محركات التحول الديمقراطي:| "ندوة" :تأثير الفاعلين من غير الدول في النزاعات بالشرق الأوسط
25-4-2012


*

 في خضم ما تشهده المنطقة العربية من أحداث، وكذلك سعى غالبية الفاعلين فيها من تيارات الإسلام السياسي إلى إقامة أنظمة أكثر ديمقراطية تكون شبيهة بالتجربة التركية، وما أفرزته من منظمات وحركات غير حكومية تُسهم بشكل أو بآخر فى إعادة هيكلة العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية فى منطقة الربيع العربى التى تعيد إنتاج نفسها مرة أخرى من خلال تصحيح المسار والدعوة لإعطاء فرصة للتغيير، واستمراراً للدور التركى فى المنطقة وبعد مرور خمسة عشر شهرا ًعلى المؤتمر الأول فى أنقرة ، جاء المحفل الثانى الذى عقد بالتعاون بين مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ومركز التفكير الاستراتيجي بتركيا تحت عنوان "الفواعل من غير الدول والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط" متزامناً مع حصاد ثمار الربيع العربى ليعلن عن استمرارية التواصل بين الباحثين والمفكرين العرب والأتراك، والذى من شأنه الإسهام فى إنجاح الثورات العربية، وترسيخ نجاح التجربة التركية .

كيفية التخلص من النظرة الاستشراقية للعالم الإسلامى

بدأ المؤتمر بالتطرق إلى الوجهة الاستشراقية المحيطة بالعالم العربى والاسلامى حتى أصبح محكوماً عليه بشكل سلبى ، ولكنه لم يفتقد لعامل القوة بداخله الذى جعله يقف ضد ما هو عليه ليأخذ توجهاً إيجابياً نحو المسار الصحيح ، ويسعى للتخلص من النظرة الاستشراقية التي شكلت الخريطة الفكرية والسياسية للعالم الإسلامي في القرن العشرين. وفى هذا الإطار، ناقش المؤتمر القوى الناعمة ودور المؤسسات غير الحكومية، متطرقاً إلى دور المجتمع المدنى فى الفترة القادمة، والذى يحتاج لإعادة بناء الثقة مع الشعوب، وزيادة رصيده العلمى، وخلق شبكة مؤسساتية تتجاوز الحدود بين الدول.

وطرح المؤتمر الرؤية العربية والتركية لمدى فعالية الحركات والمنظمات غير الحكومية في إعادة تشكيل طبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في ظل ثورات الربيع العربى، وعمليات التغيير التى جعلت الشعوب تخرج من ثُباتها لتأتى بالرفاهية والعدالة والتنمية، وتعلن أنها قائد عملية التحول، ليس بالتواصل الاجتماعى فقط كما يصوره الغرب، بل التلاقى المجتمعى لينتج وحدة حقيقية يمكنها إعادة بناء منظومة القيم والمحافظة عليها.

وجاءت الأبحاث المقدمة توضيحاً لدور الأوقاف الأهلية، خاصة فى مجال التعليم والتنمية، وكيفية المحافظة على الهوية الإسلامية فى العالم العربى وتركيا، بالإضافة إلى تأثير كل من المراكز البحثية والعلمية ووسائل الإعلام والإنترنت ومنظمات حقوق الإنسان فى إحداثيات التغيير فى العالم العربى، وكذلك التغيرات الاقتصادية والسياسية فى تركيا خلال السنوات العشر الأخيرة ، فضلاً عن واقع الجماعات الإسلامية كالإخوان المسلمين والسلفيين قبل الثورة وبعدها فى مصر، وبالتطرق إلى الوضع فى تونس وسوريا وليبيا، فى محاولة لإيجاد مجتمع مدنى فعال خلفًا للذى كان يقبع تحت مظلة أنظمة استبدادية بالأساس.

 العلمانية والاستقطاب الدينى

جاءت جلسات المؤتمر لتلقى الضوء على مفهوم الإصلاح لدى حركات الإسلام السياسى، والتى نتجت من المشهد الثورى العربى، وركزت على طبيعة الخطاب الدينى الجديد وطرحه لمفهوم الإسلاموية كمحاولة لفهم الدين بشكل آخر، ولكنه ليس باتجاه نحو العلمانية، مما جعل هذه الحركات أمام تحدى العلمانية الإسلاموية وما بعد الإسلاموية وتأثير العلمانية فى هذه الحركات، ووضعها مابين قرار التغيير الثورى واستراتيجية الإصلاح التدريجى الذى يجب أن يشمل كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية فى المجتمع .  

وناقش المؤتمر النظرة التركية للدين بأنه دافع للتغيير وليس فى مواجهة مع العلمانية أو حرب مع الليبرالية، متضمناً قضية الحداثة التى طرحت التساؤل عن تحديث الإسلام أو أسلمة الحداثة، وإن خلُصت إلى وجوب توطيد العلاقة بين الحداثة والثقافة الإسلامية المتعمقة. لذلك، أوصت بعدم الرضوخ لزرع ثقافة غربية مغايرة لطبيعة مجتمعاتنا، لأن الثقافة تولد ولا تستورد، وبخاصة عقب ثورات الربيع العربى وما تشهده من تحولات فى الهوية العربية، وتعدد المرجعيات الدينية والليبرالية .

دور الفواعل من غير الدول في العلاقات الدولية

أضاف المؤتمر طبيعة العلاقات الدولية وما نتج عنها من سياسات وتحالفات إقليمية وعربية خلال الربيع العربى بين الفواعل من غير الدول، فأشار إلى دور حماس وعلاقاتها بالمحاور الإقليمية، وموقفها المحايد من الثورات العربية، وإن كانت هناك فرصة لتحسين علاقاتها العربية، خاصة مع تلك الدول التى توازن بين كل من حركتى فتح وحماس. إضافة إلى ذلك، ناقش المؤتمر كيفية استخدام القوة المسلحة من جانب الفاعلين غير الدوليين تزامناً مع الأدوار العسكرية التى تحركها القوى الدولية المؤثرة.

وبالتالى، كان الحديث عن دور المنظمات غير الحكومية ومدى تأثيرها فى النزاعات الدولية الإقليمية ومدى تماشيها مع الدور الدولى الساعى إلى الحفاظ على مصالحه الاستراتيجية والحيوية فى منطقة الشرق الأوسط. وعلى سبيل ذلك، ذكر المؤتمر كيف أن المنظمات غير الحكومية عملت على تحول السياسة الخارجية لتركيا باتجاه الشمال الإفريقى، فأصبحت فاعلاً مؤثراً فى العلاقات الدولية والسياسات الخارجية للدول، فضلاً عن أنها أصبحت محركا للتحول الديمقراطى والتغيير السياسى فى الداخل، مثل كل من مصر وتونس وغيرهما من بلدان الربيع العربى .

التجربة التركية والتأثير في الشعوب العربية

وفى ظل التحولات والتغيرات فى المنطقة العربية، تظهر التجربة التركية كنموذج ناجح للديمقراطية والتنمية، وكونها أقرب إلى العالم العربى والإسلامى بخلاف الدول الغربية، فأوضح المؤتمر أن الوضع فى تركيا من الناحية العملية لا ينظر إلى السياسة بالمنظور الضيق، بل يتسع ليجمع بين السياسة وعلوم الاجتماع ليعمل على تحليل المجتمع من خلال العديد من الدراسات والأبحاث الميدانية، وأن سر النجاح يكمن فى الشعب والانفتاح على المجتمع دون تمييز، وبالتالى فلا يكون هناك شىء للمصادفة. فالوصول إلى الشعب والتلاقى مع الرأى العام ينتج عنه إعلاء للقيم الحضارية من ممارسة فعلية واقعية .

وناقش المؤتمر الاهتمام التركى المباشر بالعالم العربى، وتدعيم الكثير من القضايا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ولم يكتف الجانب التركى بتنشيط العلاقات الاقتصادية، بل تطرق إلى خلق قاعدة مؤثرة من العلاقات الاجتماعية والأكاديمية، تسمح بتبادل الخبرات ووجهات النظر، خاصة فى ظل الثورات العربية التى سهلت طريقاً للتقارب العربى- التركى، منطلقاً من العلاقات التاريخية العميقة التى تربط الجانبين. وأشار المؤتمر إلى أن نجاح ثورات الربيع العربى، حتى تؤتى ثمارها،  لا شك فى أنه سيضيف نجاحاً آخر إلى التجربة التركية التى ستقف داعماً للتطور الحقيقى فى المنطقة.

رؤية مستقبلية للإقليم العربي

وختاماً، جاء المؤتمر العربى- التركى الذى شارك فيه أكثر من 60 باحثاً ليعلن عن نتاج تعاون أكاديمى تركى- عربى فى مجال العلوم الاجتماعية والبحث العلمى الذى وإن تراجع فى السابق، فعليه الآن أن يكون فى المقدمة لعملية التغيير الممنهجة، فى ظل واقع عربى تحول من الركود والسكون إلى عالم شديد الحركية، وبالتالى أوصى بجهود علماء الاجتماع للتخلى عن القوالب الغربية، وخلق أطر جديدة خالصة تحمل فقط الطابع الخاص للمنطقة بأسرها .

ومن ناحية أخرى، أوصى المؤتمر بتفعيل المجتمعات والربط بينها بالعلم، وخلق صلة حقيقية بعد قطيعة دامت لأكثر من 100 عام بين الشعوب العربية والتركية، خاصة فى ظل ثورات الربيع العربي، والتحديات التي تواجهها لاستكمال أهدافها التي تحركت الشعوب من أجلها. وكان السبيل لذلك تقوية العلاقات الفكرية والبحثية بين الأكاديميين العرب والأتراك في العلوم الاجتماعية، خاصة في ظل موجة التقارب الثقافي بين الشعوب العربية والتركية في السنوات الأخيرة .


رابط دائم: