إخفاقات متتالية:|تقييم أمريكي لجهود إدارة أوباما في عملية السلام
19-2-2012

دانييل كيرتزر
* سفير الولايات المتحدة الأسبق في مصر وإسرائيل

الخميس 16 -2-2012

عرض : ريهام مقبل - باحثة بمجلة الديمقراطية - الأهرام

على عكس رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، اهتم الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، منذ أول أيامه في البيت الأبيض، بعملية السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على أساس حل الدولتين، انطلاقا من أن حل الصراع العربي- الإسرائيلي يعزز المصلحة والأمن القومي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط؛ مما دفع "أوباما" لممارسة ضغوط غير معهودة أمريكيا على الجانب الإسرائيلي لوقف بناء المستوطنات، وكذا الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلي "بنيامين نيتنياهو" للعودة لطاولة المفاوضات.

 ولكنه واجه عقبات من الجانب الإسرائيلي في ظل التشدد الإسرائيلي برفض وقف الأنشطة الاستيطانية، جعلته لم يستطع  تحقيق أي  تقدم في عملية السلام وعودة الجمود مجددا لعملية السلام، بعد الإخفاقات المتتالية الدولية والأمريكية في إحداث انفراجة في قضايا الصراع العربي- الإسرائيلي.

وفي هذا السياق، تأتي دراسة بعنوان "إعادة إحياء عملية السلام Reviving the Peace Process "، أعدها سفير الولايات المتحدة الأسبق في مصر وإسرائيل "دانييل كيرتزر"، والصادرة عن مجلة المصلحة القومية The National Interest، في عددها عن شهري يناير/ فبراير 2012، لتعرض تحديات وإخفاقات إدارة أوباما في ملف الصراع العربي – الإسرائيلي، وتقديم رؤية استراتيجية للخروج من مأزق تعثر عملية السلام.

تنبع أهمية الدراسة من أربعة جوانب رئيسية، هي على النحو التالي:

أولا: إنها تتناول إحدى القضايا التي أخفقت إدارة أوباما في التعامل معها، رغم كونها إحدى القضايا الرئيسية التي وضعتها الإدارة على قمة أجندة أولوياتها لتحقيق الأمن القومي الأمريكي.

ثانيا: تحتل عملية السلام والضغوط الأمريكية على الجانب الإسرائيلي مكانة بارزة في خطابات مرشحي الرئاسة الأمريكية من الحزبين الكبيرين، الجمهوري والديمقراطي، الساعين للحصول على دعم اللوبي اليهودي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

ثالثا: إن الدراسة أعدها سفير أمريكي سابق في إسرائيل، أحد كبار المحللين السياسيين في واشنطن، بالإضافة إلى كونه خبيرا في عملية إدارة السلام؛ فهو من قام بصياغة مبادرة السلام عام 1988 لوزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز، وكان عضوا في الفريق الأمريكي لمؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وخدم كمنظم لمفاوضات السلام متعددة الأطراف وممثل الولايات المتحدة في فريق عمل اللاجئين متعدد الأطراف، كما أنه شارك في تأليف كتاب "التفاوض حول السلام العربي - الإسرائيلي: القيادة الأمريكية في الشرق الأوسط".

رابعا: يقدم كيرتزر في دراسته رؤية استراتيجية فعالة للوصول إلى سلام بين الطرفين الإسرائيلي والعربي.

مراحل الصراع العربي- الإسرائيلي

يقسم الكاتب مراحل الصراع العربي- الإسرائيلي  إلى ثلاث فترات زمنية. تبدأ المرحلة الأولى منذ نجاح الحركة الصهيونية  في  إنشاء دولة إسرائيل وتشتيت الفلسطينيين بعد حرب 1948. في حيت تبدأ الثانية بعد حرب عام 1967 وهزيمة الدول العربية في حرب الأيام الستة، واحتلال الضفة الغربية وغزة وهضبة الجولان. بينما بدأت المرحلة الثالثة من عام 1991، وهو العام الذي عقد فيه مؤتمر مدريد، حيث تمكن الطرفان العربي والإسرائيلي من التفاوض ثنائيا، وكانت المرة الأولى أيضا التي يجتمع فيها العرب للتسوية مع إسرائيل والتفاوض حول قضايا معلقة مثل المياه والكهرباء والتنمية الاقتصادية والبيئية. ويرى كيرتزر أننا لا نزال نعيش الفترة الثالثة، التي يسودها عملية السلام.

ترصد الدراسة عددا من المحاولات الجادة من أجل التوصل إلى عملية سلام حقيقية، وهذه المحاولات شملت محادثات أوسلو عام 1993، التي حققت أولى خطوات عملية السلام من خلال الاعتراف المتبادل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، حيث اعترفت إسرائيل لأول مرة بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، ولكنها لم تحقق ما كان مأمولا تحقيقه، في  ظل غياب الثقة بين الطرفين، لمواصلة الطرف الفلسطيني – حسبما يري الكاتب - أعمال العنف والعمليات "الإرهابية"، وكذلك استمرار الطرف الإسرائيلي  في  مواصلة العمليات الاستيطانية. ويشير كيرتزر إلى عديد من المحاولات خلال عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، باءت بالفشل.

وخلال فترة جورج دبليو بوش، شهدت عملية السلام محاولات لدفعها إلى الأمام من خلال صياغة خريطة طريق بهدف تصحيح نقاط الضعف التي وردت  في  محادثات أوسلو، والوصول إلى تسوية نهائية وشاملة للنزاع، وبرعاية المجموعة الرباعية الدولية التي تضم (الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي)، ونصت على تحقيق حل الدولتين من خلال إنهاء العنف و"الإرهاب"، ووقف الأنشطة الاستيطانية، وسماح إسرائيل بوجود حكومة فلسطينية تتصرف بحسم ضد "الإرهاب"، وتستطيع مواصلة بناء مؤسسات الدولة، ولكنها لم تنجح.

حاولت إدارة بوش مرة أخرى عن طريق مؤتمر أنا بوليس للسلام عام 2007 لإحياء خريطة الطريق لقيام دولة فلسطينية. وهذه المفاوضات، وفقا للكاتب، عدت من أكثر المحاولات الجادة والحقيقية للتوصل إلى اتفاق نهائي حول القضايا المعلقة، ولكنها فشلت، والسبب المفاجئ في ذلك هو عدم رغبة الولايات المتحدة في الوصول إلى سلام شامل، حيث لم يبذل البيت الأبيض جهودا تذكر.

تقييم جهود إدارة أوباما لعملية السلام

يرى الكاتب أنه ساد تفاؤل كبير عندما أعلنت إدارة أوباما  في  بداية فترتها الرئاسية أن التوصل إلى سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط من أولوياتها، وبادر أوباما بذلك من خلال تعيين مبعوث للسلام  في  الشرق الأوسط " جورج ميتشل"، إلا أنه لم يتم التوصل إلى سلام بين الطرفين. وبدلا من تبنى استراتيجية شاملة بداية، سعت الإدارة إلى إجراءات بناء الثقة، ودعوة الطرفين للمفاوضات من خلال المحادثات غير المباشرة والمباشرة، ومحادثات الرباعية الدولية، والضغط على الطرف الإسرائيلي لوقف الاستيطان.

وتنتقد الدراسة عدم فعالية إدارة أوباما  في  التعامل مع هذا الملف من خلال إضاعة وقت كثير في هذه الإجراءات، في ظل انشغال الرئيس الأمريكي باراك أوباما بحملته الانتخابية الرئاسية، والتركيز على الداخل أكثر، والانحراف عن مسار عملية السلام، وانعكاس ذلك أكثر على خطاب أوباما في الأمم المتحدة، والمفعم بحيوية الدفاع عن أمن إسرائيل، وانتقاده للموقف الفلسطيني بالقول إن قرار قبول فلسطين كعضو في الأمم المتحدة لن يحقق السلام، بما يعكس حرصه على الحصول على دعم اللوبي اليهودي الأمريكي في الانتخابات الرئاسية  القادمة.

وهذه المرحلة تثير العديد من التساؤلات، أهمها أولا: هل ستسعى الإدارة الأمريكية إلى تطوير مدخل جديد لحل الصراع؟ أم أنها ستواصل جهود السلام  في  إطار مؤتمر مدريد؟ أم أنها ستتمسك بخيار حل الدولتين والوصول إلى سلام من خلال مفاوضات ثنائية؟ ولم يقدم الكاتب إجابة على هذه التساؤلات، إلا أنه يرى أن الانتظار وتأجيلها لوقت آخر سيؤدى إلى كارثة حقيقية للأطراف. لذلك، يدعو الإدارة الأمريكية إلى عدم الانتظار لما بعد الانتخابات لما ستئول إليه من كارثة حقيقية أثناء الانتخابات.

وفي هذا السياق، يذكر كيرتزر أن "الهجمات الإرهابية" التي تعرضت لها إسرائيل من قبل حماس من ناحية، وهجوم إسرائيل أيضا على قطاع غزة من ناحية أخرى، حدث عام 2008، أي نهاية الانتخابات الرئاسية.

المصالحة والذهاب إلى الأمم المتحدة

يعكس قرار المصالحة مع حماس والتوجه إلى الأمم المتحدة، من وجهة النظر الفلسطينية، أن المفاوضات مع إسرائيل لم تعد ممكنة، وأن الإدارة الأمريكية لا يمكن أن تمارس ضغوطا على حكومة إسرائيل لوقف الأنشطة الاستيطانية، وأن فكرة حل الدولتين لم تعد ملائمة للطرف الفلسطيني، كما أن هذه الخطوة تعنى تدويل القضية الفلسطينية، حتى تصبح قضية شرعية، وليست سياسية فقط.

 وتعليقا على المصالحة مع حماس، يرى الكاتب أن حماس غير مستعدة للسلام مع إسرائيل إلا بشروط قد تبدو تعسفية للجانب الإسرائيلي، مثل قبول إسرائيل بدولة فلسطينية تضم قطاع غزة والضفة الغربية، وعاصمتها القدس، والسماح بعود اللاجئين. وفوق كل ذلك، لا يعنى الاعتراف بإسرائيل أو إعلان نهاية للصراع، لأن حماس لن تغير من أيديولوجيتها التي لا تقبل وجود سلام مع إسرائيل.  

وبالنسبة لتوجه عباس إلى الأمم المتحدة، يرى أن هذه الخطوة قد تساعد على النظر  في  جرائم إسرائيل التي ترتكبها  في  حق الفلسطينيين من قبل منظمات دولية، مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية، والنظر في قضايا أخرى، مثل المستوطنات وغيرها من ممارسات الاحتلال. 

ونجاح الجانب الفلسطيني في تدويل هذه القضية ربما سيعامل إسرائيل كدولة عنصرية على غرار جنوب إفريقيا. وعلى الجانب الإسرائيلي، يعنى هذا التحرك مثول الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية لمحكمة العدل الدولية، نتيجة للأعمال "الإرهابية"، وإطلاق الصواريخ على إسرائيل، بما يعنى أن هذا التحرك سيؤدى إلى طريق لا نهائي من تبادل الاتهامات والمناورات الشرعية.

وفي  المقابل، يرى أن إسرائيل لم تأخذ التطورات التي تشهدها المنطقة على محمل الجدية،  في  ظل التهديدات التي تشهدها، ومنها استمرار الاحتجاجات المطالبة بإلغاء اتفاقيات السلام المصرية والأردنية مع إسرائيل، وتهديدات أمنية خطيرة من البرنامج النووي الإيراني، وكذلك من فاعلين من غير الدول، مثل حماس وحزب الله ومليشيات إسلامية عسكرية في غزة أيضا. كما أن نيتنياهو ليس لديه أي تصور حالي أو مستقبلي لشكل عملية السلام، ولا يبدى استعدادا لأية مفاوضات جادة مع الفلسطينيين،  في  ظل الشروط  التعسفية التي يضعها، ومنها أن تكون الدولة منزوعة السلاح، والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية كشرط مسبق لبدء المفاوضات.

والغريب أن الحكومات الإسرائيلية السابقة لم تكن تبدى ضمنا هذا الشرط الأخير لبدء المفاوضات، حتى رئيس الوزراء السابق "أرييل شارون" تحدث فقط عن حق إسرائيل  في  إنشاء دولة يهودية، ورأى أن هذا الشرط نتيجة لعملية السلام، وليس شرطا مسبقا لبدء المفاوضات.

استراتيجية لتسوية الصراع

يرى الكاتب أن بقاء عملية السلام على وضعها الراهن والانتظار لوقت آخر سيواجه أزمة حقيقية، في  ظل تباطؤ الإدارة الأمريكية  في  التعامل مع هذا الملف. لذلك، يقترح الكاتب استراتيجية شاملة للأطراف للتوصل إلى تسوية للصراع، وتقوم هذه الاستراتيجية على أربع ركائز رئيسية، هي:

أولا: صياغة رؤية للقضايا التي لم يتم حلها منذ 2008 لتكون الأساس للمفاوضات بين الطرفين، وهذه الرؤية تساعد الولايات المتحدة على بناء الثقة، والتغلب على الفجوات بين الطرفين، وهذه المفاوضات تكون ثنائية أيضا. وهذا مرتبط بأمرين، الأول أن تكون هذه الصيغة عادلة، وثانيا الدفاع عنها، حتى في ظل وجود معارضة قوية داخل إسرائيل.

ثانيا: تشجيع جهود بناء الدولة الفلسطينية التي يقوم بها رئيس الوزراء سلام فياض، لأن ذلك سيساعد على بناء مؤسسات تقوم عليها الدولة الفلسطينية، مع التركيز على تطبيق سياسات إصلاحية عديدة، خاصة على الجانب الأمني.   

ثالثا: تأكيد ضرورة التزام الطرفين بما ورد في خريطة الطريق، خاصة في إطار إستراتيجية شاملة لصنع السلام، وبالتالي تحميلهما مسئولية الإخفاق، واختراق خريطة الطريق.

رابعا: تفعيل مبادرة السلام العربية عام 2002، بحيث لا يكون السلام والأمن والتفاوض هو الخطوة الأخيرة لعملية السلام، وربط عملية السلام بالمصالحة العربية مع إسرائيل، وليس أن تكون المصالحة والانفتاح مع إسرائيل هما الخطوة التالية لعملية السلام. فقد أعلن العرب مسبقا عام 1991 بقبول المشاركة مع إسرائيل في محادثات متعددة الأطراف، وشارك معظم العرب في أربع قمم اقتصادية تهدف إلى الشراكة التجارية، وقيام الأعمال المشتركة، سواء عامة أو خاصة، لذلك فعلى الدول العربية إظهار إن السلام مع إسرائيل سيعود بفوائد ملموسة لكل دول المنطقة.

ختاما، يؤكد الكاتب أنه في حالة عدم قبول الأطراف بعناصر الاستراتيجية، فستبقى الأساس والأهم التي لا يجوز التخلي عنها أو تركها عند أول عقبة.كما أن فعالية وقوة الاستراتيجية الشاملة من المفترض أن تمنح الولايات المتحدة قوة وثقة عدم القبول "بـلا" كجواب، حتى وإن لم تطبق الاستراتيجية في الحال، إلا أنها ستمنح واشنطن مساحة مهمة للمناورة الدبلوماسية لفترة زمنية طويلة، بالإضافة إلى الامتيازات السياسية المهمة في ظل الدبلوماسية الدولية.

ويستكمل الكاتب بالقول إن  الاعتقاد بأن النتيجة المرجوة يمكنها أن تتحقق قبل الانتخابات المقبلة غير واقعي، ومع ذلك، لم يفت الأوان لصياغة استراتيجية قوية ومنطقية للسلام الدائم، تشكل الأساس للخطوة القادمة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.


رابط دائم: