حلول آمنة :|لماذا لا نزال في حاجة إلى الطاقة النووية؟
21-1-2012

إرنست مونيز
* أستاذ الفيزياء ومدير مبادرة الطاقة لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا

الاثنين 16 - 1- 2012

عرض: رضوى عمار باحثة دكتوراه في العلاقات الدولية  بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية-جامعة القاهرة

أثار الضرر الذي لحق بالمنشآت النووية اليابانية، نتيجة الزلازل الذي ضربها العام الماضي، وألحق أضرارا بالغة بثلاثة مفاعلات، عانت على الأقل بشكل جزئي انهيار مخازن الوقود، وتسربا إشعاعيا، لكنه على مستوى أقل نسبياً مما حدث في تشرنوبل، مزيدا من الجدل بشأن سلامة الاعتماد على الطاقة النووية واستخداماتها كأحد مصادر الطاقة النظيفة.

وفي هذا السياق، نعرض لدراسة بعنوان" لماذا لا نزال في حاجة للطاقة النووية؟: خلق طاقة نظيفة آمنة ويمكن تحمل تكلفتها  Why We Still Need Nuclear Power: Making Clean Energy Safe and Affordable"، ؛ أعدها إرنست مونيز أستاذ الفيزياء ومدير مبادرة الطاقة لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في مجلة الشئون الخارجية في عددها عن شهري نوفمبر / ديسمبر 2011 .

ردود الفعل الدولية

يلاحظ "مونيز" أن المجتمع الدولي قد ارتبك إثر هذه الكارثة، وهو ما ترتب عليه العديد من ردود الفعل. فعلى سبيل المثال، أعلنت ألمانيا الإسراع في وقف تشغيل مفاعلاتها النووية، وهو ما جاء بدعم شعبي واسع النطاق، كما أعلنت اليابان عن تصريح مشابه.

من ناحية أخرى، كان هناك نهج تدريجي في الولايات المتحدة الأمريكية نحو تقليل الاعتماد على المحطات النووية الجديدة، رغم أن الطاقة النووية هي المصدر الأكبر للكهرباء الخالية من الكربون في الدولة. علاوة على أن توليد الطاقة النووية رخيص نسبياً وبتكلفة أقل، تصل إلى أقل من سنتين لكل كيلووات في الساعة للعمليات، والصيانة والوقود.

يدعم ذلك استخدام الطاقة النووية لتوفير الكهرباء النظيفة والموثوق بها، مقارنة بالمصادر الأخرى مثل الغاز الطبيعي، ومحطات الفحم، والرياح، الطاقة الشمسية، والطاقة الكهرومائية. ورغم ذلك، تواجه الطاقة النووية عددا من التحديات من حيث السلامة، وتكاليف البناء، وإدارة النفايات.

وبعد أحداث فوكوشيما، قامت اللجنة الأمريكية لتنظيم الطاقة النووية The U.S. Nuclear Regulatory Commission، والتي تُعد وكالة فيدرالية مستقلة تعمل كجهة ترخيص للمفاعلات النووية، باستعراض الاحتياجات التنظيمية لهذه الصناعة، وإجراءات التشغيل، وخطط مواجهة حالات الطوارئ، ومتطلبات التصميم والسلامة، وإدارة الوقود المستنفد.

وترى الدراسة أنه لا شك فى أن هذه اللجنة سوف تنتقد عددا من التوصيات الناتجة عن ذلك، وأن تكلفة التعامل مع الطاقة النووية في الولايات المتحدة الأمريكية سوف ترتفع حتماً. فهذه المحطات تقترب نهاية مدة ترخيصها الأولى منذ 40 عاماً، وهي تفتقر إلى بعض مزايا السلامة الحديثة، ومن ثَم سوف تواجه المزيد من التدقيق بشأن فترات تراخيصها.وهو ما يأتي من منطلق إنه إذا كانت هناك رغبة في الاستفادة من الطاقة النووية في الولايات المتحدة الأمريكية، فلا بد من التغلب على كل هذه العقبات. فعندما يتعلق الأمر بالسلامة، لا بد من إعادة النظر في شروط تصميم المفاعلات النووية.

أما بالنسبة للتكلفة، فالحكومة والقطاع الخاص في حاجة للمُضي قدماً نحو تصاميم جديدة تُقلل من المخاطر المالية لبناء محطات طاقة نووية. كما يتعين استبدال نظام آخر أكثر كفاءة في التخلص من النفايات بشكل آمن وتخزينها لعدة قرون بنظام إدارة النفايات النووية.

أكثر أمناً وأقل تكلفةً في السعر

يعد التسونامي الذي شهدته اليابان في مارس أول حدث خارجي - بمعنى آخر كارثة طبيعية- يؤدي إلى إصدار نشاط إشعاعي من محطات الطاقة النووية. فالموجات التي وصل ارتفاعها إلى الـ14 مترا كانت أكبر مرتين من الارتفاع الذي كان مصمما لتتحمله محطة فوكوشيما Fukushima، وهو ما جعل المحطة المغمورة بالفيضانات منعزلة عن إمدادات الدعم اللوجيستي الخارجي، فضلاً عن إمدادات الطاقة التي تحتاج إليها لتبريد المفاعل وجمع الوقود المستنفد.

وهو ما أثار حديث البعض عن أنه على الرغم من ندرة مثل هذه الكوارث الطبيعية، فإنه كان ينبغي التخطيط لتلافيها في تصميم المفاعل؛ فقد شهد حزام النار في المحيط الهادي عشرات الزلازل التي يتراوح مقياسها ما بين 8.5 و9.5 في المائة سنة الماضية.

وقد سجلت اليابان أكبر معدل تسونامي في العالم، حيث وصلت أمواجه أحياناً إلى 30 متراً. فقد شهد علم الزلازل ومخاطر الفيضانات تقدماً هائلاً خلال السنوات الأربعين الماضية، منذ تدشين مفاعل فوكوشيما، وهذه المعرفة الهائلة لابد من الاستعانة بها، ليس فقط في تصميم المحطات الجديدة، لكن أيضاً لإعادة النظر في متطلبات المحطات القديمة، كما حدث في فوكوشيما قبل التسونامي.

وفي هذا الإطار، أشارت الدراسة إلى أن اللجنة الأمريكية لتنظيم الطاقة النووية أوصت بأن يقوم العاملون في محطات الطاقة النووية بإعادة تقييم مخاطر الزلازل والفيضانات كل عشر سنوات، وتغيير تصميم المحطات، وإجراءات تشغيلها.كما اقترحت قواعد تنظيمية تتعلق بأن تكون محطات الطاقة النووية في مكان يسمح لها بالبقاء الآمن، إذا ما انقطعت عنها الطاقة لمدة تصل إلى ثلاثة أيام. كما أنها أصدرت توصيات أخرى تتناول قضايا مثل الغاز القابل للاحتراق، ومراقبة جمع تخزين الوقود المستنفد.

وتذكر الدراسة أن هذه المقترحات لا تعني أن اللجنة الأمريكية لتنظيم الطاقة النووية لا تثق في سلامة المفاعلات النووية الأمريكية، إلا أن حادثة فوكوشيما دفعت إلى المزيد من الاحتياط، وتوصيات اللجنة لابد من الأخذ بها في أقرب وقت ممكن عملياً.

من ناحية أخرى، نجد أن اللوائح الجديدة سوف تفرض المزيد من التكاليف سواء للطاقة النووية، أو بناء محطات الطاقة النووية، إلى جانب الوقت الذي تستغرقه عملية البناء، والذي يعني أن شركات المرافق سوف يتراكم عليها المزيد من الرسوم المالية قبل أن تتمكن من بيع أي كهرباء. ويلاحظ أن بعض المرافق اتجهت إلى بناء مفاعلات أكبر، يمكنها أن تنتج 1.600 ميجاوات بدلاً من 1000 ميجاوات في محاولة لتحقيق وفورات الحجم، وهو ما زاد من تكلفة المشروعات، وضخم عواقب الأخطاء أثناء عملية البناء.

كل ذلك يُمكن أن يجعل محطات الطاقة النووية تبدو وكأنها استثمارات محفوفة بالمخاطر. ورغم ذلك، تتمتع الطاقة النووية بتكاليف تشغيل أقل، الأمر الذي يُمكنها من المنافسة.

حلول صغيرة

تحت هذا العنوان، ذكرت الدراسة أن التحديات المعنية بتحقيق السلامة، وتكلفة رأس المال الخاصة بمحطات الطاقة النووية التقليدية، يمكن أن تكون كبيرة، إلا أن هناك أملا في معالجتها من خلال الأنواع الجديدة من المفاعلات النووية، والتي يطلق عليها مفاعلات الوحدات الصغيرة Small modular reactors(SMRs).فهذه المفاعلات يمكن أن يتم إنتاجها في أي مكان في ما يتراوح من عشرة إلى 300 ميجاوات، بدلاً من 1000 ميجاوات التي ينتجها المفاعل النموذجي. كما أن المفاعل بالكامل، أو على الأقل الجزء الأكبر منه، يمكن صنعه في مصنع، وشحنه إلى موقع التجميع، حيث يمكن تركيب عدة مفاعلات معاً لإنشاء أكبر محطة للطاقة النووية. وتتسم هذه المفاعلات بالعديد من مزايا السلامة الجاذبة، فضلاً عما توفره من تكاليف مادية.

وفي هذا الإطار، تُشير الدراسة إلى أنه يمكن لشركة المرافق بناء قدراتها في الطاقة النووية خطوة خطوة، وإضافة مفاعلات أخرى حسب الحاجة، مما يعني أنها يمكنها توليد عائدات من مبيعات الكهرباء عاجلاً، وهو ما يساعد ليس فقط مالك المحطة، لكن يساعد أيضاً المستهلكين(العملاء)، الذين يكونون مطالبين بدفع أسعار أعلى اليوم لتمويل محطات الغد.

ويُلاحظ أنه على الرغم من المزايا التي رصدتها الدراسة فيما يتعلق بهذه النوعية الجديدة من المفاعلات، فإنها تؤكد أنه  لم يتم إعطاء  ترخيص لأي تصميم لهذه المفاعلات من قبل لجنة تنظيم الطاقة النووية، وأن هذه العملية سوف تستغرق وقتا طويلا، ومن ثَم من الصعوبة بمكان التعرف على التكلفة الحقيقية.

من ناحية أخرى، أشارت الدراسة إلى أن الميزانية الأمريكية تُعاني ضغوطا هائلة في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، وأنه من الصعوبة تصور أن يقوم دافعو الضرائب بتمويل تكنولوجيا نووية جديدة. إلا أن الولايات المتحدة إذا لم تلاحق خيارات الطاقة النظيفة الجديدة، فسوف تكون أقل قدرة على المنافسة في سوق التكنولوجيا العالمية في غضون عشر سنوات.

قضية النفايات

وفي هذا السياق، تُشير الدراسة إلى أن هناك أهمية لمواجهة تحديات إدارة النفايات النووية. فتوليد الطاقة النووية يتم من خلال انشطار اليورانيوم، تاركاً وراءه منتجات مشعة خطيرة، مثل السيزيوم، والسترونتيوم، فضلاً عن البلوتونيوم، وهو أثقل من اليورانيوم، وهذه العناصر يجب عزلها لفترات طويلة تصل إلى قرون.

وذكرت الدراسة أنه من الأهمية في هذا الوقت الوصول إلى حلول بشأن الجدل حول مزايا تدوير عناصر ما بعد اليورانيوم، فليس هناك خلاف حول أن معظم النفايات النووية تحتاج إلى العزل في أعماق الأرض. وقد أيدت الأوساط العلمية هذه الطريقة لعقود، إلا أن المشكلة تكمن في العثور على مواقع يتم فيها هذا العزل.

من ناحية أخرى، ذكرت الدراسة أن فوكوشيما أيقظت الرأي العام الأمريكي وأعضاء الكونجرس على مشكلة تراكم الوقود المستهلك المشع في برك تبريد مواقع المفاعل. وعرضت الدراسة أنه ينبغي على الكونجرس السماح باستخدام صندوق النفايات النووية لنقل الوقود المستهلك المتراكم في برك داخل مستودعات التخزين – براميل جافة قريبة- وذلك كوسيلة للتعامل مع الوضع الراهن، مع الأخذ في الحسبان أن هذه الخطوة ليست بديلاً عن نهج شامل لإدارة النفايات. فينبغي في نهاية المطاف أن يحفظ الوقود المستهلك في براميل جافة في عدد صغير من المواقع الموحدة التي تشكلها الحكومة، حيث يمكن للوقود أن يبقى لمدة قرن. على الجانب الآخر، أكدت الدراسة  أهمية أن تكون هناك خطط تتعلق بتخزين النفايات العسكرية.

الآن أو أبداً

أشارت الدراسة إلى الحاجة الملحة لتوليد الطاقة النظيفة، وأن الطاقة النووية تُمثل أحد الخيارات المطروحة في هذا الصدد. كما ذكرت أن دور الحكومة يتمثل في توضيح خيارات الطاقة النووية للقطاع الخاص. وخلصت إلى أن واشنطن يجب عليها التمسك بتقديم مساعدات محددة لبناء مفاعلات نووية جديدة في هذا العقد، وتقاسم الدروس المستفادة في هذه الصناعة. كما ينبغي أن تكثف من دعمها للتكنولوجيا الجديدة مثل مفاعلات الوحدات الصغيرة، وتطوير أدوات نمذجة الحاسوب المتقدمة.

وفيما يتعلق بإدارة النفايات، تحتاج الحكومة لإصلاح النظام الحالي، والتأكد من جدية التخزين طويل المدى. فالاهتمامات المحلية بشأن مرافق النفايات النووية لن تختفي بشكل سحري، فهي تحتاج إلى معالجة النفايات بشكل أكثر تعاوناً، وشفافية. وهذه الخطوات ليست سهلة، وأيً منها لن يحدث بين عشية وضحاها. فكل من الرأي العام وشركات الطاقة والمستثمرين يحتاج إلى الاطمئنان. فهناك حاجة إلى تطوير الطاقة النووية، ومواجهة المخاطر المتزايدة للتغير المناخي، وهو ما طال انتظاره. والمزيد من التأخير سوف يؤدي إلى المزيد من المخاطر.


رابط دائم: