خرائط استراتيجية جديدة:| المؤتمر السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية
19-11-2011

عرض: جيهان الحديدي

مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة

لا يزال الربيع العربي يسيطر علي النقاش الدائر في عالم اليوم، علي مستوي الإعلام والمؤتمرات الدولية التي تعقدها كبريات مراكز الأبحاث العالمية، فتصدرت الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، عقب الثورات التي تموج بها دول المنطقة، علي أجندة المؤتمر السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في جنيف من 9 إلى 11 سبتمبر 2011. وينعكس اهتمام منظمي المؤتمر بالمنطقة العربية في اختيار السيد "عمرو موسي" المرشح للانتخابات الرئاسية في مصر والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية لإلقاء الكلمة الرئيسية في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.

تضمن المؤتمر ست جلسات رئيسية وعشر جلسات متوازية، بخلاف الجلسة الافتتاحية. وناقشت جلسات المؤتمر العديد من الموضوعات ذات الصلة بالأمن الدولي، منها:الردع النووي، العلاقات الروسية - الأمريكية، القدرات النووية لكوريا الشمالية، العلاقات الهندية - الباكستانية، الاستراتيجية طويلة المدي في أفغانستان، زيادة التسلح في آسيا وتداعياته الدولية، السياسة الخارجية الأمريكية، والحرب علي الإرهاب. واستحوذ التغيير السياسي في المنطقة العربية علي خمس جلسات، تناول بعضها الدور الأوروبي تجاه التغير الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إيران وأمن الخليج والانتشار النووي، كما خصصت إحدي جلسات المؤتمر لمناقشة ترتيبات المرحلة الانتقالية في مصر.

سببان للربيع العربي:

أكد "موسي" في كلمته الافتتاحية أن التغيير في المنطقة جاء بأيدي الشعوب العربية، بعيدا عن الخطط والمبادرات الغربية، ونتيجة تضافر عاملين أساسيين، العامل الأول: عامل خارجي تمثل في الترتيبات الدولية غير العادلة، والتفاوت الحاد في مستويات التنمية بين شمال العالم وجنوبه، وعدم إيجاد حلول للصراعات المتفاقمة كالصراع العربي - الإسرائيلي، فضلا عن مزاعم صراع الحضارات وازدواجية المعايير في الحرب العالمية علي الإرهاب، والتي أدت إلي توتر واحتقان في علاقة الغرب بالإسلام.

العامل الثاني: عامل داخلي يتجسد في استئثار نخب عائلية بالسلطة والثروة علي مدي عقود طويلة، واستفحال تحالف الفساد والاستبداد، مما ألقي الشعوب العربية، خاصة الشباب، في غياهب القهر والإحباط، حتي جاءت لحظة التغيير المنشود. وبشر السيد عمرو موسي بعالم عربي جديد أكثر شبابا وديناميكية وأكثر ودا تجاه الغرب، دون انهزام أو خضوع، مؤكدا أن التغيير سيشمل العالم العربي كله خلال الأشهر والسنوات القادمة بأشكال مختلفة ومناهج شتي، ولكن سيظل الصراع العربي - الإسرائيلي، وفقا لوجهة نظره، علي رأس الأولويات في إطار الالتزام بمبادرة السلام العربية لعام 2002.

تقييم غربي للربيع العربي:

كشفت تحليلات المؤتمر عن قصور التحليلات الغربية في التنبؤ بمستقبل تلك المنطقة ذات الأهمية الحيوية للمصالح الغربية، والتي كثيرا ما كانت تحصر العالم العربي بين خياري الديكتاتورية القائمة أو الحكم الديني. وهو ما دفع "جون كلود ماليه" للمطالبة بإعطاء أولوية للأنشطة الاستخباراتية وجمع المعلومات، بالإضافة إلي تطوير أدوات البحث والدراسة بالتعاون مع الخبراء والمتخصصين والمجتمع المدني في أوروبا والمنطقة العربية، معتبرا أن تلك الثورات لا ينبغي أن تشكل حاجز خوف لدي الأوروبيين، فالتغيير يحمل أخبارا سارة لأوروبا، ويفتح أبوابا للتعاون ينبغي طرقها واستغلالها علي أفضل وجه.

وأكد المؤتمرون أن ثورات الربيع العربي جاءت لتكشف عن انهزام تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الدينية المتطرفة في الشارع العربي فكرا وعملا، حيث إنها ثورات من أجل العدالة وليست ثورات دينية أو ثورات ضد الغرب، ولكنها ثورات ضد حكم القلة بالأساس. وبالرغم من الحفاوة في الحديث عن الثورات العربية ومزاياها، فقد عبر المشاركون عن عدم وضوح الرؤية بشأن مستقبل الأوضاع في المغرب والجزائر تحديدا، وتداعيات ذلك علي أوروبا، خاصة فرنسا، وكذلك عدم وضوح موقف تلك الثورات من إسرائيل، وما إذا كانت الأنظمة الجديدة قادرة علي إيجاد حلول لمشكلات الفقر والبطالة التي كانت دافعا أساسيا للثورة أم لا. بالإضافة إلي تحسين الثورات العربية صورة العرب والمسلمين في العالم، بعيدا عن شبهات العنف والإرهاب التي التصقت بالإسلام والمسلمين خلال العقد المنصرم، بل ورسمت تلك الثورات نموذجا حضاريا للتغيير السلمي يمكن أن تقتدي به شعوب جنوب شرق آسيا وإفريقيا.

وناقش المؤتمر تأثيرات الربيع العربي في الولايات المتحدة واستراتيجيتها الدولية في ظل الانسحاب المنتظر من العراق وأفغانستان، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية. فمن المتوقع أن تعود الولايات المتحدة إلي التركيز علي الداخل الأمريكي وممارسة دورها الدولي بحذر، اعتمادا علي أساليب تقليدية.

رفض النموذج الليبي:

ولعل أبرز ما أثير في المؤتمر حديث ممثل الهند في الأمم المتحدة عن أوجه القصور في تدخل مجلس الأمن الدولي في ليبيا، والذي تم تحت بند "المسئولية الدولية في حماية المدنيين". ولكن اتضح أن الهدف منه كان تغيير النظام في ليبيا، حيث أدت الأشهر الخمسة من العمليات العسكرية إلي دمار وقتلي علي نطاق واسع، انتهي باندلاع حرب أهلية بين القبائل وقصف من قوات الناتو لترجيح كفة الثوار. بالتالي، أعرب المتحدث عن ضرورة عدم تكرار المسار نفسه في سوريا، رغم مطالبة بعض الدول بتدخل دولي مماثل لما جري في ليبيا.

وخلاصة القول، نري أنه من السابق لأوانه أن نتحدث عن استراتيجية جديدة متكاملة للغرب تجاه المنطقة العربية، لأن الثورات العربية لا تزال في طور التشكل، وبالتالي لم تكتمل الصورة بأبعادها المختلفة. كما أن الغرب ليس كتلة واحدة متجانسة، حيث إن لكل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية رؤي وحسابات مختلفة تجاه المنطقة. ولكن المؤكد أن التطورات الجارية الآن تفرض علي الغرب إعادة النظر في استراتيجياته تجاه الدول العربية، وهو ما يجري في العواصم الغربية حاليا.


رابط دائم: