مقارنة سياسية:|رؤية أمريكية للصعود السلفي والتراجع الصوفي في مصر
19-1-2012

ناثان براون
* أستاذ مساعد في الدراسات الإسلامية والتفاهم المسيحي – الإسلامي في كلية الخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون

الأربعاء 18 -1-2012

عرض : ماجدة مجدي - باحثة في العلوم السياسية

تأتي التيارات السياسية التي تتخذ من الإسلام مرجعية لها في مقدمة القوى السياسية التي استفادت من الربيع العربي. أولا: بإسقاط الأنظمة السياسية الديكتاتورية التي كانت تمنع مختلف القوى السياسية، بما فيها الإسلامية، من ممارسة العمل السياسي والنزوح إلى الشارع، متخذة من التخوفات الغربية من تلك القوى، خاصة الإسلامية، ذريعة لقمعها، وحظر أنشطتها سياسياً وقانونياً. ثانيا: عبر إتاحة المجال للتنافس الانتخابي الحر أمام مختلف القوى، فكان الفوز من نصيب التيارات الإسلامية، كونها الأكثر جهوزية وخبرة بالعمل السياسي، وقرباً من "الدين"، أحد أهم مكونات الثقافة السياسية العربية. فتصدرت الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية قائمة الفائزين في الانتخابات التي شهدتها دول الربيع العربي خلال العام الماضي 2011 في تونس (حزب النهضة) والمغرب (حزب العدالة والتنمية) ومصر (حزبا الحرية والعدالة والنور السلفي ).

ويعني هذا الفوز تولي التيارات الإسلامية لزمام الأمور على المديين القريب والمتوسط. ومن ثم، أضحي من الأهمية بمكان التعرف على خلفياتها الفكرية، ومناقشة برامجها، خاصة في ظل أن بعضها لم يكن فاعلاً في العمل السياسي إلا بعد قيام الثورات العربية، وهو ما ينطبق على التيارات السلفية والصوفية في مصر.

وهو الأمر الذي يضفي أهمية على الدراسة التي أعدها "جوناثان براون" والصادرة عن مؤسسة كارنيجى للسلام الدولي تحت عنوان "السلفيون والصوفيون في مصر" في ديسمبر2011.

وتنبع أهمية تلك الدراسة من أربعة جوانب رئيسية، أولها: مناقشة تطور الفكر السلفي والصوفي، وهو أساس مهم في ظل قلة الإسهامات بهذا الشأن. ثانيا:إن الدراسة تتناول التطور الذي لحق بسلوك التيارات السلفية والصوفية في مصر بعد الثورة بوجه عام وسلوكها السياسي بوجه خاص. ثالثا: إن صدورها يأتي بعد حصول التيار السلفي على نسبة غير متوقعة مصريا وغربيا من مقاعد مجلس الشعب الموكول إليه اختيار اللجنة التأسيسية المسئولة عن وضع دستور ما بعد الثورة. وأخيرا: إن الدراسة صادرة من مؤسسة ذات باعٍ طويل في البحث السياسي.

مقارنة بين التيارين السلفي والصوفي

تناولت الدراسة نشأة التيار السلفي وتطور دوره في الحياة السياسية المصرية، مع التركيز على فترة ما بعد الثورة، وكذلك الحال بالنسبة للصوفية. وقد يكون مفيداً تناول الدراسة عبر عقد مقارنة بين التيارين من خلال عدة أوجه، متمثلة أولاً في النشأة، وثانياً في نمط التفاعل داخل كل تيار، وثالثاً في مدى الانتشار، ورابعاً في العلاقة مع المؤسسة الدينية الرسمية، وخامساً في طبيعة الدور السياسي بعد الثورة ، وهي مقارنة قائمة في الورقة، وإن كان بشكل غير مباشر .

وفيما يتعلق بالوجه الأول، فإن الصوفية أسبق في نشأتها من التيار السلفي. أما الوجه الثاني، حيث نمط التفاعل داخل كل تيار، فنجد أن المركزية الشديدة هي سمة الصوفية، وتتميز بالتسلسل الهرمي للقيادات، وتتمحور حول "شخص الشيخ أو المعلم الصوفي الذي يحدد إرشاده الروحي وبركته، وجهة أنشطة الطريقة وجوهرها الديني"، حيث يرث الابن منصب الأب الذي لا يشترط فيه أن يكون عالما في أمور الدين.

بينما التيار السلفي كانت اللامركزية صفته الرئيسية ليضم قطاعا واسعا من العلماء والمشايخ ومصدري الفتاوى التي قد يحدث خلاف بشأن مضمونها بين هؤلاء المشايخ. وجمعية أنصار السنة هي الممثل الأساسي والرئيسي للتيار السلفي.

وبالنسبة للوجه الثالث، فإن التيارين يتشابهان في الانتشار الواسع لهما في صفوف المصريين. فالتصوف متغلغل في الحياة الدينية المصرية بصورة تجعل "من الصعب تجنب المشاركة في بعض مظاهر الصوفية"، بحيث يقدر أحد مشايخ الصوفية عدد المتصوفين بخمس المواطنين المصريين.

في حين أن التيار السلفي ينشط في محافظات الدلتا والإسكندرية، كما في الصعيد على يد الجماعة الإسلامية التي تتطابق أفكارها مع التيار السلفي باستثناء عدم وجود علاقة بين التيار السلفي في الدلتا وأعمال العنف التي قامت بها الجماعة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي، ثم تراجعت عن تبنيها للعنف عام 2002.

وعن العلاقة بين التيارين السلفي والصوفي والمؤسسة الدينية الرسمية (الأزهر الشريف)، أشارت الدراسة إلى أن علاقة الطرق الصوفية بالمؤسسة الدينية الرسمية أكثر قوة من علاقة الأخيرة بالتيار السلفي. فكل من شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية من زعماء الطرق الصوفية، وقد أيّد الأول تشكيل الرابطة الصوفية العالمية. ولكن هذا لا يعني انقطاع الصلة بين التيار السلفي والأزهر، فبعض شيوخ السلفية هم علماء في الأزهر.

الثورة والعمل السياسي الصوفي والسلفي

يُعد الدور السياسي للتيارين بعد الثورة النقطة الأبرز في الدراسة، لأنه يبين مدى التطور في السلوك السياسي للتيارين، ومدى فاعلية هذا السلوك في التأثير فى مجريات المشهد السياسي المصري.

تشير الدراسة إلى أن مناخ ما بعد الثورة دفع التيارين إلى الاهتمام بالشأن السياسي والسعي للتأثير فيه بالوصول إلى السلطة عبر إنشاء أحزاب سياسية. فكان حزبا التحرير المصري وصوت الحرية ممثلين للصوفية،  وأحزاب النور والأصالة والفضيلة ممثلة عن التيار السلفي.

والتطور الملاحظ هنا يتجلى في أن كليهما لم يكن يبدي في السابق اهتماما بالشأن السياسي، فالتيار السلفي كان يتبنى رؤىً تعارض الوقوف في وجه الحاكم، حتى لو كان ظالما، ما دام على دين الإسلام. وظهرت بعض الدعوات في بداية الثورة لترك ميدان التحرير، منعاً لإراقة دماء المسلمين، وهي دعوات لم يؤيدها كل علماء التيار السلفي .

وعن مدى فاعلية السلوك السياسي لكل تيار في التأثير فى المشهد السياسي المصري، ألقت الدراسة الضوء على القدرة على التأثير وليس تقييم هذا التأثير، إيجابياً كان أم سلبيا. فأوضحت أن التيار السلفي أثار اهتماما وجدلا في الأوساط المصرية والعالمية، سواء بتصريحات لقادته، أو باتهامات له بالتورط في حوادث عنيفة، كاتهام التابعين له بالهجوم على بعض الأضرحة الصوفية، والتورط في الهجوم على كنيستي إمبابة في مايو 2011 وكنيسة الماريناب في أكتوبر 2011. وهي اتهامات تم إنكارها من جانب قادة السلفيين وتأكيد إدانة تلك السلوكيات .

ثم خطى التيار السلفي، وتحديدا حزب النور، خطوة أكثر تقدما بالتوجه نحو مراعاة الرسائل الموجهة للرأي العام، أولا: عبر صياغة برنامج للحزب يتسم بالبرجماتية، ومخاطبة القضايا الأساسية للمواطن المصري، حيث طالب بالفصل بين السلطات واحترام وتطبيق القانون المصري، وضرورة توفير الخدمات التعليمية والصحية بما يحقق العدالة الاجتماعية. ثانياً: بتأكيد أن بعض التصريحات الصادرة عن المرشح المحتمل للرئاسة، حازم صلاح أبو إسماعيل، حول المرأة والأعمال الفنية الفرعونية لا تعبر عن توجهات الحزب.

وجاءت نتائج الانتخابات التي احتل فيها التحالف الإسلامي بين الأحزاب السلفية وحزب البناء والتنمية، الممثل للجماعة الإسلامية، المركز الثاني بعد التحالف الديمقراطي، بزعامة حزب الحرية والعدالة، لتثبت مدى قوة تأثير ووجود التيار السلفي في المشهد السياسي المصري.

وفي مقابل ذلك، كان دور التيارات الصوفية عادة ما يأتي كرد فعل لسلوك التيارات الإسلامية الأخرى. فقد اتخذت الصوفية موقف تأييد كتابة الدستور قبل إجراء الانتخابات، متحالفة مع أصحاب الاتجاه الليبرالي، فيما كانت التيارات الإسلامية الأخرى متوحدة على أسبقية الانتخابات على وضع الدستور. ثم اتجهت لتأييد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حين تزايدت الانتقادات الموجهة له من جانب التيارات الإسلامية، نتيجة طريقة إدارته للمرحلة الانتقالية. ومع بداية الانتخابات البرلمانية، اتخذت الطرق الصوفية موقفا مؤيدا للكتلة المصرية (تحالف انتخابي واسع من أحزاب ذات توجه ليبرالي ويساري ). 

استنتاجات الدراسة

خلصت الدراسة إلى ثلاثة استنتاجات رئيسية، هي على النحو التالي:

أولا: إن الحضور السلفي سياسيا أقوى من نظيره الصوفي، وهو ما أرجعه براون إلى أن الصوفية جزء من الحياة المصرية العادية غير المسيسة، وإلى العلاقة القوية بالمؤسسات الدينية الرسمية، مما يصعب معه معارضة السلطة القائمة.

ثانيا: إن دخول التيارات السلفية معترك السياسة طوّر من سلوكها السياسي ليكون أكثر برجماتية ومراعاة للرأي العام.

إلا أن هذا الاستنتاج ليس مطلقا، فلا تزال تصريحات قادة التيار السلفي تثير الجدل والمخاوف، التي كان أحدثها رفض مدنية الدولة، والقول بضرورة أن تكون المرجعية الإسلامية ظاهرة في مبادئ الدولة وأهدافها، مع عدم القبول بتولي غير المسلم رئاسة الجمهورية.

ثالثا: إن قمع الطموحات السياسية السلفية سيكون خطوة غير حكيمة، خاصة بعد فوز التيار السلفي بحصة من الإدارة السياسية عبر انتخابات ديمقراطية.


رابط دائم: