التأرجح:|موقف دول الخليج العربي من ثورة 25 يناير في مصر
11-3-2012

السفير د. عزمي خليفة
* دبلوماسي سابق ، مستشار رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري.

أدى مجموع التغيرات التي تعرضت لها دول الخليج العربية، خلال العقدين الماضيين، إلى زيادة حساسية هذه الدول لأي تطورات جديدة في المنطقة قد يكون لها مردود على أمنها القومي‮. ‬وقد تجلي هذا‮ - ‬وفق تقدير سائد في المنطقة‮ - ‬في موقفها من الثورات العربية، خاصة المصرية، حيث تأرجح رد الفعل الخليجي على الأخيرة بشدة بين دعم مصر الثورة، وإنقاذ الرئيس السابق من المحاكمة‮.‬ وجاء قرار دول مجلس التعاون الخليجي، في الوقت نفسه، بفتح باب العضوية أمام الأردن والمغرب ليزيد الموقف‮ ‬غموضا، خاصة أن اليمن لم ينجح في اكتساب عضوية المجلس، رغم محاولات استمرت أكثر من ربع قرن‮.‬

في هذا الإطار، ظل السؤال الكبير يدور طوال الوقت حول موقف دول الخليج العربي من الثورة المصرية، وهو ما يمكن رصد عدة نقاط بشأنه، توضح نقاط التلاقي المفترضة في النهاية، خاصة أن مصر تمثل قلب النظام العربي، وفاعلا قريبا من النظام الخليجي، كالتالي‮:‬

أولا‮- ‬المشكلات الأمنية المتتالية في الخليج‮:‬

عودة إلى السبعينيات، فقد كان للحظر البترولي الناجح الذي طبقته الدول العربية المنتجة للنفط، أثناء حرب أكتوبر‮ ‬1973،‮ ‬أثر كبير في إدراك الدول الخليجية لأهمية دورها وثروتها على السواء‮. ‬لكن تطورات العقود التالية لهذه الحرب‮: ‬الحرب العراقية‮ - ‬الإيرانية، احتلال العراق للكويت، الحملة المعادية للإسلام عقب أحداث‮ ‬11‮ ‬سبتمبر ‮ ‬2001، والغزو الأمريكي للعراق في ‮ ‬2003، أثرت سلبا في قدرات دول الخليج على التأثير في الأحداث، وأبرزت مدى انكشاف أمنها القومي، وحاجتها لبناء منظومة جديدة لحماية أمنها وثروتها‮.‬

ففي بداية الثمانينيات،‮ ‬وجدت دول الخليج نفسها بين شقي الرحى العراقية‮ - ‬الإيرانية، وتعرضت تلك الدول لضغط استراتيجي قبل أن تتحول لدعم العراق ضد إيران، لأسباب مختلفة، قبل أن يؤدي قيام العراق بعد ذلك باحتلال الكويت عام‮ ‬1990‮ ‬إلى استدعاء قوات دولية، لإزالة آثار العدوان العراقي‮.‬ وكان لذلك بدوره أثر كبير في إحداث انقسام حاد في المنطقة العربية، وفي تحول علاقة الخليج بالقلب العربي، ممثلا في مصر، من تعاون عربي عضوي في إطار نظام إقليمي، إلى علاقة بائع ومشتر للأمن‮. ‬وتراجع التعاون من المستوى القومي،‮ ‬كما كان عام‮ ‬1973،‮ ‬إلى مستوى وطني يتمثل في العلاقات الثنائية بين دولتين، ثم إلى المستوى العائلي والشخصي‮. ‬وقد أثر كل ذلك سلبا في علاقات دول الخليج بمصر، باعتبار أن هناك من يستطيع توفير الدعم الأمني بشكل أفضل‮.‬

ولقد أدى الاحتلال الأمريكي للعراق عام‮ ‬2003‮ ‬إلى تغلب صيغة النظام الإقليمي‮ "‬الشرق‮ - ‬أوسطي‮" ‬على صيغة النظام‮ "‬الإقليمي العربي‮"‬، وواكب ذلك تصاعد النفوذ الإيراني‮. ‬تمثل ذلك في وصول الذراع الإيرانية إلى لبنان عن طريق حزب الله، وغزة عن طريق حماس، وفي دعم إيران لتيارات سياسية معينة في دول الخليج، استنادا إلى وحدة المذهب‮.

وقد زادت تطورات الملف الإيراني النووي من إحساس دول الخليج العربية بالانكشاف الأمني، حيث إن جميع الحلول المطروحة لهذا الملف تأتي على حسابها‮. ‬فإذا تم حله دبلوماسيا، فإن ذلك يعني تقديم واشنطن تنازلات لإيران في منطقة الخليج‮. ‬أما إذا تم اللجوء إلى الحل العسكري، فسوف تكون دول الخليج في قلب الانفجار الذي قد يمتد ليشمل المنطقة كلها‮.‬

وقد انقسمت دول الخليج فيما بينها على كيفية مواجهة هذا‮ "‬الانكشاف الأمني‮"‬،‮ ‬وبدأ هذا الانقسام في قمة الدوحة لدول مجلس التعاون الخليجي، نتيجة مشاركة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، ودعوته لإقامة منطقة أمنية خليجية‮. ‬وتركز الاختلاف حول الاكتفاء بتوقيع اتفاقيات دفاعية ثنائية مع واشنطن، أو الانضمام إلى مبادرة اسطنبول التي طرحها حلف شمال الأطلنطي‮. ‬وقد انضم إلى هذه المبادرة بالفعل البحرين، والإمارات، وقطر، والكويت، في حين لا تزال السعودية وعمان تعارضانها‮. ‬وأدي ذلك إلى الشعور‮ - ‬خليجيا‮ - ‬بثقل الأزمة الأمنية‮.وكانت تفاعلات دولية مهمة كالسباق النووي في جنوب آسيا بين الهند وباكستان، أو تداعيات أحداث‮ ‬11‮ ‬سبتمبر‮ ،‮ ‬قد أضافت تعقيدات مختلفة لمعادلات وضغوط الأمن في الخليج‮.‬

ولقد أدى اندلاع ثورات الربيع العربي إلى زيادة شعور دول الخليج بأن أمن المنطقة قد بات مهددا أكثر من ذي قبل، خاصة بعد اندلاع اضطرابات البحرين التي قادت إلى دخول قوات درع الجزيرة إليها، ووصول الثورة إلى اليمن، أي إلى الحدود الجنوبية‮ - ‬الغربية للمملكة السعودية‮. ‬وكان ذلك يعني‮ - ‬في بعض ما يعنيه‮ - ‬مشاكل أمنية جديدة، في عصر تجتاحه قيم العولمة والحداثة، تحت العنوان نفسه، وهو أمن الخليج، الذي بدت كل التحولات المحيطة به وكأنها تؤثر فيه سلبيا، مما جعل الدول الخليجية حساسة تجاه التغيرات الحادة المحيطة بها‮.‬

ثانيا‮- ‬الاتجاه شرقا هدفا للسياسة المصرية‮:‬

من ناحية أخرى، فإنه على الرغم من أن تخطيط سياسة مصر الخارجية أضحي في حاجة ملحة إلى إعادة نظر، فإن الدائرة الأولي الأكثر أهمية تظل الدائرة العربية،‮ ‬مع توسيع نطاقها،‮ ‬لتشمل دول الجوار، وهي تركيا وإسرائيل، وإيران،‮ ‬بالإضافة إلى إثيوبيا ودول حوض النيل التي تمثل عصب الأمن القومي المصري‮.

‬وفي هذا السياق،‮ ‬تستند علاقات مصر بدول الخليج داخل النظام الإقليمي العربي إلى مفهومين‮: ‬المفهوم الجغرافي الذي يشير إلى أن مصر دولة مجاورة لدول الخليج العربي، والمفهوم الاستراتيجي الذي يؤكد أن مصر دولة خليجية، نتيجة ثوابت الجغرافيا ومتغيرات التاريخ، مما أدى إلى انحياز سياستها الخارجية تجاه المشرق العربي والخليج‮.‬

كان الافتراض الدائم هنا هو أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن العربي،‮ ‬وإقرار الأمن‮  ‬في الخليج يتطلب إقراره في المناطق المتاخمة له كالمشرق العربي ومصر‮. ‬والدليل على ذلك أن حرب اليمن ومحاولة الانفصال فيها عام‮ ‬1994‮ ‬أثرت في أمن الخليج‮.‬ كما أن السياسة السورية كانت أيضا تلقي بظلالها على الخليج‮. ‬وفي ظل ذلك،‮ ‬فإن من المؤكد أن تفاعل السياسة المصرية مع الدول الخليجية يصب في صالح الطرفين، وفي صالح دعم الأمن العربي، أو مابقي منه، إجمالا‮. ‬وهناك عدة قنوات لدعم هذا التفاعل،‮ ‬هي‮:‬

1- إن قناة السويس تعد شريانا حيويا للدول الخليجية، نتيجة مرور ثلثي إنتاج دول الخليج من البترول عبرها، ومن ثم تعد‮ - ‬إضافة إلى هرمز وباب المندب‮- ‬ممرات مائية مهمة تعالج في وحدة واحدة في جميع دراسات الأمن الخليجي‮. ‬يضاف إلى ذلك ويدعمه أن السعودية واليمن تشاركان مصر في شواطئ البحر الأحمر، وبالتأكيد لا يمكن الحديث عن أمن الضفة الشرقية للبحر الأحمر بمعزل عن أمن ضفته الغربية، أي أن أمن مصر مرتبط ارتباطا وثيقا بأمن الخليج‮.‬

إن ذلك يفسر كثيرا من المواقف المصرية في هذه المنطقة الحيوية‮. ‬فقد لعبت مصر دورا في دعم استقلال الكويت عام‮ ‬1961،‮ ‬وفي محاولة نزع فتيل الأزمة بين الكويت والعراق قبيل الغزو العراقي، وشاركت في حرب تحرير الكويت، وهي المشاركة التي سمحت للدول العربية بالمشاركة بعد ذلك‮. ‬ثم بلورت الموقف القائم على تحرير الكويت دون دخول الأراضي العراقية،‮ ‬ودون المشاركة في الحرب على العراق فيما بعد، كما انضمت إلى مجموعة‮ ‬6‮+‬2‮+‬1‮ ‬التي تحولت فيما بعد إلى‮ ‬6‮+‬3‮+‬1‮ (‬دول الخليج الست ومصر، والأردن، ثم العراق،‮ ‬وأخيرا الولايات المتحدة‮) ‬المعنية بأمن الخليج‮.‬

2- إن هناك أعدادا كبيرة من العمال المصريين بالخليج، فقد شهدت سبعينيات القرن العشرين هجرة أعداد كبيرة من المصريين إلى دول الخليج العربي، وفي الموجة الثانية لعمل المصريين بالخارج بعد الموجة الأولي التي بدأت في عشرينيات ذلك القرن لدعم نهضة هذه الدول، وجسدتها إعارات من الحكومة المصرية للنهضة بالتعليم، ولتنظيم الجمارك، أو لدعم الإدارة الحكومية‮. ‬وكانت مصر تتحمل أغلب أو كل نفقاتهم ورواتبهم‮.‬
وبالرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة لعدد المصريين في الخارج لدي الجهات الحكومية المصرية المختصة، وأماكن هجرتهم، فإن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء قدر في مايو‮ ‬1999‮ - ‬على سبيل المثال‮ - ‬حجم‮ "‬العمال‮" ‬المصريين في الخارج بنحو ‮ ‬3.5 ‬مليون، منهم نحو 2.8‮ ‬مليون شخص في الخليج إجمالا، وهي تقديرات تقل كثيرا عن الأعداد الموجودة بالفعل لوجود عمالة مؤقتة لم تؤخذ في الحسبان‮.‬ فإذا افترضا أن كل مواطن يعول أربعة أشخاص في المتوسط، فإن عدد المصريين الذين ترتبط اقتصاداتهم بالخليج يتعدي‮ ‬6‮ ‬ملايين مواطن‮.‬

    هذا الوجود المصري في الخليج يعد مهما لمصر، لأنه يمثل جسرا للتواصل الإنساني والاجتماعي بين أبناء الشعب المصري وأبناء الشعوب الخليجية، مما يكون على المدى البعيد أساسا لقبول عام يمهد لتبادل أوسع للمصالح المشتركة بين الجانبين‮.‬كما أن لهذا الوجود المصري مردود إيجابي على ميزان المدفوعات، إذ إن تحويلات المصريين في الخارج فاقت قيمة الصادرات المصرية بثلاث مرات خلال الفترة من‮ ‬1984‮ ‬إلى ‮4991. ‬وقد بلغت قيمتها عام 1998/1999 - ‬وفقا لبيانات البنك المركزي‮ - ‬نحو  3‭.‬3 ‬ مليار دولار، بينما كانت حصيلة الصادرات البترولية مليار دولار فقط، وهو ما دفع د.جمال حمدان إلى أن يشير لهذه الظاهرة في موسوعته‮ "‬شخصية مصر‮" ‬بالقول‮:‬

    إن تدفق تحويلات المغتربين يضخ في الاقتصاد الوطني دخلا ضخما يناهز عشر الدخل القومي، بحيث بدأ يغير أبعاده واتجاهاته بقدر أو بآخر، كما أخذ يعيد تركيب المجتمع المصري،‮ ‬ويعيد ترتيب طبقاته إلى حد مماثل‮.. ‬كما أن آثار التحويلات لم تقتصر على طبقة أفقية واحدة، وإنما انتشرت لتشمل نظاما رأسيا كاملا من طبقات المجتمع المصري جميعا، وعلى وجه التقريب ابتداء من الحرفيين والفلاحين، حتى المثقفين والمهنيين والتجار‮.‬ ولذا،‮ ‬جاء تأثير التحويلات الطبقي أكثر تعقيدا وتلونا، مثلما تسرب إلى القري والريف، ولم يقتصر على المدن، وإن كان قد تركز فيها بالطبع‮.‬ إضافة لذلك، فقد أسهم استيعاب منطقة الخليج لأعداد كبيرة من المصريين والقوى البشرية المصرية في التقليل من نسبة البطالة المحلية، وخفف من العبء الملقي على عاتق الاقتصاد المصري وعلى الخدمات‮.‬

3- إن هناك تفاعلا اقتصاديا واسع النطاق بين مصر والخليج‮. ‬وتعد القناة الثالثة لتفاعل مصر مع دول الخليج التفاعل الاقتصادي‮.‬ ويوجد مؤشران له، الأول‮: ‬حجم التبادل الاقتصادي بين مصر ودول الخليج تصديرا واستيرادا، والآخر‮: ‬حجم الاستثمارات المتبادلة‮.‬ فمن حيث حجم التبادل التجاري بين مصر ودول الخليج عامي‮ ‬2009‮ ‬و2010‮ ‬، فقد وصل إلى ‮ ‬50 ٪‮ ‬تقريبا من إجمالي حجم التبادل التجاري مع مجمل الدول العربية، وهو ما يوضح انحياز التعامل الاقتصادي لمصر نحو منطقة الخليج، خاصة أن هذا الاتجاه مسيطر على علاقات مصر الاقتصادية منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين‮.‬

وقد سيطر الاتجاه نفسه على الاستثمارات بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي، فقد بلغت قيمة الاستثمارات المباشره البينية العربية عام‮ ‬2010‮ ‬  نحو‮ 7.5‮ ‬مليار دولار، كان من بينها‮ ‬6.2‮ ‬مليار دولار مع دول مجلس التعاون الخليجي، وكانت السعودية في المقدمة،‮ ‬تليها الإمارات،‮ ‬ثم الكويت،‮ ‬فقطر،‮ ‬فالبحرين،‮ ‬وأخيرا عمان‮.‬

ثالثا‮- ‬الخليج وثورة‮ ‬52‮ ‬يناير في مصر‮:‬

مع قيام الثورة في تونس ثم مصر ثم ليبيا وامتدادها لليمن، أدركت جميع دول الخليج أنها ليست بعيدة عن‮ "‬الربيع العربي‮". ‬ولأول وهلة، اتخذت موقفا متحفظا متمثلا في اعتبار المشكلة داخلية، مع الإعراب عن الأمل في حل الأزمة سلميا، وحث الولايات المتحدة‮  - ‬وفق بعض التقارير‮ - ‬على عدم التخلي عن الرئيس السابق مبارك‮.‬ ووصل الأمر إلى اقتراح تعويض مصر عن المعونة الأمريكية،‮ ‬إذا لزم الأمر‮.‬

وبالرغم من بعض القرارات التي اتخذتها الحكومة المصرية ضد بعض رجال الأعمال العرب في الخليج، فإن السعودية كان لها فضل السبق في الفصل بين هذه الأمور والعلاقات مع مصر بعد الثورة‮. ‬وقد كان الموقف المتحفظ الذي اتخذته السعودية،‮ ‬بصدد الموقف من الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، نابعا من قيم عربية تتمثل في المحافظة على هيبة رئيس وإجارته، خاصة أن الرئيس التونسي علي زين العابدين كان قد‮ ‬غادر تونس إلى جدة بعد الثورة مباشرة، ووفرت له السعودية ملاذا آمنا مقابل ألا يعمل بالسياسة‮. ‬وقد اقترحت القيادة السعودية في ذلك الحين إمكانية تطبيق الحل نفسه، إلا أن الرئيس السابق مبارك رفض الفكرة‮.‬

وعقب وقوع اضطرابات في البحرين، بدءا من‮ ‬14‮ ‬فبراير‮ ‬2011،‮ ‬قام وزير الخارجية البحريني بزيارة القاهرة،‮ ‬والاجتماع برئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، باحثا عن إجابة لتساؤل مشروع‮ -‬رغم الخلاف حول توقيته‮- ‬وهو أين مصر من أحداث البحرين‮. ‬ودعا ذلك رئيس الوزراء المصري للسفر إلى الخليج مرتين متتاليتين لتأكيد أن أمن البحرين خاصة، وأمن الخليج عامة، جزء من الأمن المصري، وأن انشغال مصر في أوضاعها الداخلية لن يثنيها عن الوقوف إلى جانب أشقائها في الخليج‮.‬وبالنسبة لما أثير من بعض المسئولين المصريين حول تمويل دولة خليجية للتيارات الدينية في مصر بعد الثورة، فقد‮  ‬ثبت أن هذه الدولة هي قطر، وأن التمويل يأتي من أفراد أو جمعيات أهلية، وليس من الحكومة ذاتها‮.‬

لكن على الرغم من إعلان دول الخليج عن توفير دعم مالي للاقتصاد المصري، فإن هذا الدعم لم يعلن عن وصوله، إلا بنسب محدودة، في وقت انتشرت فيه أنباء عن سفر مبارك لتبوك للعلاج، ورغبة السعودية في عدم محاكمته، مما أدى في النهاية إلى ملابسات مهاجمة السفارة السعودية بالقاهرة، أو مابدا أنه مهاجمة لها‮ .‬

هذه المواقف المتناقضة لدول الخليج، والتي تتلخص في طلب مساعدة مصر لدعم البحرين رغم الأزمة المصرية، وعدم تقديم دعم للاقتصاد المصري، أثارت تفسيرات عديدة لم تأخذ بعين الاعتبار حالة القلق التي تنتاب دول الخليج بشأن الأمن الخليجي، كما لم تأخذ بعين الاعتبار القيم التي انطلقت من الثورة المصرية‮.‬ هذه التفسيرات أحيت من جديد مفهوم العروبة ومتطلباته‮.‬

خاتمة‮ :‬

    لكن بغض النظر عن أي مواقف اتخذت في الفترة الماضية، فالفرصة لا تزال مواتية لقيام دول مجلس التعاون الخليجي بدور حيوي في إعادة بناء النظام الإقليمي العربي،‮ ‬بدلا من ترك مبادرة صياغته في يد تركيا أو إسرائيل أو إيران، وذلك استفادة من عدد من التطورات السياسية المهمة التي ألقت بظلالها على منطقة الخليج‮. ‬فنجاح الضغوط الخليجية عامة،‮ ‬والسعودية خاصة،‮ ‬في اتجاه توقيع الرئيس اليمني، على عبدالله صالح، المبادرة الخليجية، يمكن أن يوفر مخرجا مناسبا أيضا للرئيس السوري بشار الأسد، خاصة بعد نجاح السعودية في حشد دعم هائل لقرار الجمعية العامة الذي أدان بأغلبية‮ ‬122‮ ‬دولة سجل سوريا في حقوق الإنسان، مما يزيد عزلة سوريا، وقد يسمح للرئيس بشار بالتفكير في اتباع خطي الرئيس اليمني‮.‬

وقد جاء إعلان تقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة في أحداث البحرين، وما ترتب عليه من نتائج تمثلت في قبول الملك لها،‮ ‬وموافقته على محاسبة المسئولين عن استعمال القوة المفرطة ضد المتظاهرين، ليؤكد أن قوات درع الجزيرة لم تشارك في قمع المتظاهرين، وليتيح فرصة جديدة لإعادة ترتيب البيت البحريني، وتحقيق درجة أعلى من الاستقرار في الخليج، لتأكيد الدور السعودي في هذه المنطقة‮.وكان دعم الجمعية العامة للأمم المتحدة للسعودية بإصدار قرار يطالب إيران بضرورة التعاون في التحقيق في محاولة اغتيال السفير السعودي بالولايات المتحدة أيضا،‮ ‬إسهاما مباشرا في زيادة عزلة إيران، وإقناعها بأن امتلاك السلاح لا يعني استخدامه‮.‬

وبالتالي،‮ ‬فإن الباب لا يزال مفتوحا أمام دول مجلس التعاون الخليجي لإعادة صياغة مواقفها من الثورة في مصر، والقيام بجهد موحد في هذا المجال لإعادة العلاقات المصرية‮ - ‬الخليجية إلى سابق عهدها، كاستمرار للاتجاه العام لها في المنطقة العربية، أو لخصوصية حالة وثقل مصر، حتي في الوقت الحالي الذي تعاني فيه مشاكل داخلية‮.‬

إن التوجهات القائمة حاليا في أوساط الحكم بمنطقة الخليج تسير في اتجاهين، أحدهما يبدو وكأنه يسير في اتجاه ترك مصر لمشكلاتها الداخلية، بينما يؤكد الآخر أن مصر وتفاعلاتها أكبر تأثيرا من أن يتم عدم الاهتمام بها‮.‬ويؤكد تاريخ وتجربة التعاون بين مصر والسعودية،‮ ‬تحديدا خلال حكم الملك فاروق في مصر والملك سعود في السعودية، أن هذه العلاقات قائمة على أسس شعبية ومؤسسية تغلبت على تنافس الملكين على الخلافة لصالح الدولتين،‮ ‬ولصالح النظام الإقليمي العربي بشكل عام‮.

ويمكن لدول مجلس التعاون أن تستكمل البناء فوق هذه القاعدة من العلاقات من خلال تجمع‮ ‬6‮+‬3‮+‬1‮ ‬لحث واشنطن على اتباع سياسة تجاه مصر أكثر تكاملا مع سياسة مجلس التعاون الخليجي الداعم‮  ‬لمصر الثورة‮.‬والواقع أن العلاقات الشخصية التي قامت بين القيادات الخليجية والرئيس السابق مبارك لم تكن مفيدة لأي من الدولتين، وينبغي أن تنتقل العلاقات إلى مستوى مؤسسي ومستوى شعبي‮. ‬ويمكن لدول الخليج أن تدعم الاستقرار في مصر عن طريق الدعم المادي المباشر للحكومة المصرية، وعن طريق تمكين الجاليات المصرية فيها من القيام بدورها لدعم الاقتصاد المصري بالعملات الأجنبية، من خلال التنسيق مع الحكومة المصرية لطرح مشروعات للاستثمار المشترك بين أي من دول مجلس التعاون والجاليات المصرية فيها‮. ‬وينبغي أن يكون هذا التحرك أولي مهام السفارات المصرية في الخليج في المرحله القادمة‮.‬

(*)مجلة السياسة الدولية ، العدد 187  يناير2012 ص ص 48-51


رابط دائم: