انبلج فى ثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن العشرين شكل جديد من أشكال العنف المنظم التى تعمل على إضعاف السيادة الوطنية للدول عبر العولمة، هذا النوع من الحروب يتشابك مع المخاطر العالمية الأخرى، مثل: الأوبئة، والكوارث، والفقر، والتشرد. وأن هذا النوع من الحروب يقوم على توليد اقتصاد يعتمد على النهب وسرقة السلع عن طريق العنف.
وكانت الحرب الهجينة أحد أنواع هذه الحروب التى ظهرت لوصف النزاعات الناشئة بعد الحرب الباردة، ولقد انقسم المنظرون حولها إلى قسمين فهنالك من يرى أنها ليست جديدة وأن الأعداء عبر التاريخ لجأوا إلى العديد من التكتيكات والاستراتيجيات المختلفة من أجل تحقيق النصر بطرق إبداعية وغير تقليدية والتى أصبحت فيما بعد جزءا من الحرب التقليدية، كما يرى أصحاب الاختصاص أن الحرب سواء كانت جديدة أم تقليدية.. مختلطة أم معقدة لا يمكن إدراجها ضمن صفة واحدة، وكذلك يرى أنصار هذا الاتجاه أن الحرب الهجينة تعود إلى الحروب البولونيزية التى جرت بين أسبارطة وأثينا فى القرن الخامس عشر.
بينما يذهب الاتجاه الآخر إلى أن الحرب الهجينة هى نوع جديد من الحروب وسوف تهيمن على حروب المستقبل، إذ يقول العقيد الأمريكى هوفمان فرانك على المستوى الاستراتيجى كان للعديد من الحروب عناصر منتظمة وغير منتظمة، ومع ذلك فى معظم الصراعات وجدت هذه العناصر بوضوح فى مسارح معارك مختلفة أو فى قوات مختلفة فى الحروب الهجينة، هذه العناصر التحمت فى القوة نفسها وساحة المعركة نفسها.
فى حين يرى آخرون أن الحرب الهجينة فى بداية القرن الحادى والعشرين تشكل أفضل تصور لفهم الحروب المعاصرة، وكذلك يؤكدون أن التمييز بين الحرب الكبيرة المنظمة والحرب الصغيرة غير المنظمة أصبح غير وضح فى الحرب الهجينة. كما يعد اللاتماثل البعد الأساسى لفهم الحرب الهجينة، حيث كانت الحرب غير النظامية دائما أداة للضعفاء ووسيلة لتعويض الاختلالات فى القدرات.
وحسب الاطلاعات البحثية، ينسب مصطلح الحرب الهجينة إلى ضابط البحرية روبرت وولكر، والتى عرفها عام 1998، بأنها توجد فى الفترات الفاصلة بين الحرب الخاصة والتقليدية وتخوضها قوات مختلطة قادرة على إجراء العمليات داخل كل من العوالم التقليدية وغير التقليدية للحرب. إذ أكد أنه لا يوجد شيء جديد حول العمليات المختلطة وفائدتها فى الصراع، فقد أثر المزج والتنسيق بين العمليات الخاصة والتقليدية على نتائج الحملات العسكرية العديدة.
ما يمكن قوله إن عبارة الحرب الهجينة ليس لها تعريف واحد ويستخدمها المحللون الغربيون بطرق مختلفة للإشارة إلى التكتيكات غير نظامية والتكتيكات التقليدية، والبعض يستخدمها لوصف الجيل الجديد من الحرب. وتعرف أيضا بأنها الحرب التى يمكن أن يقوم بها الفاعلون من الدول أو غير الدول ويتم فيها توظيف الأسلحة التقليدية المتقدمة والتكتيكات غير النظامية، مثل الإرهاب، وإشاعة الفوضى الإجرامية، والاضطرابات فى نظام مستقر، وكذلك هى نموذج عصرى لحرب العصابات حيث يستخدم الثوار التكنولوجيا الحديثة والوسائل المتطورة لحشد الدعم المعنوى والشعبى.
ويرى كليكون فى كتابه "حرب العصابات" الصادر عام 2009، أن الحرب الهجينة تمثل أفضل تعبير وتفسير للنزاعات الحديثة، وبذلك فقد أصبح مفهوم الحرب الهجينة يشير إلى الدمج الكامل بين الوسائل العسكرية وغير العسكرية لتحقيق هدف سياسى من خلال استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، بينما تعرف الأدبيات الروسية الحرب الهجينة بأنها نمط من الحروب تتبعه الدول الغربية تقوم على الجمع بين الحروب التى لا يحدث فيها اتصال مباشر والأدوات الإكراهية غير العسكرية، مثل الضغط الاقتصادى، والتخريب السياسى، ناهيك عن توظيف الهيمنة المعلوماتية من أجل إضعاف الروح المعنوية بهدف خلق فوضى منظمة محكومة والتى تعد ضرورية للإطاحة بالحكومة المنتخبة، وأن الحرب التى لا يحدث فيها اتصال مباشر تعنى الحرب التى تقوم على استخدام كل القدرات القومية للدولة بصورة متكاملة مع ضمان أدنى حد من الاحتكاك المادى مع قوات الخصم وذلك بهدف تحقيق نصر عسكرى بتدمير قدرة الخصم على شن الحرب وإضعاف نظم القيادة والسيطرة بتوظيف الضربات الحركية متمثلة فى حروب الصواريخ الباليستية وحروب الروبوتات والقوة الناعمة متمثلة فى القوة المعلوماتية التى لا تتوقف.
فعلى سبيل المثال تتهم روسيا الاتحادية من قبل الغرب باستخدام هذا النمط من الحروب، فى حين ترى أن هذا النمط أحد الأشكال التى طورها الغرب ضدها لإضعاف نفوذها فى شرق أوروبا ضد الحكومات الموالية لروسيا هناك، كما أن هذا النمط وفقا للروس تم تطبيقه خلال ما عرف بالربيع العربى والتى أكدت لهم حقيقة حتى لو تغيرت قواعد الحرب نتائجها الكارثية لا تتغير.
وعليه يرتبط هذا النوع من الحرب بالعديد من المسارات التاريخية الهجينة، مثل:
1- الحرب غير الخطية: التى تعود إلى القرن التاسع عشر والعشرين حيث يتقاتل الطرفان المتحاربان، ثم تطورت إلى حرب بين دولتين أو كتلتين من الدول المتحالفة، أما الآن فقد أصبحت صراعا يدور بين أربع كتل متحالفة وليس على أساس كتلتين تصارعان كتلتين أخريين ولا واحدة تصارع ثلاثا بل الكتل الأربع تتصارع جميعا مع بعضها فى وقت آخر أى حرب الكل ضد الكل.
2- حرب العصابات: تطور هذا المفهوم على يد الأسبان الذين شكلوا فيما بينهم عصابات مسلحة لمحاربة نابليون الذى هزمت قواتهم على يده، وتعنى حربا صغيرة تشير إلى استخدام قوات غير النظامية، لقد تطور هذا النوع من الحرب على يد ماوتسى تونغ الذى يعد أول من وضع قوانينها الاستراتيجية فى العصر الحديث، والتى أصبحت ظاهرة من ظواهر الحرب، ولقد استفادت الولايات المتحدة الأمريكية سابقا من هذا النوع من الحروب بإنشاء قوات تمتلك أسلوب العصابات بالرغم مما تمتلكه هذه الدول من قوات التعبئة النظامية، وهذه الحروب تخوضها الجماعات من أجل مصلحة أو معتقد وبدعم أغلبية السكان.
3- الحرب المعلوماتية: ليس لها تعريف محدد إلا أنه يرى كل من كلارك وكناكى أنها أعمال تقوم بها الدولة تحاول من خلال اختراق أجهزة الكمبيوتر بهدف تعطيلها وتحقيق إضرار بها ويقوم فيها الخصم بإعاقة النظم المعلوماتية للخصم الآخر مع حماية النظم المعلوماتية الخاصة به وتعد الحرب الدعائية من أبرز تكتيكات الحرب المعلوماتية وتتضمن نشر الأخبار والمعلومات بطريقة مخطط لها من أجل التأثير على مدركات الشعب أو جماعة اثنية معينة.
خلاصة القول، لا يقتصر المسار الهجين على الجانب العسكرى فقط، بل يمتد إلى عدة أبعاد متشابكة تهدف إلى إضعاف الخصم دون الحاجة إلى مواجهة تقليدية مكلفة. حيث يواجه العالم تحديات حرجة فى مواجهة المسار الهجين، أهمها: صعوبة الإسناد، إذ يصعب تحديد هوية المهاجمين الحقيقيين خلف الهجمات السيبرانية والعمليات السرية. كذلك سرعة التطور التكنولوجى التى تفوق فى كثير من الأحيان قدرة الأنظمة الدفاعية على التكيف. فضلا عن الطبيعة غير المتماثلة للتهديدات التى تجعل المواجهات التقليدية غير مجدية.
ووفقا السياق أعلاه، تصبح القدرة على التكيف والابتكار الاستراتيجي توازى من حيث الأهمية امتلاك القوة العسكرية التقليدية، لذا فإن فهم تعقيدات المسار الهجين وتطوير استراتيجيات شاملة لمواجهته أصبح ضرورة حتمية فى عالم اليوم (المعقد والمتشابك).