"هيجليج"..الصراع على النفط: | الوزير السوداني أمين حسن يناقش "الأجندات المتغيرة" بين شمال وجنوب السودان
30-4-2012

صلاح خليل
* باحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 منذ الإعلان عن دولة جنوب السودان رسميا في يونيو 2012 ، والأوضاع الحدودية بين دولتي الشمال والجنوب تشهد اضطرابا تزداد قوته يوما بعد يوم ، لدرجة أن الحرب بين الدولتين قد تنفجر في أي لحظة ودون سابق إنذار. وبسبب تجدد الصراع ورغبة الطرف المصري في كبت بوادر العنف ومعرفة الأسباب الخفية التي تقف وراء الحرب بين الدولتين، استقبلت وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام الدكتور أمين حسن عمر، الوزير برئاسة الجمهورية السودانية، فى ندوة تحت عنوان " الحرب فى جنوب كردفان وأبعاد العلاقة مع جنوب السودان" .

وقد تناول اللقاء العديد من القضايا الأساسية على الساحة السودانية، سواء فى جنوب كردفان، أو قضايا النفط وأبيى، والعلاقة مع الجنوب، وكذلك أزمة دارفور، والأوضاع فى مصر.

 أبيى وأولاد قرنق والمأزق الراهن:
 
 فيما يتعلق بالعلاقة مع جنوب السودان، أشار أمين إلى أن انفصال جنوب السودان لم يكن مفاجئا، بل كان خيارا راجحا، طبقا لتوجهات الحركة الشعبية لتحرير السودان فى ذلك الوقت ، ومن ثم كانت هناك حوارات مبكرة تحت رعاية الوساطة الإفريقية منذ ما قبل الانفصال. وكانت هناك مذكرة تفاهم أن يعمل الطرفان معا فى حالة الانفصال من أجل أن تكون هناك دولتان قابلتان للحياة ومتعايشتان معا، وأن فكرة حق تقرير المصير نفسها كانت تعنى السعى إلى بداية جديدة، سواء فى إطار الوحدة أو الانفصال .

وأشار إلى أن الحوارات فى إثيوبيا كانت جيدة وإيجابية، وكنا نظن أن هذا يتم بإخلاص. ولكن الأجندات الجزئية هى التى أدت إلى تخريب هذا المناخ، وحدد هذه المجموعات بأنها مجموعة أولاد أبيى، وعلى رأسها دينق الور، ولوكا بيونق، وإدوارد لينو وآخرون، ومجموعة أولاد قرنق ذات التوجهات الأيديولوجية، والتى يقودها باقان اموم . فيما يتعلق بأولاد أبيى، فهذه قضية جوهرية بالنسبة لوجودهم السياسى فى الجنوب، حيث إن أبيى منطقة شمالية، وذلك طبقا لنص للبروتوكول الخاص بالمنطقة فى اتفاقية نيفاشا، وذلك حتى يتم الاستفتاء الخاص بالمنطقة. ومن ثم، فإن أولاد أبيى فى قيادة دولة الجنوب هم ينتمون جغرافيا إلى منطقة شمالية، وهذا الأمر يتم استخدامه ضدهم من خصومهم السياسيين فى الجنوب، ولذا فهذه قضية وجودية، وقضية شرعية سياسية بالنسبة لهم .

وتعميقا للتحليل، أشار أمين إلى أنه فى إحدى المراحل، قامت بعض الجهات الأمريكية بإقناع أولاد أبيى بأنه من الممكن جمع أموال ضخمة لتنمية أبيى، ومن ثم إغراء المسيرية بتركها أو عدم المشاركة فى الاستفتاء، وأن هذا الحل كان خيارا غير عملى بشكل واضح،  وقد رفضته الحكومة السودانية، كما رفضه أبناء المسيرية أيضا. وقال أمين إن الطرفين الشمالى والجنوبى اتفقا " دون الإعلان أو التعبير عن ذلك"  على تجميد القضية لسنوات، حتى تهدأ  النفوس، وتنشأ مصالح مشتركة، بحيث يتم النظر إلى القضية فى إطار كلى للمصالح الإيجابية. وقال إن هذا ما يفسر محاولة الربط بين قضايا البترول وقضايا رسم الحدود، وعلى رأسها أبيى .

وأشار الدكتور أمين إلى أن هذه المجموعة متحالفة مع مجموعة أولاد قرنق لأغراض سياسية، وشرح ذلك بأن منطقة بحر الغزال لم تكن مصطفة مع قرنق أثناء الحرب الأهلية باعتباره منتميا إلى منطقة بور التى تقع فى نطاق أعالى النيل، ولذلك لجأ قرنق إلى بناء تحالفات مع مجموعات هامشية، مثل ياى دينق، وباقان أموم من الشلك، ومجموعة أولاد أبيى. وبمرور الوقت، أصبحت هذه المجموعات فى واجهة العلاقات الخارجية للحركة مع المجمتع الدولى والقوى الداعمة، وهذا أمر كان ولا يزال مهما، فالحركة الشعبية لم تكن سوى قوات قتالية وعلاقات خارجية، ولذا فهؤلاء يستمدون نفوذهم فى الجنوب من سيطرتهم على هذه العلاقلات الخارجية، حيث يجد سلفا كير نفسة مصظرا للتعامل معهم . وأشار إلى أن هاتين المجموعتين تشعران بأن وضعهما السياسى والأيديولوجى غير مريح.

الصراع من أجل السيطرة على البترول:

فيما يتعلق بقضية البترول، أشار أمين حسن عمر إلى أن قصة البترول فى السودان مختلفة عن تشاد والكاميرون، حيث إن تشاد هى التى أنشأت الخطوط، وبعد ذلك تدفع رسوم العبور. أما السودان، فهو الذى أنشأ الخطوط، وله حقوق ملكية، كما أن كل بنيات الصناعة بالنسبة لبترول السودان موجودة فى الشمال، وهذا ما يفسر الإصرار على الهجوم على هجليج، حيث توجد مراكز التجميع فى هجليج والجبلين، ومن ثم فالهدف هو ضرب المنشآت النفطية فى الشمال .

بالنسبة لقضية الخلاف على رسوم عبور النفط، أوضح أمين حسن عمر أنه كان هناك خياران، إما أن يتم احتساب الرسوم على أساس الموقع الجغرافى أو طبقا لاتفاق مسبق. وقال إنه تم الاتفاق منذ البداية على أن تكون الرسوم حسب الموقع الجغرافى، مع تعليق قضايا الديون، حيث إن الطرفين يطالبان بشطبها، ومن ثم فرسوم العبور تتضمن أيضا كل العمليات التقنية:  التجميع، والترشيح، والنقل، والتأمين، والتصدير . وأشار إلى أن النفط يختلط بكثير من الشوائب بنسبة 80%  ، وهو أيضا ذو خواص شمعية، ويحتاج إلى عمليات تسخين، حتى يستمر فى التدفق. وأكد أن أى حديث عن التصدير عبر كينيا هو أمر مستحيل، والحديث عن مذكرات تفاهم أو غيرها مقصود به تقوية الموقف التفاوضى عبر الإيحاء بأن هناك بدائل أخرى، ولكنه حديث غير صحيح.  فحتى فى أثناء التفاوض فى نيفاشا، أشار " موريسون " إلى أن شمال كينيا لو كان لديه بترول، فلن يستطيع تصديره إلا عبر شمال السودان .

أخطاء جنوبية ورد الفعل القوى من الشمال:

وعن الأوضاع الحالية، قال أمين إن هناك احتمالا للحل، لأن جنوب السودان ظل يرفض كل مقترحات الوساطة الإفريقية، فى حين أن السودان قبل هذه المقترحات. وأشار إلى أن إغلاق الحقول أضر كثيرا بالجنوب، لأنه يعرضهم لخسائر لا معنى لها، كما أدى إلى إيقاف كل عمليات الاستثمار فى الجنوب، وازدياد عدم الاستقرار الأمنى بسبب النزاعات بين المجموعات المختلفة، بالإضافة إلى أن استئناف الضخ سوف يقتضى خمسة أشهر على الأقل. وأشار إلى أن الأمريكان نصحوا الجنوبيين بعدم المضى قدما فى هذا الطريق، لأنه يضر ببناء وتأسيس دولة الجنوب.  وفى هذا الإطار، فإن المجموعات الجنوبية  ذات الأجندات الخاصة تلجأ إلى التصعيد الميدانى، كلما لاحت فى الأفق الحلول التفاوضية، ولكن هذا الطريق مسدود، لأنهم يعتمدون على الدعم الخارجى، ولكن أقرب حلفائهم، مثل الأمريكان والمتعاطفين معهم، مثل النرويجيين، ضد المواقف الحالية للجنوب. وأشار أمين إلى أن المبعوث الأمريكى، ليمان، بذل جهدا كبيرا فى الجولة الأخيرة، وهو صاحب المقترح الذى تبنته الوساطة الإفريقية، ورفضه الجنوبيون .

كردفان وحسابات جيرانها:

وعن قضية جنوب كردفان، قال أمين إنه لم تكن هناك مشكلة من الأساس، وإن هذه القضية أثارتها مجموعة أبيى، بالإضافة إلى تعبان دينق، ومجموعة باقان. وقال إن الانتخابات فى جنوب كردفان كانت مراقبة دوليا، وهناك شهادات موثقة بأنها تمت بنزاهة، وإن رفض نتائج الانتخابات جرى، لأن الحركة الشعبية كانت تريد جنوب كردفان كورقة ضغط من أجل المساومة الكبرى حول أبيى والنفط. كما استخدمت النيل الأزرق " كمهماز " لمحاولة إضعاف الحكومة.

 وأشار إلى أنه لا يوجد ما يسمى قطاع الشمال، بل إنه  جزء عضوى من الحركة الشعبية، وأن الفرقتين التاسعة والعاشرة جزء من الجيش الشعبى لجنوب السودان تسليحا وإعاشة، ومن كافة الجهات، وأن هذا  معروف للكافة، وتم الزج بهم باعتبارهم شماليين. وأكد أن القول إن هناك قضية لجنوب كردفان بشكل مستقل لا يصمد لأى نقاش موضوعى، لأنه مخالف للواقع. فالتسريح وإعادة الدمج قضية تخص 1500 جندى فى جنوب كردفان، ومثلهم فى النيل الأزرق، وهؤلاء لم يكن فى تسليحهم دبابات. والقول إن أسلحتهم تأتى من الغنائم من القوات الحكومية قول طفولى، لأن أنواع  ومصادر الدبابات المستخدمة فى الشمال والجنوب معروفة، وهى مختلفة. أما المشورة الشعبية المستحقة فى البروتوكولين، فهذه منوطة بالبرلمانات التى أجهضتها أو أوقفتها الحركة الشعبية. وعن الإغاثة، قال أمين إن الحكومة السودانية لن تقبل سوى التعامل مع الأمم المتحدة، وبمشاركة أطراف سودانية، لأن المنظمات غير الحكومية الغربية ذات أجندات سياسية، ونحن نعرفها وجربناها من قبل .

وشدد المتحدث أيضا على أن توجه الحكومة هو نحو التسوية، وهذا خيار استراتيجى منذ توقيع اتفاق ماشاكوس، ولكننا لا نستطيع أن نكون العقلاء وحدنا، إذا لم يكن الطرف الآخر قابلا للتعقل. وحول ما إذا كانت هناك فرصة للحل، قال نعم لأن رأسمال المتطرفين هو علاقاتهم الخارجية بالغرب، والموقف الغربى لا يتفق الآن مع توجهات هذه المجموعة المتطرفة .

دارفور والعدل والمساواة:

وحول دارفور، قال أمين إن الاستقرار والتنمية تتقدم فى الإقليم، وإن العدل والمساواة بعد أن فقدت المساندة الليبية والتشادية، ذهبت للجنوب بحثا عن قاعدة لحصول على الإمدادات، ولكنها أخرجت نفسها من قضية دارفور سياسيا وجغرافيا. وقال إن العدل والمساواة لها طروحات أو مطالب قومية، وهذه محلها الحوار فى مفوضية الدستور أو الحوار الدستورى أو المؤسسات التى يمكن لها الإسهام فى هذه القضايا المتصلة ببناء الجمهورية الثانية، والتفاهم فى قضايا الإصلاح السياسى، وتعزيز الديمقراطية، وكلها قضايا مفتوحة للحوار الدستورى أو الحوار الداخلى، ولكننا لن نعطى شرعية لمثل هذه المطالبات انطلاقا من أزمة دارفور، وأن حركة العدل والمساواة  فصيل صغير، ويجب أن يكون لديها نظرة واقعية، ونحن مستعدون للحوار مع الحركة على أساس الاتفاق الإطارى واتفاق الدوحة، رغم انتهاء كل المهل التى منحت لهم .

الإصلاح السياسى ومخاطر سودانية على مصر:

وشدد الدكتور أمين حسن عمر على أن الحفاظ على السودان يعتمد على بناء قاعدة واسعة للتراضى بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة، وهذا ما يجب أن يقوم علية دستور الجمهورية الثانية .

 وقال إن حزب المؤتمر قوة رئيسية، ولكن هذا غير كاف لصنع الاستقرار السياسى، وإن التشتت السياسى سوف يؤدى إلى حالة استنزاف يضر بالاستقرار، وإن الحكومة منفتحة، ولكن الحركات هى التى تتعالى.  وبالرغم من ذلك، نحن نصبر على هذا الواقع، لأن القوى السياسية الكبرى تقع عليها مسئوليات أكبر .

وحول الأوضاع فى مصر، قال إن السودان يهتم بما يجرى فى مصر، لأنه إذا تفتت مصر سياسيا فسوف يؤدى ذلك إلى تشرذم العالم العربى، وقال إن القوى السياسية فى مصر يجب ألا تتصرف طبقا لأوزانها الانتخابية، ويجب عدم التركيز على اللافتات أو الشعارات، فهذا أمر مضر للغاية، والأهم هو المضمون. ومن الملاحظ أن ما يتفق علية المصريون أكثر بكثير مما يختلفون عليه، ومن المهم إدراك أن الأغلبية تسمح بالقيادة، ولكن ليس بالهيمنة. وإذا لم تتوافر الثقة لبناء الدستور، فلن تكون هناك فرصة لبناء نظام سياسى.  

وكان قد شارك فى اللقاء، الذى أداره هانى رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل، كل من السفير محمد مرسى عوض، مساعد وزير الخارجية المصرى لشئون السودان، والدكتور محمد البطران، نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الإفريقية، وجابى فايز، الأمين العام لأسرة وادى النيل، والدكتور جزيف رامز، رئيس تحرير مجلة شئون إفريقية، وعدد من الإعلاميين المصريين، وبعض الناشطين السودانيين، حيث تحدث كل من خالد أبو ريش من العدل والمساواة، وحماد صابون، والدكتور عبدالباقى على ليلة من الحركة الشعبية، حيث أدلى كل منهم بتعقيب مطول، تناوله الضيف بردود وتوضيحات تفصيلية. 


رابط دائم: