فى منطقة لم تعرف الاستقرار إلا لمامًا، يبرز كل تحول فى علاقات القوى الكبرى بوصفه لحظة مفصلية تحمل فى طياتها إمكانات التهدئة أو نُذر الانفجار. هكذا جاء التقارب السعودى-الإيرانى، الذى فاجأ المشهد الإقليمى، ليقلب معادلات راسخة، ويعيد طرح أسئلة محورية عن مستقبل الشرق الأوسط وموقع الخليج العربى فى معادلة توازناته المتغيرة([1]). فعندما تعيد دولتان بحجم المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وصل ما انقطع بعد عقود من التوتر والصراع، فإننا لا نكون بصدد مجرد استئناف دبلوماسى، بل أمام إعادة ترسيم للحدود السياسية للأمن والنفوذ فى الإقليم([2]).
لقد شكّلت العلاقة بين الرياض وطهران منذ عقود أحد أبرز محاور التنافس الجيوسياسى فى المنطقة، وتجلّت هذه المنافسة فى سلسلة من الأزمات والصراعات بالوكالة امتدت من الخليج إلى المشرق العربى([3]). غير أن الاتفاق الموقع فى مارس 2023، بوساطة صينية، على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، عكس تحوّلًا عميقًا فى الرؤية الاستراتيجية للطرفين، وفتح الباب أمام مرحلة جديدة قد تعيد تشكيل بنية النظام الإقليمى برمّته. تأتى أهمية هذا التحول من التوقيت الحرج الذى يمر به الشرق الأوسط، حيث تتآكل بعض التحالفات التقليدية، وتظهر توازنات جديدة تستدعى إعادة تقييم شاملة للدور الخليجى فى المنظومة الإقليمية والدولية.
هذا التقارب ليس حدثًا عابرًا فى سجل العلاقات بين البلدين، بل خطوة ذات أبعاد استراتيجية تمس ملفات الأمن الإقليمى، والطاقة، والتحالفات الدولية، وتعكس تحولات أعمق فى بنية النظام الإقليمى. ومن هنا ننطلق للدراسة من فرضية أن هذا التقارب يعيد تشكيل توازنات القوى فى الشرق الأوسط بما يؤثر على مسارات الصراعات والتحالفات، وتسعى للإجابة عن سؤال رئيسى: إلى أى مدى يمكن أن يسهم التقارب السعودي–الإيرانى فى الانتقال من صدام المحاور إلى توازن المصالح؟
الخلفية التاريخية والصراع البنيوى بين الرياض وطهران:
تعود جذور التوتر السعودى-الإيرانى إلى ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979، إلا أن الحدث الثورى فى إيران كان بمثابة نقطة تحول مفصلية فى العلاقة بين البلدين. فقد نقلت الثورة الإيرانية العلاقات من إطار التنافس التقليدى بين دولتين إقليميتين كبيرتين إلى حالة من العداء الأيديولوجى، حيث تبنت طهران خطاب "تصدير الثورة" الذى استهدف بالأساس الأنظمة الملكية الخليجية، وفى مقدمتها السعودية، باعتبارها حليفًا استراتيجيًا للغرب، وركيزة للنظام الإقليمى العربى التقليدى([4]).
خلال ثمانينيات القرن الماضى، عززت حرب الخليج الأولى (1980- 1988) حالة الاستقطاب بين البلدين، إذ وقفت السعودية ودول مجلس التعاون إلى جانب العراق ماديًا وسياسيًا فى مواجهة إيران، فى حين اعتبرت طهران ذلك امتدادًا لسياسة "الاحتواء" التى تستهدف كبح نفوذها الإقليمى. وقد أسست هذه الحرب لبنية من الشكوك المتبادلة، تعمقت مع مرور الوقت لتشمل ملفات الأمن المائى، والطاقة، وحتى العلاقات مع القوى الدولية الكبرى.
ومع الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، دخلت العلاقة مرحلة أكثر تعقيدًا، إذ أتاح سقوط نظام صدام حسين لطهران فرصة ذهبية لتعزيز حضورها السياسى والعسكرى فى العراق عبر دعم فصائل شيعية مسلحة وأحزاب سياسية متحالفة معها. بالنسبة للرياض كان هذا التحول بمثابة تهديد مباشر لتوازن القوى فى الخليج، إذ وجدت نفسها أمام محور إيرانى يمتد من طهران إلى بغداد فدمشق ثم بيروت، وهو ما عُرف إعلاميًا وسياسيًا بـ "الهلال الشيعى"([5]).
جاءت أحداث "الثورات العربية" عام 2011 لتفتح فصلًا جديدًا من المواجهة غير المباشرة بين الطرفين، حيث تصادمت مصالحهما فى ساحات متعددة: فى سوريا دعمت طهران نظام الأسد سياسيًا وعسكريًا، بينما قدمت السعودية دعمًا لفصائل المعارضة، وفى اليمن وقفت الرياض على رأس تحالف عسكرى لدعم الحكومة الشرعية ضد الحوثيين المدعومين من إيران، أما فى البحرين، ولبنان، والعراق، فاستمر الصراع على النفوذ السياسى والاجتماعى، ما عمّق من طبيعة التنافس ليصبح أشبه بـ"حرب باردة إقليمية" قائمة على الوكلاء والصراع غير المباشر([6]).
وعلى مدى عقود، فشلت محاولات الوساطة الإقليمية والدولية فى تجاوز هذا الصراع البنيوى، نظرًا لتمسك كل طرف برؤيته للأمن الإقليمى: السعودية تركز على مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، بينما ترى إيران أن نفوذها فى المجتمعات الشيعية جزء لا يتجزأ من أمنها القومى ومشروعها الثورى. هذا الاختلاف الجذرى فى الرؤية جعل أى تقارب أمرًا بالغ الصعوبة، وأى اتفاق سلام هشًّا وقابلًا للانهيار عند أول اختبار ميدانى.
اتفاق التقارب برعاية صينية: دوافع متبادلة وسياقات دولية:
يُعد الاتفاق الذى أُعلن عنه فى مارس 2023 بين السعودية وإيران، برعاية مباشرة من الصين، واحدًا من أبرز التطورات الاستراتيجية فى تاريخ العلاقات الخليجية-الإيرانية خلال العقود الأخيرة. فالاتفاق لم يكن مجرد خطوة بروتوكولية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، بل جاء كنتاج لتقاطع معقد بين عوامل داخلية وضغوط إقليمية وتحولات دولية أعمق([7]).
من منظور إيرانى، شكّل الاتفاق فرصة للخروج من دائرة العزلة السياسية التى فُرضت عليها بفعل العقوبات الأمريكية المتصاعدة بعد الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى عام 2018. كما أن الوضع الداخلى فى إيران –المتمثل فى الاحتجاجات الشعبية والتحديات الاقتصادية– دفع القيادة الإيرانية إلى البحث عن مخرج استراتيجى يقلل من حدة الضغوط، ويفتح قنوات للتواصل مع القوى الإقليمية المؤثرة. وفى هذا السياق، بدا التقارب مع الرياض خيارًا واقعيًا لإعادة التموضع فى بيئة إقليمية متغيرة، خاصة أن السعودية تمثل مفتاحًا أساسيًا لأى توازن سياسى فى الخليج والمشرق العربى([8]).
أما بالنسبة للسعودية فقد ارتبطت دوافع التقارب بعوامل استراتيجية وتنموية فى آن واحد. فمن الناحية السياسية والأمنية كان الملف اليمنى يشكل أولوية قصوى للرياض، نظرًا للكلفة البشرية والمالية المستمرة للحرب. وقد رأت القيادة السعودية أن أى تسوية فى اليمن تتطلب انخراطًا مباشرًا مع طهران، نظرًا لدورها المؤثر فى دعم جماعة الحوثى. ومن الناحية الاقتصادية انسجم التقارب مع أهداف رؤية السعودية 2030، التى تركز على تنويع الاقتصاد، وتعزيز الاستقرار الإقليمى لجذب الاستثمارات الدولية، وتقليل الاعتماد على التحالفات الأمنية التقليدية مع الولايات المتحدة وحدها([9]).
الوساطة الصينية أضفت على الاتفاق بعدًا جيوسياسيًا خاصًا. فالصين، التى تعتبر الشريك التجارى الأول لكل من السعودية وإيران، سعت من خلال هذا التحرك إلى ترسيخ صورتها كقوة عالمية قادرة على لعب أدوار سياسية فى مناطق كانت تُعد تقليديًا ضمن دائرة النفوذ الغربى. نجاح بكين فى جمع الطرفين لم يكن مجرد إنجاز دبلوماسى، بل إشارة واضحة إلى تحوّل موازين القوى فى النظام الدولى، حيث تتقدم القوى الصاعدة لملء الفراغات التى خلفها تراجع الحضور الأمريكى المباشر فى بعض الملفات الإقليمية.
الأهم أن الاتفاق حمل فى طياته رسائل متعددة المستويات: إقليمية: مفادها أن الانفتاح والتفاهم ممكنان حتى بين خصوم الأمس إذا توفرت الإرادة السياسية، ودولية: تؤكد أن الشرق الأوسط لم يعد حكرًا على الوساطة الغربية، وأن اللاعبين الجدد باتوا قادرين على إعادة تشكيل خريطة الشراكات والتحالفات فيه.
التبعات الإقليمية.. التحالفات الجديدة وتراجع منطق المحاور:
أحدث التقارب السعودى-الإيرانى ارتدادات واسعة على مجمل المشهد الإقليمى، إذ دفع العديد من الفاعلين الإقليميين إلى إعادة صياغة أولوياتهم واستراتيجياتهم الخارجية. فمن جهة تراجعت حدة الاستقطاب التقليدى الذى كان يقسم المنطقة إلى محورين متنافرين: محور عربى خليجى مدعوم من الغرب، ومحور مقاومة تقوده إيران وحلفاؤها. هذا التراجع أفسح المجال أمام سياسة أكثر براجماتية تقوم على الانفتاح على مختلف الأطراف، بعيدًا عن الالتزام الصارم بمعسكر واحد.
على الصعيد الخليجى برزت تحولات ملموسة فى مقاربة السياسة الخارجية، خاصة لدى السعودية، والإمارات، وقطر. فالمملكة، التى كانت تتبنى سابقًا سياسة ردع شديدة تجاه إيران، أظهرت انفتاحًا على الحوار والتفاهم، مع الاحتفاظ بهامش من الحذر الاستراتيجى. الإمارات، من جهتها، عززت مسارها القائم على تعدد الشركاء، حيث عمّقت علاقاتها الاقتصادية مع إيران بالتوازى مع تطوير شراكات أمنية مع قوى غربية وآسيوية. أما قطر، التى لطالما احتفظت بعلاقات مستقرة نسبيًا مع طهران، فقد وجدت فى التقارب السعودى-الإيرانى فرصة لتعزيز دورها كوسيط إقليمى فى عدد من الملفات.انعكست هذه التحولات أيضًا على مسار التطبيع العربى مع إسرائيل، إذ أسهم الاتفاق فى إعادة ترتيب أولويات بعض الدول العربية، مما أدى إلى تباطؤ أو إعادة تقييم لمسارات التطبيع. ففى إسرائيل، أثار التقارب السعودى-الإيرانى مخاوف بشأن إعادة توزيع موازين القوى، واحتمال تقليص قدرتها على بناء تحالف إقليمى مناهض لإيران([10]).
أما على المستوى العربى الأوسع، فقد ساهم التقارب فى خفض نسبى لحدة التوترات فى الساحات التى كانت مسرحًا للصراع بالوكالة. ففى لبنان، تراجع الخطاب العدائى بين التيارات الموالية لإيران وتلك الموالية للسعودية، وإن لم يترجم ذلك إلى تسويات سياسية ملموسة. وفى العراق، ساعدت أجواء الانفتاح الإقليمى على دعم مبادرات الحوار الوطنى، وإن ظلت الانقسامات الداخلية عائقًا أمام بناء توافق شامل.فى المقابل بقى الملف السورى أقل تأثرًا بالاتفاق، إذ إن تشابك المصالح الدولية فيه، ووجود قوى كبرى، مثل روسيا، والولايات المتحدة، وتركيا، جعل من الصعب إحداث اختراق جوهرى. ومع ذلك فإن المناخ الإقليمى الأكثر هدوءا قد يخلق على المدى الطويل فرصة لتقليل حدة الاستقطاب، تمهيدًا لأى عملية سياسية مستقبلية([11]).
اليمن كنموذج للاختبار.. نجاح أولى أم تهدئة مؤقتة؟
يُعد الملف اليمنى بمثابة المحكّ العملى الأول لقياس مدى جدية وفعالية التقارب السعودى-الإيرانى، ليس فقط لأنه من أكثر الساحات تأثرًا بالصراع بين الطرفين خلال العقد الماضى، ولكن لأنه يجسد التعقيد البالغ للنزاعات الإقليمية التى تتداخل فيها الأبعاد المحلية، والإقليمية، والدولية. فمنذ اندلاع الحرب فى اليمن عام 2015، تحولت البلاد إلى ساحة مواجهة غير مباشرة بين الرياض، التى تقود تحالفًا عسكريًا لدعم الحكومة الشرعية، وبين طهران، التى تقدم دعمًا سياسيًا وعسكريًا لجماعة الحوثى.
الاتفاق السعودى-الإيرانى فى مارس 2023 أوجد فرصة لتقليل مستوى التصعيد العسكرى فى اليمن، حيث شهدت الجبهات تراجعًا نسبيًا فى حدة العمليات، وفتحت قنوات حوار أكثر انتظامًا بين المفاوضين. كما أبدت الأطراف الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، تفاؤلًا مشوبًا بالحذر تجاه إمكانية البناء على هذا التقارب لإطلاق عملية سياسية شاملة تنهى الحرب المستمرة منذ قرابة عقد([12]).
ومع ذلك فإن اختبار اليمن يظل معقدًا على عدة مستويات. أولًا: قدرة إيران على التأثير المباشر فى قرارات الحوثيين ليست مطلقة، إذ إن للجماعة حساباتها الذاتية ورؤيتها الخاصة لمسار الحرب والتسوية. ثانيًا: استمرار حالة الانقسام السياسى والعسكرى فى الجنوب، مع تصاعد دور المجلس الانتقالى الجنوبى وتباين أهدافه مع أهداف الحكومة الشرعية، يضيف طبقة إضافية من التعقيد أمام أى اتفاق شامل.
من جهة أخرى فإن عوامل عدم الاستقرار الهيكلى فى اليمن – مثل ضعف مؤسسات الدولة، وانهيار البنية التحتية، والأوضاع الإنسانية الكارثية – تجعل من أى تهدئة مجرد خطوة أولية تتطلب دعمًا اقتصاديًا وإنسانيًا هائلًا لتترسخ. ولعل السؤال الجوهرى هنا هو: هل يشكل الاتفاق السعودى-الإيرانى بداية مسار طويل نحو تسوية مستدامة فى اليمن، أم إنه مجرد هدنة مؤقتة تخدم الطرفين لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأولويات قبل جولة جديدة من الصراع؟، ومن ثم فإن استمرار التحولات السياسية فى الجنوب اليمنى يضيف تعقيدًا إضافيًا على المشهد، مما يجعل من هذا الملف مؤشرا مهما على مدى قدرة التقارب بين الرياض وطهران على إحداث أثر ملموس فى الملفات الإقليمية([13]). وبالتالى فإن نجاح التسوية فى اليمن سيكون المعيار الأوضح لمدى جدية التقارب.
فرص الاستدامة وحدود التفاؤل.. بين الإرادة والواقع:
على الرغم من المؤشرات الإيجابية التى أفرزها التقارب السعودى-الإيرانى، فإن تحويله إلى مسار دائم يواجه تحديات بنيوية لا يمكن إغفالها. أول هذه التحديات هو غياب آلية مؤسسية واضحة لإدارة الخلافات، إذ يعتمد الاتفاق حتى الآن على الإرادة السياسية والنوايا الحسنة، دون وجود إطار عمل ملزم أو جدول زمنى محدد لتنفيذ الالتزامات. هذا النقص قد يجعل الاتفاق عرضة للتراجع فى حال وقوع أى حادث أمنى كبير أو تصعيد فى إحدى الساحات الإقليمية([14]).
التحدى الثانى يتمثل فى استمرار إيران فى الاعتماد على شبكة من الوكلاء الإقليميين كأداة لتمديد نفوذها، وهو ما تراه السعودية تهديدًا مباشرًا لأمنها واستقرار بيئتها الإقليمية. طالما لم يتم التوصل إلى تفاهمات حول ضبط أنشطة هذه الجماعات المسلحة، سيظل عنصر عدم الثقة حاضرًا بقوة فى العلاقة بين الطرفين.
إلى جانب ذلك فإن المشهد الدولى نفسه يزيد من صعوبة استدامة هذا التقارب. فالتنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين يضع الشرق الأوسط فى قلب لعبة جيوسياسية أكبر، حيث يمكن أن تستخدم القوى الكبرى ملفات المنطقة كورقة تفاوضية فى صراعاتها الأوسع. هذا يعنى أن أى تغير مفاجئ فى أولويات أو تحالفات هذه القوى قد ينعكس مباشرة على مسار العلاقات السعودية-الإيرانية.
كما أن هشاشة بعض الأنظمة السياسية فى المنطقة، وغياب الأفق السياسى المشترك فى عدد من الدول التى تشهد صراعات، يضع قيودًا على أى مسار إقليمى للتسوية الشاملة. وحتى إذا رغبت السعودية وإيران فى المضى قدمًا فى بناء علاقات أكثر استقرارًا، فإن افتقار بعض الأطراف الأخرى إلى القدرة أو الإرادة لتنفيذ الاتفاقات الإقليمية قد يحد من أثر هذا التقارب([15]).
فى ضوء هذه المعطيات، يمكن القول إن فرص استدامة التقارب تعتمد على قدرة الطرفين على الانتقال من "اتفاق تهدئة" إلى "شراكة استراتيجية مرنة"، وهو أمر يتطلب خطوات عملية مثل إنشاء قنوات اتصال دائمة، وتوسيع التعاون الاقتصادى، وإدارة الخلافات بآليات دبلوماسية منتظمة، بدلًا من الاعتماد على وساطات خارجية فى كل أزمة.
خاتمة: إعادة تعريف الشرق الأوسط فى ظل مقاربات جديدة:
يمثل الاتفاق السعودى-الإيرانى محطة فارقة فى مسار العلاقات الإقليمية، ليس لأنه أنهى فصلًا طويلًا من التوتر فحسب، بل لأنه أطلق ديناميكية جديدة قد تعيد صياغة مفهوم الأمن والتعاون فى الشرق الأوسط. فالمعادلة التى كانت تقوم لعقود على منطق الصراع الصفرى بدأت تفسح المجال أمام مقاربة أكثر براجماتية، ترى فى التعاون الجزئى وإدارة الخلافات خيارًا أفضل من المواجهة المستمرة.
هذا التحول يعكس إدراكًا متزايدًا لدى النخب السياسية فى الرياض وطهران بأن التحديات التى تواجه المنطقة –من أمن الطاقة، إلى الاستقرار الاقتصادى، إلى تغير المناخ– لا يمكن التعامل معها من خلال سياسات المحاور المغلقة. ومع ذلك فإن المسار لا يزال محفوفًا بالمخاطر، فالعقبات البنيوية، والتغيرات السريعة فى البيئة الدولية، والملفات الإقليمية المعقدة، قد تعيد الأمور إلى نقطة الصفر إذا لم تُدر بآليات مؤسسية فعالة وتخطيط بعيد المدى.
إن ما يميز هذه اللحظة هو أن الأطراف الإقليمية تملك فرصة نادرة لبناء نظام إقليمى أكثر شمولًا ومرونة، يستند إلى موازنة المصالح بدلًا من فرض الهيمنة. وإذا ما نجح هذا المسار، فقد نشهد انتقال الشرق الأوسط من "مسرح للصراع" إلى "ساحة للتفاهمات المتعددة"، وهو تحول سيعيد تعريف موقع المنطقة فى النظام الدولى الجديد.
المراجع:
[3]غباش، عبد الخالق. (2023). العلاقات السعودية الإيرانية: من التصعيد إلى التقارب. مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
[4]Wehrey, Frederic M. Sectarian politics in the Gulf: From the Iraq war to the Arab uprisings. Columbia University Press, 2013.
[5]Nasr, Seyyed Vali Reza. The Shia revival: How conflicts within Islam will shape the future. WW norton& Company, 2007.
[6]Potter, Lawrence G., ed. Sectarian politics in the Persian Gulf. Oxford University Press, USA, 2014.
[8]Fasanotti, F. (2023). “China’s Mediation and the Saudi-Iran Deal: A New Geopolitical Paradigm.” Brookings Institution. Retrieved from: https://www.brookings.edu
[10]Al-Rasheed, M. (2023). “Riyadh’s Calculated Diplomacy: Between Normalization and Strategic Hedging.” Carnegie Middle East Center. Retrieved from: https://carnegie-mec.org
[11]Bianco, Cinzia. "Iran–Saudi Rapprochement: Dynamics and Perspectives: » Western «Dimensions and Implications for Europe." RECONCILING RIVALS (2024): 36.
[12]Juneau, T. (2023). Iran’s Strategic Depth and the Yemen Conflict. Middle East Institute.
[13]Al Salehi, Hayl. "The Saudi-led Intervention in Yemen." PhD diss., Lebanese American University, 2021.
[14]مركز الخليج للأبحاث. (2023). تحولات موازين القوى الإقليمية بعد الاتفاق الإيراني السعودي. جدة.
[15]Ciuriak, Dan. "US-China economic rivalry and prospects for peace in the Middle East." The Journal of Peace and War Studies (forthcoming) (2023).