الجرائم الصامتة.. سرقة الجسد الفلسطينى وتجارة الأعضاء في دولة الاحتلال
4-8-2025

إنجي بدوي
* باحثة ماجستير في الشأن الإسرائيلي

في ديسمبر سنة 2000 نشرت صحيفة  يديعوت أحرونوت تحقيقا حول سلوك معهد الطب الشرعي في أبوكبير بالداخل المحتل، تحت إدارة البروفيسور يهودا هيس حول ارتكاب جرائم سرقة واتجار بالأعضاء البشرية. وبعد البحث والمسألة، شُكلت لجنة تحقيق برئاسة القاضي المتقاعد أرييه سيغالسون، واكتشفت اللجنة مخابئ سرية داخل المعهد تضم عددا كبيرا من الأعضاء.

 وقد قدم المعهد أقوالا متضاربة حول هذه التهمة، منها أغراض البحث والتدريس، ولكن تقرير اللجنة المختصة أكد أن هذه الأعضاء جمعت بشكل غير قانوني ودون موافقة الأسرة، مخالفًا بذلك قانون التشريح وعلم الأمراض. وفي نهاية الأمر، قررت اللجنة المختصة تأجيل تقديم لائحة الاتهام ضد "هيس" ومقاضاته لأسباب تأديبية فقط.

ولكن بعد الضغط العام، قرر وزير الصحة في ذلك الوقت، داني نافيه،  إقالة البروفيسور هيس من منصبه مدير معهد الطب الشرعي؛ لكنه استمر في منصب رفيع المستوى "كبير الأطباء الشرعيين في المعهد".

ومن ناحية أخرى، لو عدنا بالسنوات إلى الوراء، وتحديداً إلى عام 1995، لوجدنا أن البروفيسور هيس هو من قام بتشريح جثة رئيس وزراء الاحتلال "إسحاق رابين" بعد اغتياله، وذكر التقرير وجود طلقات مختلفة في أنحاء الجسد، ولكنه أغفل وجود جرح في الصدر ورصاصة قاتلة استقرت في العمود الفقري، وذلك بحسب الدعاوى التي رفعت في محكمة العدل العليا ضد تقرير التشريح.

 لكن يبقى السؤال الأخطر معلقاً في الظل: هل تاجر تسفي هيس بأعضاء إسحاق رابين بعد اغتياله؟ وبعد مرور 30 عاما على حادث الاغتيال، يبقى تقرير التشريح سريا، ولا توجد إجابة واضحة، وبات هذا السؤال من ضمن أسئلة لم تُحل في قضية اغتيال رابين.

وفي سياق متصل، تتصدر دولة الاحتلال دول الشرق الأوسط في تجارة الأعضاء البشرية، حيث تعرض آلاف من الأسرى والشهداء الفلسطينيين لسرقة أعضائهم والمتاجرة بها، وذلك بحسب الصحفي السويدي "دونالد بوستروم" في صحيفة أبتون بلاديت.

 وبين ممارسات الماضي ووقائع الحاضر، يتضح جانب من أسباب مماطلة إسرائيل في تسليم جثامين الشهداء، أو تسليمهم داخل أكياس حرارية عالية تسرع من تحلل الأجساد، أو الدفن بمقابر جماعية غير معروفة، ما يعرقل أي محاولة لكشف الجريمة أو توثيقها.

وفي عام 2013 حذرت حليمة أرميلات، العضوة البارزة في نادي الأسير، من سرقة سلطات الاحتلال أعضاء الأسرى في أثناء العمليات الجراحية في عيادات سجون الاحتلال، حيث صرحت بأن الأسير شوكي عودة جمعان أبو عدرة، من سكان قطاع غزة، اشتكى من ألم في إحدى عينيه، فتوجه إلى طبيب السجن الذي خدّره وأجرى له عملية جراحية دون علمه، حيث أزال قرنية عينه الأصلية واستبدل بها أخرى صناعية.

وفي ظل الجحيم الذي تعيشه غزة، توجد شهادات فردية تشير إلى أن جيش الاحتلال قام بخطف أطفال وحديثي ولادة دون أسباب واضحة، وفي ظل تكتم شديد عن الأمر.

 يطرح هذا الأمر سؤالا آخر: أين أطفال غزة المختطفون؟ هل تم الاتجار بهم؟ أم خضعوا لتجارب طبية سرية؟

أم جرى انتزاعهم لتربيتهم كـ"أطفال يهود"، في ظل أزمة الخصوبة التي تواجهها الدولة اليهودية؟

 

وفي السياق ذاته، ظهرت تصريحات من وزارة الصحة الفلسطينية عن خطف جثث لشهداء فلسطينيين، وعن وجود مقابر جماعية تحمل عدد كبير من جثامين الغزاوية تعرضت لقطع أطرافها وفتحت بطونها، ما يعيد إلى الواجهة سؤالا جديدا: هل تحولت حرب غزة إلى سوق سوداء لتجارة الأعضاء البشرية على يد جيش الاحتلال؟

لم يكتف الاحتلال بنزع أعضاء الفلسطينيين فقط، بل تطرق أيضاً إلى جثامين الجنود الذين تعرضوا للقتل في غزة.

 ومن أبرز القصص كانت لـ"يساكر ناثان" جندي إرهابي، فبعد مقتله، تعرض لعملية "خصي" علي يد جيش الاحتلال، وذلك بحسب أقوال جندي في قاعدة شور. أضاف، أيضاً، أن 90% من الجنود الذين يُقتلون في الجيش يُخصونهم، وهذا قرار صادر عن محكمة العدل العليا، والطريقة تكون بهذه الخطوات: إخبار عائلة الجندي بأن الأمر يتعلق باستخراج الحيوانات المنوية، وبذلك إذا أرادت العائلة التبرع بالحيوانات المنوية للجندي لشخص آخر يحتاج إليها، وبالتالي سيكون هناك استمرارية لابنهم، وبهذه الطريقة يكون هناك سبب لاستخراج أعضاء أخرى، والمتاجرة بها وكسب مبالغ مالية ضخمة، وتعتبر تلك الأفعال محرمة في الشريعة اليهودية.

وبالنسبة لعائلة ناثان، عندما عُرفت بمقتل "يساكر"، تعرضت لضغوط من الضباط الذين أبلغوهم بمقتله في غزة، لإجبارهم على توقيع وثيقة استخراج السائل المنوي، وأيضاً التوقيع علي مبالغ مالية ضخمة في حالة التراجع عن الأمر. ورغم رفض العائلة لأسباب دينية، تعرضوا لعنف للتوقيع، وإقناعهم بأن الأمر ليس محرما. وبعد حوالي عام من الواقعة،  اكتشفت العائلة أن الأمر لا يتعلق باستمرار نسل ابنهم، بل بجمع الأعضاء والتجارة. وحتى الآن، لم يحصلوا علي باقي الأشلاء لدفنها، وتم أيضا رفض طلب استرداد حتى التقرير الطبي حول مقتل ابنهم لم يستطيعوا الحصول عليه. وتساءل شقيق يساكر: كيف يمكن في دولة القانون أن تتم المتاجرة بأعضاء ضحايا جيش الدفاع الإسرائيلي؟ ذلك من خلال בעולמם של חרדים الإلكتروني. وأضاف أن علي اليهودي الحفاظ علي يهوديته وعدم الانضمام لجيش كهذا، وفقاً لتعاليم الهالاخاه.

وبين سرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين، وخصي الجنود القتلى تحت غطاء قانوني وديني زائف، تتكشف ملامح منظومة صهيونية لا تتوقف عند القتل، بل تمتد إلى تفكيك الجسد الفلسطيني والمُحتل على حد سواء، بحثاً عن ربح مادي أو سيطرة بيولوجية. وإذا كانت هذه الممارسات قد بدأت من "أبو كبير" وتشريحه الصامت، فهي اليوم تمارس تحت ظلال الحرب وفي دهاليز الجيش والمراكز الطبية، بعيد عن أعين العالم.

في كل جثمان فلسطيني يُدفن بلا ملامح، وفي كل طفل يُختطف دون أثر، وفي كل جندي يُخصى باسم "استمرارية النسل"، تُكتب صفحة سوداء في سجل طويل من الجرائم الصامتة، التي تحوّل الاحتلال من محتلٍ لأرض إلى محتلٍ لأعضاء البشر.

 


رابط دائم: