الاختبار الصعب:|القضايا الملحة أمام الرئيس القادم في مصر
20-5-2012

محمد بسيوني عبد الحليم
* باحث في العلوم السياسية‮.‬

الأحد 20 مايو 2012

يشكل الانتقال من الحالة الثورية إلى الحالة المؤسساتية تحديا رئيسيا في فترة ما بعد الثورات، والتي تندلع بالأساس عندما تختل فكرة الجسم الاجتماعي المتوازن – على حد تعبير كرين برنتن في كتاب تشريح الثورة – بحيث تصبح المؤسسات القائمة عاجزة عن الاستجابة لاحتياجات المجتمع المتزايدة، ويستمر هذا التناقض حتى تصل العلاقة بين المجتمع والمؤسسات إلى نقطة اللاعودة لتندلع الثورة، مخلفة وراءها قطاعا واسعا من الآمال والتحديات، تفرض على مؤسسات ما بعد الثورة التفاعل معها.

وهنا، بدت الثورة المصرية بمثابة لحظة كاشفة لأوضاع مجتمع يعانى مشكلات حقيقية، فالمؤسسات فشلت في تحقيق مطالب مجتمعية على مدى سنوات طويلة أفضت إلى تزايد السخط الشعبي. وعشية إسقاط النظام بتنحي الرئيس السابق، بات المجتمع يشهد متلازمات للثورة، وأهمها ثورة التطلعات لتكون العنوان الأبرز لسلسة الأزمات التي عانتها الدولة تباعاً، فثورة التطلعات دفعت نحو موجة من الاعتصامات والإضرابات.

وامتدت ثورة التطلعات لمقاليد السلطة والتنازع على شكل وهوية الدولة بين تيار مدني يتطلع لدولة بشكل معين، وتيار إسلام سياسى يمتلك هو الآخر تصورا مغايرا. وسرعان ما انتقل هذا الصراع إلى محطات سياسية مهمة، بدءًا من استفتاء مارس 2011 على التعديلات الدستورية، مروراً بالبرلمان والجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وانتهاءً بالموقف من انتخابات الرئاسة والمؤسسة العسكرية. وما بين سطوة الاعتصامات والصراعات السياسية، استمر الانفلات الأمني، وتغيبت قضايا العدالة الاجتماعية.وفي هذا السياق المتشابك والإرث المتراكم من الأزمات، تأتى الانتخابات الرئاسية لتضع أمام الرئيس القادم العديد من الملفات والقضايا الرئيسية التي تمثل تحديا حقيقيا.

قضايا ملحة أمام الرئاسة

تتمثل فلسفة الثورات في البحث عن واقع أفضل، والوصول بتصورات الشارع لمرحلة اليوتوبيا، حتى تبدأ المرحلة الانتقالية، وتتصادم التصورات بالواقع بشتى معطياته. وهذه الصورة كانت واضحة في الحالة المصرية، فميدان التحرير عبر عن حالة الرومانسية السياسية، وإيجاد واقع جديد يعلى من الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ولكن عندما راوحت الثورة الميدان، اصطدمت بمتغيرات معقدة جعلت المرحلة الانتقالية في مخيلة البعض بمنزلة إجهاض لحلم الثورة. فقد كانت المرحلة الانتقالية فترة حاضنة لنمو القضايا الشائكة، مما جعل هذه القضايا في انتظار إيجاد حلول تأتى من خلال المؤسسات المنتخبة، حتى بدا أن البرلمان عاجز عن تسوية قضايا المجتمع، ومن ثم باتت مؤسسة الرئاسة مطالبة بالتعامل مع خمس قضايا:

1- الملف الأمني ، يعد إحدى القضايا المطروحة على أجندة الرئيس القادم، لاسيما أنها تتضمن تعقيدات كثيرة، فهي مرتبطة بفلسفة النظام السابق. إذ إن النظم الاستبدادية عادة ما تغيب فكرة المؤسسة، وتصبح القرارات مرهونة برغبات النظام المستبد، وهى الفكرة التي انسحبت على المؤسسة الأمنية في مصر. فوزارة الداخلية كانت مجرد أداة للدفاع عن مصالح النظام. وقد انعكست هذه الفكرة على العقل الجمعي المصري خلال السنوات الأخيرة، واستقر في وجدانه أن الجهاز الأمني نتاج لنظام مستبد يقمع الحريات، ولا يحترم أدنى مقومات حقوق الانسان (1).

وبمرور الوقت، تراكمت على العلاقة بين الطرفين المزيد من السلبيات. ومع انفجار الثورة، كانت وزارة الداخلية من أولى المؤسسات التي تم إسقاطها، بحيث قوضت فكرة المواطن المقهور في مواجهة رجل الشرطة، ومن ثم كانت المحصلة لهذا الأمر انتشار حالات البلطجة والسيولة الأمنية.وفي هذا السياق، تكشف الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسية (باختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم) عن التعامل بدرجة عالية من الواقعية، فالتعامل مع الملف يحتل أولوية كبيرة (2). أما فيما يتعلق بأدوات التعامل مع الأزمة، فالرؤى موحدة تجاه إصلاح وزارة الداخلية، عبر عملية إعادة هيكلة تنتهي إلى استعادة الدور الأساسي للمؤسسة الأمنية، وبالتالي إيجاد علاقة التوازن بين المواطن والمؤسسة ، مع إعطاء مساحة أكبر للتعاطي مع فكر المؤسسة الأمنية، بحيث تتم إعادة تدريب وتأهيل الكوادر الأمنية وطلاب كلية الشرطة، بالإضافة إلى تعزيز الرقابة المدنية الحقوقية على سياسات وزارة الداخلية.

2- الحركات الاحتجاجية، الثورة بطبيعتها تعبير عن رفض للممارسات والمؤسسات القائمة، وهذا الخط التصاعدي للاحتجاجات الشعبية بدأ في مصر منذ سنوات مع تزايد الشروخ في بنية الاستبداد. وبالوصول إلى الحالة الثورية في 25 يناير 2011 ، تداخل على واقع الاحتجاجات الشعبية عنصر آخر تمثل في تزايد الطموحات لدى قطاع عريض من المجتمع بصورة فرضت على النظام الجديد الاستجابة لمطالب عدة من جهات متباينة.وبالتزامن مع غياب قدرة المؤسسات القائمة على التفاعل مع واقع الاحتجاجات، أصبحت الاعتصامات والمطالب الفئوية تتصدر المشهد السياسى في مصر خلال الشهور المنقضية، وتبحث عن حلول في شخص الرئيس القادم.

ويتعامل مرشحو الرئاسة مع هذا الملف عبر ثلاثة مستويات، يمثل المستوى الأول الاستجابة للحركات الاحتجاجية، وتبنى موقف مبدئي يتضح من خلال التصريحات المعلنة، يؤكد احترام حق التظاهر والاعتصام. المستوى الثاني يعبر عن الرؤية المؤسساتية وتأكيد دور المؤسسات في تلبية الاحتياجات المجتمعية. وهنا، تبدو الاختلافات الأيديولوجية أكثر وضوحاً، فالخلفية اليسارية والحقوقية للمرشحين المحسوبين على التيار الثوري، كحمدين صباحي وأبو العز الحريري وخالد على، جعلتهم يعتنقون أفكارا أكثر تأكيداً - مقارنة بمرشحي التيارين الآخرين – على حقوق العمال والفلاحين، ودعم العمل النقابي، وإفراد مساحة أكبر لهذه القضايا في برامجهم الانتخابية .

فيما ينطوي المستوى الثالث على منظومة تتفاعل من خلالها ديناميات الحركات الاحتجاجية مع قضية العدالة الاجتماعية والسياسات الاقتصادية، فالمرشحون يطرحون آلية التعامل مع الحركات الاحتجاجية كجزء من ملف العدالة الاجتماعية. ومن ثم، فإن السياسات الاقتصادية المطروحة من جانبهم تجمع بين أفكار رأسمالية واشتراكية – أو ما يمكن أن نطلق عليه أفكار الطريق الثالث – بما يحقق التنمية البشرية، ويراعي احتياجات طبقات وفئات مجتمعية تم تهميشها خلال السنوات الأخيرة، والهدف النهائي لذلك تحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما سيكون له مردود إيجابي على إرساء دعائم شرعية المؤسسات كانعكاس لتزايد الرضاء العام، بما يفضى في نهاية المطاف إلى التخفيف من حدة الاحتجاجات.

3- تيار الإسلام السياسي، من أهم التغيرات التي طرأت على الساحة المصرية بعد الثورة انبعاث تيار الإسلام السياسي، وحصوله على أغلبية مقاعد البرلمان بمجلسيه، في سياق اتسم بالتأزم بين قوى الإسلام السياسي والقوى الأخرى.وهذا الصعود للقوى الإسلامية  أسفر عن عدد من القضايا الشائكة، يتعين على الرئيس القادم التعامل معها. فهناك تساؤل حول كيفية التعامل مع التيار الإسلامي بتنوعات أفكاره واتجاهاته، ناهيك عن التصور حول حدود الحريات في الدولة، فضلاً عن الوضع المتعلق بتطبيق الشريعة. و بإستثناء التوافق حول المادة الثانية من الدستور، يكشف هذا الملف عن وجود مساحة أكبر من الاختلاف بين المرشحين، الأمر الذى يتجلى عبر المؤشرين التاليين:

- إن المرجعية الفكرية تمثل محورا أساسيا في تعامل الرئيس القادم مع هذا الملف، لاسيما أن هناك تيارا إسلاميا يخوض الانتخابات، ويمتلك مرشحوه حظوظا وافرة في المنافسة، وبالتالي فإن وصول أحد ممثليه لكرسي الرئاسة سيؤدى إلى تراجع أولوية هذا الملف، نظراً لأن التجانس الفكري في شكل مؤسسات الدولة المنتخبة سيكون هو العنصر الحاكم حينها، وهذا بخلاف وصول مرشح من التيارين الآخرين. فآنذاك، سيصبح التعامل مع هذا الملف أكثر تعقيداً، وسيتطلب عدة مواءمات سياسية، وتنازلات، والدخول في صفقات، مع احتمالية الدخول في صدامات.

- الترابط بين بزوغ التيار الإسلامي وقضايا أخرى، مثل سقف الحريات وأوضاع الأقليات، أوجد حالة من الاستقطاب بين مرشحي الرئاسة، بحيث بدا أن ثمة توحدا بين تيار الثورة وتيار الحرس القديم في مواجهة المرشحين الإسلاميين. فالمعسكر الأول أضحى يركز في دعايته على دعمه للحريات وحقوق المواطنة، كوسيلة منه للضغط على المرشحين الإسلاميين، على اعتبار أن هذه القضايا تحظى باهتمام العديدين، وطرحها قد يمثل خصماً من حظوظ المرشحين الإسلاميين.

وفي المقابل، سعى ممثلو التيار الإسلامي، كعبد المنعم أبو الفتوح ومحمد مرسى ومحمد سليم العوا، إلى تقديم رؤية للشريعة الإسلامية، تتخذ من مبادئ ومقاصد الشريعة ركيزة، وتفترض عدم وجود تعارض بين الشريعة والحريات وحقوق المواطنة.

4- المؤسسة العسكرية، فرض مسار الثورة المصرية على معادلات القوى السياسية دخول لاعب رئيسي للسياق العام، لاسيما أن الأيام الأولى للثورة كشفت عن أن المجتمع يفقد الثقة في كل مؤسسات الدولة القائمة باستثناء المؤسسة العسكرية، وترسخت هذه القناعة عندما تبين أن المؤسسة العسكرية تقف إلى جانب المطالب الثورية. ولكن أثناء الفترة الانتقالية، أصبحت هذه  العلاقة تنطوي على العديد من التعقيدات، إذ إن سوء إدارة الفترة الإنتقالية أعطى مؤشرات سلبية، يضاف إلى ذلك أحداث العنف التي شهدتها المرحلة، كأحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية ، واكتملت هذه المنظومة مع الجدل حول وضع الجيش في الدستور وميزانيته.

وفي هذا السياق، توافقت رؤى المرشحين على أهمية دور الجيش المحوري في الدفاع عن حدود الدولة وتأمينها، كما تضمنت البرامج الانتخابية تأكيد ضرورة تسليح الجيش وتقويته.ومع التعرض للقضايا الشائكة المرتبطة بميزانية الجيش والمشروعات الاقتصادية - تمارس المؤسسة العسكرية الأنشطة الاقتصادية منذ ثمانينيات القرن الماضي (3) – تبدو مساحة الاختلاف أكبر، وإن كان هذا الاختلاف في أدنى حدوده. فرؤية المرشحين (خاصة مرشحي التيار الإسلامي وتيار الحرس القديم) اتسمت بقدر كبير من الواقعية، والابتعاد عن المواقف الراديكالية بتأكيد استمرارية وضع ميزانية الجيش، والحفاظ على سرية مناقشة بنودها في  نطاق ضيق يجمع بين مسئولين من السلطة التنفيذية والتشريعية.

فيما يطرح بعض مرشحي التيار الثوري رؤى يمكن أن تُحدث تصادما مع المؤسسة العسكرية، حيث يتبنى المرشح  خالد على في برنامجه الانتخابي موقفا رافضا للأنشطة الاقتصادية للجيش، ويطالب بنقل تبعيتها للقطاع المدني بالدولة، بما قد يدفع نحو توتر مع المؤسسة. 

5- السياسة الخارجية، تمثل ملفات السياسة الخارجية قضايا متشابكة أمام الرئيس القادم، فالدولة المصرية، خلال الفترة التي أعقبت الثورة، مرت بأزمات مع العالم الخارجي، تجلت ملامحها في التوتر مع إسرائيل، على خلفية أحداث السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وتصدير الغاز المصري لإسرائيل. وامتدت هذه التوترات إلى العلاقات المصرية- الأمريكية، عقب تفجر قضية منظمات المجتمع المدني والتمويل الأجنبي، يضاف إلى هذا ملف دول حوض النيل، وكيفية التعامل مع النظم الملكية في الخليج العربي، وتخوف هذه النظم من تجربة الثورة، وإمكانية انتقالها لمجتمعاتها.

وإزاء هذه القضايا، فإن تحليل توجهات المرشحين يعبر عن بعدين

- البعد الأول يتضح من خلاله الاتفاق حول إعطاء أولويات جديدة في السياسة الخارجية (كملف العلاقات الإفريقية، وبالأخص دول حوض النيل)، والبحث عن صيغة جديدة للعلاقة مع الولايات المتحدة، وإنهاء حالة التبعية التي وُصف بها النظام السابق.

- فيما يتداخل مع البعد الثاني الاختلافات الأيديولوجية بين المرشحين، فحمدين صباحي يستدعى رؤية ناصرية لدوائر السياسة الخارجية – الدائرة العربية فالإفريقية ثم الإسلامية، واعتبار أن إسرائيل دولة عدائية. ومرشحو التيار الإسلامي يستدعون رؤية إسلامية للعلاقات مع بعض القوى كحماس وغيرها. فحينما سُئل محمد مرسى بأحد البرامج التليفزيونية عن طبيعة العلاقة مع المقاومة الفلسطينية، أوضح أنه في حال انتخابه رئيساً للجمهورية، سيقيم علاقات وثيقة مع حركة حماس. كما أن مرشحي هذا التيار لا يخفون امتعاضهم من معاهدة السلام مع إسرائيل. فيما يطرح التيار المحسوب على النظام القديم رؤية أكثر براجماتية، ويبدو أنهم يمثلون امتداداً لأفكار وسياسات نظام السادات وبعده مبارك، خاصةً أن مرشحي هذا التيار"يعتنقون الدولاتية، وهى أيديولوجية الدولة المصرية التي تسبق وتعلو أي التزام فكرى أو أيديولوجي" (4).

شروط لمواجهة تحديات الرئاسة

اختلاف المرجعية واتفاق البرامج السمة الرئيسية لمرشحي الرئاسة، فهم يعبرون عن مختلف ألوان الطيف السياسي، فيما تتشابه برامجهم تجاه القضايا الخمس المطروحة. وعطفاً على هذا، فإن  ثمة عوامل سيكون لها مردودها على سياسات الرئيس القادم:

أولاً) الدور مرتبط بالصلاحيات، ومن ثم فإن الصلاحيات التي ستُمنح للرئيس وشكل النظام السياسي الذي سينتهي إليه الدستور الجديد سيرسمان حدود دور الرئيس القادم. ويعد السيناريو الأسوأ – والمستبعد أيضاً– في هذا الصدد تبنى النظام البرلماني برئيس ذي صلاحيات محدودة.أما الخيار الأرجح، فهو تبنى النظام المختلط لتكون هناك صلاحيات واضحة لمؤسسة الرئاسة، تتيح لها التفاعل مع قضايا السياسة الداخلية والخارجية. يضاف إلى هذا أن وصول رئيس يحظى بتوافق أكبر نسبة من الناخبين سيؤدى إلى مساحة أكبر للتحرك في مواجهة القضايا الملحة.

ثانياً) العلاقة بين البرلمان ومؤسسة الرئاسة مرهونة بنتائج الانتخابات – وذلك بافتراض أن البرلمان الحالي سيستمر، ولن يتم الحكم بحله – فوصول رئيس من تيار الثورة سيؤدى إلى تفعيل آليات الرقابة والتوازن بين السلطتين بصورة تنعكس إيجابياً على الحياة السياسية، ولكنه في الوقت ذاته قد يفضى إلى أزمات، في حال وصول الخلافات بين الطرفين إلى نقطة التفجر السياسي.

بينما يطرح وصول رئيس من التيار الإسلامي سيناريو آخر، مفاده إضعاف آليات الرقابة، فيما تقل درجة الخلافات الفكرية. أما في حال وصول رئيس من تيار الحرس القديم ، فستغلب على العلاقة بين الطرفين الصراعات السياسية، فيحدث عجز في كلتا المؤسستين عن التعامل مع الملفات المطروحة.

ثالثاً) إدراك الأولويات والتعامل مع قضية الأمن سيشكل عنصرا داعما للرئيس القادم، فالمؤسسة الأمنية على مدى السنوات الأخيرة تمكنت من تكوين فلسفتها الخاصة، فضلاً عن  قيادات أمنية ترفض أي سياسات يمكن أن تنال من وضعها، وهو ما قد يفرض على الرئيس القادم التعامل مع المؤسسة عبر تناقضاتها الداخلية، بحيث يدخل في تحالفات مع الائتلافات ذات التوجهات الإصلاحية داخل المؤسسة، مع الاستجابة للمطالب الخاصة بزيادة الرواتب، وذلك بالتوازي مع الاهتمام بخريجي كلية الشرطة.

رابعا) الأفكار التي يطرحها المرشحون أثناء حملاتهم الانتخابية قد تتصادم مع الواقع السياسي مع الوصول إلى سدة الحكم، الأمر الذي سيفرض عليهم تقديم عدة تنازلات، وعلى وجه الخصوص عند التعامل مع ملفات المؤسسة العسكرية. حينئذ، ستكون المواءمات السياسية هي السيناريو الأقرب والأرجح. إذ إن العلاقة بين الرئيس القادم والمؤسسة العسكرية لن تكون معادلة صفرية.

وفي هذا الصدد، يُبدى بعض المرشحين، مثل محمد مرسى وعبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى، مقاربات أكثر واقعية في التعاطى المؤسسة العسكرية، من حيث ضرورة التشاور مع المؤسسة فيما يتعلق بشئونها، ومناقشة ميزانية الجيش في أضيق حدود (6) ناهيك عن طرح فكرة الخروج الآمن لمصر (كبديل لفكرة الخروج الآمن للمجلس العسكري) والتى تحتمل عدة دلالات، منها الدخول في مواءمات مع المؤسسة العسكرية، وتقديم تنازلات لها.

وأخيراً، تطرح ثنائية الدولة والمجتمع إشكالية حقيقية خلال الفترة القادمة. فمصر كانت إبان حكم النظام السابق أشبه ما تكون بدولة رخوة، يستشرى فيها الفساد، ولا يُطبق فيها القانون، بما خلق مصالح لدى فئة مجتمعية معينة تسعى للحفاظ عليها، وتكييف القوانين وأوضاع الدولة وفقاً لهذه المصالح.ولكن بعد الثورة، اختلت الصورة، فالمجتمع أصبح هو العنصر الفاعل، بما يطرح تساؤلا على الرئيس القادم عن كيفية استعادة قوة الدولة، وليس استبدادها، مع الحفاظ على حيوية المجتمع كقوة تحقق التوازن في دولة ما بعد الثورة.

المراجع
1.    بسمة عبد العزيز ، "إغراء السلطة المطلقة " ، (القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2012) ، ص ص 80 – 85 .
2.    Mayy El Sheikh And Robert Mackey, "Ad Wars Ahead Of Egyptian Presidential vote" , New York Times, May 6, 2012,                                                                                            
http://thelede.blogs.nytimes.com/2012/05/08/ad-wars-ahead-of-egyptian-presidential-vote/
3.    محمد قشقوش ، "العلاقت العسكرية – المدنية : الإشكاليات السبع التى تواجه الجيوش في مرحلة ما بعد الثورات العربية" ، السياسة الدولية ، (العدد 188 ، يناير 2012) ، ص ص 152 – 158.
4.    محمد شومان ، "ملاحظات على السباق الرئاسى في مصر" ، الحياة اللندنية ، 9/5/2012.
5.    David D.Kirkpatrick , "Candidates In Egypt Work To Mollify The Military" , New York Times, may 6,2012,  http://www.nytimes.com/2012/05/07/world/middleeast/egypt-presidential-candidates-pledge-to-protect-military.html.



    


رابط دائم: