المرجعية:|"ندوة": مستقبل الأزهر بعد صعود القوى الإسلامية في مصر
30-1-2012

مروة أحمد سالم
* باحثة مساعدة بمركز الدراسات بالأهرام

السبت 28 -1-2012

وسط الصعود السياسي للتيارات الإسلامية في مصر بعد ثورة 25 يناير، أثيرت العديد من التساؤلات حول مدى التغييرات المرجوة من الأزهر الشريف في المرحلة القادمة، لاسيما في ضوء اطلاع الأخير بدور سياسي توافقي بين القوى السياسية، عبر وثيقة الأزهر لمستقبل مصر التي تطالب بدولة ديمقراطية، فهل يمكن لهذه المؤسسة الدينية أن تتجاوز مشكلاتها وتستعيد فاعليتها المفقودة لتصبح المرجعية الدينية للمصريين، وتضع حدودا لعلاقتها مع السلطة وقوى المجتمع؟.

في هذا الإطار، تأتي أهمية الندوة التي عقدها المعهد الإقليمي للصحافة بالأهرام، بالاشتراك مع المركز المصري للدراسات السياسية والتنموية تحت عنوان "دور الأزهر الشريف في ضوء صعود الأحزاب والقوى الدينية والإسلامية"، وتحدث فيها لفيف من أستاذة الأزهر الشريف، وخبراء السياسية، وناقشت دور الأزهر في الساحة السياسية، ومعالجته لمشكلات المرحلة الانتقالية.

 مشكلات المرحلة الانتقالية

تحدث الدكتور عبد الرحمن بكر، الأستاذ بالأزهر، عن دور الأزهر في ظل التعددية السياسية، مؤكدا  أن دور الأزهر في المرحلة الحالية هو ضبط التعددية السياسية، فقد  أعلى الأزهر من قيمة شمولية الإسلام، منذ أن كان هناك رفض للإسلام في الحياة السياسية، وجمع كل الناس في ظل التعريف بالتراث الإسلامي، وبالتالي استحق هذه المكانة لأنه يراعي السند الحقيقي. أما بالنسبة لعلاقته مع الإخوان، فقد كان معظم طلاب الأزهر من الإخوان المسلمين، على سبيل المثال الشيخ يوسف القرضاوي، ولم يحدث أن تطاول إخوان الأزهر عليه، وبالتالي فإن نجاح الإخوان من نجاح الأزهر. وأكد أن الأزهر لا يعبر عن تيار بعينه، فهو يستطيع ان يحتوي كل التيارات الفكرية بمنهجة وكل الناس، مهما اختلفت توجهاتهم.

وفي السياق نفسه، أضاف الدكتور محمود عزب،  مستشار الإمام الأكبر للأزهر،  أن الأزهر الشريف وإخوان القاهرة بمثابة توأم، وأن الأزهر لديه ثلاث دوائر: مصرية ، وعربية إسلامية، وعالمية، وهو يعي ذلك منذ نشأته.وعرض تاريخيا كيف كان الأزهر يجمع بين الدور الوطني والدور السياسي،  حيث كان له دور كبير خلال فترة الحملة الفرنسية، وثورتى القاهرة الأولى والثانية، وكذلك في حرب 1956. واجتمع هذا الدور مرة أخرى في ميدان التحرير على هدف واحد، هو الدين لله والوطن للجميع، فلابد من إعلاء  قيم الحقوق والعدالة، مادمنا سلمنا بالاختلاف، وكان ذلك دور الأزهر دائما، وهو الدور الجامع لمختلف الأديان.

وبالنسبة للفتننة الطائفية، أكد الدكتور عزب على ضرورة البعد عن تهويل المشكلات واللجوء إلى حلها، فيجب أن يثور المجتمع على التغيير الحقيقي. وأوضح أن شيخ الأزهر كان مؤيدا للثورة، حيث صرح بأن قتلى الثوار هم فى عداد الشهداء، وكان هناك تواصلا مع الثوار وأيضا مع الإخوان المسلمين، وأصدر الأزهر وثيقة لتأكيد إسهامه في بناء مصر كدولة وطنية ديمقراطية حديثة، فالأزهر يركز على مستقبل مصر، أي ما يجب أن تكون عليه مصر من مسلمين ومسيحيين.

وأكد دكتور جمال عبد الستار، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن علاقة الإخوان المسلمين بالأزهر تأتي في إطار معرفة ما يدور في الساحة السياسية والرقي بمصر، وأكد ما تمت الإشارة إليه في حديث دكتور محمود عزب. وتحدث عن بيت العائلة الذي يرأسه شيخ الأزهر والبابا شنودة لدرء أي فتنة بين المسلمين والمسيحيين، ووثيقة الأزهر التي هي تأكيد على دور الأزهر. وناقش مخاوف الفترة التي تمر بها الأمة، فهي تعطي الفرصة لكل عدو، سواء في صفوف المسلمين أو الإسلاميين لإثارة الفتنة، لذلك يجب تجنبها.

تحديات هيكلية

على جانب آخر، أشار نبيل عبد الفتاح، الخبير بمركز الدراسات السياسية بالأهرام، إلى تحديات هيكلية تقع على الدولة بكافة مؤسساتها، ويعد الأزهر من هذه المؤسسات التي تحتاج لخطاب موضوعي لمواجهة هذه التحديات، سواء فيما يتعلق بسياستها أو مناهجها، كما أن هناك تحديات للدور الإقليمي للأزهر، ويجب أن توضع هذه التحديات على دائرة الحوار الجاد.

وأضاف أن الدساتير ليست الدول، حيث أصبح مفهوم الدولة أكثر عمقا وأكثر شمولا، فالدساتير توضع فيها النصوص التي تعد قانون الدولة. وأوضح أن التمدد الكبير لبعض القوى السياسية بات وكأنه يشكل محاولة لاستعادة الأزهر قوامه، فثمة مشكلات أمام الإمام الأكبر، تجعل هناك ضرورة لفتح باب حوار جديد.

 وأوضح أن المشكلة الكبيرة هي أن كل الأنظمة التي مرت بها مصر حاولت أن تؤسس مؤسسات بحثية، لم تكن لها القيمة الفعلية على أرض الواقع، وبالتالي لابد للأزهر أن يتخذ من ذلك دافعا لكي يقوم  بأدوار على الواقع الفعلي، ويعتقد أن الأزهر وجد المكان المناسب وتعامل معه بإيجابية.

ومن ثم، دعا عبد الفتاح مجموعة علماء الأزهر ومجموعه علماء المثقفين لكي تلعب دورا أساسيا في الحياة السياسية، فلم تكن الأنظمة السياسية منذ ثورة يوليو إلى نظام مبارك تعرف الدور المؤثر للحركة الثقافية المصرية، والأزهر لديه العديد من المثقفين. أما بالنسبة لوثيقة الأزهر، فهي هي لغة توازنات دقيقة، وهي أكبر أرضية مشتركة للحوار، ويعتقد أنها لغة تتسم بالأدبيات العريقة، وأنها سعت إلى بناء أرضيات المشتركة.

وأوضح في جانب آخر أنه لا يوجد اصطلاح دقيق للدولة المدنية الدستورية القائمة على الفصل بين السلطات والدستور، لكن لابد من اعتماد النظام الديمقراطي الذي قدمته الوثيقة. أما الجزء الخاص بالحريات، فرأى أنه في غاية الأهمية، خاصة في ظل انتهاكات الحريات، كما أن فاعلية الوثيقة ممثلة في شكلها الإرشادي، لكنها تحتاج إلى قوة فعلية تعتمد عليها. وانتهى إلى أن الوثيقة تعد الوثيقة الأولى للثورات.

الأزهر ومواجهة الطائفية

وناقش حنا جريس، الناشط السياسي، فكرة الطائفية، ورأى أنها عبارة عن توترات اجتماعية، موجودة في كثير من بلدان العالم التي لديها شعب عبارة عن مزيج من الديانات المختلفة.ورأى أن طبيعة مؤسسة الأزهر تجعلها تعمل على تجميع الطوائف، فلا تجد فتنة طائفية بايعاز من الأزهر، مؤكدا ذلك من خلال أربع صفات في مؤسسة الأزهر، وهي أن الأزهر يعبر عن إيمان راسخ لا يزعزعه أي شىء، كما أن هناك إيمانا عميقا بأن الأزهر هو حامي الإسلام، وهناك ثقة بأن لديه تاريخا ممتدا ولديه علماء، وهو مؤسسة علمية لا يمكن تجاوزها، وبالتالي يمارس قدرا من الاستقلالية، وغالبا ما يمارس دورا إيجابيا في حالات اختلاف الرؤى، حتى لو اختلفت الرؤى داخل الأزهر، كما أنه الملجأ الذي يمكن الرجوع إليه منذ أن دخل  الإسلام مصر.

وتحدث جريس عن أمن المسلمين على مدى التاريخ، وأكد أن الثورات قامت ضد الظلم ومن أجل سلامة الأمة، وفي الوقت نفسه رأى أن الدين الإسلامي له شمولية أهل الكتاب، كما أن العدالة كقيمة مطلقة هي حق كل إنسان. على الجانب الآخر، فإن الأزهر ليس باجتهاداته ولكن بحركته على الأرض.

وأوضح رغبته في تأكيد أن الاسلام هو الدين الرسمي، وأن فكرة المساواة الكاملة والعدل الكامل لا يمكن أن تتعارض مع الإسلام. وأوضح أن ثمة ضغوطا تواجه الأزهر، إن لم يكن العالم الإسلامي، فهناك حالة من ضعف الفكر السياسي المصري، على الرغم من وجود مؤسسات علمية بحثية، وما يحدث عبارة عن ضعف فكري لا ينتج قوة واقعة للخروج للواقع السياسي. والضغط الثاني جاء من ظاهرة تعدد الآراء، أي أن هناك عدة مرجعيات، فما يحدث في الساحة السياسية هو نوع من أنواع استغلال حاجات الناس لتبني مواقف بعينها. ولا ينكر في الوقت ذاته تأويلات الأزهر، لأنه جامعه علمية.

ورأى جريس أن الأزهر يواجه تحديا  في مسائل تتعلق بالعلاقة مع غير المسلمين، فيجب أن يحاول توثيق رؤية الأخوة، وهي تحتاج إلى تأصيل أكثر قوة، كما يجب على كيانات، مثل بيت العائلة، أن  تقدم تصورات جديدة للمواطنة والمساواة دون المساس بعقيدته. ويعتقد أن الأمل معقود على الأزهر ودوره  في مواجهه التحدي المتعلق ببناء الدولة ودور العبادة، وأكد أن الشكوى من بعض التمييز بين المسلمين والمسيحيين موجودة في كل العالم. وما دام لدينا الأزهر، فيجب ألا نخاف.

الدور المطلوب بعد الثورة

أكد الدكتور مصطفى الفقي، المفكر السياسي، أن من نتائج ثورة يناير أن ارتفع دور الأزهر، وأشار إلى أن الأزهر في بادئ الأمر كان يستمع إلى رئيس الدولة، ما عدا الشيخ جاد الحق علي جاد الحق الذي وجده يهاجم الرئيس، كما أكد ضرورة  أن يكون الأزهر أكثر صلابة وأكثر قدرة على الدفاع عن الحق ليجعل منه عالما مستقلا.

ورأى أن الإمام الأكبر الحالي د. أحمد الطيب إمام مستنير، لكنه يواجه تحديا كبيرا هو أن المناخ الحالي يشمل عملية تغييرات في البنية السياسية، والأزهر في تكوينه عالمي. ومهما تختلف الآراء، فهو لا يخرج عن الثوابت الإسلامية، فلا يوجد تعارض بين الدين والحياة.

على الجانب الآخر، طالب الدكتور جعفر عبد السلام، رئيس رابطة الجامعات الإسلامية، بضرورة أن تكون مصر مرجعية دينية، خاصة في ظل تعدد الفتاوى أمام الجاليات المصرية الموجودة في أوروبا، وأن تعود إليه مكانته العالمية. أما بالنسبة لوثيقة الأزهر، فما قام به الأزهر من إصدار وثائق ما هي إلا وثائق استرشادية يجب أن تفعل على أرض الواقع، ووثيقة الأزهر  ليس لها ميول لحزب على آخر، وهذا أمر صحيح،  فلا ينبغي أن تكون هناك ميول إلى حزب معين. والأزهر في ظل التعددية السياسية سيزداد دوره دون أن يدخل في متاهات سياسية.

وناقش الدكتور محمد نجيب، أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن الأزهر كان مدرسة وسطية، والفكر القائم الآن يسير على المعنى نفسه، حيث كان الطالب في بادئ الأمر يختار مذهبا معينا يقوم بدراسته، ثم بعد ذلك بعدما يصل إلى سن الرشد، يدرس كل المذاهب. كما أن الإسلام يميل إلى الاعتماد على إظهار فكرة البساطة، وذلك أساسه أنه مرجعية حياتية، فلا توجد مسألة في الحياة الآن ليست موجودة في الإسلام، كما أكد ضرورة التعمق في قراءة القرآن ودراسة جوانبه.

وخلصت الندوة إلى تأكيد دور الأزهر الشريف في الساحة السياسية، وارتفاع دوره السياسي بعد ثورة يناير، كما أنه يلعب دورا إيجابيا فيما يتعلق بقضايا الفتنة الطائفية، ومشكلات التمييز بين المسلميين والمسيحيين. كما أن الأزهر لعب دور الداعم للثورة وللقوى الإسلامية مع تأكيد عدم الميول إلى حزب بعينه.بيد أن المطلوب في الفترة القادمة هو إعادة دور الأزهر العالمي كمرجعية إسلامية، وتفعيل دوره على الواقع السياسي المصري، ويجب أن تكون له استقلاليته، فضلا عن إعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية.


رابط دائم: