مهلة للأسد أم الغرب؟:| مأزق " التدخل العربي " في الأزمة السورية
8-1-2012

رابحة سيف علام
* باحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

منذ بداية الانتفاضة الشعبية السورية في مارس الماضي وتضاعف جرعات العنف التي يذيقها النظام السوري للشعب المنتفض، كانت التوقعات تستبعد تدخلا عربيا جوهريا في هذا الشأن.وكانت تفترض- على أحسن تقدير-  أن هذا التدخل إن حدث فإنه سيكون على النمط الليبي، بمعنى رفع الغطاء العربي عن النظام السوري، استعدادا للتدخل الدولي. لكن تقديم الجامعة العربية لمبادرة لحل أزمة الصراع بين النظام السوري والانتفاضة الشعبية يبدو أنه أبعد من مجرد كونه إبراء للذمة العربية.

أولا: ملامح مبادرة الجامعة العربية

تقدمت الجامعة العربية بمبادرة لوقف عنف النظام ضد المدنيين، وتوفير الحماية لهم، فضلا عن إقامة حوار شامل بين القوى المعارضة والنظام، يسفر عن تشكيل حكومة ائتلافية يرأسها شخص مقبول من المعارضة، ويعمل بالتعاون مع الرئيس الأسد لصياغة ملامح المرحلة الانتقالية على أسس التعددية السياسية، تتضمن إجراء انتخابات نزيهة، وصياغة دستور جديد للبلاد.

ولكن المبادرة تعثرت في مراحلها الأولى. فهي من جهة، لاقت رفض المعارضة السورية لكونها تفترض بقاء بشار الأسد، خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي، وبل وتطالب المعارضة بالحوار معه.ومن جهة أخرى، استهجن النظام السوري فكرة الحوار مع معارضة الخارج التي يراها ضالعة في المؤامرة ضده، كما أن النظام رفض استضافة مراقبين عرب لضمان وقف العنف، وتوفير الحماية للمتظاهرين المدنيين، وتعلل بعلل انتقاص السيادة.

وبعد استمهال الجامعة العربية لدمشق مرات عدة، تجاهلت هذه الأخيرة المبادرة، وتلكأت في الرد عليها، مما دفع الجامعة لحفظ ماء وجهها، وإثبات جديتها بالتهديد بتطبيق عقوبات.والشاهد أن العقوبات الأوروبية والأمريكية مجتمعة ما كانت لتخنق نظام الأسد، كما ستفعل العقوبات العربية، في حال تطبيقها، وهو ما ينطبق كذلك على العقوبات التركية التي تم الإعلان عنها أخيرا، وشملت تعليق التعامل المالي والتجاري مع دمشق.

فقررت 19 دولة عربية، في إطار المجلس الوزاري بالجامعة العربية، توقيع عقوبات اقتصادية على دمشق، تشمل وقف التعامل مع البنوك السورية، وتجميد الأرصدة السورية في البنوك العربية، ووقف ضخ الاستثمارات العربية الى الأراضي السورية، فضلا عن تجميد عضوية سوريا بالجامعة العربية، ودعوة الدول الأعضاء إلى سحب سفرائها من دمشق.فإذا ثبتت جدية هذه العقوبات، فإن نظام الأسد سيواجه أزمة اقتصادية ومالية خانقة قد تهدد بإفلاسه وسقوطه في غضون أشهر قليلة.

ثانيا: الجوار الإقليمي والمبادرة العربية

وفي هذا الإطار، تبرز طبيعة اختيار الجوار الإقليمي لسوريا لسبل مواجهة الأزمة الحالية فيها. فرغم إبداء التأييد لمطالب الشعب السوري في الحرية والخلاص من نظامه المستبد، فإن الدول العربية وتركيا -ومن ورائها الغرب- لا تحتمل سقوطا فوريا لنظام الأسد.ذلك أن إمساك النظام السوري بعدة أوراق إقليمية دفعة واحدة يجعل من إزاحته الفورية بمثابة زلزال إقليمي غير معروف النتائج.

ويُضاعف من هذا التأثير تضارب التوقعات بشأن قدرة المعارضة السورية على التوحد والإمساك بزمام الأمور سريعا، قبل تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا، وانتقالها إلى دول الجوار. ومن هنا، فبدلا من ذبح النظام بشكل فوري، ارتأت دول الجوار خنقه تدريجيا لحين بروز بدائل تستطيع أن تحل محله في سدة الحكم السوري، سواء كانت من داخله أو من المعارضة.

من جهة أخرى، تبدو هذه العقوبات محاولة رسمية عربية لمواكبة الحراك الشعبي العربي واستيعابه، دون أن تحقق مطالبه بشكل مباشر، مما قد يؤدي بالفعل إلى تسكينه، أو إلى إعادة انفجاره من جديد. فقوى المعارضة السورية رفضت الحوار مع النظام الحاكم، ومن وافق منها على الحوار فقد شعبيته، وتنكرت له المظاهرات السورية.

وبالتالي، فإن المبادرة العربية لم تستجب في بنودها لمطالب الانتفاضة إلا في بند وقف العنف وحماية المدنيين، ومن ثم جاءت هذه المبادرة بحل تحت سقف الإبقاء على الأسد، وتغيير سلوكه فقط وليس تغييره.ومع هذا، فهي تشكل سابقة في التاريخ العربي، توازي في أهميتها إخراج مصر من الصف العربي، عقب توقيعها السلام المنفرد مع إسرائيل.  ورغم حدة الإعلان عن هذه العقوبات دفعة واحدة، فإن الدول العربية عادت ورهنت تطبيقها باختيار كل دولة، ووفقا لسلسلة من المهل التي منحتها لنظام الأسد لقبول المبادرة العربية.

ومن هذا المنطلق، نرى الأردن يطلب استثناءه من هذه العقوبات لما سيترتب عليها من ضرر جسيم يلحق بالاقتصاد الأردني، خاصة في قطاعي التجارة والطيران.وفي الوقت الذي ماطل فيه النظام السوري في قبول المبادرة العربية والبرتوكول الملحق بها بدعوى أنها وسيلة للتدويل وللانتقاص من سيادته على أراضيه، فإنه سارع بقبول المبادرة بعد أقل من 24 ساعة من تهديد الجامعة العربية برفعها إلى مجلس الأمن، الأمر الذي يكشف عن السلوك الراسخ للنظام السوري في المماطلة، واستثمار الوقت للبقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة.

غير أنه سارع أيضا بانتهاك المبادرة فور قبولها، عندما استمر في قمعه وحصاره للمتظاهرين والعسكريين المنشقين في درعا وإدلب وحمص، على وجه الخصوص، مما يجعل قبول نظام الأسد للمبادرة ليس إقرارا بقدرتها على حل الأزمة، فلا يزال العنف وسيلته الأولى للحل، وإنما جاء قبوله امتثالا لمشهد دولي وعربي يضيّق أمامه سبل المناورة، ويجعل شرعيته على المحك.

فرغم الدعم اللامشروط الذي تقدمه روسيا لنظام الأسد، فإن موسكو لم تستطع أن تمرر قرارا دوليا استباقيا حول الأوضاع في سوريا، يساوي بين العنف الذي يمارسه النظام ضد شعبه، أو "العنف" الذي يمارسه الإرهابيون، كما يدعى النظام وذلك بصيغة إدانة للعنف الذي ترتكبه "كل الأطراف". وفي هذا الإطار، انتقلت كل من دمشق وموسكو من الدفاع إلى الهجوم.

فبدلا من أن تتولى موسكو تعديل مسودات القرارات التي يقدمها الغرب، تقوم هي بتقديم مسودتها إنقاذا للأسد، وإبطالا لمفعول أى قرار غربي مرتقب ينتقد قمع النظام السوري لشعبه.غير أن قرار الجامعة العربية برفع مبادرتها إلى مجلس الأمن لتحل محل التوجه الروسي، وتعطي دفعة لوجهة النظر العربية على المستوى الدولي، قطع الطريق على المسعى الروسي الذي واجه رفضا غربيا شديدا، ودفع الأسد إلى المسارعة بإعلان قبول المبادرة العربية.

وبالمنطق نفسه، كان العراق يحاول أن يقدم صيغة عربية مختلفة عما تقدمها الجامعة العربية بقيادة خليجية، فالعراق، وهو الضلع الرابع في التحالف الإيراني إلى جانب سوريا ولبنان، سبق أن امتنع عن التصويت على العقوبات العربية على سوريا، مما جعل من وساطته مقبولة من جانب النظام السوري الذي أشاد بصدق النوايا العراقية.

أما المبادرة العراقية التي ظلت بنودها سرية، فكانت تفترض إجراء محادثات مع الحكومة السورية من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، تمهيدا لإجراء حوار ثنائي بين الطرفين.ورغم مباركة الجامعة العربية للجهود العراقية، باعتبارها تصب في اتجاه تنفيذ المبادرة العربية، فإنها كانت ولا شك تمييعا لهذه الأخيرة، وإمهالا لدمشق وقتا إضافيا. ثم ما لبثت الجهود العراقية أن تجمدت بعد الأزمة السياسية بين طارق الهاشمي ونوري المالكي، خاصة أن هذه الجهود كانت محل تحفظ من القائمة العراقية والتحالف الكردستاني.

ثالثا:  موقف أطراف الأزمة  من التدخل العربي

ورغم هذا، لم يعدم نظام الأسد الحيل. ففي اليوم الأول لزيارة الدفعة الأولى من المراقبين العرب لدمشق، استقبلهم انفجاران هائلان باثنين من أكثر المقار الأمنية تحصينا، وحمّل مسئوليتهما بشكل فوري لتنظيم القاعدة.بينما رأى المجلس الوطني السوري أن التفجيرين قد وقعا في مناطق أمنية محصنة، ومن غير الطبيعي أن تتسلل إليها سيارة مفخخة، بينما يخضع كل من يمر فيها للتفتيش الذاتي الدقيق. فضلا عن أن صور الأقمار الصناعية كشفت عن بقاء السيارتين داخل المقر الأمني لأكثر من أربعة أيام سابقة على الانفجار.

من جهة أخرى، رأى المجلس أن النظام قد دبر هذا الانفجار ليلفت انتباه المراقبين العرب عن جرائمه بحق المدنيين السوريين، أو لكي يخيفهم من التجوال في المناطق الأكثر تضررا من دون مراقبته الوثيقة. ورغم ذلك، فإن هذا الحادث يلقي الضوء على جدوى استمرار الحراك السوري في سلميته، ومدى تأثير مثل هذه الانفجارات فيه، إذا ما تكررت.

ففي اللقاء التنسيقي الأول الذي جمع رئيس المجلس الوطني بقائد الجيش السوري الحر بتركيا في نوفمبر الماضي، أكد الطرفان التزامهما بسلمية الحراك الشعبي السوري، حيث رأى قائد الجيش الحر أن مهمته دفاعية فحسب، يوفر بموجبها الحماية للمتظاهرين السلميين والجنود المنشقين من بطش القوى الأمنية والجيش النظامي.ولذا،  ينفذ الجيش السوري مهام عسكرية ضد خطوط إمداد الجيش النظامي بتنسيق تام مع المجلس الوطني، الذي رفض رفضا باتا تنفيذ مهام هجومية ضد جنود الجيش، كي لا تنزلق البلاد إلى حرب أهلية.

ورغم أن الجيش الحر يعمل، كما أعلن مرارا تحت مظلة المجلس الوطني، فإن قائده العقيد رياض الأسعد قد دعا أكثر من مرة إلى توجيه ضربات جوية أجنبية ضد أهداف إستراتيجية كمقار الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، بما يُعجل من سقوطه، معتبرا ذلك دعما لوجيستيا لابد منه.غير أن إقامة الأسعد في مقره الآمن بجنوب تركيا تجعله إلى نحو ما بعيدا عن التطورات اليومية التي تواجه الجنود المنشقين، حيث تمركز عدد كبير منهم -يقدر بالمئات- في مناطق جبلية في محافظة درعا، احتماء بجغرافيتها التي تجعل من اقتحامها بالدبابات مستحيلا، فيما تمركزت مجموعات أخرى في محافظتي حمص وإدلب في أماكن صارت شبه خارجة عن سيطرة الجيش النظامي.

ولكن هذا الأخير يشن من حين إلى آخر حملات عنيفة على أماكن تمركز الجنود المنشقين، يستخدم فيها المدفعية الثقيلة تارة، والطيران الحربي تارة أخرى. وفي ظل هذه المطارادات، يصبح هدف الجنود المنشقين النجاة بأنفسهم فحسب، وهو الأمر الذي يجعل من قدرة الجيش الحر على الدفاع عن الأهالي غير محسومة، خاصة أن النظام يستهدف بشكل متكرر المناطق التي تؤوي الجنود المنشقين بعنف غير مسبوق، مما يجعل من وجود الجيش الحر وبالا على المدنيين في هذه المناطق وليس حماية لها.

ورغم هذا، فالاشتباكات بين الجيش النظامي والمنشقين الجدد لا تنتهي، وتحدث بصفة شبه يومية، مما يؤكد استمرار انفراط الجيش، وتقلص الألوية الموالية للأسد. وبحسب روايات الجنود المنشقين حديثا، فإن الجيش النظام يعاني ظروفا معيشية صعبة للغاية، في ظل الحصار الاقتصادي الذي بدأ يُطبق على دمشق، مما يشجع الجنود على الانشقاق أكثر فأكثر.ومع ذلك، فإن قدرة الجيش السوري الحر على تأطير الجنود المنشقين وتوحيدهم تحت لوائه تعد غير محسومة، في ظل عدم وجود موارد تحت تصرفه.

ومن ثم، فإن مقولات تطور الحراك السلمي إلى حرب أهلية تصبح غير منطقية، خاصة أن الجنود المنشقين لا يملكون عادة إلا ذخائر وأسلحة خفيفة تنفد بعد الاشتباكات الأولى لهروبهم. كما أن إعادة تزويدهم بالذخائر تعد شبه مستحيلة، في ظل السيطرة الأمنية الخانقة للجيش السوري على الحدود مع لبنان. فعناصر الجيش السوري لها حرية حركة كاملة حتى إلى داخل الحدود اللبنانية لتعقب المصابين واللاجئين المدنيين، بما يسمح لهم بكل تأكيد بتعقب أى مهربين محتملين.

 ومع ذلك، فإن انعدام المصادر المستقلة داخل سوريا يجعل من التأكد من تحديد المسئولية عن أعمال العنف غير ممكن، وإذا ما كانت من تدبير النظام لافتعال حرب أهلية تغرق الثورة في الأتون الطائفي، أم أنها رد فعل عفوي من الأهالي الذين يدافعون عن مناطقهم، أم أنها أعمال دفاعية من الجيش الحر. غير أن الثابت أن النظام السوري له سطوة أمنية وعسكرية على المشهد السوري، تجعله المسئول الوحيد عما يجري من أعمال عنف، سواء كان مسئولا مسئولية مباشرة أو غير مباشرة.

رابعا: تحديات أمام " المراقبين العرب"

وتكمن أهمية مهمة المراقبين العرب الذين من المفترض أن ينتشروا في مختلف المناطق السورية، خاصة التي تخضع لحصار وحملات أمنية مكثفة بهدف خنق التظاهرات فيها. ورغم أن الاستراتيجية التي سيتبعها هؤلاء المراقبون غير واضحة حتى الآن، فإنهم يبدو أنهم سيزورون عدة مناطق، ويتواصلون مع أهلها، ويرفعون تقارير بذلك إلى الجامعة العربية.وهنا، سيكون النظام السوري أمام تحد حقيقي لمدى جديته في ضمان حرية الحركة للمراقبين، دون محاولة عزلهم عن المتظاهرين، أو افتعال أعمال عنف ضد عناصر النظام ليتم تسجيلها في تقاريرهم.

ولذا، تزايدت دعوات المعارضة للمراقبين للإصرار على زيارة المناطق الأكثر تضررا في حمص ودرعا وإدلب لرصد الحصار الذي يضربه النظام على هذه المناطق، ردا على إيواء الجنود المنشقين فيها.غير أن بعثة المراقبين العرب تواجه تحديات كبيرة في هذا الخصوص، فقد تم تخفيض عددها من 500 مراقب إلى 150، مقسّمين إلى دفعتين من المراقبين السياسيين والحقوقييين والعسكريين. ولكونهم عربا، وليسوا سوريين، وليسوا على دراية كافية بالواقع المحلي والجغرافيا السورية، فإنه يسهل تضليلهم من جانب النظام.

فمن جهة، قام النظام بتغيير أسماء بعض القرى في محافظة درعا وأحياء حمص، استعدادا لإيهام المراقبين بأنهم يزورون القرى والأحياء المطلوبة، في حين أنه يأخذهم في جولة في مناطق هادئة لا تشهد تظاهرات.ومن جهة أخرى، قام النظام، خلال جولة المراقبين بحمص، بإخفاء الآليات العسكرية في باحات المباني الحكومية لحين انتهاء الجولة، فضلا عن استبدال زي قوات حفظ الأمن بالزي المموه لجنود الجيش، لإيهام المراقبين بأن الشرطة وحدها تتولى مهمة حفظ النظام، ناهيك عن تنظيم مظاهرات موالية للنظام تجوب الشوارع في حضور بعثة المراقبين العرب.

وبافتراض تخطي المراقبين لهذا التضليل، ورفع تقارير تدين النظام، فإن الجامعة العربية ستعود لخطة العقوبات التي أقرتها وهددت بتطبيقها، قبل أن يوافق النظام على استضافة المراقبين العرب.وفي ظل حيل نظام الأسد التي لا تنتهي، وقدرته المتواصلة على المناورة، تنحصر مهمة المراقبين العرب في إعطاء مهلة إضافية له، وللأطراف الإقليمية والدولية، لبحث بدائل ما بعد الأسد.

خامسا: أزمة المعارضة والتدخل الدولي

وفي هذا السياق ، يبرز دور المعارضة السورية في إقناع العالم بقدرتها على تولي زمام الأمور. ويضم المجلس الوطني السوري في عضويته مختلف أطياف المعارضة السورية من الإسلاميين واليساريين والليبراليين والأكراد المنضوين بالأساس في إطار إعلان دمشق، فضلا عن لجان التنسيق المحلية والهيئة العامة للثورة.

ويتكون المجلس من 140 شخصية سورية تم الإعلان عن أسماء بعضهم، فيما بقى البعض الآخر الذي يُقيم بسوريا طي الكتمان لحمايته من بطش النظام. وبحسب المجلس، فإن 60% من أعضائه يعيشون في سوريا، و40% يعيشون بالخارج، فيما ينتمي 52% من أعضائه لجيل الشباب الذي حرك الثورة بالأساس.

ورغم نجاح تجربة توحيد قسم كبير من المعارضة السورية بهذا المجلس، فإن اتفاق أعضائه على تبني أجندة سياسية  موحدة يعد تحديا كبيرا، بالنظر لتعدد خلفياتهم السياسية من جهة، ولصعوبة اجتماعهم في مكان واحد بصفة دائمة من جهة أخرى.ولذا، يعتمد المجلس على عقد اجتماعات غير دورية في تركيا على وجه الخصوص، وأخيرا في تونس تحت رعاية رئيس الجمهورية التونسي، المنصف المرزوقي.

وقد انتهى هذا الاجتماع إلى ثلاثة قرارات رئيسية، تتمثل في دعم استمرار الثورة السورية ، واستمرار مساعي المجلس لعزل النظام السوري دوليا وإقليميا من خلال العقوبات، فضلا عن السعي لفرض الحماية الدولية على مناطق آمنة بسوريا يحتمي إليها المدنيون من بطش النظام.وهنا، تبرز نقطة الخلاف الرئيسية بين المجلس الوطني السوري، وفصيل مهم من المعارضة السورية، هو هيئة التنسيق الوطنية التي تمثل قسما مهما من معارضة الداخل، ويرأسها حسن عبد العظيم، وتضم في عضويتها معارضين رئيسيين كميشيل كيلو، وفايز سارة، وعارف دليلة. حيث تصر هذه الهيئة على استبعاد حلول الحماية الدولية، وتريد ترجيح خيار الحوار مع النظام، أو مفاوضته على الرحيل.

ورغم أن هذه الهيئة قد لاقت رفضا شعبيا واسعا، إثر قبولها المبادرة العربية، فإن نظرتها لحل الأزمة في سوريا تبدو أكثر واقعية من خيارات المجلس الوطني الذي يستجدي التدخل الدولي في كل مناسبة، دون أن يكون بالضرورة متحكما في هذا التدخل، إذا ما تم.

وفي إطار استجداء التدخل الدولي، يصدر المجلس الوطني مواقف من قبيل وعود القطع الفوري للعلاقات مع إيران وحزب الله، والاستعداد للتفاوض مع إسرائيل من أجل استرجاع الجولان، وغيرها من المواقف الحدية التي تعني قلب السياسة الخارجية السورية رأسا على عقب دون دراسة عواقبها، الأمر الذي يجعل من التقارب بين المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية ليس فقط مكسبا لتوحيد جهود المعارضة السورية، وإنما مكسب لجهة بلورة خيارات واقعية للثورة السورية بما يحميها من مخاطر التشرذم أو العسكرة أو التدخل الخارجي. وهنا، تلعب القاهرة والجامعة العربية دورا مهما في رعاية مساعي توحيد المعارضة السورية.

فالتدخل الخارجي الذي يطرحه المجلس الوطني خيارا وحيدا يفترض بالضرورة قرارا أمميا، تناضل روسيا باستمرار من أجل عرقلته. في حين أنه لو تم من خارج الإطار الأممي، عبر الناتو مثلا، فإنه سيُقيد خيارات سوريا الجديدة بشأن تحالفاتها الدولية، ويجعلها بالضرورة أسيرة الفضل الغربي الذي حررها من الأسد، مما ينفي عن الثورة السورية صفتها التحررية، ويقع بها في فخ التحالف الحتمي مع الغرب، مع ما يستلزمه ذلك بالضرورة من علاقات ودية مع إسرائيل، سواء مقابل الجولان، أو جزء منه ولا شىء على الإطلاق.

كما أن التدخل الدولي ليس مأمون العواقب، فالدول الغربية لن تجازف بإرسال قوات برية، بل تفضل القصف الجوي.ومن هنا، يبقى للأسد هامش كبير للمناورة على الأرض، مما يبقي الصراع مفتوحا ونازفا لأشهر طويلة، على عكس الوضع في ليبيا. ورغم وجود عدد لابأس به من الجنود المنشقين والمنضمين للجيش الحر لإدارة هذا الصراع، فإن الأسد من جانبه لن يقف وحيدا، بل سيطلب مساعدة إيران وحزب الله بشكل وثيق على الأرض، الأمر الذي سيجعل من حماية المدنيين والسلم الأهلي في هذه الظروف مهمة شبه مستحيلة، ويهدد بفتح جبهة اقتتال طائفي، وبقطع دابر الحراك السلمي، ويجهض الثورة بالكامل.

كما قد يفتح من جهة أخرى جبهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله على الحدود اللبنانية، أو على أقل تقدير سيمتد الصراع من الأراضي السورية إلى اللبنانية، ويجعل من تبدل التوازنات اللبنانية رديفا لما يجري على الساحة السورية. وهنا، يتلخص التدخل الدولي بفتح جبهتين أو ثلاث جبهات دفعة واحدة، بدلا من محاصرة الأزمة السورية.وبالنظر لهذه التكلفة الباهظة، يصبح -حتى اللحظة- التدخل الدولي مؤجلا لمصلحة العقوبات الاقتصادية والسياسية من أجل خنق نظام الأسد تدريجيا، بالتوازي مع استكشاف نوايا وخيارات المعارضة السورية، وقدرتها على وراثة سلطة الأسد، دون تكلفة بشرية وإقليمية كبيرة.


رابط دائم: