الصوفية العالمية :| "ندوة " دور التيار الصوفي في تحقيق التقارب بين الأديان
17-4-2012


*

بدأ الفاعلون في العلاقات الدولية في مختلف دول العالم في  البحث عن طرق جديدة لتفعيل دور التصوف في تحقيق التقارب بين الأديان، باعتباره البديل الجديد للحوار المباشر في تفعيل العلاقات الدولية بين دول العالم العربي والإسلامي ودول العالم الغربي،  خصوصا بعد صعود التيار السلفي في المنطقة العربية. وفى ذلك  الإطار، عقد مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات ندوة بعنوان " التصوف وحوار الأديان"، شارك فيها الخبير العالمي في التصوف، الدكتور جوزيف سكاتولين، والدكتورة زينب الخضيري، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة.

التصوف في الخبرات الدولية  

حدد الأب "جوزيف سكاتولين"، المستشرق الإيطالى وأستاذ التصوف الإسلامي، العلاقة بين التصوف والحوار الذى تكمن أهميتة للإنسان لما تطرحه الطبيعة الإنسانية من تساؤلات وجودية يجتمع عليها جميع البشر. وتطرق إلى مفهوم التصوف واعتماده على ثلاثه أركان رئيسية، هى الخبرة والوجدان والعلم . وذكر أن التصوف الإسلامى بجوهره الروحى لديه المقدرة على تقديم الإجابات عن الخير، والشر، والموت، والحياة، والسعادة، والحساب، باعتباره هو نقطة الالتقاء بين الأديان .
وتطرق سكاتولين إلى ظاهرتين مهمتين، هما : العولمة والتعددية الدينية. وذكر أن العولمة  بقدر ما تطرحه من فرص فهى تفرض مزيداً من التحديات، سواء فى الجانب الاخلاقى أو القيمى، بنشرها لمفاهيم الحرية، فى الوقت ذاته الذى تقع فيه رغبات الفرد وحريته رهناً لآليات السوق والضغط التسويقى العالمى الذى من شأنه أن يفرز نوعاً خاصاً من الثقافة، يعمل على تلاشى الثقافات المحلية تحت ضغط التكتل الثقافى. وأصبح الفرد لا يجد القيمة الإنسانية التى يبنى عليها مبادئه فى خِضم تحوله إلى آلة للإنتاج والاستهلاك . وفى السياق ذاته ، طالب سكاتولين بإعادة النظر فى الاستهلاك المادى للبيئة والإنسان المعاصر، وأنه لا بد من خلق طريق جديد بين العلم والعالم الروحى ، فضلاً عن التيار المضاد للتكتل الثقافى المتمثل فى صحوة القبليات الدينية الحديثة، التى يتحول فيها الدين إلى أداة فقط لتخدم المصالح الكبرى فى المجالات المختلفة، السياسية والاقتصادية .

التقارب بين التيارات الروحية والتعددية الدينية

وفى ظاهرة التعددية الدينية، أكد سكاتولين أن تعدد الأديان ظاهرة تاريخية تؤكد أنها مشيئة إلهية تدعو إلى اكتشاف الذات والحوار مع الآخر. وأضاف أن هناك ثلاثة مجالات تعمل على التلاقى بين التيارات الروحية، بدأها بالجوهر الإنسانى فى أنه " من عرف نفسه فقد عرف ربه "، وهو ما يدعو إلى السمو الأخلاقى. وبدلاً من أن يكون الإنسان مورداً للاستهلاك المادى، فإن البعد الروحى يدعو إلى التناغم بين العلم والحكمة ، ثم إن التيارات الروحية مدعوة لتُقدم للإنسان المعولم الطريق لمواجهة التحديات التى يعيش فيها.
أما الدكتورة زينب الخضيرى، أستاذة الفلسفة بجامعة القاهرة ، فدفعت بفكرة التصوف وحوار الأديان دفعة أخرى من منطلق مفهوم الروحانية السياسية، وأن التجارب والتيارات الروحية ليست بمعزل عن حياتنا اليومية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، بالإضافة إلى أن هذه التجربة الروحية ليست للسعى إلى التخلص من الحياة أو التهرب من مشكلاتها وتحدياتها، ولكنها طريق للتوصل إلى حلول للتحديات والمشكلات الحياتية المختلفة .

شروط تفعيلية في دعم العلاقات الدولية

وأكدت " الخضيرى" الكيفية التى يتم بها تفعيل التصوف، وأن حوار الأديان لا بد أن ينطلق من المشترك وليس من الاختلاف، من خلال وضع شروط للحوار بين الأديان تتعلق بالمشاركين فى هذا الحوار، يأتى أولها بتأكيدها المعرفة الدقيقة جدا بالأديان محل الحوار والمناقشة، لما لمسألة الدين من شديد الحساسية. ثانيها يأتى فى الرغبة الخالصة فى الحوار والتلاقى بين الأديان، والرغبة فى الحوار النزيه دون الانطلاق من قواعد محل خلاف، أو يكون الحوار وجهاً لخلفية تحمل أجندات أجنبية أو ضغوطا من الدول الكبرى. وأخيراً الإيمان بأن الأديان محل الحوار تأتى كلها من الله الواحد، وإن رأت " الخضيرى " صعوبة إجراء حوار نزيه للأديان في هذا العصر، بعد أن أصبح الدين عاملا سياسيا يحقق المصالح الكبرى .

ودعت " الخضيرى " إلى ضرورة التواصل مع المغاير والتآخى معه ، وأقرت استبدال القريب بلفظ الآخر، وبررت على ذلك بأن المختلف هو القريب واعتباره جزءا من الذات ورفض الأنا ، وبذلك سيعمل التصوف على التهذيب الروحى والأخلاقى من خلال التواصل والتعايش والتسامح، من أجل أن يمتزج الحافز الروحى بالوازع الإنسانى .
وذكرت أن التصوف السليم الحقيقى يسهم بشكل أو بآخر فى تجاوز الحواجز بين البشر، والتى أصبحت موجودة بكثرة بين العالمين الغربى والإسلامى ، ولذلك فهى جعلت من هدف التصوف ليس فقط الفناء فى الذات الإلهية، وإنما التواصل مع القريب الإنسانى لدرجة التوحد معه ومشاركته، وأن البشر كلهم متساوون ، ودعت إليه بديلاً عن الحوار الأمريكى – الإسرائيلى، أو نظيره الفلسطينى .

وخلصت الندوة إلى أن التيار الروحى العالمى يتطور ليجمع بين مختلف الأديان والمذاهب، وينبع من فلسفة مستمدة من الدين، تنتج عنها رسالة تربط بين مختلف الأديان ، وبالتالى سيكون التيار الروحى حريصا على مد جسور للحوار والتفاهم بين الأديان ، الحوار الذى أصبح ضرورة ملحة حتى يدعم التعايش السلمى، والتعاون المشترك بين الإنسان والإنسان، أو الإنسان والكون.  وعليه، سيكون الحوار نتاج خبرات روحية شديدة الاختلاف، ويكون التصوف هو القناة للحوار بين الأديان .


رابط دائم: