مقارنات ثورية:|"ندوة": مسار التحول الديمقراطي في التجربتين المصرية والتونسية
16-2-2012

مروة أحمد سالم
* باحثة مساعدة بمركز الدراسات بالأهرام

الأربعاء 15 -2-2012

رغم تشابه الأسباب التي أدت إلى تفجر الثورة في كل من مصر وتونس، وكذلك سيطرة الطابع السلمي على الثورتين فيما بعد، فإن الثورة التونسية كانت الأسرع في الوصول إلى مرحلة الاستقرار التي لم تحققها مصر الآن بسبب الصدام الدائم بين التيارات المسيطرة على المشهد السياسي بعد ثورتها.

وفي سبيل توضيح مسار عملية التحول الديمقراطي بين البلدين بعد ثورتيهما، عقدت نقابة الصحفيين ندوة ناقشت أوجه التشابه والاختلاف بين ثورتي البلدين في إطار كتاب ألفه كارم يحيى، الصحفي بجريدة الأهرام، والذي حمل عنوان " نظرتان على تونس بعين مصرية من الديكتاتورية إلى الديمقراطية"، وحضر الندوة السفير التونسي بالقاهرة  والعديد من المفكرين السياسيين.

التشابه بين الثورتين

تحدث محمود الخميري، السفير التونسي بالقاهرة، قائلا إن الثورة التونسية كانت بمثابة الإشارة التي تلقتها مصر لتندلع شرارة الثورة، وكانت بمثابة الإعلان بأن التغيير ممكن وليس مستحيلا، فقد صمد الشعبان أمام استبداد الحكومتين من أجل هدف واحد، هو تحقيق الديمقراطية، وتعالت الشعارات على مستوى البلدين، مطالبة بالعدالة والحرية.

ولم يقف الطريق عند هذا الحد، فقد قوبلت هذه الثورة بالعنف، ودفع العديد من أبناء الشعب دماءهم أمام  مقاومة الحكومات المستبدة، إلى أن بدأت الثورة على صعيد البلدين تجني ثمارها، وبات ذلك مرأى العين خلال الفترات الانتقالية التي مر بها كلا البلدين، والتي أثبتت الرغبة في الديمقراطية، رغم  العقبات التي تقف أمامهما.

ويعد اختيار تونس كضيف شرف في معرض الكتاب، وعقب الانتخابات وما أعقبها من أولى جلسات البرلمان في مصر، من أولى ثمار الثورة على طريق الديمقراطية، فقد أنهت الثورتان الاستبداد، وقطعتا أشواطا كثيرة لإرساء فترة تعيش فيها الديمقراطية.

وطالب نوري عبيد، رئيس اتحاد الناشرين الصحفيين بتونس، بضرورة التبادل الإعلامي بين البلدين، باعتباره الأساس الذي ارتبطت به ثورتا تونس ومصر، وقال إن الأداة الأبرز في الثورتين كانت الإعلام البديل الذي استخدمه الشباب، والذي جعلنا كجيل قديم ننظر إلى الصحافة البديلة على أنها وسيلة  تواصلنا مع الشباب في مصر.

وكانت بدايتها منذ كتب الشباب على الإنترنت "مبروك لتونس ومصر ستكون يوم 25 يناير"، لكن لم يتعامل الكثير مع ذلك بجدية، وتم التعامل معها على أنها صادرة عن شباب غير مسئول. وكانت المفاجأة يوم 25 يناير باندلاع المظاهرات التي سارت على نفس فكرة الثورة التونسية بأغراضها السلمية، ونجحت الثورة في البلدين وكان الانتقال ديمقراطيا.

وطرح نوري تساؤلا هو: هل كان من الممكن أن تنجح الثورة في تونس دون مساندة مصر لها والعكس؟، ويرى في ذلك أن التفاعل كان واضحا بين الطرفين، سواء من ناحية الجانب المصري لتونس، أو العكس، وأن  نقاط التشابه بين البلدين تمثلت في كونهما سلميتين، ومرور الثورتين بمرحلة توافق ديمقراطي الذي يؤهل إلى الانتقال السلمي للسلطة.

وأكد أن القارئ للتاريخ القديم يثبت وجود وقفات لكلا البلدين منذ الاستعمار حتى الآن، وكانت تقابل بالقمع في كثير من الأحيان، لكنها انتصرت في النهاية. ولكنه ألقى باللوم على الصحف المصرية، وبشكل خاص على كبرى الصحف القومية التي لم تتناول أحداث تونس ومصر تناولا يليق بهما، ولعلها كانت مثار نقد.

أبعاد الاختلافات

أكد الكاتب الصحفي كارم يحيى أن الثورة في تونس تشابهت في مسيرتها مع الثورة المصرية، مدللا على ذلك بأن الشهداء كانوا من أسباب اندلاع الثورتين، مشيرا  إلى أن الصحافة في الدول العربية تفتقر إلى الديمقراطية والحقيقة، كما لا توجد جريدة لها صدى مؤثر في الدول التي عانت الاستبداد، بسبب تأثير النظام السياسي فى عملها، مطالبا بالتعاون بين المؤسسات العربية لإصدار كتب تتسم بقدر كبير من الموضوعية لتؤرخ للثورة، داعيا إلى إلغاء الكتابات المأجورة في الصحف.كما أكد ضرورة إنشاء نقابة للدفاع عن حقوق الكتاب الذين انتهكت حقوقهم، وتفعيل دور نقابة الصحفيين في الدولتين ، مشددا على عقد ندوة تناقش كيفية وجود صحافة محترمة تليق بدولة ديمقراطية، ومناقشة أسباب خلو الصحافة المصرية من الموضوعية.

كما طالب أيضا بعقد ندوة أخرى تستفيد منها مصر من خبرة تونس في مجال تشريعات وإصلاح الإعلام. وتوصل إلى أن ثمة قواسم مشتركة بين الثورتين، حيث استطاعتا خلع نظام ديكتاتوري وإيجاد نظام ديمقراطي.

وتعد مصر وتونس وسوريا من الدول التي توصف بأنها رأسمالية المحاذير، وتزاوج المال بالسياسة فيها واضح، الأمر الذي يعني أن الفساد في الحالتين كان من العوامل المؤدية إلى قلب النظام. وبالنسبة للحالة التونسية، فإنها قد وصلت إلى حالة الاستقرار  بعمل جمعية تأسيسية، ونظام جديد قائم على دستور،  بل هناك توافق وطني حول الديمقراطية.

وأضاف أن برنامج النهضة في تونس ليست له رؤية ضيقة، فقد أعلن  حق المرأة في تقلد المناصب، على عكس الإسلاميين في مصر الذين يتسمون بطابع التشدد، والإخوان يختلفون في سياستهم من دولة إلى أخرى، وأكد أن القضية ليست في الإخوان في حد ذاتها، ولكن في ممارسات كل حركة في كل بلد.

المشاركة السياسية للثوار

ويرى كمال حبيب، المفكر السياسي، أن ثورة تونس كانت مرعبة للطغاة في الدول العربية، حيث كان هناك شعور عام بأن تونس ستفتح أبواب الثورات العربية، وهي في الوقت نفسه تفتح أملا أمام الشباب في التغيير، مشيرا إلى العديد من المقالات التي نشرت قبل اندلاع الثورة، والتى تنبأت بأن الثورة في مصر ستكون التالية بعد الثورة التونسية.

والقارئ للثورة المصرية سيجد أنه على الرغم من أن القضايا المحلية كانت متصدرة الثورة، فإن السياسة الخارجية كان لها الحظ الوافر، منها القضية الفلسطينية، والمناطق الإفريقية التي كانت مهمشة في عصر الرئيس مبارك، والتي كانت محل اهتمام  الثوار، بل استطاعت الثورة التأثير في السياسة الخارجية المصرية تجاه تلك القضايا، مؤكدا ضرورة اهتمام السياسة الخارجية المصرية مستقبلا  بالمناطق التي كانت مهمشة سياسيا في فترة حكم الرئيس السابق مبارك.

وأبدى تحفظه على السياسة الخارجية، حيث إنها اهتمت أكثر بالمشرق عن المغرب العربي، مشيرا إلى أن مصر أمام جيل جديد وزعيم جديد، وأمام نظريات علم اجتماع جديدة. واقترح  حبيب أن تكتب دراسة  تكون بمثابة خريطة عن حالة تونس، تعرف القارئ بما يجري على الساحة السياسية التونسية والمصرية، خاصة فيما يتعلق بمتناقضات الأقوال والأفعال، والجرائم السياسية في الدولتين.

ويرى أن عملية الإصلاح السياسي تحتاج إلى المزيد من الوقت، وأنها لا تزال في طور التكوين، وأنها تحتاج إلى مشاركة  شباب الثورة، الذين يمارسون السياسة بدون وجود أرضية فكرية،  ويحتاجون إلى التأهيل السياسي قبل المشاركة.كما أكد أن حركة النهضة في تونس كانت أكثر تقدما من الحركات الإسلامية بمصر التي تعاني التعصب. وأشار إلى ضرورة النظر إلى النماذج الإسلامية في العالم، على سبيل المثال النموذج التركي فهو أكثر جذبا منه في الحالة المصرية، وبالتالي لابد أن يكون محل دراسة.

وخلصت  الندوة إلى أن ثمة تشابها واختلافات بين الثورتين، حيث جاء التشابه بين الثورتين من حيث الطابع السلمي، بالإضافة إلى شبابية المظاهرات بالدولتين، وتم التعامل مع الثورتين بسياسة القمع، إلى أن تم خلع رئيسي الدولتين. ويأتي التشابه أيضا من وجود فترة انتقالية، تليها انتخابات وتسليم السلطة. لكن يظل هناك قدر من الاختلافات رآها الجانب المصري فى أن الثورة التونسية كانت أكثر ديمقراطية وأسرع في الوصول إلى مرحلة الاستقرار، بينما مصر تعاني العديد من المعوقات السياسية، وكذلك المماطلة في كثير من الأحيان، بالإضافة إلى حالة الفوضى والصدام الدائم مع المجلس العسكري.

كما يبرز الاختلاف أيضا في التوجهات الفكرية للحركات الإسلامية المصرية التي اتسمت بالطابع التشددي عنها من الحركة الإسلامية في تونس. ودعت الطرفين إلى ضرورة التبادل الإعلامي، وضرورة تعديل المؤسسات الإعلامية القائمة، وتطبيق قوانين الصحافة، وإيجاد صحافة تتسم بموضوعية في نقل الأحداث. كما دعت لضرورة عمل كتاب يؤرخ للثورة فى البلدين، ويرسم الخريطة السياسية بشكلها الموضوعي، بعيدا عن أي ميول شخصية.

وأكدت الندوة أن السياسة الخارجية المصرية كانت في مصلحة القضية الفلسطينية في بداية الثورة، وأنها أسهمت في دعمها، مما أعطى مؤشرا على التغييرات الجوهرية في السياسة المصرية. ودعت الندوة إلى ضرورة اهتمام السياسة الخارجية المصرية بالمناطق المهمشة، مثل المغرب العربي، والدول الإفريقية، والتعاون بين البلدين لنقل الخبرات. وأكدت الندوة ضرورة دراسة نماذج إسلامية ناجحة، مثل النموذج التركي.    


رابط دائم: