تحديات إقليمية:| " ندوة " مخاطر و تداعيات الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط
17-4-2012

شيريهان نشأت المنيري
* باحثة في مجال الدراسات الإعلامية والمعلوماتية

أصبحت التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإسرائيلي بوضعه الحالي ، فضلا عن مستقبل البرنامج النووي الإيراني أشبه بالمخاطر، وقد أدت السياسات التي اتبعتها الدول الأوروبية تجاه منطقة الشرق الأوسط حيال الكثير من القضايا التي تهِم العالم الإسلامي إلى تنامي الشعور بالظُلم والإضطهاد بين العديد من القطاعات الشعبية وهو ما وفر مُناخاً مناسبا للتنظيمات المُتطرفة لنشر أيديولوجيتها وأهدافها من خلال تجنيد فئة واسعة من الشباب المؤهلين علمياً، بالأخص في ظل أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها بلدان العالم الإسلامي تُعتبر أرض خصبة لهذه التنظيمات، في الإطار السابق عقد "المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية" في 20 مارس 2012 ندوة بعنوان "مخاطر الإنتشار النووي في الشرق الأوسط .. بين الإستخدام المسئول للتكنولوجيا والإرهاب الدولي".   

ضمانات تحقيق الأمان النووي في دول الشرق الأوسط

 تحدث د.علي إسلام رئيس الهيئة المصرية للطاقة الذرية سابقاً،عن الجوانب التنظيمية والتشريعات والضمانات الدولية، محددا واجبات المركز القومى للأمان النووي والرقابة الإشعاعية في: مُراجعة وتقييم تقارير السلامة للمُشآت النووية والإشعاعية، وإجراء تفتيش نظامي للأنشطة النووية والإشعاعية، وإجراء تفتيش وقائي للمواد النووية، وإصدار التراخيص، والتصاريح أو المُوافقة للأفراد أو المرفق، أو الإجراء، أو بخصوص وثيقة الحماية. إلى جانب تطوير اللوائح والقواعد والإجراءات المُتعلقة بقضايا السلامة النووية والإشعاعية. وأهمية السيطرة على نقل المواد المُشعة براً أو عبر قناة السويس. و أيضاً إجراء البحوث في المجالات ذات الصلة بالسلامة النووية والإشعاعية، ومُراجعة تشريعاتها.وأضاف د.إسلام أنهُ كان من الضروري مُراعاة إستخدام التطبيقات الذرية لكى تعمل بطريقة آمنة ومن ثم أُنشئت "هيئة الرقابة النووية والإشعاعية" التي صدر بها قانون (7) لعام 2010. وشدد على ضرورة الرقابة على المُنشآت النووية. وأهمية التفرقة بين ماهية الأمن النووي والآمان النووي. بالإضافة إلى أهمية المسئولية المدنية للمُشغلين (بمعنى ضمان التعويض في حالة حدوث أى حادث أو ضرر للأفراد أو المؤسسات).

وعن الآليات القانونية الدولية المُلزمة فذكر د.إسلام أنها تكمُن في اتفاق بشأن الإمتيازات والحصانات الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، واتفاقية فيينا بشأن المسئولية المدنية عن الأضرار النووية، واتفاقية التبليغ المُبكر عن وقوع حادث نووي، واتفاقية تقديم المُساعدة في حالة وقوع حادث نووي إشعاعي طارئ، وأيضاً البروتوكول المُشترك المُتعلق بتطبيق اتفاقية فيينا واتفاقية باريس، والإتفاق التكميلي المُعدل بشأن تقديم المُساعدة التقنية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومُعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، تطبيق الضمانات في إطار مُعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، واتفاقية الأمان النووي التي تم توقيعها في 20/9/1994  .

بينما تحدث د.عادل محمد أحمد رئيس قسم القانون النووي وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، عن الضوابط القانونية للإستخدامات النووية المُختلفة والتي قسمها إلى ثلاثة مستويات: أولاً، الضوابط القانونية الدولية مُتمثلة في المُعاهدات والإتفاقات الدولية المُتعددة الأطراف. ثانياً، الضوابط القانونية الإقليمية مُتمثلة في تعاهدات إقليمية مُحددة مثل المناطق الخالية من الأسلحة النووية القائمة في العالم، والتى تم التوصل إليها بدءاً من عام 1959 بتوقيع مُعاهدة انتراكتيكا الخاصة بجعل منطقة القارة القطبية خالية من الأسلحة النووية، وانتهاءً بمُعاهدة جعل منطقة آسيا الوسطى خالية من الأسلحة النووية. ثالثاً، الضوابط القانونية الوطنية أو القومية وتعني تنظيم الإستخدامات النووية داخل كُل دولة، حيثُ تقوم بإصدار القوانين الوطنية التي تُنظِم الإستخدامات النووية داخل حدود الدولة. كما أشار د.أحمد أن هُناك ضوابط أُخرى بعضها يتعلق بمخاطر الإرهاب النووى وأيضاً بأمن أسلحة الدمار الشامل وموادها خاصة في الدول الفاشلة أو المُنهارة أمنياً.

أما عن الضوابط القانونية الدولية للإستخدامات النووية فقد قسمها د.أحمد إلى ثلاثة أنظمة ومجوعات كالآتي: أولاً، اتفاقيات ومُعاهدات منع الإنتشار النووى، وثانياً، اتفاقيات الأمن والأمان النووى، وثالثاً: اتفاقيات المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية.و

مخاطر استخدام الإرهاب الدولي  للتكنولوجيا النووية وأسلحة الدمار الشامل

 ذكر د.أحمد أن المخاطر الحالية للإستخدامات النووية المُختلفة وضوابطها القانونية، تتمثل في خطر الإرهاب النووي، وقضية أمن أسلحة الدمار الشامل في الدول الفاشلة أو المُنهارة، وقال: "أنهُ علي الرغم من أن أمن أسلحة الدمار الشامل من القضايا المطروحة في مُناقشات المحافل الدولية إلا أن هذه القضية اكتسبت أهمية قُصوى مُنذ عام 2011 خاصة مع انطلاق الربيع العربي وانهيار الأجهزة الأمنية في بعض الدول مما أدى إلى زيادة المخاوُف من انتشار مواد أسلحة الدمار الشامل".

و أشار د . محمد عبدالسلام رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية إلى أن منطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى طريقة تفكير مُختلفة لبلورة الحل ، مؤكدا أن جميع سيناريوهات الإرهاب النووي لم تحدُث منها حادثة يُمكن أن نُطلق عليها الإرهاب النووي،و متسائلا  ماذا سيكون الوضع إذا حدثت حرب ضد إيران ؟ وماذا إذا كانت أحد صواريخهم كيماوي مثلما حدث في حرب العراق ؟ وهل سيكون الرد في تلك الحالة بالمثل ؟! ولذلك فيجب أن ننتبه جيداً إلى أن سيناريوهات الحرب تطرح بعض المخاطر. ولذلك يجب أن نُفكر مُسبقاً لكى نكون على استعداد لجميع السيناريوهات المُحتملة.

وأشار د.عبد السلام إلى أن المُفاعل الوحيد في إيران موجود بالفعل وليس هُناك نية لغيرهِ. بالإضافة إلى أن البنية النووية التي أنتجت سلاحاً نووياً بإسرائيل مُتهالكة. ومن الجدير بالذكر أنهُ كان هُناك دائماً مُحاولات في الشرق الأوسط لامتلاك الأسلحة النووية مثل العراق، وليبيا، وأيضاً مصر، مؤكدا أن الآثار المُرتبطة بالمخاطر هي بقايا هذه البرامج عند وجودها في تلك الدول مثلما حدث بعد ضرب المُفاعل النووي في حرب العراق. ومضيفا أن هناك عدة مخاطر رُبما ستتفاقم بسب فشل كُل الإستراتيجيات الخاصة بالتعامُل مع الملف النووي. وأن هُناك صراعات ضرب للمرافق النووية مرة أُخرى في المنطقة. وبالتالي فهو يرى أهمية الانتباه إلى ماذا يُمكن أن يحدُث في سوريا الفترة القادمة ؟! وما الذي يُمكن أن يتسبب فيه الاضطراب الحادث في ليبيا الآن ؟! بالإضافة إلى مُشكلة النفايات النووية.

وهُنا بدأ د.محمود بركات رئيس الهيئة العربية للطاقة النووية - سابقاً، حديثهُ بتعريف الإرهاب هو الأعمال الإجراميه التي تُرتكَب أساساً بهدف نشر الرُعب والفزع بإستعمال وسائل قادرة على خلق حاله من الفزع العام. كما أشار إلى أن الإرهاب الدولي هو واقع وحقيقة ملموسه ولهُ أوجُه وتوجُهات مُتعددة، فهو بدأ وتنامى مُنذ أن ظهر القهر والتسلُط السلبي من بعض الدول القويه تجاه بعض دول العالم.

كما حدد د.بركات أنواع ومخاطر الإرهاب لإستخدام التكنولوجيا النوويه وأسلحة الدمار الشامل في:   الحصول على الأسلحة النوويه أو أجزاؤها بطريق السرقه أو الإختلاس، والإستحواذ  أو تركيب مُعده نوويه  مُتفجره بإستخدام مواد نوويه انشطاريه، تصميم وإعداد وسائل نشر المواد المُشعة (قنبلة الإنسان الفقير)، بالإضافة إلى تخريب مُنشأه نوويه أو الهجوم على مُكونات مُنشأه نوويه بما في ذلك الوقود النووي أثناء النقل.  

طرق مكافحة الإرهاب النووي دوليا ومحليا

أما عن أهم خطوات مُجابهة الإرهاب النووي دولياً ومحلياً فقد ركز د.بركات على فكرة تجفيف المنابع التي يُمكن أن تحصُل منها الجماعات الإرهابيه على المواد والأدوات اللازمه لإقامة الأسلحه النوويه من  خلال بعض الآليات الدوليه والمحليه تتمثل في : تنفيذ الإلتزامات المُترتبة على اتفاقية الحمايه  الماديه للمواد والمُنشآت النوويه، أيضاً انشاء وتفعيل النظام الوطني للحمايه الماديه للمواد والمُنشئات النوويه بهدف تأمين المواد والمُنشئات النوويه أثناء التشغيل أو أثناء النقل، وحصر المصادر المُشعه المستخدمه فيى مختلف التطبيقات وحمايتها ضد السرقه أو الإختلاس، وانشاء وتفعيل النظام الوطني للمُحاسبات النوويه للمواد  النوويه ومُراقبتها والإستفاده من الدعم التقني المُنسِق بالوكاله الدوليه لمساعدة الدول على تطوير وتقوية  البنيه التحتيه للنظام  الوطني للمُحاسبات النوويه والرقابه، بجانب ضرورة مُجابهة ومنع الإتجار غير المشروع  في المواد النوويه  والمصادر الإشعاعيه من خلال الإنضام  لقاعدة بيانات وقائع الإتجار غير المشروع في المواد النوويه بالوكاله الدوليه، وأيضاً الإستفاده من مساعدة الوكاله للدول الأعضاء في تقدير التهديد المُقدر في التصميم المُعتمد للمُنشئات أو المواد النوويه، إلى جانب الإستفاده من مساعدة الوكاله  الدوليه في وضع خطط الطوارئ النوويه.    

ومن المنظور الديني ذكر د.سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة، أن الحرب في الإسلام ضرورة لها منزلتها، وأن القرآن قد قرر أن الناس ليسوا جميعاً مُسالمين، بسبب تسلُط الأهواء والغرائز ونشاط الشيطان الرجيم. ولذلك فإن الإسلام كان قد قرر حق الدفاع عن النفس والحُرمات، بل أوجبه حتى يقف المُعتدي عند حده، في الوقت الذي منع فيه الإسلام قتل من لم يشترك في القتال كالنساء والصبيان، ومنع التخريب والإفساد وقيد جوازه بما إذا كان سلاحاً يضعف به العدو.

وأضاف د.عبد  الجليل أن المعنيون بأمر التسلُح حصروا أسلحة الدمار الشامل في ثلاثة أنواع من الأسلحة، وهي: السلاح النووي ، والسلاح الكيميائي ، والسلاح البيولوجي.

ثُم أشار إلى صدور فتوى من محكمة العدل الدولية بمشروعية التهديد بالأسلحة النووية، واستخدامها، بتاريخ 8 يوليو 1996-حسب القانون الدولي المُطبق حالياً- بالإستناد إلى : أن القانون الدولي لا يُحرِم الأسلحة النووية بصراحة. وأن نصوص القانون الدولي الإنساني، وقانون النزاعات المُسلحة لا تنطبق على هذه الأسلحة. وأن القرارات الدولية بخصوص هذه الأسلحة غير مُجمَع عليها. وأيضاً أن من حق الدولة المعتدى عليها أن تستخدم حق البقاء، بإسم الدفاع الشرعي عن النفس.

في حين أكد د.عادل سليمان المدير التنفيذي للمركز على ضرورة أن نتعامل مع الموضوع خارج النطاق العاطفي فهو لهُ ضوابط كثيرة  تقترن بإمكانيات الدولة ووضعها السياسي والاقتصادي وغيرهِا. كما أشار إلى أن المُشكلة الأساسية تكمُن في الضربة الثانية فمن يحميك منها وأنت لا تعرف من أي جهة ستأتي ؟ أي هل ستكون من الهدف الذي استهدفته أم من طرف آخر وأقوى بكثير؟! ولذلك فهو يرى أننا يجب أن نتلافى أوجُه القصور والنقص الذي نُعاني منهُ. وأن نُنمي من قُدراتنا وإمكانياتنا. بالإضافة إلى أهمية النظر للأمر بشكل علمي وموضوعي. وأخيراً قال: "يجب أن نتخلص من العواطف الجياشة التي لا تؤدي إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع". وقد خلصت الندوة إلى عدة توصيات تضمنت ضرورة الوعي بأن لدينا موجة جديدة من السيطرة على النُظم السياسية التي يجب أن نبدأ معها من البداية لتزويدها بالمعرفة، لأنها ستتعرض في الفترة القادمة للعديد من الضغوط.و أنهُ يجب على المؤسسة المصرية أن تعمل بشكل جاد ومُختلف وأن تتعامل مع الظروف السياسية المُحيطة بهدوء. بجانب التركيز في إعادة الأبحاث والدراسات واستكمالها، وأيضاً تحديد المعايير والأبعاد التي يجب الالتزام بِها ووضع خطط لتشكيل مؤسسة نووية مصرية حقيقية حتى لا نُكرر سيناريو "مهزلة" الضبعة ،و إعادة دراسة التفكير في كُل القضايا الموجودة والمطروحة في الإقليم حالياً، وخاصة في ظل التيارات العنيفة الموجودة على الساحة. و منع الإرهابيين من الحصول على المواد الأولية لتصنيع الأسلحة الكيميائية، مثل حظر بيع بعض المواد مثل "السيانيد" إلا بتصريح خاص من الجهات الأمنية المسئولة، لأنهُ من المُمكن تصنيع سلاح كيماوي منه، بالإضافة إلى مُقاومة تصنيع المواد البيكتريولوجية ذات التأثير السام. يجب أن تُحفظ كُل الاتفاقيات لدى لجنة أو هيئة عامة جديدة تكون معنية بهذا النوع من القضايا.و زيادة حماية مُفاعل "أنشاص" وخاصة في ظل الانفلات الأمني الذي تعاني منهِ مصر في الوقت الحالي. ضرورة وجود وفاق وطني حول البرنامج النووي المصري، وتسوية الخلاف بين القوى السياسية الجديدة بسبب اختلافاتهم حول هذا الشأن.


رابط دائم: