نتنياهو وسياسة اللعب بالنار.. الشرق الأوسط فى مرمى التهديد
23-9-2025

د. آية الهنداوي
* مدرس الدراسات اليهودية والعهد القديم بكلية الآداب- جامعة المنصورة

بنيامين نتنياهو الرجل الذى أعاد تشكيل السياسة الإسرائيلية وفق أجندة شخصية متطرفة لا يكتفى بالتصعيد الداخلى، بل يمتد تهديده ليشمل المنطقة بأسرها. خلف ابتسامته الباردة وخطاباته المكررة، تكمن شبكة معقدة من التلاعب بالسياسة الداخلية والخارجية، واستغلال القوانين لمصالحه الشخصية وحماية نفوذه.

نتنياهو لا يقود دولة بل يحول مؤسساتها إلى أدوات لتنفيذ أجندته الخاصة سواء عبر تضييق الحريات، أو تقوية قوات الأمن لصالحه، أو تسخير الإعلام لتجميل صورته وتخويف خصومه. كما أن استراتيجيته تقوم على تقويض أى منافس سياسى داخلى وتحويل المعارضة إلى هدف مستمر للحملات التشويهية.

 هذا الأسلوب لا يقتصر على المنافسين، بل يشمل القضاء ووسائل الإعلام المستقلة، حيث يحاول تقييد أى صوت يعارض سياسته ويكشف سوء إدارته. على الصعيد الخارجى اعتمد نتنياهو سياسة استفزازية قائمة على التصعيد العسكرى والمغامرات الدبلوماسية، بما يضمن بقاء إسرائيل فى موقع الهيمنة الإقليمية حتى على حساب استقرار المنطقة وسلامة المدنيين. فى هذا الإطار تظهر استراتيجيته للردع والتحذير كعنصر مركزى فى حساباته. وتحركاته السياسية والعسكرية تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومى المصرى، إذ إن أى تصعيد فى النزاعات الإقليمية سواء عبر التصعيد العسكرى فى غزة أو الضفة الغربية أو عبر استفزاز القوى الإقليمية الكبرى، قد يضع القاهرة أمام خيارات صعبة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية وحدودها الوطنية.

ومصر لن تقف مكتوفة الأيدى أمام أى محاولة لتخطى الحدود أو انتهاك الخطوط الحمراء للأمن القومى المصرى وأى تجاوز سيقابل برد حاسم وفورى، إذ إن الوضع قد ينفجر ولن يظل صامتًا أمام أى تهديد لمصالحه الحيوية.

ما تحمل سياسات نتنياهو العدوانية تحذيرًا ضمنيًا بأن أى تهاون فى الردع أو التفاوض على الاستقرار الإقليمى يمكن أن يُفسح المجال لمزيد من المغامرات العسكرية والسياسية. بالإضافة إلى أن استراتيجيته تقوم على اختبار الحدود الدولية وتحويل كل فرصة دبلوماسية إلى أداة لتحقيق مكاسب آنية على حساب الأمن العالمى.

 التحذير هنا ليس شعارًا، بل واقع ملموس يفرض على القوى الغربية أن تعيد تقييم سياساتها تجاه إسرائيل وتضغط على قيادتها لتجنب الانزلاق نحو أزمات إقليمية كبرى. فالتورط فى الفساد والقوانين الخاصة،  والعلاقات المشبوهة مع رجال أعمال وإعلاميين كلها أدوات فى يده لتحقيق مكاسب شخصية، بينما يدّعى الدفاع عن الوطن والأمن القومى.

نتنياهو لم يكتفِ بتحويل السياسة الإسرائيلية إلى لعبة مصالح شخصية، بل صاغ خطابًا متطرفًا يُبرر العدوان ويحوّل الضحايا إلى أرقام لا تعنى شيئًا أمام أهدافه.

وتأثير هذه السياسات يظهر على المستويين الاجتماعى والسياسى، حيث يزداد الاستقطاب، وتضعف المؤسسات الديمقراطية، ويصبح المواطن العادى مجرد شاهد على استراتيجيات لا تخضع لأى رقابة حقيقية.

ونؤكد أن نتنياهو ليس مجرد زعيم يمارس السياسة، بل مهندس استراتيجيات التدمير السياسى والاجتماعى، الذى يراهن على استمرار حالة الفوضى والتخويف لتحقيق مصالحه. وما يحدث اليوم فى إسرائيل والمنطقة هو نتاج هذا النهج الذى يثبت أن القوة الشخصية والمكر السياسى يمكن أن يتحكم فى مصير الشعوب بأدوات بشرية وقانونية مُستغلة، بينما العدالة والمصداقية تتحول إلى شعارات بلا مضمون.

والردع السياسى والدبلوماسى أصبح ضرورة استراتيجية للحفاظ على الاستقرار الإقليمى، ومنع رجل واحد مثل هذا المُخرب نتنياهو من تحويل كل المنطقة إلى ساحة مغامرات شخصية على حساب الأمن القومى والسلام الإقليمى.

إن سياسات نتنياهو المدمرة لا تقتصر على التخريب الداخلى أو التهديد الإقليمى فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى محاولة فرض واقع جديد قائم على الهيمنة الإسرائيلية المطلقة. هذه الاستراتيجية المتطرفة تهدد الأمن القومى الإقليمى وتضع الشرق الأوسط بأسره على حافة صراعات قد تؤدى إلى زعزعة استقرار المنطقة لسنوات طويلة. وأى تجاهل أو تساهل من قبل القوى الإقليمية أو الدولية لن يوقف هذا الدموى نتنياهو، بل سيمنحه الفرصة لمزيد من المغامرات العسكرية والدبلوماسية، مما يحتم على كل الدول العربية أن ترفع درجة اليقظة وتحرك كل أدواتها الدبلوماسية والعسكرية لحماية حدودها ومصالح شعوبها.

نتنياهو لا يسعى فقط للهيمنة أو لمراكمة السلطة، بل يراهن على تحقيق ما فشل أسلافه من زعماء إسرائيل فى تحقيقه. كل خطوة يقوم بها سواء على الصعيد العسكرى أو السياسى تهدف إلى إكمال مشروع لم يُنجز من قبل، وتحويل أحلام الإسرائيليين التاريخية إلى واقع ملموس على الأرض.

هذا الطموح الشخصى يقوده لتجاهل كل الخطوط الحمراء الإقليمية مستغلا كل أزمة ونزاع لتعزيز صورته وتحقيق أهدافه. والنتيجة أن سياسات نتنياهو لا تُقاس فقط بخطرها المباشر، بل بكونها محاولة لإعادة كتابة تاريخ المنطقة وفق رؤيته الفردية مما يجعل كل تحرك إسرائيلى تحت قيادته تهديدًا حقيقيًا للسلام والاستقرار الإقليمى.

وعليه، لا بد أن تتوقف الدول الداعمة لنتنياهو وعلى رأسها الولايات المتحدة فورًا عن تمويل سياساته العدوانية وتزويده بالأسلحة والمساعدات العسكرية التى تزيد من قدرته على التصعيد والفوضى. لأن استمرار الدعم الدولى لهذه السياسات لا يعزز الأمن الإقليمى، بل يحوّل المنطقة إلى ساحة صراع مفتوح.

 الرد الفورى والحازم من هذه الدول بإيقاف الدعم هو السبيل الوحيد لوقف مغامرات نتنياهو، ولإرسال رسالة واضحة بأن التوازن الإقليمى والسلام لن يُضحى به لتحقيق مصالح فردية أو أجندات شخصية.

 


رابط دائم: