نقاشات اسطنبول:|مؤتمر دولي يحلل إتجاهات التغيير بالشرق الأوسط بعد الثورات
25-1-2012

د. محمد عز العرب
* خبير الشئون الإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية مدير تحرير التقرير الاستراتيجي العربي

السبت 21 -1- 2012

تحت عنوان‮ "‬التغييرات في الشرق الأوسط‮" سعى مؤتمر دولي في تركيا إلى ‬الإجابة على تساؤل رئيسي،‮ ‬مفاده‮: ‬إلى أين تتجه خريطة منطقة الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الثورات العربية،‮ ‬بعد جملة التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة،‮ ‬بعد اجتياح الربيع العربي دولها، وبروز الشعوب كمتغير جديد في معادلة التغيير العربي؟.

المؤتمر الدولي الثاني للشرق الأوسط،‮ ‬الذي نظمه مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية،‮ ‬والمركز التركي الآسيوي للدراسات الاستراتيجية،‮ ‬ومعهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة مارمار في ديسمبر 2011 ،‮ ‬طرح السيناريوهات المحتملة للتغيير في الشرق الأوسط ، لاسيما في ظل صعود الإسلاميين في مصر وتونس وليبيا.

أسباب التغيير في الشرق الأوسط‮:

أشار المشاركون إلى أن بعض الدول العربية الصغيرة، مثل قطر والمملكة العربية السعودية،‮ ‬تقود حركة التغيير في المنطقة من جانب،‮ ‬وتقاوم حركة التغيير الثوري في محيطها الجغرافي الخليجي من جانب آخر،‮ ‬سواء من خلال قنواتها الإعلامية‮ (‬الجزيرة‮ - ‬العربية‮)‬،‮ ‬أو عبر مبادراتها الذاتية،‮ ‬مثل التدخل لحل الأزمة الداخلية البحرينية،‮ ‬وطرح المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية،‮ ‬وإقرار التدخل الدولي في الحالة الليبية،‮ ‬وتدعيم قرارات الجامعة العربية بفرض عقوبات علي سوريا،‮ ‬وتوسيع عضوية مجلس التعاون ليشمل كلا من الأردن والمغرب‮ "‬نادي الملكيات العربية‮"‬،‮ ‬وأن ما تشهده بعض دول المنطقة من انتقال سياسي قد لا يفضي بالضرورة إلى تحول ديمقراطي في الغد القريب‮.

فالأحزاب الجديدة التي تصل إلى السلطة ليست متمرسة علي فنون الحكم،‮ ‬وقواعد الديمقراطية،‮ ‬بل إنها تستعد للشروع في تجربة سيشوبها التعثر والتخبط والأخطاء‮.‬ وعن أسباب التغيير في منطقة الشرق الأوسط،‮ ‬أكد المؤتمر أن هناك أسبابا ارتبطت بالداخل العربي، في حين كان بعضها الآخر وثيق الصلة بالتطورات على الصعيدين الإقليمي والدولي‮.

فعن الأسباب الداخلية،‮ ‬تمت الإشارة إلى تضاؤل شرعية بعض الأنظمة الحاكمة المستندة علي العامل القبلي،‮ ‬أو الوازع الديني،‮ ‬أو الدور التاريخي‮. ‬فالأنظمة الحاكمة هي التي أوصلت الشعوب إلى هذه المرحلة من الثورات والانتفاضات، لاسيما مع تزايد مؤشرات‮ ‬غياب العدالة الاجتماعية،‮ ‬وتفشي الفساد،‮ ‬وبطالة الشباب،‮ ‬وفقدان الأمل في حدوث التغيير‮. ‬فضلا عن اتساع الطبقة الوسطي الجديدة، والتي شكلت إحدي القوي الرئيسية المحركة للتحولات الراهنة، وذلك من خلال قيامها بالثورات،‮ ‬أو طرح مطالب الإصلاح‮.‬

أما المتغيرات الإقليمية، فإنها تتعلق بأثر نظرية‮ "‬الدومينو‮"‬، بمعنى تأثير الثورات والاحتجاجات في دولة ما في الأوضاع الداخلية في دول الجوار،‮ ‬فيما يعرف بـ‮ "‬لعنة الجغرافيا‮".

وبالنسبة للأبعاد الدولية، فكان لها تأثيرها البارز في التغيرات في المنطقة، لاسيما التدفق الإعلامي،‮ ‬والتطور الاتصالي، الذي أسهم في رفع مستوي تطلعات المواطنين،‮ ‬وخلق تطلعات جديدة لديهم،‮ ‬ونشر عدوي الديمقراطية عبر الحدود‮. ‬يضاعف من تأثير ذلك اتساع موجة التحول الديمقراطي علي المستوي العالمي لتشمل دول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وعددا من الدول الإفريقية، بحيث لم يتبق سوى دول المنطقة،‮ ‬باعتبارها‮ "‬ قلب الاستثناء الديمقراطي‮".

وفي هذا السياق، فمن الطبيعي تفاعل المجتمعات قبل الأنظمة الحاكمة مع التحولات الجارية في النظام الدولي، بعد التلاشي النسبي لإمكانيات الفصل بين الداخل والخارج،‮ فلم يعد بمكان دولة عزل مواطنيها عما يحدث في الخارج‮.‬

تحديات التغيير في الشرق الأوسط‮:‬

خلصت النقاشات إلى أن هناك ثلاثة تحديات رئيسية تواجه موجة التغيير في منطقة الشرق الأوسط،‮ ‬تتمثل في‮:‬

أولا‮- ‬التخوف من الناتج الديمقراطي القادم عبر الإجراء الديمقراطي، وهو ما اتضح جليا مع صعود التيارات الإسلامية ذات التوجهات المتشددة في عدد من الدول التي شهدت انتخابات برلمانية، مثل تونس والمغرب ومصر، فيما يعرف بـ"أسلمة الشمال الإفريقي"، وهو ما يحمل مخاوف تتعلق بتأثير تلك التوجهات في السياسات الداخلية أو الخارجية‮.

وفي هذا السياق، يتخوف البعض من سيادة النموذج الباكستاني أو الطالباني،‮ ‬وليس النموذج التركي لدول المنطقة، من خلال إحلال قوى إسلامية راديكالية محل نظم سياسية تسلطية‮. ‬ومن ثم، فإن هناك تخوفا من بزوغ‮ "‬ديكتاتوريات جديدة‮".‬

ثانيا‮- ‬عرقلة التوترات القبلية والأبعاد المذهبية للتحولات السياسية في المنطقة‮.‬ فالولاءات والانتماءات في عدد من دول المنطقة لا تزال تقع ضمن‮ "‬العلاقات الأولية‮"‬، حيث تأتي علاقة الفرد بقبيلته أو عشيرته أو طائفته، قبل علاقة المواطنة‮.

وعلى الرغم مما شهدته دول المنطقة من تنمية اقتصادية،‮ ‬وتحولات اجتماعية، فإنها لم تتواز معها تغيرات سياسية بنيوية‮. ‬وهكذا، فإن أية تحولات ثورية أو إصلاحات سياسية حقيقية قد تتحطم على صخرة الانتماء القبلي‮.‬

ثالثا‮- ‬تدخل الأطراف الثالثة، سواء كانت دولا إقليمية أو قوي دولية، في مسار التحولات الداخلية التي تشهدها دول المنطقة‮.‬

سيناريوهات التغيير في الشرق الأوسط‮:‬

انتهي النقاش إلى أنه يوجد ثلاثة سيناريوهات بشأن مسار التغيير في المنطقة،‮ ‬والتي تتمثل فيما يلي‮:‬

السيناريو الأول‮: ‬الإصلاح الداخلي، ينطلق من حدوث إصلاحات سياسية، بغض النظر عن مداها، محكومة بآفاق التطوير الآمن للصيغة السلطوية للحكم،‮ ‬بحيث تنتقل من الصيغة السلطوية التقليدية إلى الصيغة التنافسية‮.‬ وتتمثل مطالب مجتمعات المنطقة في إدخال إصلاحات سياسية،‮ ‬وليس إسقاط أنظمة حكم‮.‬

السيناريو الثاني‮: ‬المد الثوري‮.‬ يري امتداد الثورات الشعبية في عدد من دول المنطقة إلى بقية الدول التي لم تشهد تغييرا، وأن المطالبات البسيطة التي تبرز في الحركات الاحتجاجية ستتطور حتما إلى حد إسقاط بنية الأنظمة الحاكمة، فالفارق مرتبط بدرجة التوقيت،‮ ‬وليس المناعة من التغيير‮.‬

السيناريو الثالث‮: ‬الاختلاط التغييري‮.‬ يفترض أنه لا يمكن التعامل مع دول المنطقة كحزمة واحدة، ولا يساوي بين طبيعة أنظمتها الحاكمة وحجم الطلب المجتمعي على الديمقراطية،‮ ‬نظرا للفروق الجوهرية بينهما‮. ‬فالربيع العربي هو سلسلة ثورات،‮ ‬وليس ثورة واحدة‮.

ويستند هذا السيناريو إلى أنه علي الرغم من أوجه الشبه بين دول المنطقة،‮ ‬فإن الظروف السياسية والاقتصادية والديموغرافية والطائفية مختلفة فيما بينها، الأمر الذي يؤثر على قدرة كل منها في التصدي للاحتجاج المحتمل في نطاقها‮.‬

(*) مجلة السياسة الدولية ، العدد 187 ، يناير 2012، ص 191


رابط دائم: