البراجماتية:|الموقف الأمريكي تجاه انتخابات الرئاسة المصرية
13-5-2012

عمرو عبد العاطي
* باحث ومحرر في مجلة السياسية الدولية متخصص في الشئون الأمريكية

الأحد 13 مايو 2012

لمكانة مصر الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، ولتأثير ما يحدث فيها فى استقرار منطقة الشرق الأوسط والمصالح الأمريكية، تهتم الأوساط الأمريكية بمستقبل التحولات السياسية في مصر، وهو اهتمام ليس وليد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ، ولكنه سابق على الثورة المصرية بفترة طويلة.
فأثناء فترة الرئيس المصري السابق "حسني مبارك"، كان هناك اهتمام أمريكي على كافة المستويات السياسية والأكاديمية والإعلامية بمستقبل مصر السياسي، ومن سيخلف الرئيس المصري "مبارك" في حكم البلاد، ولكنه زاد مع اندلاع الثورة المصرية، في ظل ضبابية وسيولة الأوضاع السياسية المصرية، وعدم وضوح الرؤية، وتصارع القوى السياسية المصرية، ناهيك عن تبني مرشحي الرئاسة خطابات شعبوية، من شأنها تهديد العلاقات المصرية - الأمريكية، وتنال من المصالح الأمريكية في المنقطة؛ مما يُثير تساؤلا رئيسيا يشغل كثيرا من المصريين، مفاده: كيف تفكر الولايات المتحدة الأمريكية في انتخابات الرئاسة المصرية؟،خاصة أن المرشح حازم صلاح أبو إسماعيل اتهم واشنطن - ردا على استبعاده من السباق الرئاسي – بأنها زورت أوراق الجنسية الأمريكية لوالدته .

متغيرات حاكمة للموقف الأمريكية

مع نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 في الإطاحة بنظام "حسني مبارك"، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وقرب إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية هذا الشهر، تشكلت مجموعة من المتغيرات والمحددات التي تشكل الموقف الأمريكي من الانتخابات الرئاسية المصرية، والتى نجملها في الآتي:

أولا- تزايد موجة الغضب الشعبي المصري من الولايات المتحدة الأمريكية، بداية من دعمها لنظام مبارك في بداية الثورة المصرية، وتردد الموقف الأمريكي بين مطالبة النظام المصري السابق بتبني خطوات إصلاحية تارة، ومطالبته بالتنحي والتخلي عن إدارة شئون البلاد تارة أخرى، والوقوف بجانب ثوار ميدان التحرير مع بداية ظهور ضعف نظام "مبارك"، وعدم قدرته على الصمود، وهو الأمر الذي أوصل رسالة للمصريين والثوار، مفادها أن الولايات المتحدة تنحاز إلى مصالحها، وأنها تضحي بمبادئها وقيمها التي تدعو إليها مقابل مصالحها، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي اللامتناهي لإسرائيل، وحروبها في العراق وأفغانستان.

وقد تجلت صور تلك الموجة العدائية في التأييد الشعبي لتقديم مسئولي المنظمات الأمريكية العاملة في مصر إلى القضاء المصري بدون تراخيص رسمية، وتمويل منظمات المجتمع المدني المصري بدون موافقة الحكومة المصرية، والعمل على تهديد أمن ومصالح مصر، وكذا رفض الأوساط الشعبية المصرية للمعونة الأمريكية لمصر. فقد أظهر استطلاع للرأي لمركز جالوب لاستطلاعات الرأي أن 71% من المصريين يعارضون المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر، و74% منهم يرفضون توجيه الولايات المتحدة مساعدات مباشرة إلى منظمات المجتمع المدني المصري.

ثانيا- شعبوية مرشحي الرئاسة المصرية. فقد صاحب موجة العداء للولايات المتحدة في الأوساط الشعبية المصرية إعلان مرشحي الرئاسة المصرية عن رغبتهم في إعادة النظر في العلاقات المصرية – الأمريكية، انطلاقا من الحفاظ على وتحقيق المصلحة المصرية، وعودة الدور الإقليمي لمصر في منطقة الشرق الأوسط، بعد سنوات من التراجع والانصياع للإدارتين الأمريكية والإسرائيلية؛ مغازلين بذلك نسبة كبيرة من الناخبين الرافضين لهذا الانصياع الذي كان سمة فترة حكم "مبارك" الثلاثين. ولكن اختلفت درجة وحدة تصريحات المرشحين حيال العلاقات المصرية – الأمريكية. فمرشحو التيار الإسلامي والقومي يتبنون تصريحات ستفضي إلى إعادة تشكيل العلاقات المصرية – الأمريكية، لكن هذا التغيير سيكون أقل مع وصول أي من المرشحين المحسوبين على النظام السابق إلى سدة حكم مصر.

ثالثا- تصاعد قوة التيار الإسلامي بشقيه الإخوان المسلمين (حزب الحرية والعدالة) والسلفيين (حزب النور) في العملية السياسية، بعد تحقيقهما الأغلبية في البرلمان المصري (مجلسي الشعب والشورى). ولم يحدد التيار الإسلامي مواقفه من قضايا تهم الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، في مقدمتها الاعتراف بدولة إسرائيل، واستخدام القوة المسلحة من قبل حركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان، وهي حركات تصنفها الخارجية الأمريكية في تقاريرها السنوية على أنها حركات إرهابية، وكذلك شكل العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن عدم وضوح توجهات السياسة الخارجية للتيار الإسلامي المتصاعد في مصر أخيرا عقب ثورة يناير.

رابعا- توتر العلاقات المصرية – الإسرائيلية، بعد فترة من استقرار العلاقات بين البلدين خلال فترة حكم "مبارك" ، إذ حفلت العلاقات بينهما بعد ثورة 25 يناير بعدة أزمات بدءا بالتوتر على الحدود بين مصر وإسرائيل، والاقتحام الشعبي للسفارة الإسرائيلية، واستبدال العلم المصري بالإسرائيلي، وانتهاء بوقف تصدير الغاز المصري لإسرائيل أخيرا.

خامسا- الانفتاح المصري على قوى إقليمية تراها واشنطن مناوئة لها ولمصالحها في المنطقة، والتي يأتي في مقدمتها إيران – إبان تولي "نبيل العربي" قيادة وزارة الخارجية المصرية - وعلاقات مع تركيا الحليف الأمريكي المعارض لكثير من سياسات واشنطن بالمنطقة.

سادسا- مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر لها في السادس من نوفمبر المقبل، تحتدم المنافسة بين الرئيس الأمريكي الساعي إلى فترة رئاسية ثانية، وحصول حزبه على الأغلبية في مجلسي الكونجرس الأمريكي (مجلسى النواب والشيوخ)، وتزايد انتقادات منافسيه من الحزب الجمهوري ومنتقدي سياساته في منطقة الشرق الأوسط، وصعوبة توفيق الرئيس الأمريكي بين القيم والمبادئ الأمريكية التي ينادي بها كل رؤساء الولايات المتحدة، منذ الآباء المؤسسين للولايات المتحدة والمصالح الأمريكية في المنطقة.

تياران أمريكيان متعارضان

في ظل تلك المحددات والمتغيرات الستة التي تحدد الموقف الأمريكي من أول انتخابات رئاسية في مصر الثورة، احتدم النقاش داخل الولايات المتحدة بين تيارين رئيسيين حول الموقف الأمريكي من الانتخابات الرئاسية المصرية، وهما على النحو التالي:

التيار الأول: يرى أنصار هذا التيار أن الديمقراطية المصرية وفوز الرئيس المصري في انتخابات حرة ونزيهة سيعد عاملا مضيفا إلى قوة مصر الناعمة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يجعل قوة مصر الديمقراطية أقوى بكثير من قوة مصر غير الديمقراطية، وهو الأمر الذي يدفع الرئيس المصري الجديد في دولة استراتيجية للولايات المتحدة، ورمانة الميزان في منطقة الشرق الأوسط، لتبني سياسات معارضة للولايات المتحدة وإسرائيل. وتصاعد نفوذ هذا التيار مع توتر العلاقات المصرية – الأمريكية، والمصرية – الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية.

لا يخفي أنصار هذا التيار قبوله بعدم إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية، واستمرار المجلس العسكري في إدارة شئون البلاد، وعدم تسليمه سلطة البلاد إلى قيادة مدنية منتخبة في انتخابات ديمقراطية، وتخطي العملية الانتخابية برمتها من أجل الحفاظ على العلاقات الخاصة التي ربطت البلدين، خلال فترة حكم مبارك في المجالات الأمنية والعسكرية.

وينتقد أنصار هذا التيار المتشدد لإسرائيل، والمنتشر أعضاؤه في مراكز الفكر والرأي الموالية لإسرائيل وسياساتها واللوبي الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، كمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومؤسسة هيرتيج، ومعهد هدسون، ومعهد أمريكان انتربرايز، تخلي إدارة "أوباما" عن دعم نظام "مبارك" في وجه ثوار ميدان التحرير، ودعمه لآخر لحظة.

التيار الثاني- هو تيار أكثر واقعية، وينتشر في مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية المستقلة كمؤسسة بروكينجز، ومؤسسة كارنيجى للسلام الدولي، ومجلس العلاقات الخارجية، ومعهد السلام الأمريكي الدولي. يري أنصار هذا التيار أهمية تأكيد الإدارة الأمريكية إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية بحرية وشفافية ونزاهة، وتقديم كافة الدعم إلى السلطات المصرية لإجراء تلك الانتخابات على أكمل وجه، وعدم تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في اختيارات الناخب المصري.

ويدعو أنصار هذا التيار، الذي يرى أنه مع سقوط نظام "مبارك" حدث تحول في العلاقات المصرية – الأمريكية، أهمية بحث الإدارة الأمريكية مع نظيرتها المصرية، المنتخبة ديمقراطيا، علاقات جديدة، قوامها الاحترام والمصالح المشتركة، مع التواصل مع كافة التيارات السياسية في مصر، في ظل حالة السيولة السياسية والتنازع والتفرق بين القوى السياسية، وعدم تأييد فصيل أو فريق على حساب الآخر.

هل تحدد الولايات المتحدة هوية الرئيس القادم؟

يكشف تعدد جلسات الاستماع التي عقدتها لجان مجلسي الكونجرس الأمريكي (مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، وكذا الندوات وحلقات النقاش التي نظمها عديد من مراكز الفكر والرأي الأمريكية، بتنوعاتها المختلفة واستضافتها خبراء في الشأن المصري من الأمريكيين والمصريين، وافتتاحيات كبريات الصحف الأمريكية (نيويورك تايمز،واشنطن بوست،وول ستريت جورنال،....) ومقالات الرأي بها، وتغطيات وسائل الإعلام الأمريكية للأحداث المصرية- عن مدى الاهتمام الأمريكي بالتحولات السياسية في مصر، ومستقبل العلاقات المصرية – الأمريكية مع رئيس مصري جديد يسكن القصر الجمهوري، وهو اهتمام لا يعيب الولايات المتحدة الساعية إلى الحفاظ على مصالحها مع حليف استراتيجي ودولة مفصلية في المنطقة، في وقت تمر فيه الولايات المتحدة بأزمات على الصعيدين الداخلي والخارجي.

وينعكس الاهتمام الأمريكي بالانتخابات الرئاسية المصرية ونتائجها في تصريحات الإدارة الأمريكية. ففي خطابه عن الربيع العربي يوم 19 مايو من العام الماضي، قال الرئيس الأمريكي "بارك أوباما": "إن هناك الآن فرصة تاريخية لدعم المصالح الأمريكية". وأضاف" يجب علينا أيضا مواصلة جهودنا لتوسيع نطاق مشاركتنا خارج دوائر النخب، بحيث نصل إلى الناس الذين سيشكلون المستقبل"، لتؤكد كلمات "أوباما" أن أمام الولايات المتحدة بابا مفتوحا من أجل بسط نفوذ أمريكي أوسع في الشرق الأوسط بصور جديدة، والتي يراها البعض تعبيرا عن رغبة واضحة لفرض نفوذ أمريكي على اختيارات شعوب المنطقة.
وتأكد هذا الاهتمام مع زيارة السيناتور الأمريكي "جون كيري"، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، بالمرشح الرئاسي "عمرو موسي"، واتصاله أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة بمرشح جماعة الإخوان المسلمين "محمد مرسي".

ومنذ نجاح الثورة المصرية، والمسئولون الأمريكيون عند زيارتهم للقاهرة يكون لقاؤهم بالقوى السياسية الفعالة على الساحة السياسية المصرية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة"، على أجندة أعمال زيارتهم. وأخيرا زيارة عدد من أعضاء حزب الجماعة للولايات المتحدة ولقاؤهم بأعضاء الإدارة الأمريكية وأعضاء من الكونجرس الأمريكي.

بيد أن الاهتمام الأمريكي بالانتخابات الرئاسية المصرية لا يعني أن الإدارة الأمريكية ستدعم مرشحا أو فريقا على حساب آخر، وأنها لن تشخصن علاقاتها الاستراتيجية بالقاهرة، وتختزلها في الرهان على فريق أو مرشح. ويدعم هذا الرأي عدم نجاح الإدارة الأمريكية السابقة – إدارة "جورج دبليو بوش" بأقطابها من المحافظين الجدد – في فرض رؤيتها على مواطني العراق وأفغانستان. فرغم التدخل العسكري المباشر في أفغانستان والعراق، وتكليف الميزانية الأمريكية أموالا طائلة لإرساء نظم حكم جديدة، كان الاختيار الشعبي في البلدين هو صاحب الكلمة الأخيرة في اختيار الحكام الجدد.

لن تهتم الولايات المتحدة الأمريكية بمن سيكون الرئيس المصري القادم، ما دام لم يحدث تهديد للمصالح الأمريكية الاستراتيجية بين البلدين، والتي تتمثل بصورة رئيسية في الحفاظ على معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، واستمرار التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، ومنع الانتشار النووي في المنطقة. وهي مصالح لا يعارضها أي من مرشحي الرئاسة المصرية، ولذا لن يضحي أي منهم بعلاقات استراتيجية مع الآخر.

وفي ظل هذا التغير الذي يطرأ على العلاقات المصرية – الأمريكية مع رئيس مصري جديد، فإن الولايات المتحدة الأمريكية سيكون أمامها ثلاثة سيناريوهات عند تعاملها مع القيادة المصرية الجديدة.أولها: تبني سياسات واستراتيجيات تمكنها من احتواء أي تهديد للمصالح الأمريكية في المنطقة، وقد تعتمد في ذلك على القوى الدولية الأخرى. ثانيها: تبني سياسات إقليمية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، بحيث لا يحدث تعارض بين المصالح والتوجهات المصرية الجديدة وتلك الأمريكية الثابتة والمتعارف عليها بمنطقة الشرق الأوسط. وآخرها: الصدام بين القيادتين، في حال عجزهما عن بناء توافقات استراتيجية جديدة.

وخلاصة القول إن السيناريو الأخير سيناريو ضعيف الحدوث لعدد من الأسباب، أهمها حاجة الدولتين لبعضهما بعضا بما يخدم مصالحهما، ولكن تلك المرة بما يحقق المصلحة الوطنية المصرية، بعيدا عن سياسات الانصياع للولايات المتحدة وإسرائيل. وتدفع الأزمات المالية والاقتصادية التي تمر بها مصر الثورة إلى توجه أي قيادة مصرية جديدة إلى المؤسسات والمنظمات المالية والاقتصادية الدولية - كصندوق النقد والبنك الدوليين - التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، والقوى الغربية القريبة من واشنطن، ليتمكن الرئيس الجديد من تحقيق إنجازات على أرض الواقع، يشعر بها المواطن المصري الذي صوت له في الانتخابات الرئاسية، وهو ما يرجح السيناريوهين الأول والثاني، ليكونا حاكمين لشكل العلاقات المصرية – الأمريكية الجديدة. فالبرجماتية هي التي ستحكم العلاقات بين البلدين، في ظل أي قيادة جديدة بالبلدين.


رابط دائم: