إصلاحات وقائية:|لماذا لم تصل الثورات إلى الأنظمة الملكية العربية؟
17-1-2012

مارينا أوتاوى - مروان المعشر
* باحثة أولى بمؤسسة كارنيجى للسلام الدولي، وهي متخصصة في قضايا التحول السياسي في منطقة الشرق الأوسط وأمن الخليج- نائب رئيس للدراسات بمؤسسة كارنيجى للسلام الدولي، ويشرف على أبحاث المؤسسة في فرع المؤسسة في واشنطن وبيروت، والمتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط

الخميس 12 -1 -2012

عرض: سارة محمود خليل - باحثة في العلوم السياسية

تشهد المنطقة احتجاجات شعبية في إطار الربيع العربي، امتدت لتشمل الأنظمة الملكية العربية، وإن اختلفت حدتها من نظام ملكي لآخر. وفي الوقت الذي شهدت فيه مملكة البحرين احتجاجات واسعة شبيهة بتلك التي شهدتها دول الربيع العربي (تونس، مصر، ليبيا، اليمن، وسوريا) لم تشهد ملكيات عربية أخرى، كالأردن والمملكة العربية السعودية، مظاهرات واسعة النطاق كنظيرتها البحرينية. في حين اختلفت حدة المظاهرات في دول مثل: المغرب، وسلطنة عمان، والكويت، بينما لم تشهد كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر أي احتجاجات؛ لاتخاذ معظم الملكيات العربية إجراءات لاسترضاء مواطنيها، من خلال المنح المادية، واستحداث إصلاحات وقائية ضيقة.

وفي محاولة للوقوف على أسباب اختلاف الملكيات العربية في الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها، وكذا الجهود الإصلاحية، نشر مؤسسة كارنيجى للسلام الدولي في ديسمبر الماضي دراسة أعدها مارينا أوتاوى ومروان المعشر تحت عنوان "الأنظمة الملكية العربية.. فرصة للإصلاح لما تتحقق بعد".

تكمن أهمية الدراسة في ثلاثة اعتبارات رئيسية، أولها: حداثة موضوع الدراسة، في ظل عدم وفرة الدراسات العربية التي تتناول أسباب تلك الاحتجاجات التي شملت معظم دول المنطقة. ثانيها: إن الدراسة قدمت رؤية شاملة للاحتجاجات في النظم الملكية العربية، ورد فعل الأنظمة تجاهها. ثالثها: تقديم الدراسة رؤية لمستقبل تلك الاحتجاجات بتركيزها على دراسة حالة ثماني ملكيات، شاملة دول الخليج الست (البحرين، السعودية، قطر، سلطنة عمان، الإمارات، الكويت) بالإضافة إلى المغرب والأردن.

أسباب اندلاع الاحتجاجات

أوضحت الدراسة أسباب اندلاع الاحتجاجات بالملكيات العربية، وأشارت إلى اختلافها من مملكة إلى أخرى، تبعا للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل نظام ملكي. ويمكن بلورة تلك الأسباب فى ثلاثة اتجاهات رئيسية، هي على النحو التالي:

1- اتجاه اقتصادي: يُعد العامل الاقتصادي عاملا رئيسيا لاندلاع معظم الاحتجاجات في كثير من الملكيات العربية. ففي المغرب، اندلعت الاحتجاجات بسبب ارتفاع نسبة البطالة، وانخفاض معدلات النمو والفجوة بين الفقراء والأغنياء. وفي الأردن، طالب المحتجون بالمساواة الاجتماعية بدلاً من توجيه الإصلاحات الاقتصادية لصالح النخبة فقط، ونددوا بعجز الموازنة. بينما طالب المحتجون في البحرين بمزيد من المساكن وفرص العمل. وخلصت الدراسة إلى أن مشكلة البطالة هي العامل المشترك التي تسببت في كثير من الاحتجاجات في كل من المغرب والبحرين وعمان.

2- اتجاه سياسي: يتمثل في المطالبة بعدد من الإصلاحات السياسة والدستورية ومكافحة الفساد السياسي. ففي الأردن، كانت المطالب السياسية تتمثل في الدعوة إلى إعادة توزيع السلطة بين الأفرع الثلاثة للحكم، وطريقة اختيار رئيس الوزراء والحكومة، بالإضافة إلى الحد من دور أجهزة المخابرات في الشئون السياسية. أما في البحرين، فقد تمثلت المطالب السياسية في المطالبة بديمقراطية فاعلة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإقالة رئيس الوزراء. وتميزت الاحتجاجات في البحرين بطابع طائفي، حيث تظاهر الشيعة للمطالبة بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والاحتجاج ضد هيمنة نظام الحكم السني، بالرغم منة أن أغلبية السكان في البحرين شيعة.

وفي سلطنة عمان، طالب المحتجون بتوسيع صلاحيات مجلس الشورى. وتظاهر في المملكة العربية السعودية بضع المئات من الشيعة في مدينة القطيف للمطالبة بحقوقهم. وأيضا كانت الاضطرابات التي شهدتها الكويت بسبب الصراع السياسي القائم بين الأسرة الحاكمة والبرلمان.

3- اتجاه دستوري:حيث طالب المحتجون في البحرين بالتحول إلى ملكية دستورية حقيقية، في حين لم تصل مطالب المحتجين في النظم الملكية الأخرى إلى هذا الحد.

أسباب عدم حدوث ثورات في الملكيات:

أرجعت الدراسة أسباب عدم حدوث ثورات شعبية تعصف بالأنظمة الحاكمة في الملكيات العربية، كتلك التي شهدتها تونس ومصر وليبيا، منهية حكم ثلاثة أنظمة سلطوية (نظام بن علي في تونس، ومبارك في مصر، والقذافي قي ليبيا) وفي طريقها لإنهاء حكمي صالح في اليمن، والأسد في سوريا، إلى خمسة أسباب رئيسية، هي:

1-  ضآلة دور الحركات الاحتجاجية بالملكيات العربية: ففي المغرب، توجد حركة 20 فبراير، وهذه الحركة ترفض الاشتراك في المظاهرات، بالرغم من أنها لا تقبل شرعية النظام الملكي.

2-  عدم فاعلية النظام الحزبي: ويظهر ذلك في الأردن، حيث إن القوانين تعيق تشكيل أحزاب سياسية حقيقية.

3-  التأييد الشعبي للنظام:حيث تحظى بعض النظم الملكية بتأييد شعبي، مثلما حدث في الأردن وسلطنة عمان، فقد طالب المحتجون بإصلاحات سياسية يقودها الملك.

4-  الثقافة السياسية: يظهر تأثير العامل الثقافي من خلال موقف الجمهور السعودي من الاحتجاجات ونظرتهم إليها بطريقة سلبية، حيث أخفقت عدة محاولات قادها الشباب السعودي للدعوة إلى "يوم غضب".

5-  الرفاهية الاقتصادية:حيث غابت الاحتجاجات عن الملكيات ذات المستوى الاقتصادي والاجتماعي المرتفع، كما في الإمارات وقطر والسعودية.

إجراءات مواجهة الاحتجاجات:

أشارت الدراسة إلى تعدد الإجراءات التي اتخذتها النظم الملكية لمواجهة الاحتجاجات، وتتمثل في الآتي:

1- الإصلاح السياسي: اتخذت عديد من الملكيات العربية إصلاحات سياسية، من شأنها احتواء الاحتجاجات الشعبية التي بدأت إرهاصاتها في شوارع عديد من الملكيات العربية. وتتمثل تلك الإجراءات السياسية في الآتي:

-  التعديلات الدستورية :اعتمدت معظم النظم الملكية على التعديلات الدستورية للحد من الاحتجاجات. ففي المغرب، يعد الملك محمد السادس أول من تبنى أجندة إصلاحات سياسية، منذ اندلاع الاحتجاجات في المغرب في 20 فبراير، عبر تقديم إصلاحات محدودة من أعلى لأسفل، حيث أعلن عن وضع دستور جديد تعده لجنة من الخبراء يقوم بتعيينها بنفسه. واستهدفت التعديلات الدستورية تقييد صلاحيات الملك، بحيث تقتصر سلطاته من خلال تسمية رئيس الحكومة من الحزب الذي يفوز بالأغلبية، كما يحفظ الدستور للملك القرار في ثلاثة مجالات مهمة، هى الدين، والأمن، والقرارات السياسية الاستراتيجية.

وفي الأردن، عين الملك لجنة في 27 أبريل لاقتراح تعديلات دستورية، وقد تضمنت هذه التعديلات: إنشاء محكمة دستورية، وإنشاء لجنة انتخابية مهمتها تنظيم الانتخابات، وتحسين الحريات المدنية، والحد من التعذيب بجميع أشكاله، والحد من قدرة الحكومة على إصدار القوانين خارج دورة انعقاد البرلمان. ولا يمكن حل البرلمان دون استقالة الحكومة، وتحديد صلاحيات محكمة أمن الدولة.

ومن جانبها، أعلنت السلطات السعودية عن تشكيل لجنة لمكافحة الفساد، واتخذت بعض الإجراءات لتحسين كفاءة السلطة القضائية. وفى الإمارات، أمرت الحكومة بزيادة عدد الأعضاء المنتخبين في المجلس الوطني الاتحادي الذي يعد دوره استشاريا. وفى قطر، أعلن الأمير حمد بن خليفة آل ثاني أنه سيجرى التنافس على ثلثي مقاعد مجلس الشورى للمرة الأولى في انتخابات عام 2013 .

حل البرلمان وإقالة الحكومة: ويظهر ذلك بوضوح في الكويت، حيث استقالة الحكومة الكويتية، وتم عزل رئيس الوزراء "الشيخ ناصر المحمد الصباح"، وحل البرلمان، طبقاً لما طالب به المتظاهرون في محاولة من الحكومة للاستجابة لمطالبهم لتهدئة الاحتجاجات.

التظاهر بإشراك المعارضة في الحكم: ففي المغرب، أمر الملك بتشكيل لجنة أطلق عليها "آلية الرصد"، وهى تمثل حلقة وصل بين واضعي الدستور والأحزاب والنقابات العمالية. واقتصرت المشاركات على تقديم مسودات دستورية واقتراحات معينة، وتوقفت عند ذلك الحد .

تحسين قواعد الانتخابات: ففي المغرب، أمر الملك بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة. وفى الأردن، عين الملك لجنة لمناقشة نظام الاقتراع. أما في الإمارات، فقد سمحت الحكومة بزيادة عدد المواطنين الذي يسمح لهم بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات.

إعطاء المرأة بعض الحقوق: حيث تم السماح للمرأة في السعودية بالتصويت والترشح للانتخابات البلدية المقبلة التي ستجرى في عام 2015.

2 - الإصلاح الاقتصادي:اعتمدت جميع النظم الملكية بلا استثناء على المنح المادية لمواجهة الاحتجاجات، وإن اختلف مقدار هذه المنح من نظام ملكي لآخر. فقد حاول الملك في البحرين إعطاء منح مادية للمحتجين، ولكنه فشل لأن مطالبهم كانت سياسية أكثر منها اقتصادية.

وفى السعودية، اتخذ الملك عدة تدابير اقتصادية، فقد تم إنفاق كمية هائلة من المال لزيادة الرواتب والمزايا الإسكانية، والدعم المادي لمجموعة من المؤسسات. بينما ركزت الإمارات على تحسين الظروف المعيشية في المناطق الأكثر فقراً والأقل نمواً في الشمال .

3 - التدخل الخارجي: ظهرت صوره في طلب الحكومة البحرينية في مارس قوات خارجية خليجية لمواجهة الاحتجاجات الشعبية. وتعد البحرين الدولة الوحيدة من بين الأنظمة الملكية التي تم فيها تدخل خارجي لقمع الاحتجاجات، حيث تم الدفع بنحو 2000 جندي من قوات درع الجزيرة، التابعة لمجلس التعاون الخليجي، وكان معظمهم من السعودية والإمارات. وكذلك، رأت الولايات المتحدة الأمريكية أن المفاوضات هي السبيل الوحيد لحل الأزمة في البحرين، وذلك للحفاظ على مصالحها في البحرين.

4- الرجوع إلى الدين: ويظهر ذلك جلياً من خلال محاولة الحكومة السعودية استغلال الدين للحد من الاحتجاجات السياسية. وفى المغرب، يعد الملك "أميراً للمؤمنين"، مما يدعم شرعيته وسلطته.

موقف بعض الملكيات العربية من الثورات العربية:

أشارت الدراسة إلى موقف بعض الملكيات من الانتفاضات العربية الأخرى، وقد ركزت على دور كل من قطر والسعودية، وموقفهما من التغيير والثورات في عدد من الدول العربية.

فعن موقف المملكة العربية السعودية، أشارت الدراسة إلى أنها سهلت خروج عبد الله صالح من السلطة في اليمن، بالإضافة إلى أنها دعمت التدخل الغربي في ليبيا للإطاحة بالقذافى. وعن موقفها من الاحتجاجات في سوريا، فقد صوتت لتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، في حين أنها تجاهلت الانتفاضة البحرينية بوصفها نتيجة للتدخل الإيراني؛ ولذا فقد أرسلت ما يقرب من 1200 جندي كجزء من عملية درع الجزيرة بالبحرين.

من جانبها، لعبت قطر دوراً محورياً في فترة الربيع العربي، حيث إنها سعت للتوسط بين الحكومة والمحتجين في اليمن وسوريا، كما أنها كانت أحد المحركين الرئيسيين لقرار جامعة الدول العربية بطرد سوريا في نوفمبر. بالإضافة إلى أنها قدمت مساعدات بقيمة 500 مليون دولار لمصر من أجل دعم العملية الانتقالية. وأخيراً، وفرت تدريباً عسكرياً وأسلحة للمتمردين الليبيين في بداية الانتفاضة.

مستقبل الاحتجاجات في الملكيات العربية:

وأخيراً، ألقت الدراسة الضوء على مستقبل الاحتجاجات في الملكيات العربية. فمن المتوقع اندلاع احتجاجات في الأردن من وقت لآخر. فالحكومة لا تزال تفتقر لاستراتيجية شاملة للإصلاح السياسي، لذا يجب التفاهم المشترك بين جميع القوى الرئيسية في المجتمع.

وبحرينيا، تتوقع الدراسة بالنسبة لمستقبل الاحتجاجات البحرينية أنها قد تصل إلى درجة يصعب على الملك أن يسيطر عليها، خصوصاً في ظل التدخل الإيراني لدعم الشيعة، وعدم إشراك المعارضة.

وعن مستقبل الاحتجاجات في سلطنة عمان، قالت الدراسة إنه بالرغم من أنها شهدت بعض الاحتجاجات، فإنها لا تزال تتمتع بالاستقرار. وفى السعودية، وبالرغم من الطابع المحدود للاحتجاجات، فلا تزال الحكومة قلقة من احتمال أن تصل إليها احتجاجات الربيع العربي. وأما عن قطر والإمارات، فلم تتعرضا لخطر الاحتجاجات، لذا فليس هناك أي مظاهر تدعو حكومتيهما إلى قلق في المستقبل. وبالنسبة للكويت، فلا يزال الصراع قائما بين البرلمان والأسرة الحاكمة، في ظل غموض الموقف السياسي.


رابط دائم: