حدود التأثير:|اللاعبون الإقليميون في الانتخابات الرئاسية المصرية
20-4-2012

د.مازن حسن
* مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة – [email protected]

الأحد 15 إبريل 2012

لا شك فى أن مصر دولة عربية لها ثقل سياسي، وتاريخي، واجتماعي كبير في المنطقة العربية، بصورة يصعب معها تصور أن دولة عربية أو إقليمية أخرى لن تشغل بالها بتطور الأوضاع السياسية في مصر، وعلى الأخص من قد يكون حاكم مصر القادم. يزيد من درجة الاهتمام المتوقعة للفاعلين الإقليميين بالانتخابات الرئاسية المصرية المقرر عقدها في مايو/يونيو ٢٠١٢ عدد آخر من العوامل، ربما أهمها ما يلي:

١- مصر هي منشأ جماعة الإخوان المسلمين، التي بدأت نشاطها في إحدى مدنها منذ أكثر من 80 عاماً،  قبل أن تمتد لتشمل معظم دول العالم العربي، بل والعالم الإسلامي، وهي أيضاً موطن أقوى أجنحة هذه الحركة، ومكتب الإرشاد. ومن ثم، فإن كل حكومة عربية أخرى أمامها فرصة مثالية للرصد والملاحظة ورصد أسلوب وتكتيكات تحرك الجماعة كحزب سياسي ينافس على السلطة بكل جرأة، ويوظف كافة الأدوات الممكنة للوصول إليها.

٢- مصر هي أكبر سوق عربية من حيث الحجم، بصورة تجعلها هدفاً لأهم الشركات الإقليمية – وعلى الأخص الخليجية – لتصدير منتجاتها أو توسيع استثماراتها، خاصة أن تلك الشركات بات لديها فوائض مالية غير قليلة، مدفوعة بأسعار البترول القياسية. كما أن هذه الشركات في الوقت نفسه تجد في السوق المصرية بديلاً له ميزات نسبية عن السوق الأوروبية والآسيوية، التي لا تزال تمر بمرحلة ركود أولاً. كما أن المنافسة فيها أشرس من سوق ربما لا تزال بكرا في عدد كبير من القطاعات كالسوق المصرية ثانياً.

٣- تواجه العديد من الدول العربية، الخليجية منها على وجه الخصوص، دعاوى داخلية للتغيير السياسي، تختلف شدتها ودرجات التعبير عنها من دولة لأخرى.إلا أنه لا أحد يستطيع أن ينكر أن زلزالاً كبيراً قد هزَّ المنطقة، وأن جميع الدول عليها أن تتعامل مع توابعه بطرق مختلفة. بالنسبة لهذه الدول – على الأخص دول الخليج منها – فإن انتخابات الرئاسة المصرية تشكل فرصة إما لضمان عدم وصول نخبة إلى الحكم ستسعى في فترة قادمة إلى اتباع نهج تصدير الثورة، أو إلى فرصة للاستدلال والتدليل - ربما لشعوبها أو لنفسها - على أن الثورات والحركات الاحتجاجية ليست بالضرورة النموذج الأفضل للتغيير.

ثانياً – تصنيف دول الجوار الإقليمي تبعاً للمصالح المشتركة وأدوات التأثير:

      سيتم فيما يلي تصنيف دول الجوار الإقليمي إلى مجموعات متجانسة، تبعاً لمدى تقارب مصالحها المشتركة حول انتخابات الرئاسة المصرية، على أن يتم في كل تصنيف استعراض الأدوات التي قد تسعى كل من هذه المجموعات لاستخدامها للتأثير فى هذه الانتخابات.

1- دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء قطر):

بصورة عامة، يمكن وضع كل من المملكة العربية السعودية، والكويت، والبحرين، والإمارات، وسلطنة عمان في سلة واحدة، من حيث تقارب مصالحها في انتخابات الرئاسة المصرية. فهذه الدول الخمس تشترك في عدم تفضيلها لأن تصل جماعة الإخوان المسلمين لأعلى منصب في أكبر دولة عربية، وذلك لعدد من الاعتبارات:

أ. لا شك فى أن هناك تخوفا لدى النخب الحاكمة في هذه الدول من أن وجود رئيس إخواني الهوى في مصر سيؤدي إلى تقوية شوكة الجماعات الموازية/المرتبطة تنظيمياً وفكرياً بجماعة الإخوان المصرية في دول الخليج، حيث إن ذلك قد يُطلق كرة ثلج سيكون من الصعب الوقوف أمام قوتها الدافعة. أضف إلى ذلك أنه في إطار مثل هذا السيناريو، فسيكون أي تحرك قمعي من قِبَل هذه النخب ضد تلك الجماعات في دولها له صدى سيئ لدى النخبة الحاكمة في مصر، وقد يتطور الأمر إلى حد اتخاذ مواقف سلبية رسمية مصرية تجاه هذه الدول عندئذ.

ب. التخوف الثاني هو تخوف من اتباع النخبة الحاكمة في مصر عندئذ لسياسة "تصدير للثورة"، وهو أمر يؤرق بلا شك هذه الحكومات من مثل هذا السيناريو، حيث لن يكون حينها التخوف متمثلاً في مجرد خشية تأثير كرة ثلج الثورات العربية، ولكن من اتباع النخبة المصرية لنهج إيجابي، تكون نتيجته المرجوة، على الأقل نظرياً، تغيير نظم الحكم في هذه الدول.

ج. مما لا يخفى على أحد أن قيادات مثل هذه الدول كانت تتمتع بعلاقات صداقة - ربما تاريخية - مع الرئيس السابق حسني مبارك. وبالتالي، على الأقل على المستوى الإنساني، سيكون تعاطفها الشخصي باتجاه المرشحين الذين يمثلون امتداداً لنظام الحكم السابق نفسه، وليس القوى السياسية التي كانت دوما معارضة للنظام ولعبت دوراً كبيراً في إسقاطه، لربما تتمكن القوى التي تمثل امتداداً للنظام السابق من تمهيد الساحة لاستصدار عفو رئاسي عن مبارك.

الخيار الثاني لهذه الدول هو وصول شخصية ذات مرجعية دينية (غير منتمية لجماعة الإخوان المسلمين)، يغلب عليها الطابع الديني أكثر من السياسي، وبالتالي تضع في الحسبان عند التعامل مع دول الخليج الخمس معيار التآخي الإسلامي بصورة تجنب الاختلافات السياسية، أو على الأقل تجعلها ذات مرتبة ثانية في الاهتمام. ففي مثل هذا الوضع، ستتواصل علاقات التآخي بين دول الخليج هذه ومصر، بصورة تجعل هذه الدول تحصل على اعتراف بالشرعية من أكبر بلد عربي قامت به ثورة.   

بالانتقال من المصالح والخيارات إلى أدوات التأثير، ربما تكون أهم الأدوات المتوافرة لدول مجلس التعاون الخليجي هي أداة التمويل. فلا شك فى أن هذه الدول لديها وفورات مالية كبيرة في الوقت نفسه الذي يحتاج فيه عدد من مرشحي الرئاسة إلى تمويل. فنحن ربما أمام "عرض يوازيه طلب"، على الأقل من الناحية النظرية. قطعاً لن يسعى أي من الطرفين إلى أن تكون عملية المبادلة هذه ظاهرة للعيان، فذلك كفيل بأن يجعل من مثل هذا التنسيق أمرا ضرره أكثر من نفعه، ومن ثم قد تظهر محاولات لتمويل مستتر، خاصة أن قدرات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية على رصد الحجم الحقيقي لتمويل المرشحين - حتى الظاهر منه - لا تزال محدودة.

ربما تتمثل إحدى أدوات التأثير الأخرى في عدم تلبية طلبات المساعدة التي تتقدم بها مصر حالياً لسد بعض الاختناقات التي تظهر بين الحين والآخر في منظومة الدعم السلعي في مصر - وعلى رأسها قطعاً السولار والبوتاجاز- أو على الأقل عدم تلبية هذه الطلبات بالشكل المطلوب، أو بالصورة التي تُحدث انفراجة في الأزمة. وبالتالي، فإن هذا التلكؤ في الرفض لا يكون غالباً موجهاً ضد النخبة الحاكمة في مصر حالياً – بمعنى المجلس الأعلى للقوات المسلحة – وإنما سعياً لاستخدام هذه المساعدة كأداة تأثير بعد انتخابات الرئاسة، حيث ستكون عندئذ الحاجة إلى هذه المساعدة أكبر، ومن ثم القدرة على التأثير من خلالها أقوى.

2- قطر:

تكمن العلة من فصل قطر عن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى في التحليل في اختلاف أهدافها نسبياً فيما يتعلق بالعلاقة مع مصر عن هذه الدول، وهو أمر ينسحب أيضاً على أدوات التأثير. منطلق هذا الاختلاف يتمثل في اختلاف نمط العلاقة التي جمعت النخبة الحاكمة في قطر بالنظام السابق، والتي – على عكس دول الخليج الأخرى – سيطر عليها الاشتباك أكثر من التعاون، نتيجة لسعى قطر للعب دور متصاعد كلاعب إقليمي، بالارتكان إلى وفوراتها المالية المتحققة من مواردها من بترول وغاز طبيعي.

ربما السمة المميزة للسياسة الخارجية القطرية هي البراجماتية العالية التي تبديها، والتي يمكن من خلالها استنتاج أنها قادرة على التعامل مع أي خيار تنتج عنه الانتخابات، ما دام أن هذا الخيار لن يلعب دور حجر العثرة أمام رغبة الإمارة الصغيرة في لعب دور إقليمي رائد. وبتحليل سريع لمرشحي الرئاسية المحتملين حتى الآن، فلا يُتوقع أن يقوم أي منهم بلعب هذا الدور بعد توليه السلطة، أو على الأقل بالصورة التي تزعج قطر. فأيا كان الفائز، سيكون عالماً من جهة بأن مصر تحتاج حقاً إلى استثمارات أجنبية بشدة، ولا مانع أيضاً من مساعدات مالية. ومن جهة أخرى، لن يكون لأي من هؤلاء المرشحين – ربما باستثناء على استحياء يتمثل في عمرو موسى – القيمة والثقل الإقليمي لأن يلعب دورا على المستوى العربي يناهض/ينافس الدور القطري.      

الأداتان الرئيسيتيان بحوزة قطر هما قناة الجزيرة على جانب، والمساعدات المالية والاستثمارات الاقتصادية على الجانب الآخر، وهما أداتان تتمتعان بقدر غير قليل من الفعالية، كما أن إمكانية استخدامهما بصورة إيجابية وسلبية كبيرة.

3- تركيا:

ترى تركيا في الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، بل وفي ثورات الربيع العربي من منظور أشمل، فرصة سانحة لتعزيز استراتيجيتها، التي باتت تتبناها منذ وصول رجب طيب أردوغان للسلطة، بأن تستعيد تركيا مكانة إقليمية تاريخية في منطقة الشرق الاوسط، عن طريق لعب دور النموذج الذي يسعى الجميع إلى نقله واقتباسه، مستفيدة من التطور الاقتصادي الهائل الذي حققته في العقد الأخير، مما جعل منها الاقتصاد رقم 16 على مستوى العالم. يتضح من خلال متابعة التحركات التركية، منذ تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم، أنها تدفع بثقلها وراء جماعة الإخوان المسلمين، نتيجة لتقارب فكري وأيديولوجي أولاً، وربما أيضاً روابط تنظيمية تجمع ما بين جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وحزب العدالة والتنمية في تركيا.

بالانتقال إلى الأدوات، فإن الأداة التي تمتلكها تركيا يتوافر فيها أيضاً عنصر التوافق ما بين العرض والطلب، كما هو الحال بالنسبة لدول الخليج، وهي في هذه الحالة الاستثمار الأجنبي المباشر. فمن ناحية، تريد تركيا التوسع في استثمارتها الصناعية والتصديرية في مصر، لخلق مجالات أرحب لاقتصادها الذي يحتاج إلى فتح أسواق جديدة للحفاظ على معدلات النمو المرتفعة التي حققها في السنوات الأخيرة. ومن جهة أخرى، فإن أي حكومة إخوانية، ربما تكون قادمة، تريد أن تستخدم مثل هذه الاستثمارات بصورة دعائية، لإظهار أن الخلفية الإسلامية للحكومات لا تضر بالضرورة بالاقتصاد، وإنما تجذب استثمارات من دول إسلامية "صديقة"، قد تعوض ما يتم فقدانه من استثمارات غربية.

4- إسرائيل:

إسرائيل ربما الدولة الإقليمية الأكثر تأثراً بشخصية الحاكم القادم لمصر، لأن شخصية الرئيس القادم قد لا تعنى فقط بالنسبة لها الانتقال من حالة علاقات ثنائية "متقلبة" إلى "متوترة"، وإنما ربما أيضاً الانتقال من حالة سلام إلى حالة حرب. إلا أن المفارقة أن إسرائيل، في الوقت نفسه، ربما تكون الدولة الأقل قدرة على التأثير – أو على الأقل التأثير المباشر – فى مجريات انتخابات الرئاسة القادمة في مصر.

تتمثل أهم المصالح التي تسعى إسرائيل إلى الحفاظ عليها في علاقتها المستقبلية مع مصر – ربما بالترتيب وفقاً للأهمية أيضاً – في الاستمرار في احترام اتفاقية السلام، وعدم تحقيق نقلة نوعية في الدعم المصري للحركات الفلسطينية، خاصة حواس والجهاد، وأخيراً – هدف له أهمية خاصة على المدى القصير – عدم تحقيق تقارب مصري- إيراني، يُخفف، ولو قليلاً، من العزلة الاقتصادية والسياسية المفروضة على إيران.

بالانتقال إلى الأدوات، فكما ذُكر أعلاه، لا تمتلك إسرائيل أدوات مباشرة لدعم مرشح عن آخر. ولكن في المقابل، فإن الطرق غير المباشرة التي في حوزتها هي من خلال الإدارة الأمريكية، وعلاقتها الوطيدة بدول الخليج. في كل الأحوال، أغلب الظن أن إسرائيل، من منظور استراتيجي، باتت تتعامل مع مصر على أنه إن آجلاً أو عاجلاً، فإنها ستواجه حكومة مصرية ذات مرجعية دينية، سواء معينة من رئيس من الفئة نفسها، أو من أغلبية برلمانية لها التوجه نفسه، ومن ثم فإن قدرتها على التفضيل بين مرشحي الرئاسة ليست كبيرة. فحتى لو جاء رئيس جمهورية ليس ذا مرجعية دينية، فإن العلاقات بين البلدين لن تتحول إلى سلام "ساخن".  

5- إيران:

      بالنسبة لإيران، فربما أهم ما يشغلها حالياً هو تفويت الفرصة على إسرائيل للقيام بضربة إجهاضية ضد منشآتها النووية، وثانياً: محاولة استخدام ثورات الربيع العربي لخرق الحصار الاقتصادي، والعزلة السياسية المفروضة عليها، وثالثاً: عدم اتخاذ أي حكومة مصرية قادمة مواقف قوية ضد ما دُرِج على تسميته بـ"المد الشيعي". في هذا الإطار، على أي من هذه الأصعدة، فإن قدرات الحركة أمام المرشحين المحتملين لتحقيق نقلة نوعية – على الأقل على المجالين الأولى والثاني – محدودة نسبياً، مع اختلافات بسيطة، تتمثل بالأساس في المرشحين القوميين من اليسار. إلا أن فرص فوز هؤلاء المحدودة نسبياً، وانعدام خلفيتهم الدينية، يجعلان من احتمال تفضيلهم/دعمهم ضعيفا.  

ثالثاً - خاتمة:

    ختاماً، من الممكن إبداء ثلاث ملاحظات رئيسية، كما يلي:

1- الصورة الضبابية لانتخابات الرئاسة القادمة محلياً جعلت منها أكثر ضبابية إقليمياً. فغياب صورة واضحة عمن له الحظوظ الأعلى في الفوز، نظراً لغياب استطلاعات رأي موثوق في نتائجها، وحداثة التجربة، ناهيك عن تغير المشهد السياسي، وتوازنات القوى بصورة أسبوعية تقريباً، هي عوامل تجعل من الفاعلين الإقليميين غير قادرين على تحديد خياراتهم بصورة حاسمة. ومن ثم فحتى في ضوء وضوح مصالحهم – على الأقل بالنسبة لهم – إلا أن العديد منهم قد يُفضل عدم اتخاذ مواقف واضحة، أو ربما عدم اتخاذ مواقف على الإطلاق، ولكن التريث والانتظار، ثم التعامل مع المستجدات خطوة بخطوة، لأن الساحة ضبابية أكثر من اللازم، مما يعظم من مخاطر الانحياز المسبق.

2- حتى إذا سعى عدد من الفاعلين الإقليميين إلى ممارسة تأثير، بصورة أو بأخرى، فمن المهم عدم المبالغة في استشراف وقع هذا التأثير. فمصر دولة كبيرة ، وعدد الناخبين المسجلين بها يفوق الـ 50 مليونا، بصورة يصعب معها التأثير فى توجهات ناخبيها. كما أن هؤلاء الناخبين تاريخياً لديهم حساسية مفرطة ضد أي محاولة للتأثير الخارجي فى مصير وطنهم، بصورة قد تجعلهم يبدون رد فعل سلبيا، إذا تم رصد دلائل على هذا التأثير، وتلك معلومة لا تخفى عن هؤلاء اللاعبين الإقليميين.

3- بناءً على ما سبق، فإن النتيجة الأكثر احتمالاً هي أن الناخبين المصريين سيكون لهم على الأرجح التأثير الأكبر – بصورة نسبية وليس مطلقة – فيمن سيكون أول الداخلين لقصر الرئاسة بعد الثورة، وتلك نتيجة ربما يجد الكثيرون أنها تبعث على التفاؤل، في موقف لا تحقق فيه عناصر أخرى كثيرة الهدف نفسه.


رابط دائم: