هيمنة المرشد:|قراءة في نتائج الانتخابات البرلمانية الإيرانية
11-3-2012

رانيا مكرم
* باحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام

الخميس 8 -3-2012

على الرغم من أن نتائج الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشورى الإسلامي لم تأت بجديد من حيث فوز التيار الموالي للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، على التيار المؤيد للرئيس أحمدي نجاد، في ظل مقاطعة من قبل بعض فصائل التيار الإصلاحي، فإن هذه الانتخابات تكتسب أهميتها من اعتبارات عدة، أهمها التوقيت، والظرف، إذ تعد أول استحقاق انتخابي عقب انتخابات الرئاسة عام 2009 ،والتي أعقبتها أزمة ثقة وربما شرعية رأس النظام الذي يمثله الرئيس أحمدي نجاد،تلك الانتخابات التي مثلت بحق مرحلة انتقالية في تاريخ إيران تشكلت خلالها خريطة جديدة لتوزيع القوة السياسية.

كما مثلت الانتخابات البرلمانية في دورتها التاسعة بشكل ما اختبارا حقيقيا للرئيس أحمدي نجاد وحكومته، لاسيما على خلفية خلافه مع المرشد الأعلى، والانتقادات التي توجه لأسلوب إدارته للبلاد، وبصفة خاصة في ملفات الاقتصاد والصراع مع الغرب.كما تأتي نتائج الانتخابات البرلمانية الإيرانية كانعكاس واضح لحالة عدم الانسجام التي سادت بين التيارات السياسية، والتي نتج عنها تشكل اصطفافات سياسية جديدة داخل الجناح الواحد، المحافظ والإصلاحي علي حد سواء، حيث انفرط عقد كل منهما لتتشكل فصائل عدة برؤى مختلفة.

تغير المشهد الانتخابي:

اختلف المشهد الانتخابي الإيراني بشكل كلي خلال هذا الاستحقاق. فبعد أن اقتصرت المنافسة السياسية خلال الأعوام الثلاثين الماضية على تيارين كبيرين رئيسيين، هما التيار الإصلاحي، والتيار المحافظ، ظهرت اصطفافات متنافسة داخل كل تيار، باتت تعمل دون تنسيق داخل الكيان الأكبر الذي أُفرزت من خلاله.كما أنه وخلافا للسابق، لم يقدم المرشحون على الدخول في مناظرات جدية، الأمر الذي تسبب في إرباك الناخبين بسبب عدم إدراكهم لأوجه الاختلاف بين سياسات المرشحين باختلاف انتماءاتهم.

فقد ظهر التيار الإصلاحي منقسما على نفسه بين داع لمقاطعة الانتخابات ومشارك فيها، حيث قاطع جزء من الإصلاحيين المحسوبين علي الحركة الخضراء المؤيدين لرئيس الوزراء السابق، مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، الرئيس الأسبق للبرلمان الإيراني، الانتخابات، بهدف إعادة بناء قوتهم اجتماعيا في محاولة لإجبار النظام على تغییر سياساته، أو السعي لإنهاء شرعيته، بينما شارك فيها الإصلاحيون المقربون من الرئيس السابق محمد خاتمي.

أما التيار المحافظ، فقد شهد انقساما جديدا لثلاثة أجنحة رئيسية، هي: قائمة جبهة الأصوليين الموحدة (تحالف 8+7)، وعلى رأس هذه القائمة رئيس البرلمان المنتهية ولايته علي لاريجاني، وجبهة صمود الثورة الإسلامية "بایداري انقلاب إسلامي"، ومن أبرز رموزها آية الله مصباح يزدي، وجبهة المقاومة، ومن أبرز وجوهها الدکتور محسن رضائي، أمين مجمع تشخیص مصلحة النظام، ذلك إلى جانب أحزاب جديدة انشقت عن التيارين الإصلاحي والمحافظ، ودخل مرشحوها الانتخابات كمستقلين، مثل جبهة البصيرة، والصحوة الإسلامية، و صوت الشعب، والجبهة الشعبية للإصلاحات.

على الرغم مما بدا عليه المشهد الانتخابي من تنوع للمرشحين وانتماءاتهم السياسية، فإن المنافسة الحقيقية قد انحصرت بين مرشحي التيار المحافظ الذي انقسم بين موالين للمرشد الأعلى على خامنئى المنتقدين لحكومة أحمدي نجاد، ومؤيدين للرئيس وحكومته، وذلك لعدة اعتبارات، أهمها أن التيار المحافظ بأجنحته المتعددة حاليا كان الأوفر حظا والأكثر خبرة خلال السنوات الماضية التي أفل فيها نجم التيار الإصلاحي، الذي حاول بدوره استعادة قوته خلال التظاهرات التي عقبت الانتخابات الرئاسية عام 2009.

غير أن ما تعرض له من حملات قمع وتشويه قد أفقده ما تبقي له من قوة، فضلا عن عدم استطاعة العديد من مرشحي هذا التيار الحصول على تصريح من مجلس صيانة الدستور للتقدم بالترشح لعضوية البرلمان، ناهيك عن الفرص الضئيلة التي عادة ما تكون من نصيب الأحزاب الصغيرة التي تدخل الانتخابات الإيرانية بشكل مستقل عن التيارين الأساسيين، الإصلاحي والمحافظ.

وقد كان للمشكلات السياسية الداخلية والاقتصادية حضور خلال الحملات الانتخابية للمرشحين، لاسيما مع زيادة الضغوط الغربية على النظام الإيراني، وتوقيع عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على مقدرات الاقتصاد الإيراني، شملت قطاع النفط، على خلفية الصراع على الملف النووي.غير أن ذلك فيما يبدو لم يؤثر في نسبة الإقبال على التصويت حسب النسبة المعلنة من قبل وزارة الداخلية الإيرانية، نظرا لكون السياسة الخارجية، بما فيها النزاع النووي، لا تقع في اختصاص البرلمان. إلا أن أثرها كان واضحا في ترجيح كفة جناح المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وتراجع مؤيدي الرئيس أحمدي نجاد.

نتائج متوقعة:

أظهرت نتائج الدورة التاسعة للانتخابات البرلمانية الإيرانية التي تنافس فيها 3444 مرشحا على 290 مقعدا، تمثل 207 دوائر في مجلس الشورى الإسلامي، فوزا ساحقا للجناح الموالي للقائد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، من التيار المحافظ بنسبة 75%، مقابل تراجع كبير لأنصار الرئيس محمود أحمدي نجاد، ووجود محدود للتيار الإصلاحي.

 فاز 225 نائبا خلال الجولة الأولي بمقاعد في المجلس، فيما ستجري جولة الإعادة بين 130 مرشحا على 65 مقعدا خلال شهر أبريل المقبل، على أن يفتتح المجلس أولى جلساته في الدورة الجديدة في 27 يونيو 2012. وقد بلغت نسبة المشاركة 64 % من إجمالي عدد الذين يحق لهم التصويت البالغ عددهم 48 ملیونا و288 ألفا و799 شخصا،من خلال 47 ألف مركز اقتراع، وهي نسبة فاقت المشاركة في الانتخابات البرلمانية الثامنة بنحو 11% . وقد أشرف على العملية الانتخابيةكادر تنفيذي بلغ عدده 850 ألفا من الهيئات التنفيذية والمحافظين والمسئولين المحليين ومجلس صيانة الدستور. كما استخدمت الحكومة الإيرانية وسائل حديثة لحث الناخبين على المشاركة، حيث بث التليفزيون الإيراني برامج لتشجيع الناس على الإدلاء بأصواتهم، بمقولات لمؤسس الجمهورية الإسلامية، روح الله الخميني، وشعارات حديثة، مثل "تقدمنا في العلوم والاقتصاد يعتمد على صوتك".

وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات قد تمت بدون حضور مراقبين مستقلين لمراقبة العملية الانتخابية برمتها، والتأكد من نزاهتها، وصحة ما أعلن من نتائج، في حين منع مجلس صيانة الدستور، طبقا لاختصاصاته، 35 عضوا بالبرلمان من إعادة ترشيح أنفسهم مرة أخرى، بالإضافة إلى نحو 2000 شخص آخرين قدموا أوراقهم للترشح.

بهذه النتائج، باتت حقيقة أن مجلس الشورى الإيراني سيبقى تحت هيمنة المحافظين المؤيدين للمرشد الأعلى، علي خامنئي، واضحة لا تقبل الجدل، حيث فاز مؤيدو خامنئي في مدينتي قم ومشهد، كما تقدموا في مدن إقليمية كبرى، مثل أصفهان وتبريز، والتي سبق أن ساند ناخبوها أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 2009، كما حصلوا على 19 مقعدا في طهران من إجمالي 30 مقعدا مخصصة للمحافظة. فيما جاءت المفاجأة الحقيقية من السلوك التصويتي للناخبين في المناطق الريفية التي تمثل المراكز التقليدية لتأييد أحمدي نجاد، إذ اكتسح التيار الموالي لخامنئي بنسبة تقترب من الـ 70 % من المقاعد.

- التأثير المحتمل:

نظرا لعدم اختصاص مجلس الشورى الإسلامي بوضع السياسية الخارجية والأمنية للبلاد، أو المشاركة في رسمها، فلا يتوقع أن يحدث تغير ملموس في نمط السياسة الخارجية الإيرانية، حيث إنها تقع ضمن سلطة المرشد الأعلى مع دور محدود للرئيس، لاسيما مع فوز مؤيدي المرشد الأعلى بالأغلبية الساحقة في البرلمان، بالإضافة إلى ارتباط مصالح المحافظين بمستقبل النظام. وعلى الرغم من أن الجناح المؤيد للرئيس يعد أكثر تشددا من ذلك المؤيد للمرشد الأعلى، فإنه من غير المتوقع أن يُفرز البرلمان التاسع قوى أكثر مرونة في إيران. ولعل نسبة المشاركة الشعبية قد جاءت في عكس اتجاه ما توقعه الغرب، من ناحية تضخيم أثر سخط الداخل الإيراني، لاسيما مع دعوة الحركات المعارضة الإيرانية التي تعرض قادتها للسجن والإقامة الجبرية إلى مقاطعة الانتخابات. حيث استجاب الشعب الإيراني لمناشدة المرشد الأعلى الإقبال على التصويت كوسيلة لإظهار التحدي تجاه الغرب، في وقت يشهد توترات خطيرة مع الأخير. فيما لم يقاطع الانتخابات سوى بعض فصائل المقاومة الأحوازيةالمنضوية تحت لواء منظمة "حزم".

إلا أن نتيجة الانتخابات ستسهم بشكل ما في تعزيز هيمنة القائد الأعلى، علي خامنئي، على مقاليد النظام قبل الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، الأمر الذي سيقلص من مساحة دور الرئيس القادم، لاسيما مع خسارة نجاد الكثير من المؤيدين له على خلفية خلافه مع المرشد. بل يذهب العديد من المراقبين لأبعد من ذلك بالقول إن الرئيس أحمدي نجاد سيكمل فترة ولايته حتى ميعاد الانتخابات الرئاسية القادمة كرئيس غير قادر على ممارسة كل صلاحياته، في ظل غياب الدعم الكامل من المرشد، والانتقادات الشديدة الموجهة إليه من أكبر رموز النظام، فضلا عن الضغط الغربي المتنامي بشأن برنامج إيران النووي، والمخاوف من هجوم إسرائيلي. كما سيضمن ذلك الفوز للجناح الموالي للمرشد الأعلى انتخاب رئيس جديد من معسكر خامنئي، مما يعني المزيد من النفوذ للأخير. 

أما عن مستقبل التيار الإصلاحي الذي تعرض لهزات عنيفة، خلال السنوات الماضية، فمع غياب جزء كبير من رموزه عن الانتخابات البرلمانية، نتيجة الإقامة الجبرية والمقاطعة لبعضهم، ومنع البعض الآخر من الترشح، فإن فرصهم تكاد تكون معدومة في الانتخابات الرئاسية، وبصفة خاصة إذا ما بقي ضعفهم الحالي على ما هو عليه. فيما يرى المراقبون أن الانتخابات وما حققته من نسبة مشاركة كبيرة، وفوز لمؤيدي المرشد، قد شكلت للأخير فرصة مواتية للسيطرة على مد الفئة السياسة الناشئة، بعيدا عن رجال الدين السياسيين والمعارضين لدورهم المتوغل في السياسة، سواء في التيار المحافظ، أوالتيار الإصلاحي.     


رابط دائم: