكس، لاقى موضوع التعاون مع الدول الصاعدة أولوية واضحة في برامج معظم المرشحين .

ثالثا - الرؤية الاقتصادية بين السياسات والملاح الاقتصادية العامة وعناصر التقييم :

وبالنظر إلى البعد الاقتصادي في تحليل أولويات المرشحين تجاه القضايا الاقتصادية ، تقيّم د. منال متولي برامج المرشحين، وفقا لمجموعة من الملامح المهمة ، حيث إنها ارتكزت على العناوين الاقتصادية دون التركيز على الأهداف في حد ذاتها. ووفقا لما طرح في برنامج ( مرسي) فقد وضعت أهدافا تتعلق بمعدل النمو الاقتصادي المرتفع، دون أن يكون هناك توضيح لكيفية الاستفادة من هذه الأهداف. واتصفت هذه البرامج بغياب الآليات الفعلية في تنفيذ أهداف التنمية، والإصلاح الاقتصادي. والمثال على ذلك ما ذكر بخصوص قضية الأجور والأسعار، والربط بينهما، فقد اتضح تمام الوضوح غياب آليات ملائمة لتفعيل هذا الهدف على أرض الواقع . ولم يقف هذا الملمح عند هذه القضية فحسب، بل تعدى مجمل القضايا المطروحة مثل قضية تحويل القرية المصرية إلى قرية منتجة. اتسمت هذه البرامج أيضا بغياب الفئات المستفيدة من المجتمع وطبيعة عمل الهيئات التي تم اقتراحها للتصدي لبعض القضايا المهمة، مثل قضايا الفساد وغيرها، دون تحديد الدور المطلوب لها، وعلاقتها بالمؤسسات الفعلية القائمة. وأضاف د. محمد رئيف ملامح أخرى تتضمن طابع العمومية الذي غلب على برامج المرشحين، دون الخوض في تفاصيل. وفي اقتحامهم لهذه المشكلات تحديات وطموحات، لا أول لها ولا آخر ، إذ يتطلب ضرورة وجود عنصر الواقعية في رصد الاتجاهات وتدوين الأولويات. وبشكل عام، يتفق معظم المشاركين على الغياب الملحوظ للآليات، وابتعادها عن الواقعية. ويقر د .نصر الدين شريف بانعدام القابلية للواقع في برامج المرشحين، وأنه ثمة مبالغة كبيرة تظهر في الحلول الاقتصادية المطروحة، ولوحظ أيضا إهمالهم لأولوية فتح أسواق خارجية مع الدول الأخرى .

رابعا -  السياسات الاجتماعية وأوضاع الفئات المهمشة :

طرحت الندوة مجموعة من القضايا الاجتماعية التي تتداخل مع بعض القضايا الاقتصادية كقضية الفقر المرتبطة بقضية الحد الأدنى للأجور. وفي سياق تحليل الرؤى والمواقف المتعلقة بالمرشحين نحو هذه القضايا ، توضح د. أماني مسعود أن معظم مفردات خطاباتهم تتجه إلى إعانة المواطن محدود الدخل، و أن الاختلافات بين المرشحين تظهر في أسباب قضايا الفقر من مرشح لآخر، كل وفق رأيه ورؤيته، فيوعز (موسى) سبب قضايا الفقر إلى فقر الدولة، في حين تتباين النظرة عند خالد علي، وارتباط هذه القضية بقضية العدالة الاجتماعية. ويؤكد أبو الفتوح ضرورة استخدام استراتيجية العطاء الاجتماعي. أما عن قضية العشوائيات، فقد احتلت مكانة بارزة في قائمة أولوياتهم، بيد أن الرؤى والطموحات تختلف. ومع كل هذا التنوع العالي لسقف الأولويات، فإن سقف الآليات يكاد يكون غير موجود على الإطلاق في برامج المرشحين. وتتضح معالم ذلك في قضيتى الصحة والتعليم، وكلتاهما في متن القائمة الأولى (قائمة الأولويات)، لكنهما كغيرهما من القضايا تغيبان عن قائمة الآليات الفعلية .

استنتاجات وتوصيات :

تاريخية البرامج الانتخابية : إن مشكلة الانتخابات مشكلة تاريخية، فقد كان قيادات الأحزاب في  1984 ، وفقا لما أقره د.صفوت العالم في نهاية الندوة ، في مسألة البرامج الانتخابية مواقف متنوعة. وإن كان الحديث عن غياب الآليات، فإن هذه الفترة كانت بمثابة غياب للأولويات في حد ذاتها لغياب البرامج من الأساس، ذلك بحكم أن بعض القيادات ممن يمثلون الأغلبية يعتقدون أن البرامج الانتخابية أمر غير ضروري. وفي المقابل، كان لحزب الأحرار ورقتان. أما الحزب الوحيد الذي كان له برنامج حقيقى، فهو حزب التجمع، ومع ذلك لم يلق قبولا.

غياب الآليات ( مصادر التمويل)  : يؤكد المشاركون الغياب الواضح للآليات، والدليل على ذلك عدم تحديد الاحتياجات المادية المطلوبة، واقتراح مؤسسات تتعارض مع الهيئات القائمة. ولعل ذلك يطرح تساؤلا مهما، هو من أين ستكون مصادر التمويل ؟

الأمن المائي لحوض النيل .. أولوية غير موجودة : وفقا لآراء المشاركين حول دور وزارة الخارجية ، فقد جاء عن توصيات هذه الندوة ضرورة إعادة هيكلة هذه المؤسسة، لكونها تحوي موظفين وليسوا دبلوماسيين، وهناك انحراف في مسار السياسة الخارجية ينبغي تصحيحه لجعل قضية المياه هي القضية الأولى في قائمة التوجهات الخارجية .

دور الرأي العام في مرحلة ما بعد تعيين الرئيس : تطرح الندوة تساؤلا غاية في الأهمية حول مدى استطاعة الرأي العام محاسبة المرشح بعد تعيينه على أفكاره وتوجهاته ؟ وهل يستطيع الرأي العام، بما لديه من قادة وخبراء، تقييم سياسات الرئيس، وفقا لأولوياته في برنامج الانتخابي؟

برامج العشوائيات.. أكثر من نظرية وأقل من واقعية  : يوضح المشاركون أهمية هذه القضية، ومدى وجودها بشكل نظري على أوراق برامج المرشحين، وأن أفضل ما قيل عنها هو برامجها الخاصة بمرشحي الرئاسة في مصر إلى درجة تتفوق على مستوى البرامج في كل من فرنسا وأمريكا . ولكن ثورة التوقعات دائما تخلق ثورة الإحباطات .

 وفي ختام هذا العرض الموجز، والنظرة المتشائمة نوعا ما بسبب الوجود الفعلي للأولويات والغياب الحقيقي للآليات ، فإن علينا النظر بعين التفاؤل، وأن نتطلع لتغيير السياق لتغيير الفكر. وأهم ملمح لهذا المشهد هو أننا ندور في دائرة الشك ، ليس في تحقق الأولويات من عدمها ، وإنما في مسألة من الفائز بمنصب الرئاسة ؟! وهي ميزة في حد ذاتها ، فاتساع دائرة الظن وعدم الـتأكد هو نقطة البداية للتحول ناحية الديمقراطية. وإن كنا بدأنا هذا الطريق بخطوة ، فطريق الألف ميل دائما يبدأ بخطوة .


رابط دائم: