بين النصر التكتيكي والانكشاف الاستراتيجي: كيف تقرأ إسرائيل نتائج حربها مع إيران؟
24-6-2025

إنجي بدوي
* باحثة ماجستير في الشأن الإسرائيلي

في منتصف شهر يونيو 2025، دخلت إسرائيل وإيران في أول مواجهة عسكرية مباشرة بينهما، بعد سنوات من حرب الظل والضربات غير المعلنة، أو كما يُشاع "مسرحية استعراضية" بين الطرفين؛ ولكن هذه المرة كانت مختلفة جذرياً، حيث استهدفت الضربة الإيرانية منشآت حساسة في تل أبيب ومحيط ديمونا، ردًا على اغتيال قيادات بارزة في إيران وعدد من علماء النووي وغيره من الخسائر في داخل العاصمة طهران.

 بدأ القصف المتبادل بين الطرفين وسط صدمة إسرائيلية داخلية فهذه المرة الأولي التي يتعرض لها الداخل المحتل بمثل هذه الضربات منذ حرب أكتوبر 1973. وبعد مرور أسبوعين على القصف المتبادل، وافق الطرفان على مقترح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بـ وقف إطلاق النار، وجاء ذلك بعد وساطة "قطرية - أمريكية". ولكن يبقى السؤال الأهم: كيف تنظر إسرائيل لهذه الحرب بعد وقف إطلاق النار ؟ وما المكاسب التي تعتقد أنها حققتها؟

تعتقد الحكومة الإسرائيلية بأنها حققت جميع أهدافها وبل أكثر من ذلك أيضاً، بالرغم من وقوع عدد من القتلي 28 قتيلا وأكثر من 1300 مصاب وغيره من الخسائر العسكرية الفادحة خلال حربها مع إيران. ومن هنا، نلاحظ ما هو معتاد من محاولة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة  تحويل الخسارة إلى مكسب استراتيجي قوي بالرغم من أن الحالة النفسية للمستوطنين في انهيار تام وخوف شديد.

ومن ناحية أخرى، ترى إسرائيل أنها أزالت عن نفسها تهديدا وجوديا فوريا في مجال النووي والصواريخ الباليستية، وأن هذا النوع من الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية لم تنفذه إسرائيل منذ فترة كبيرة. والعودة إلى هذا المستوى يعد إنجازاً مهماً في محاولات لفرض سردية "الرسالة القاسية" بالانتصار في الحرب وأن تل أبيب قادرة على الوصول إلى عمق طهران متى شاءت.

وفي ذلك السياق، ترى إسرائيل أنها كسبت جهدا استخباراتيا ولوجيستيا كبيرا من "واشنطن" وحظيت بدعم غير مسبوق بعد توجيه الولايات المتحدة الأمريكية ضربة على منشآت نووية في إيران، بالرغم من أنها تعرضت لخسائر دفاعية بنحو 5 مليارات دولار خلال الحرب مع إيران.

ومن بين المكاسب أيضاً، صرف النظر عن حرب غزة حيث يريد نتنياهو تقليل الضغط عليه من عائلات الأسرى الإسرائيليين حول إنهاء حرب غزة واستعادة جميع الرهائن، واستطاعت حرب إيران تحقيق هذا الهدف بصرف النظر عن غزة والانشغال بحربها مع إيران تحت مسمى "إيران رأس الأخطبوط" بحسب ما وصفها بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي وزعم أيضاً الانتصار على إيران بحسب ما نشره على "إكس" في تغريدة أثارت الجدل.

"نتنياهو زعيم قومي"؛ هذا ما يريده بنيامين نتنياهو قبل الانتخابات المقبلة بإظهار نفسه زعيما قوميا لدولته المزعومة وتحسين صورته، وذلك عقب الأزمة السياسية التي وقع فيها بعد قضية تجنيد الحريديم والغضب الشعبي ضده.

في نهاية المطاف، أظهرت حرب إسرائيل مع إيران تناقضا واضحا بين الخطاب الرسمي الإسرائيلي وواقع الأرض. فمن جهة، تزعم الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بأنها انتصرت في الحرب وحققت فيها اختراقات نوعية، سواء على مستوى العمليات الخاصة أو الضربات الجوية التي استهدفت البنية التحتية النووية الإيرانية، كما روجت لفكرة أنها نجحت في إعادة ترسيخ صورة الردع الإسرائيلي أمام خصومها.

وفي  السياق نفسه، تعاني إسرائيل انكشافا استراتيجيا غير مسبوق، بعد أن أصبحت مراكزها الحساسة عرضة لضربات مباشرة، بما يطرح أسئلة جوهرية حول كفاءة منظوماتها الدفاعية، وقدرتها على احتواء سيناريوهات التصعيد المقبلة؛ سواء من حيث الخسائر البشرية، أو الانهيار النفسي داخل الجبهة الداخلية، أو اهتزاز الثقة بقدرة الحكومة على حماية المستوطنين.

 ففيما كانت إيران تسعى لإيصال رسالة بأنها قادرة على الرد المباشر دون الاعتماد على وكلائها، كانت إسرائيل تحاول في المقابل صرف الأنظار عن ملفات أخرى أكثر خطورة عليها، مثل حرب غزة، وأزمة الأسرى، والانقسام الداخلي الذي يمزق الحكومة من الداخل.

إن الانتصار الحقيقي في الحروب لا يقاس فقط بعدد الصواريخ التي أُطلقت، ولا بحجم الدمار الذي خلق، بل بالنتائج السياسية الطويلة الأمد، وإعادة تشكيل موازين القوة. ومن هذا المنظور، يبدو أن إسرائيل باتت اليوم أقرب إلى مرحلة "إعادة تموضع استراتيجي إجباري"، حيث عليها أن تعيد حساباتها تجاه إيران، وحلفائها، وحتى جمهورها الداخلي.


رابط دائم: