الإشكالية الإيرانية:|دراسة أمريكية تتساءل: هل تصبح تركيا دولة نووية؟
14-3-2012

سنان أولجن
* باحث زائر بمؤسسة كارنيجى للسلام الدولي

الأحد: 11-3-2012

عرض: إيمان أحمد عبد الحليم، باحثة دكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة

لتركيا سجل نظيف في دعم السياسات الدولية الرامية إلى وقف انتشار الأسلحة النووية، فقد وقعت جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وتشارك بانتظام في عدد من الأنشطة لتدعيم قواعد عدم الانتشار النووي في الشرق الأوسط؛ وذلك كجزء من استراتيجية شاملة للحد من حدة التوتر في المنطقة، مما أعطى صورة لأنقرة كشريك ملتزم دولياً يمكن أن يعتمد عليه للمساعدة في تحقيق الاستقرار المنشود في نطاقها الإقليمي، وأتاح لها وضعاً إقليمياً مميزاً، خاصة أن القوى الإقليمية الأخرى في الشرق الأوسط لم تحذ حذوها في الالتزام الكامل بكل المعاهدات التي تكفل منع الانتشار النووي.

وفي هذا السياق، يأتي عرض الدراسة التي نشرتها مؤسسة كارنيجى للسلام الدولي لـ "سنان أولجن Sinan Ülgen" والمعنونة بـ "تركيا والقنبلة Turkey and the Bomb" الصادرة في فبراير الماضي، والتي تتناول الجهود التركية في منع الانتشار النووي في المنطقة، وموقفها من المساعي الإيرانية لامتلاك برنامج نووي، وكذا التعاون مع القوى الغربية في الحفاظ على أمنها، وهل ستكون تركيا دولة نووية أم لا؟.

الإشكالية الإيرانية في السياسة التركية

على الرغم من موقف تركيا الإيجابي تجاه دعم الجهود الدولية المبذولة لمنع الانتشار النووي، فإن هناك قلقا دوليا من الانعكاسات المحتملة لبرنامج إيران النووي، إذ يسود اعتقاد بأن نجاح إيران في امتلاك برنامج نووي عسكري قد يدفع الدول المجاورة لها هي الأخرى إلى محاولة امتلاك التقنية النووية غير السلمية، الأمر الذي يؤدي إلى سباق تسلح نووي خطير في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من التاريخ التنافسي الذي صبغ العلاقات التركية- الإيرانية، فقد كان لافتاً الموقف التركي المغاير للمواقف الغربية بشأن برنامج طهران النووي، حيث رفضت أنقرة العقوبات التي حاولت القوى الغربية فرضها على إيران منذ عام 2003، والتي تزامنت تقريباً مع بروز حزب العدالة والتنمية في تركيا، وانتخاب رجب طيب أردوجان رئيساً للوزراء، والذي تبنى سياسة خارجية تقوم على سياسة "صفر" المشكلات مع دول الجوار.

ومنذ ذلك الحين، وعلى النقيض من سياسة تركيا السابقة تجاه إيران، فقد تنامت العلاقات السياسية والاقتصادية بينهما، في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، حتى برز تعاون أمني بينهما في مواجهة التهديدات المشتركة التي تعلقت أساساً بنشاط حزب العمال الكردستاني.وقد استغلت تركيا تلك العلاقات الجيدة في محاولة إقناع إيران بأهمية التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والشفافية التامة في كل ما يتعلق ببرنامجها النووي. ولكن في الوقت ذاته، فقد دعمت إلى حد كبير ما تراه بحق إيران في تطوير تكنولوجيا نووية، وتخصيب اليورانيوم، مادام ذلك لأغراض مدنية سلمية، الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين يعملون على عزل إيران اقتصادياً وسياسياً بسبب الشكوك المحيطة ببرنامجها النووي.

رغم ذلك، فمن الخطأ الاعتقاد بأن تركيا متقبلة لفكرة وجود إيران نووية، فتركيا تتفق مع حلفائها الغربيين على أن إيران يجب ألا تمتلك السلاح النووي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعزز حالة عدم الاستقرار في المنطقة، بل ويضر بطموحات تركيا للحفاظ على وضعها كقوة إقليمية رئيسية، علاوة على أن إيران نووية أمر سيدفع في الغالب دول الخليج هي الأخرى إلى امتلاك التقنية النووية لتدخل المنطقة في سباق تسلح خطير يغير المشهد الإقليمي كاملاً. ولهذا، فقد حاولت تركيا التوسط مع البرازيل في مايو 2010 – قبل أيام قليلة من إصدار مجلس الأمن لقراره 1929 الذي يفرض عقوبات جديدة على إيران - للتوصل إلى اتفاق لمبادلة الوقود النووي مع طهران.

وينبع الموقف التركي المرن من اعتماد أنقرة لحد كبير على عضويتها في حلف الناتو، وهو ما تستند إليه في تحقيق هدف الردع، وهي تعد علاقتها مع الولايات المتحدة مفتاح أمنها في إطار حالة عدم الاستقرار الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط.وقد أتاح وضع تركيا في حلف الناتو أن تستقبل على أراضيها أسلحة نووية تابعة لحلفائها، مما وفر لها قوة ردع كافية في مواجهة التهديدات، وساعد أنقرة على الجانب الآخر في الاحتفاظ بسجل نظيف جداً في إطار منع انتشار الأسلحة النووية، مع اعتمادها على القوات العسكرية التقليدية في حماية أمنها ضد ما قد يواجهها من تحديات.

الجدل حول منظومة الدفاع الصاروخي

نظراً لصعوبة اعتماد تركيا على قدراتها العسكرية التقليدية وحدها في مواجهة ما يموج به محيطها الإقليمي من تحديات، فقد خلص قادتها إلى أن التعاون الأمني مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل هو الضمان لأمن بلادهم، والإيفاء بالاحتياجات الأمنية التركية المباشرة، وخصوصاً في مجال اعتراض الصواريخ الباليستية، مما يفسر حرص أنقرة على تعزيز تعاونها في هذا المجال مع عدد من القوى الدولية الأخرى مثل روسيا والصين في اتجاه بدا منفصلاً عن برنامج الدفاع الصاروخي الأضخم الذي يسعى حلف الناتو إلى نشره عبر أوروبا.

ولكن مقابل اهتمام تركيا بالمشروعات المتعلقة بالدفاع الصاروخي، اتخذت موقفاً حاداً أثار الكثير من الجدل حوله خلال قمة لشبونة لحلف الناتو في عام 2010. فمع الاتجاه إلى نشر وحدات من الدرع الصاروخية على الأراضي التركية، فقد شددت أنقرة على أن هذا النظام يجب ألا يكون سبباً لتوتر علاقاتها مع دول الجوار، ولذلك دعمت تركيا نشر النظام على كامل أراضيها، وعلى أن يكون تشغيل مكوناته على إقليمها من قِبل الجيش التركي الوطني، ليوافق أعضاء الناتو على عدم تحديد اسمي إيران وسوريا كتهديدات محددة تواجهها الدرع الصارخية، وتأجيل أي قرار بشأن الجهة التي ستتولى تشغيل النظام، وفقاً لمطالب تركيا التي وافقت على استضافة رادارا للإنذار المبكر على أراضيها.

وكان اللافت أن ذلك الموقف لتركيا لم يساعد على استيعاب إيران التي هددت بضرب موقع الرادار بتركيا، في حال وجه أي هجوم إليها، الأمر الذي يدفع صناع السياسة في تركيا إلى الاعتماد مرة أخرى على العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة وتلك التي يوفرها حلف الناتو.

مستقبل الأسلحة النووية التكتيكية

استضافت تركيا منذ ما يقرب من ستة عقود الأسلحة النووية الأمريكية، وكان ذلك في السابق بهدف ردع الاتحاد السوفيتي بالأساس. غير أن قرارات الولايات المتحدة خلال فترة الحرب الباردة بإزالة الأسلحة الباليستية متوسطة المدى من تركيا، على أن يقوم الاتحاد السوفيتي بالفعل ذاته في كوبا، أرست قناعة تركية بأن الولايات المتحدة لا تهتم كما ينبغي بالتهديدات التي قد تواجه حلفاءها، إذا ما رأت مصلحتها في سبيل آخر، وهو الشعور الذي تدعم بحظر الأسلحة الذي فرضته الولايات المتحدة على تركيا بسبب غزوها قبرص عام 1974.

وقد تراجعت قيمة السلاح الاستراتيجية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، الأمر الذي يفسر الجدل الذي شهدته أعمال قمة الناتو في لشبونة حول وضع الأسلحة النووية التكتيكية المنتشرة في عدد من الدول ومنها تركيا، ما بين الدعوة إلى إزالتها، أو بقائها لحين زوال التهديدات التي تواجه دول الحلف. وتدعم تركيا الحفاظ على جزء من الترسانة النووية على أراضيها، وهي تعتقد أن تلك الترسانة هي التي تجنبها تهديدات إيران وسوريا والعراق.

وعلى الرغم من أن ذلك الموقف قد يتعارض ظاهراً وتأكيد أنقرة الدائم على هدف عالم خال من السلاح النووي، فإنها تدرك جيداً أن ذلك الهدف يستغرق تحقيقه أعواما عدة، ولذلك فهي تؤكد أهمية الحفاظ على قوة ردع ذات مصداقية لحين تحقيق هدف نزع السلاح النووي، بجانب وجود اعتقاد أن إزالة تلك الأسلحة سيؤثر فى مكانة تركيا في حلف الناتو، الأمر الذي ينعكس سلباً على العلاقات الاستراتيجية التي تجمعها بالولايات المتحدة، وإن كانت هناك شكوك تركية في مدى استعداد الناتو لتفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف، والمتعلقة بالدفاع الجماعي، في حال وقع عدوان على تركيا، وذلك بالنظر إلى الخلاف البيّن في المصالح. ومن هنا، يحذر البعض حتى داخل الولايات المتحدة من أن الإسراع بسحب الأسلحة النووية من تركيا قد يدفعها إلى محاولة امتلاك التقنية النووية، خصوصاً في حال إذا ما امتلكتها إيران.

احتياج تركيا لموارد الطاقة يوجه دبلوماسيتها

بدأ الاهتمام التركي بالطاقة النووية منذ أربعة عقود مضت. ففي عام 2006، أعلنت تركيا بوضوح من بين 13 دولة في الشرق الأوسط نيتها البدء في برنامج طويل للطاقة النووية السلمية النظيفة بهدف تقليل الاعتماد على مورد الطاقة الأجنبي من جهة، ولخفض انبعاثات الكربون من جهة أخرى، والأهم للإيفاء بالاحتياجات التنموية مع ازدياد عدد السكان.

وقد استندت تركيا في ذلك إلى ما تنص عليه المادة الرابعة من معاهدة حظر الانتشار النووي ذاتها، والتي تنص على أنه من حق الدول الموقعة على الاتفاق تطوير أنشطة نووية سلمية، وعلى أن تلتزم الدول التي تملك التقنية النووية بتيسير تبادل التكنولوجيا والمواد النووية.وهذا التفسير التركي للمادة الرابعة كان سبباً في خلاف مع بعض الحلفاء الغربيين، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بامتلاك تكنولوجيا التخصيب، وإعادة معالجة اليورانيوم، وهو ما عدّه المسئولون الأتراك تقييداً لطموحات بلادهم النووية.

ومع المشكلة التي يثيرها أمر تخصيب اليورانيوم ما بين الاستخدامات السلمية والعسكرية، فقد طُرح من جانب القوى الغربية اقتراح خاص بإنشاء مركز تخصيب متعدد الأغراض لتوفير الوقود النووي للدول الأعضاء في معاهدة حظر الانتشار النووي، والتي هي على تعاون جيد بالوكالة الدولية للطاقة الذرية التي وافقت أخيراً على إنشاء بنكين دوليين للوقود. غير أن تركيا تحفظت على تلك المبادرة لاعتبارها أن الحل الذي تقترحه يقيد هو الآخر حريات الدول في تطوير تكنولوجيا نووية سلمية خاصة بها، وتجعلها في هذا الإطار تحت تحكم وسيطرة القوى الكبرى التي تملك هذه التكنولوجيا، وتملك التحكم بها.

وحتى الاقتراح الذي قُدّم من جانب مجموعة موردي المواد النووية (NSG)، والذي يضع مجموعة من المعايير الموضوعية والذاتية، على الدول المتلقية الإيفاء بها قبل الحصول على التكنولوجيا النووية الحساسة، هو الآخر لم يلق الترحيب من جانب تركيا، وحتى الترحيب به من جانب الولايات المتحدة كان مشروطاً بتعزيز الرقابة على المواد المصدرة، والتحكم بها.

وبعد أعوام من المفاوضات، وافقت مجموعة موردي المواد النووية في يونيو 2011 على وضع قيود أكثر صرامة لمنع انتشار تكنولوجيا التخصيب، وإعادة معالجة الوقود النووي، وهذه القيود الجديدة تتضمن منع بيع هذه التكنولوجيا الحيوية للدول التي لم توقع البروتوكول الإضافي لاتفاق ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي يسمح للوكالة الدولية بإجراء عمليات تفتيش أكثر صرامة للمنشآت النووية.

وعلى الرغم من أن تركيا وافقت على ذلك الاتفاق الذي جاء كرد فعل على ما يبدو على اتفاق الهند مع الولايات المتحدة، والذي استثناها من الالتزام بضمانات مجموعة موردي المواد النووية، فإنه يتوقع أن تستمر أنقرة في جهودها الهادفة إلى جعل عملية نقل التكنولوجيا النووية أمر أكثر يسراً ومرونة.

مستقبل الطموحات النووية لتركيا

في ظل طموحات تركيا لامتلاك التقنية النووية وتأكيدها الدائم أن ذلك حق تكفله معاهدة حظر الانتشار النووي، يكون التساؤل عما إذا كان ذلك الطموح قد يتطور ليشمل أبعادا عسكرية أم لا. وللإجابة على هذا التساؤل، يشار إلى الاتفاق الذي وقعته تركيا مع روسيا في مايو 2010 لبناء وتملك وتشغيل محطة لتوليد الكهرباء على الساحل التركي على البحر المتوسط، وهذا الاتفاق شديد الأهمية الاقتصادية لتركيا، إذ يوفر لها شراء وبيع الطاقة الكهربائية المنتجة من محطة توليد الكهرباء.

ومن المتوقع أن تدخل أول وحدات المشروع الخدمة في عام 2019، ولكن مع تأكيد أن الشركة الروسية المسئولة عن إدارة المشروع هي المسئولة عن إدارة النفايات النووية، ووقف تشغيل محطة توليد الكهرباء، وهو ما يتضح معه غياب البعد العسكري، وكل ما يتعلق بنقل تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم إلى أنقرة.ومن ثم، يمكن القول في الختام إنه بالرغم من الاهتمام الذي تبديه تركيا بالاستثمار في عدد من التقنيات اللازمة لتفعيل برنامج مدني للطاقة النووية، فإنها تفتقد البنية التحتية اللازمة لإنتاج المواد الانشطارية اللازمة لصنع السلاح النووي، كما أنها لا تملك البنية التحتية اللازمة لاستخراج اليورانيوم وتخصيبه، أو إعادة معالجة الوقود النووي المستنفد.

وبدون ذلك، لا يمكن لها في واقع الأمر صنع السلاح النووي، وامتلاك القنبلة النووية، ولذلك فهي تعتمد على المورد الأجنبي في الحصول على التكنولوجيا النووية اللازمة لاستكمال برامجها التنموية. ولكن ذلك لا يتعارض وحقيقة أنه لو توافرت الإرادة السياسية، سيمكن لتركيا تصميم الجيل الأول من الأسلحة النووية، من خلال تصميم جهاز انفجار داخلي مبسط لا يحتاج فيه إلى اليورانيوم عالي التخصيب، وهو الأمر الذي يمكن ضمانه تحت ستار برنامج مدني للطاقة.

ولكن أنقرة ستتجنب على الأرجح اتخاذ أي خطوة في هذا المجال قد تؤثر فى علاقتها الاستراتيجية المميزة مع الولايات المتحدة، ووضعها داخل حلف الناتو، ومن ثم الحفاظ على وضعها الإقليمي المميز. وفي ضوء أن تركيا تولي اهتماماً خاصاً بتفعيل ما يصطلح على تسميته بـ"القوة الناعمة" في سياستها الخارجية، فإنها غالباً ما ستتجه- في حال واجهت أي تهديد- إلى تقوية روابطها مع الضامنين التقليديين لأمنها في حلف الناتو، بجانب اعتمادها على قواها التقليدية.


رابط دائم: