تقليدية أم ثورية ؟:| محددات السلوك التصويتي للمصريين في انتخابات الرئاسة
15-5-2012

صبحي عسيلة
* باحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

الثلاثاء 15 مايو 2012

التساؤل الرئيسى الذي يشغل بال المصريين– نخبة وجماهير – حاليا هو من سينتخب المصريون رئيسا في الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة. وفي محاولة للاقتراب من بلورة إجابة مرضية على ذلك السؤال، يتواضع البعض ليطرح التساؤل بصيغة أخرى، مفادها كيف ينتخب المصريون الرئيس بعد الثورة من بين قائمة الثلاثة عشر مرشحا الذين يخوضون السباق الرئاسي.

صعوبة الإجابة على التساؤل بصيغتيه تنبع بالأساس من أنه لا توجد "سوابق" مصرية بشأن انتخاب الرئيس الذي يقف المصريون أمامه اليوم. فهي المرة الأولى التي يذهب فيها المصريون إلى انتخابات رئاسية حقيقية يتنافس فيها مرشحون تتفاوت شعبيتهم وأوزانهم، ولكن لا يوجد بينهم من يمكن القول إن السباق محسوم بالنسبة له، على نحو ما حدث في انتخابات الرئاسة الأخيرة قبل الثورة في عام 2005، حيث كان الأمر محسوما سلفا للرئيس مبارك، أو هكذا تعامل المصريون مع الأمر.

أما قبل تلك الانتخابات، فكان الرئيس المصري يأتي عبر الاستفتاء الشعبي بعد تسميته من مجلس الشعب، وهو أمر لا يمكن القياس عليه مطلقا، حينما يتعلق الأمر بانتخابات حقيقية، ازدادت ثقة المصريين في أنها ستكون نزيهة إلى حد بعيد، نتيجة الثقة التي ولدتها انتخابات مجلسي الشعب والشورى ما بعد الثورة. ولعل التغير الأول والأهم الذي تشهده البيئة المحيطة بالعملية الانتخابية فيما بعد الثورة يتمثل في الإقبال الشديد من قبل المصريين على التصويت في الانتخابات، وهو الأمر الذي حدث ولاحظه الجميع في الانتخابات البرلمانية التي وصلت نسبة المشاركة فيها إلى نحو 55%، وهي نسبة غير مسبوقة في الانتخابات المصرية على مدى تاريخها.

أما عن الانتخابات الرئاسية، فتشير استطلاعات الرأي العام المصري، التي يجريها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، إلى أن تلك النسبة لا تقل عن 90%، بما يعني أن الحديث عن مجتمع الناخبين لن يقتصر فقط على من صوت في الانتخابات البرلمانية، ولا على الناخبين الذين تعودا المشاركة، أو المواطنين الأكثر فعالية ونشاطية سياسية، بل إن الانتخابات الرئاسية ستشهد دخول "ناخبين جدد" كثيرين، بما يصعب من إمكانية توقع الرئيس المصري في انتخابات 2012.

محددات السلوك التصويتي

بيد أن ذلك لا يعنى أنه لا يمكن تصور أهم المحددات التي ستحكم السلوك التصويتي للمصريين في الانتخابات الرئاسية، إذ يمكن تقسيم تلك المحددات إلى نوعين أساسين، هما المحددات التقليدية، والمحددات التي أفرزتها الثورة، أي المحددات الثورية.

أولا- المحددات التقليدية: والمقصود بها تلك المحددات التي يعتقد أن المصريين يصوتون على أساسها، وهي المحددات التي تم التعرف عليها من خلال خبرة المصريين في الانتخابات السابقة، وتحديدا الانتخابات البرلمانية، على اعتبار أن مصر لم تشهد انتخابات رئاسية حقيقية يمكن الاعتماد على محددات السلوك التصويتي فيها، إذ إنه من المنطقي أن محددات السلوك التصويتي لناخبين في انتخابات رئاسية تختلف إلى حد ما عن محددات السلوك التصويتي في الانتخابات البرلمانية. ومن تلك المحددات:

1- الصورة الذهنية المتكونة لدى الجماهير عن المرشح. ظلت الصورة الذهنية أو النمطية المتكونة، أو بالأحرى التي يكونها الإعلام عن بعض المرشحين، واحدا من أهم المحددات التي يعتمد عليها المصريون في سلوكهم التصويتي. فانتشار الأمية، والأهم الأمية السياسية، في ضوء التراجع الحاد للاهتمام بالسياسة والمشاركة في العملية السياسية، كان عاملا مهما في شيوع ما يمكن اعتباره "استسهالا" في اختيار المرشحين، طبقا لما يشاع عنهم، أو طبقا لتوصيات يأخذها الناخبون من ناخبين آخرين ينصحونهم بالتصويت لمرشح معين، دونما بحث من جانبهم في قدرات المرشح وأهليته لتولي ما ينتخب من أجله، إذ بدا هؤلاء الناخبون يبحثون عن حلول بسيطة بعيدة عن التعقيد.

2ـ الاعتبارات الاقتصادية. فمع انتشار الفقر بين الكثير من المصريين بنسبة تتراوح بين 30% و40%، كان من الطبيعي أن يغازل المرشحون حاجات الناخبين الاقتصادية. ومن ناحية أخرى، فقد كان كثير من الناخبين ينظرون إلى الانتخابات باعتباره "موسما" لجني أكبر قدر ممكن من المكاسب الاقتصادية، سواء كانت تتسم بطابع العمومية، أي في شكل مشروعات أو دعم مشروعات للقرية أو الحي الذي يسكنون فيه، أو من خلال ما يحصل عليه كل ناخب مباشرة من قبل المرشح، سواء لانتخابه أو لدعمه انتخابيا. وانتشر في تلك البيئة مسألة شراء الأصوات، حيث وصل ثمن الصوت في بعض الانتخابات إلى ألف جنيه، وبدأ الحديث عن كيفية التعامل مع ظاهرة "المال السياسي" في الانتخابات المصرية. وغالبا ما كان الصوت الانتخابي يذهب لمن يدفع أكثر. ولعل تلك الظاهرة كانت من أهم العوامل التي تفسر تزايد نسبة رجال الاعمال في البرلمان.

3ـ الدين. وقد لعب الدين دوره في الانتخابات البرلمانية أولا من خلال عدم ميل واضح للتصويت للمسيحيين في الانتخابات، ومن ثم تضاءل بشكل واضح جدا أعداد المسيحيين في البرلمان، وكذلك الحال بالنسبة للتصويت للنساء، وتضاءلت نسبتهن أيضا. أما في مجال المفاضلة بين المرشحين المسلمين من الذكور، فكما سبقت الإشارة، كان الدين يستغل للترويج للمرشح المنتمي للتيارات الإسلامية. ومن هنا نشأت ظاهرة استخدام الدين في السياسة، واستخدام دور العبادة في الدعاية الانتخابية، واستخدام الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية، بل واستخدام الآيات القرآنية نفسها والأحاديث النبوية.

ثانيا- المحددات الثورية: هي تلك المحددات التي أفرزتها الثورة المصرية عبر تغييرها الكامل للبيئة التي تجري في سياقها الانتخابات الرئاسية. فللمرة الأولى في تاريخ المصريين، أصبح القرار بأيديهم في تحديد شخص الرئيس بين قائمة من المرشحين لا يمكن "التخمين" مسبقا بأيهم سيكون الرئيس، خلافا لما كان عليه الوضع في انتخابات الرئاسة في عام 2005. وللمرة الأولى أيضا، يتوجه المصريون إلى الانتخابات، بينما الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد في حالة شديدة السوء.
وللمرة الأولى، يذهب المصريون إلى الانتخابات الرئاسية، بينما الخلافات على الساحة السياسية على أشدها، سواء فيما يتعلق بدور البرلمان، أو بطبيعة الدستور المصري، أو بشكل النظام السياسي الذي ستكون عليه مصر، وضمن ذلك أيضا اختلافات حول الصلاحيات التي يجب أن يمارسها رئيس الجمهورية. فبينما تدور الخلافات بين النخب والقوى السياسية حول تلك الصلاحيات.

ويكاد يتبلور اتفاق على ضرورة أن النظام المصري مختلط ما بين الرئاسي والبرلمان، بما يعني تقليصا لصلاحيات الرئيس، فإن الرأي العام في غالبيته يؤيد النظام الرئاسي الذي يعطي الرئيس صلاحيات كبيرة في متابعة القضايا الداخلية والخارجية على حد سواء. إذ أشارت استطلاعات الرأي العام، التي يجريها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام بشكل أسبوعي منذ نهاية شهر مارس 2012 ، إلى أن ما لا يقل عن 90% من المصريين يفضلون أن تشمل اختصاصات الرئيس الأمور الداخلية والخارجية معا.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه نظرا للتداعيات السلبية التي خلفتها الثورة، خاصة فيما يتصل بالانفلات الأمني، فإن القدرة على التعامل مع ذلك الملف باتت واحدا من أهم المعايير التي يبدو أن المصريين، خاصة في المناطق الريفية وبين الفئات الأقل تعليما والأقل دخلا، التي سينتخبون الرئيس على أساسها. فهذه الفئات، والتي تمثل النسبة الكبرى من جمهور الناخبين هى الأكثر تضررا من الآثار السلبية الناتجة عن الانفلات الأمني، وما أدى إليه من تعطيل عجلة الإنتاج.

ملامح الرئيس القادم

كشفت نتائج استطلاعات الرأي العام المصري، التي أجراها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام منذ نهاية شهر مارس 2012 ، عن أن المصريين يبحثون عن رئيس مستقل عن الأحزاب، وله خبرة في الإدارة الحكومية وإسلامي في الوقت ذاته. إذ أظهر ما لا يقل عن ثلاثة أرباع المواطنين تفضيلهم للمرشح المستقل عن الأحزاب، بما يشير إلى أن الثورة المصرية لم تغير بعد نظرة المصريين المتشككة تجاه الأحزاب، وهي النظرة التي أكدتها استطلاعات أخرى للمركز، أثناء الانتخابات البرلمانية الماضية. فمن ناحية، كشفت تلك الاستطلاعات عن أن نسبة المشاركة في الأحزاب لا تزال على وضعها المتردي للغاية، كما كشفت عن استمرار تراجع نسبة ثقة المصريين في الأحزاب بصفة عامة.

إضافة إلى ذلك، فقد كشفت الاستطلاعات عن أن المصريين، وتقديرا منهم لأهمية منصب الرئيس ومحوريته في النظام السياسي المصري، فإن ما لا يقل عن نصفهم يؤيدون اختيار الرئيس من بين هؤلاء الذين يتمتعون بخبرة يعتد بها في العمل الحكومي، بينما تضاءلت نسبة من ينوون اختيار الرئيس من بين من كانوا معارضين للنظام السابق إلى نحو 15%.

وأخيرا، فإن عامل الدين يظهر عند مفاضلة المصريين بين المرشحين على أساس الانتماء الأيديولوجي لهم، إذ احتل المقدمة بنسب لا تقل عن 50% ذلك المرشح ذو الانتماء الإسلامي. وهكذا، يمكن القول، طبقا لنتائج الاستطلاعات، إن عامل الخبرة سيكون حاسما في اختيار الرئيس، على اعتبار أنه لا يوجد بين المرشحين الإسلاميين من لديه خبرة في العمل الحكومي، بينما لا يمكن التشكيك في إسلام المرشحين الذين لديهم خبرة في العمل الحكومي.

ويبدو أن ذلك سيكون كافيا لغالبية المصريين الذين لا يتعاملون مع مصطلح إسلامي، باعتباره يشير إلى أن يكون المرشح مسلما. وهو ما يفسر إلى حد بعيد استمرار السيد عمرو موسى في تصدر نتائج الاستطلاعات بشأن المرشح المفضل لدى المواطنين، باستثناء الاستطلاع الذي أجري عقب ترشح اللواء عمر سليمان الذي تقدم إلى المرتبة الأولى لمرشح مفضل للمصريين، فهو يتمتع بخبرة واسعة، إضافة إلى خلفيته العسكرية، علاوة على الصورة الذهنية المتكونة لدى المواطنين، باعتباره رجلا قويا يمكنه التعامل مع الأزمات.

الخلاصة أن كثيرا من المحددات التقليدية للسلوك التصويتي للمصريين في الانتخابات لا تزال لها الغلبة في تفسير السلوك المتوقع من قبل الناخبين لانتخاب الرئيس المصري الأول في مرحلة ما بعد الثورة. فالصورة الذهنية المتكونة عن المرشح، وقدرته على تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين المتعلقة بالأمن والاقتصاد، سيكون تأثيرهما هو الأكثر تأثيرا فى غالبية المواطنين، ساعة الوقوف أمام صندوق الانتخابات.


رابط دائم: