خبرات دولية:|"ندوة": مكافحة الفساد على المستوى المحلي في مصر
28-2-2012

علياء جاويش
* باحثة في العلوم السياسية

مثل تفشي الفساد في منظومة القطاعات الحكومية في مصر ، أحد العوامل التي أطلقت ثورة الـ 25 من يناير ، إذ أن ثمة خللا في الرقابة و التشريعات سمح لهذه الظاهرة بالتمدد والانتشار خاصة على صعيد المحليات. وفي هذا السياق، نظم مركز وحدة دعم سياسات اللامركزية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ندوة بعنوان "الخبرات الدولية فى مكافحة الفساد على المستوى المحلى.. دروس مستفادة للحالة المصرية".

أسباب فساد المحليات

تناولت الباحثة أسماء محمد عزت، المدرس المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، في دراسة قدمتها خلال الندوة الأسباب التي تؤدي إلى ظهور الفساد على المستوى المحلي . وأشارت إلى أن تخويل قدر كبير من السلطة المركزية للحكومات المحلية لتخصيص وتوزيع موارد الدولة، يفتح الباب أمام الفساد. وعرفت الباحثة مفهوم الفساد الحكومي بأنه سوء استخدام المنصب العام لتحقيق منافع شخصية.

وعزت الباحثة الفساد على المستوى المحلي إلى السلوكيات غير المنضبطة من الموظفين والمواطنين ورجال الأعمال والسياسيين، وغياب الإرادة السياسية للتعامل مع الفساد وضعف المجتمع المدنى، وعدم فاعلية وسائل الإعلام.كما أن هناك أسبابا مؤسسية تتمثل فى الافتقار إلى الشفافية، وعدم إتاحة المعلومات للمواطنين، وضعف المساءلة والعقوبات المفروضة، ومعدلات الأجور المنخفضة، وظروف العمل السيئة، والتعيينات على غير أساس الجدارة. يضاف إلى ذلك ، فإنه إذا لم تتم إدارة عملية اللامركزية بعناية فقد تخلق حافزا أكبر لتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.

خلل الحالة المصرية

وبالنسبة للحالة المصرية، أكدت المستشارة نفرتيتي طوسون، نائبة رئيس الهيئة الإدارية في الندوة ، أن مصر ليست الدولة الوحيدة التى تعانى فسادا بيروقراطيا  وإداريا، وأن عملية التنمية السياسية لا بد لها أن تأخذ المنحى اللامركزى كتطبيق، ولا بد من توعية أفراد المجتمع بها، وأن مميزاتها تكاد تتناسب مع أطر وعلاج ومكافحة الفساد المحلى فى مصر.

وأضافت المستشارة أن عدم جدوى الرقابة هو أمر نتيجة ومحصلة، وسبب فشلها هو تطبيق (المركزية)؛ وأن أسلوب الرقابة يتنامى مع الإطار اللامركزى من خلال المؤسسات الرقابية فى الدولة، مثل الجهاز المركزى للمحاسبات، وتقارير عمل النيابة الإدارية، ولذلك لابد من التوعية بأهمية اللامركزية.

ومن النقاط التى شددت عليها هي أنه لا بد من تمكين واتباع منهج شامل، وإعمال للمبادئ القانونية والرقابية وتؤكد أن المشكلة ليست فى كثرة القوانين، وإنما إنفاذ القوانين وتفعيلها بالشكل المطلوب، وأن مفهوم ( اللامركزية) يحتاج إلى توعية وفهم، وكذلك القاعدة القانونية تحتاج إلى توعية بأهمية تنفيذه.

وركزت على أنه لابد لنا من تحديد أولوياتنا، وعمل خطة قومية استراتيجية لمكافحة الفساد، مثل الحملة القومية لتمصير الاقتصاد المصري، ولا بد من عمل شيء قومى ينادى بالمستوى المحلى وتوعيته، ومكافحة الفساد، والحفاظ على حقوق المواطن؛ وكذلك وضع خطة استراتيجية لتحديد الأولويات من خلال دراسة أولويات كل محافظة على حدة؛ وبالتالى تحديد الاحتياجات بناء على دراسة لكل محافظة .

من جانبه ، أشار المستشار عبد الغفار محمد سليمان، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، إلى  قربه  من عملية مكافحة الفساد من خلال عمله، وتدرجه في المناصب القضائية، مؤكدا أن الإرادة السياسية هى العامل الرئيسي في مكافحة الفساد والقضاء عليه ، قائلا إن التشريعات المصرية المتعلقة بالفساد تنظرإليها الأجهزة الرقابية والإدارية والتحقيقات، كما لو أنها أفرغت تماما من دورها، وأنه يجب إعادة النظر فى التشريعات (يوجد ضعف فى المحاسبة والجرائم وأنها تمثل خطورة على الجهاز الإدارى).

وركز اللواء طارق مهدى، محافظ الوادى الجديد، على مسألة التشريعات باعتبارها هى الأساس لمكافحة الفساد، حيث يرى أن الخلل فى التعدد غير المنطقى للتشريعات، وأنها غير شفافة ، كما توجد سلطات تقديرية مخولة لرأس النظام، وأنه يوجد خلط للأوراق وللمفاهيم وعدم الوعى التام بمسألة المفاهيم، مثل مفهوم الشفافية، وأنه توجد عوامل كثيرة مختلطة ساعدت على استشراء الفساد، وتعدد التشريعات دون جدوى. وختم حديثه قائلا إن 60% من مشاكل مصر أساسها التشريعات، وإنه لابد لنا أن نأخذ الحالة المصرية، ونقوم بالتنسيق والقياس عليها فى موضوع التشريعات والقوانين.

نماذج مكافحة الفساد

وأشارت الندوة إلى نماذج من الخبرة الدولية في مكافحة الفساد على المستوى المحلى، وأكدت الباحثة أسماء عزت أنه لا يوجد نمط موحد لوضع استراتيجية ناجحة لمكافحة الفساد على المستوى المحلى، وأن الحل الأمثل هو وضع استراتيجية شاملة تأخذ فى الحسبان تكامل المبادرات بين المحليات، والربط بين الجهود على المستوى المحلى وتلك على الصعيد القومى.

كما اعتمدت أغلب استراتيجيات مكافحة الفساد على عدد من الآليات، من أهمها: تحسين الشفافية والمساءلة، وتقييم الإرادة السياسية ونقاط الدخول، وتشجيع مشاركة المواطن، واتباع منهج شامل للإصلاح، مشيرة إلى أن أهم مخاطر الفساد على المستوى المحلى تتمثل في إهدار الاموال العامة، وسوء تخصيص الموارد وإمكانات التنمية فى الوحدات المحلية، وعدم كفاءة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، وإضعاف المناخ الاستثمارى، وانخفاض النمو الاقتصادى فى المحليات. كما يقوض الفساد الأهداف الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية، والسياسية للوحدة المحلية.

وسردت الباحثة أسماء عزت عدة نماذج دولية في مكافحة الفساد ، ففي بلغاريا تم اصلاح الاطار التشريعى عبر قوانين تتضمن أحكاما لتعزيز الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد (قانون الإدارة، وقانون العاملين المدنيين، وقانون الإفصاح عن الأصول وغيرها من القوانين)؛ كذلك وضعت استراتيجية قومية لمكافحة الفساد (أكتوبر 2001) تتضمن سبلا لقمع الفساد والوقاية منه؛ وإشراك المجتمع المدنى،وقد تم تخصيص جزء منها لمحاربة الفساد فى الحكومات المحلية.

أما (الإطار المؤسسي)، فإنه توجد مجموعة من المؤسسات التى تمارس الدور المؤسسي على المستوى القومى، ومنها : الخدمة الوطنية لمكافحة الجريمة المنظمة . كما تكملها مجموعة من المؤسسات ذات الأدوار التكميلية، منها: الوكالة القومية للأمن القومى، ولجنة منع ومحاربة الفساد، ولجنة مكافحة الفساد فى النظام القضائي، واللجنة البرلمانية لمكافحة الفساد، والمكتب القومى لمراجعة الحسابات، ومكتب المدعى العام، ومكتب الاستخبارات المالية، وأمين المظالم.

وعلى مستوى المساءلة الاجتماعية،لعبت منظمات المجتمع المدنى دورا كبيرا فيها مثل تحالف 2000، وهو عبارة عن مجموعة من المنظمات للمجتمع المدنى، تم إنشاؤه عام 1989 باعتبارة مبادرة لمكافحة الفساد، يعمل على تسهيل التعاون بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأخرى فى مجال مكافحة الفساد، ويدير نظام الرصد ومراقبة الفساد من خلال استطلاعات للرأى العام التى تتم بصفة دورية ومنتظمة.

وتعرضت الندوة إلى تجارب دول أخرى في مكافحة الفساد مثل بوتسوانا ، وإندونيسيا، ورومانيا، وجنوب إفريقيا، وأوغندا ، وفنلندا؛ وبلغاريا، وبولندا. وخلصت إلى وجود عدة عوامل تحدد مدى نجاح أو فشل مكافحة الفساد ، تمثلت في وضع الإطار القانونى والمؤسسي المناسب لمكافحة الفساد أو إصلاح القائم منها على الصعيدين المحلى والقومى، ووجود قاعدة من القيم التى تعزز مبادئ الاعتدال وضبط النفس والمصلحة العامة ومشاركة المجتمع المدنى، فضلا عن عملية التنمية السياسية والاقتصادية وتبنى نظام اللامركزية وإدارتها بعناية وإصلاح القطاع العام، وسيادة القانون والتطبيق الفعال للقواعد المؤسسية على المستويين المحلى والقومى، والفصل بين السلطات والتنسيق بينها وجمع المعلومات ومشاركتها.

مواجهة الفساد في مصر

وحددت الندوة طرق كيفية بناء استراتيجية لمكافحة الفساد فى مصر، وركزت على عدة نقاط، وشددت على أنه ينبغى الأخذ بها فى الحسبان عند قيام الحكومة بتصميم استراتيجية لمكافحة الفساد على المستوى المحلى، ومن أبرزها تقييم أداء تقديم الخدمات المقدمة على المستوى المحلى وأهمية الإصلاحات القانونية والقضائية والمؤسسية على المستويين المحلى والقومى ، وتحديد التسلسل الهرمى للإصلاحات.

وختم د. كمال المنوفى الندوة مؤكدا أن الحالة المصرية تتحكم فيها الثقافة السائدة، والمزاج المصري العام، وأن مسألة الشفافية والمساءلة واحترام القانون تحتاج إلى إعادة تصحيح وتوضيح وتوعية، وأن هذا المزاج مكتسب ونتاج سياق مجتمعى معين، وسيستغرق بعض الوقت (تغيير عقل وفؤاد)، أى منظومة القيم.

وأشار إلى أن مشكلة مكافحة الفساد متعلقة بالديمقراطية الحقة، وإنفاذ القانون، وتنفيذ الأحكام والإطار الاجتماعى والاقتصادى (السياسات الاجتماعية والاقتصادية)، والحد الأدنى والحد الأقصي (العدالة الاجتماعية)، وأهمية التجديد الثقافي والتربوى القيم، سواء فى الإسلام أو المسيحية ، ومفهوم النفس اللوامة (الضمير)، وأن القيم الدينية مهمة.


رابط دائم: