صعود قوى الثروة‮:|دور الطبقة الوسطى ‬الجديدة في نهضة العالم الإسلامي
23-1-2012

ولي نصر
* باحث أمريكي من أصل إيراني وأستاذ للسياسات الدولية

الجمعة 20 - 1- 2012

عرض : إيمان شادي، مساعد باحث بمركز الأبحاث الاجتماعية‮ ‬بالجامعة الأمريكية‮.‬

يسعى كتاب " صعود قوى الثروة: نهضة الطبقة الوسطى الجديدة في العالم الإسلامي وانعكاستها على عالمنا" الذي ألفه ولي نصر وترجمه هاني تابري إلى توضيح أهمية دور القوة التجارية الإيجابية في العالم الإسلامي،‮ ‬خاصة دور الطبقة الوسطى، وكيف أن دور هذه الطبقة قد يكون هو أساس النهضة الديمقراطية في العالم الإسلامي،‮ ‬وليست سياسة العقوبات أو‮ "‬قوة الإكراه‮".

الكتاب الذي صدر في بيروت في العام 1102 يؤكد أن هذه الطبقة لها كبير الدور في ظهور نهضة جديدة بالعالم الإسلامي قد تؤدي إلى حالة من التوازن بين البلدان الإسلامية والمجتمع الإسلامي أمام القوى الأوروبية والأمريكية‮.‬

الإصلاح الاقتصادي سلاح في وجه التطرف‮:‬

يحتدم الجدل حول قضية الإصلاح السياسي والاقتصادي، وأيهما يسبق الآخر، حيث يري البعض أن الإصلاح السياسي يسبق الإصلاح الاقتصادي، بينما يرى البعض الآخر عكس ذلك‮.ويتحيز‮ "‬ولي نصر‮" ‬إلى أن الإصلاح السياسي،‮ ‬بداية من رعاية حقوق الإنسان والحريات الاجتماعية والديمقراطية، يتحقق من خلال نمو الأعمال والتجارة والتطور الاقتصادي‮. ‬

ويرى كذلك أن التطور الاقتصادي هو الطريق الوحيد أو المعركة الفاصلة للقضاء على التطرف الديني نهائيا، والتحول نحو التحرير الاجتماعي‮. ‬وهو ما سيتبعه كذلك التحرير السياسي، حيث يرى أن الاندماج في السوق العالمي يفرض مجموعة من القواعد،‮ ‬على الدول الالتزام بها‮.

وإذا ما أخذت دولة على عاتقها الوقوف على هذا الطريق، فإن رجوعها منه موضوع صعب للغاية‮. ‬وتصبح بذلك أكثر تقبلا للتغيير في مجالات أخرى،‮ ‬بعد قبولها التغيير في المجال الاقتصادي‮.‬

وقد دلل على ذلك بنموذج دبي التي تمثل إحدي القوي الصاعدة‮. ‬فقد وصلت من لا شيء تقريبا إلى أن أصبحت مركز الشرق الأوسط وجنوب آسيا، بحكمة وإيمان حكامها بأهمية الحرية الاقتصادية، التي أدت لتدفق الاستثمارات عليها‮. ‬فهي توفر خدمات مالية وتجارية لا تتوافر في مكان آخر لإيران وباكستان والعالم العربي وآسيا الوسطى وشرق إفريقيا وبلاد القوقاز‮. وتمثل دبي بالنسبة لإيران نقطة الهروب أو المهرب من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها‮. ‬كما تمثل إيران بالنسبة لدبي الميناء أو الرصيف البحري،‮ ‬وإلا لاختنقت دبي‮.‬

وفي سياق متصل،‮ ‬يرى‮ "‬نصر‮" ‬أن قضايا مثل الملف النووي الإيراني ومواجهة الولايات المتحدة،‮ ‬هي ملفات لصرف الانتباه،‮ ‬وتحويل اهتمام الشعب الإيراني عن المشكلات الاقتصادية الداخلية،‮ ‬ومطالب داخلية بالإصلاح السياسي والاقتصادي التي يتطلع لها المواطن الإيراني‮.

ويضيف أن دعم إيران لقوى مثل حزب الله،‮ ‬إن كان يمثل ورقة ضغط أو نقطة قوة في الوقت الحالي، إلا أنه قد يمثل نقطة ضعف فيما بعد،‮ ‬لأنه لا يستند على قوة اقتصادية‮.‬

العلمانية في مواجهة الطبقة الوسطى‮:‬

يشير‮ "‬نصر‮" ‬خلال صفحات كتابه إلى أن الدعوة للفصل العلماني بين الدين والدولة،‮ ‬كخطوة للتوصل للديمقراطية ومن ثم للحداثة،‮ ‬فكرة‮ ‬غير مرغوب بها في دول الشرق الأوسط‮. فأغلب الدول التي تتمتع بقسط من الديمقراطية منها يتعزز فيها الالتزام الديني الإسلامي، بينما يتعرض الإسلام لمزيد من الضغوط في الدول الاستبدادية باستثناء إيران‮.‬

لذا،‮ ‬ينصح القوى الغربية،‮ ‬وعلى رأسها الولايات المتحدة،‮ ‬لتتخلص من مخاوفها تجاه الدول الإسلامية وعدم قصر دعهما على النخب فقط، وإنما يجب أن يصل للطبقة الوسطى ورجال الأعمال، لكي يستطيعوا المنافسة الدولية، فهم من يمثل قوي الوسط المعتدل‮.

‬ففي تركيا،‮ ‬لم تعد الأيديولوجية الكمالية العلمانية هي مسيطرة على الشعب،‮ ‬كما كانت من قبل، لتفكك التحالف الاقتصادي الذي ساندها‮. واستطاع حزب ديني‮ "‬حزب العدالة والتنمية‮" ‬تحقيق انتصار كبير باهتمامه بالتنمية الاقتصادية، والبعد عن الصراع بين العلمانية والإسلام، وستستمر تركيا كذلك إذا ما استطاعت الطبقة الوسطى إكمال الطريق‮.‬

ويرى‮ "‬نصر‮" ‬أن الأمل الكبير معلق على الطبقة الوسطى التقية الجديدة ممن ينبذون التطرف، ويجمعون في تصرفهم بين الإسلام والأفكار الرأسمالية في إدارة أعمالهم‮. ‬

وقد أثبتت التجربة الفعلية أن من ينال أصوات الناخبين هي الأحزاب التي تركز على العمل السياسي المدني‮ (‬فرص العمل، الخدمات العامة، النمو الاقتصادي، الحكم الرشيد، والسياسة الخارجية الجريئة‮)‬،‮ ‬وليس التركيز على الإسلام في المقام الأول‮.‬

ثورة يقودها رجال الأعمال الأتقياء‮

أكد‮ "‬ولي نصر‮" ‬أن التغييرات الأساسية لتمكين الديمقراطية وانتشار قيمها مرتبطة بما إذا كانت تحقق المصالح الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين أم لا‮.‬

وعليه،‮ ‬يرى أن على القوى الغربية أن تقنع بأن الطبقات الوسطى والدنيا في الشرق الأوسط تؤيد العمل بالشريعة، وأن الحرب الثقافية لن تجدي معهم،‮ ‬لأنهم أيقنوا أن الغرب يتهجم على قيمهم الأساسية، ويجب عليه أن يقتنع كذلك بأن الوسيلة الوحيدة لتحقيق وضمان مصالحه هو الربح التجاري،‮ ‬من خلال دفع ودعم الطبقة الوسطى الجديدة لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية وغيرها،‮ ‬بما يفتح المجال أمام اقتصادات هذه الدول على السوق العالمي‮.‬

وأخيرا، فإن الثورة الرأسمالية في القرن القادم يمكن أن يقودها رجال الأعمال المسلمون، لإدراك قيمة العمل،‮ ‬وكيف أن العمل عبادة كالصلاة‮.‬ لذلك،‮ ‬لا يستبعد أن يقود الثورة الرأسمالية القادمة رجال الأعمال المسلمون الأتقياء‮.‬ فالدول العربية،‮ ‬ولنأخذ دولة مثل مصر،‮ ‬لم يهدم اقتصادها ويقض عليه إلا الفساد الذي استشري في جنبات البلاد،‮ ‬وفي أنفس رجال الأعمال قبل كل شيء، ولن ينهض بها مرة أخري إلا مجموعة من رجال الأعمال الأتقياء،‮ ‬ويقصد بالتقوي هنا ما أشار إلىه‮ "‬ولي نصر‮" ‬من اعتبار بناء مصنع شيئا أشبه بالصلاة‮.‬

(*) مجلة السياسة الدولية ، العدد 187 ،يناير 2012 ، ص 187


رابط دائم: