تقدم إسلامي وتراجع مدني:|قراءة في نتائج الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية المصرية
4-12-2011

د.نصر محمد عارف
* أستاذ العلوم السياسية، جامعة القاهرة.

لم تنه نتائج الجولة الأولى من انتخابات برلمان الثورة الجدل السياسي المحتدم حول مستقبل النظام السياسي المصري ، وإن كانت قد قللت من ضبابية المشهد السياسي بصورة ملحوظة، حيث بدا واضحاً أن محاور التنافس في الجولات القادمة ستنحصر بين عدد محدود من الأحزاب والتيارات السياسية المتعارضة أيديولوجياً، بما وضع حدا لحالة السيولة السياسية لتعود الثنائيات لتسيطر على الحياة الحزبية المصرية من جديد، لاسيما الثنائية الأبرز بين تيار الإسلام السياسي، بشقيها الإخواني والسلفي، والأحزاب والائتلافات الداعمة لمدنية الدولة، خاصةً الكتلة المصرية.

ويمكن اعتبار نتائج المرحلة الأولى للانتخابات بمثابة أول احتكام للناخب المصري- منذ الاستفتاء على التعديلات الدستورية- لحسم الخلافات السياسية المحتدمة بين مختلف القوى السياسية من جانب، وبين ممثلي التيارات الثورية وشاغلي السلطة السياسية من جانب آخر. وبطبيعة الحال، لم تكن جميع القوى السياسية على القدر ذاته من الاستعداد لخوض هذا الاختبار العصيب، بما دفع البعض للمطالبة بتأجيل الانتخابات على أثر الصدام العنيف بين قوات الأمن المركزي والمتظاهرين في التحرير. إلا أن هذه الدعوات لم تجد أدنى استجابة لدى المجلس العسكري أو القوى السياسية المتماسكة، مثل حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين، وكتلة النور السلفية، دلالة على توافق عام على الانتهاء من أول استحقاقات انتقال السلطة.

أولاً- أجواء المرحلة الأولي من الانتخابات:

أجريت المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية في تسع محافظات، هي القاهرة، والأقصر، وبورسعيد، ودمياط، والإسكندرية، وكفر الشيخ، وأسيوط، والبحر الأحمر، ويصل إجمالي عدد الناخبين بها إلى نحو 17.5 مليون ناخب، وتنافس خلالها 3809 مرشحين في نظامي الفردي والقوائم على 168 مقعدا تحت إشراف ما يزيد على 10 آلاف قاض. وتميزت هذه المرحلة بعدة سمات جعلتها تبدو مختلفة في بعض أبعادها عن مجمل التجارب الانتخابية المصرية الماضية، أهمها ما يلي :

1- تصاعد معدلات المشاركة في التصويت :

علي غرار ما شهده الاستفتاء على التعديلات الدستورية من مشاركة تصويتية غير مسبوقة من جمهور الناخبين، فإن المرحلة الأولى شهدت معدلات تصويت تتجاوز 64% إجمالاً، وفق ما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات. وبدت المشاركة أكثر كثافة في عدد من الدوائر المشتعلة، بما يعني أن الناخبين قد تأثروا بحالة الحراك السياسي التي تمر بها البلاد، وباتوا يتوقون لجني ثمار الثورة من خلال إتمام استحقاقات الانتقال السلمي للسلطة .

2- هدوء واستقرار الأوضاع الأمنية :

 على عكس المتوقع، وبالمقارنة بالتجارب الانتخابية الماضية، لم تشهد المرحلة الأولى من هذه الانتخابات أعمال عنف وبلطجة وإغلاقا قسريا للجان أو تدخلات أمنية لتزوير النتائج، على غرار سابقتها باستثناء مناوشات بسيطة في دائرة البداري بمحافظة أسيوط، واحتجاجات واحتجاز للقضاة في لجان بمناطق الزيتون، وحلوان، والمعادى، وعين شمس، والمطرية، والترعة البولاقية، والزاوية الحمرا، ومدينة السلام، وروض الفرج، نتيجة الإغلاق المبكر للجان. ويرجع ذلك للإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها القوات المسلحة وقوات الشرطة لتأمين اللجان المختلفة، وتدخلها لوأد أي بوادر لتوتر أمني .

3- انخفاض مستوى المخالفات الانتخابية :

على الرغم من استمرار مختلف التيارات السياسية في اتباع ممارسات انتخابية غير تنافسية، فإن عدد تلك المخالفات لم يرتق لما عهدناه من مخالفات صارخة في الانتخابات المختلفة. فلم يسجل المجلس القومي لحقوق الإنسان سوى 964 شكوى خلال 48 ساعة. وتلخصت الشكاوي في استمرار بعض الأحزاب في الدعاية الانتخابية، خلال يوم الاقتراع أمام اللجان، والتأثير فى اتجاهات تصويت الناخبين، واتهامات متبادلة بين القوى السياسية بشراء الأصوات، واستخدام البطاقات الدوارة .

4- الاستخدام المتزايد للدين في الدعاية الانتخابية :

على الرغم مما تنص عليه القواعد المنظمة للانتخابات من حظر مشدد لاستخدام الدين في الدعاية الانتخابية، فإن عددا من التيارات السياسية اعتمد عليه بصورة شبه أساسية، وانطوت دعاية الكتلة السلفية على توظيف تأييد شخصيات دينية معروفة، مثل الشيخ محمد حسان، وحشد المؤيدين داخل المساجد. والأمر ذاته ينطبق على حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين.

كما أسهم الكشف عن قوائم مرشحين مدعومة من الكنيسة القبطية قبل الانتخابات بأيام، وتضم في الغالب مرشحين من الكتلة المصرية، في تصاعد عمليات الحشد الديني من جانب مختلف التيارات، والتي تضمنت توظيف الشائعات حول توجهات المرشحين، مثل تصميم ملصقات تدعي أن الكتلة المصرية ومرشحين بعينهم على مقاعد الفردي تدعمهم الكنيسة القبطية لحشد أصوات البسطاء لصالح منافسيهم من المنتمين للتيارات الدينية .

5- مشكلات إدارة العملية الانتخابية :

 لم تتوقع اللجنة العليا للانتخابات مستوى المشاركة الشعبية غير المسبوقة في الانتخابات، وهو ما أثر سلباً فى عملية تنظيم الانتخابات، فتأخرت بعض اللجان في فتح أبوابها لساعات طويلة، وأغلقت أخرى، على الرغم من استمرار المواطنين في التوافد للتصويت، بما دفعهم للاحتجاج، ومحاصرة اللجان. وعانت عملية الفرز غياب التنظيم والازدحام، بما أدى لتأخير إعلان النتيجة ليومين متتاليين، وتلف بعض صناديق الاقتراع، بما أدى لحجب النتائج في عدد من الدوائر، مثل دائرة السلام والنهضة .

ثانياً-حصاد المرحلة الأولى:

أسهمت كافة العوامل سالفة الذكر في إضفاء أجواء متوترة على العملية الانتخابية، وإن لم تؤثر في نزاهتها إجمالا بحسب اللجنة القضائية العليا للانتخابات. وتفاوت أداء التيارات السياسية المختلفة بحسب قدرتها على حشد المصوتين لصالحها، وقدرتها على تحقيق الاتساق الأيديولوجي في تحالفاتها. ومن ثم، بدت الخريطة السياسية المصرية أكثر وضوحاً مما سبق، بعدما أخفقت الأحزاب النخبوية التي تفتقد أي قواعد شعبية في تحقيق نتائج انتخابية تكفل لها الحفاظ على بقائها السياسي .

1- التيارات الرابحة :

- تيارات الإسلام السياسي:

حققت تيارات الإسلام السياسي نتائج انتخابية قوية في المرحلة الأولى من الانتخابات، سواء على مستوى القوائم الحزبية، أو وفقاً للنظام الفردي. وتصدرت قوائم حزب الحرية والعدالة نتائج غالبية الدوائر، وحصل الحزب في المتوسط على ما يزيد على 3 ملايين و509 آلاف صوت، بما يعادل 36% من إجمالي الأصوات الصحيحة في مختلف الدوائر. كما نجح الحزب في حسم نتيجة دائرتين فردي لصالحه من الجولة الأولى في بورسعيد وحلون، ويخوض الإعادة على 43 مقعدا ، ولم يخسر الحزب في انتخابات الفردي في الجولة الأولي سوى 3 مقاعد في مصر الجديدة، والدائرة الأولى بكفر الشيخ . 

أما كتلة النور السلفية، فقد حققت نتائج غير مسبوقة في أول مشاركة انتخابية لها، ونجحت هذه الكتلة في حسم نسبة 24% من إجمالي الأصوات الصحيحة ( مليونان و371 ألف صوت )، ونجح الحزب في بعض الدوائر في انتزاع الصدارة من حزب الحرية العدالة، مثل الدائرة الرابعة بالقاهرة، ودمياط، والدائرة الأولى بكفر الشيخ، في حين تبادلا المركزين الثاني والثالث مع الكتلة المصرية في دوائر أخرى. وعلى المستوى الفردي، يخوض النور جولة الإعادة على 26 مقعدا .

وستشهد جولة الإعادة بداية احتدام المواجهة المباشرة بين حزب الحرية والعدالة، التابع للإخوان المسلمين، وكتلة النور السلفية، حيث يتنافسان على 22 مقعدا في جولة الإعادة .

- الكتلة المصرية:

وجاءت في المرتبة الثالثة الكتلة المصرية التي تضم حزب المصريين الأحرار، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وحزب التجمع، والتي تعد الممثل الأبرز حالياً لمناصري الدولة المدنية، وهو ما دفع طوائف المتعلمين والمثقفين والمنتمين للتيارين الليبرالي والاشتراكي لتفضيلها. كما حصدت الكتلة أصوات نسبة كبيرة من الأقباط، خشية من سيطرة تيارات الإسلام السياسي الرافضة للدولة المدنية على المجلس التشريعي القادم، حيث نجحت الكتلة في الحصول على مليون و299 ألف صوت، بما يعادل 13% من الأصوات الصحيحة. وعلى المستوى الفردي، لم تنجح الكتلة المصرية في حسم أي مقعد، ولم تنجح الأحزاب المدنية جميعها سوى في حسم نتيجة دائرة مصر الجديدة فئات لصالح د.عمرو حمزاوي.

بيد أن الكتلة المصرية تخوض جولة الإعادة على نحو 7 مقاعد في مواجهة حزب الحرية والعدالة، وتدعم 7 مرشحين مستقلين أو حزبيين آخرين في دوائر أخرى، في محاولة لتدارك إغفال الكتلة لأهمية المنافسة على المقاعد الفردية.

2- التيارات المتراجعة :

- الثورة مستمرة:

تتصدر كتلة "الثورة مستمرة" التي تمثل شباب القوى الثورية قائمة من أخفقوا في تحقيق نتائج إيجابية في الجولة الانتخابية الأولى. فعلي مستوى انتخابات القائمة، نالت قائمة الثورة مستمرة نحو 235.947 صوت، بما يعادل 2.5% من إجمالي الأصوات الصحيحة بهذه المرحلة، وهي نسبة تصويتية ضعيفة قد لا تمكن شباب الثورة من دخول البرلمان أصلاً. وعلى المستوى الفردي، خسر شباب الثورة من الجولة الأولى، حيث خرجت من الجولة الأولي الناشطة أسماء محفوظ في دائرة مصر الجديدة، وخسر عبد الرحمن فارس كذلك في دائرة الفيوم.

 ومن المؤكد أن الأداء السياسي لشباب الثورة يعكس افتقداهم الخبرة والتمويل اللازمين للمنافسة، فضلاً عن انشغالهم بالمصادمات بين قوات الأمن والمتظاهرين في 19 نوفمبر، بما أثر سلباً في إعدادهم للانتخابات، وعجزهم عن المنافسة في دوائر غاية في الاتساع.

أما حزب العدل، أحد أهم ممثلي الشباب وتيارات الوسط المحافظة في الانتخابات، فلم يتمكن سوى من تحقيق نسبة 1% من الأصوات تقريبا في القوائم. وعلى مستوى الفردي، لم يتمكن أي من مرشحيه من المرور لجولة الإعادة سوى الدكتور مصطفى النجار، الذي ينافس في دائرة مدينة نصر أمام الدكتور محمد يسري إبراهيم السلفي.

- أحزاب وقيادات الحزب الوطني المنحل:

شهدت الجولة الأولى سقوط  كافة أحزاب فلول الوطني المنحل، وعلى رأسها حزب مصر القومي، وكذلك رموز الحزب ممن ترشحوا مستقلين، فلم تحصل هذه الأحزاب سوى على نسب تصويتية ضئيلة. وعلى المستوى الفردي، خسر غالبية رموز وأعضاء الحزب الوطني من الجولة الأولى.

ففي أسيوط، خسر محمد عبد المحسن صالح، القيادي البارز بالحزب الوطني الذي فاز بانتخابات 2010 بأكثر من 180 ألف صوت، كما خسر أيضا عمر جلال هريدي، القيادي البارز بالحزب المنحل. وفشلت محاولات أحمد فتحي نعمان في دائرة البداري باستخدام العنف في الحيلولة دون هزيمته من أول جولة أمام المنافسة القوية من حزبي الحرية والعدالة والنور .

- الأحزاب القديمة:

يضاف إلى قائمة القوى السياسية المتراجعة الأحزاب القديمة النخبوية التي تأسست في عهد الرئيس السابق، ولم تحقق طوال تاريخها دورها كمعارضة سياسية في نظام سلطوي بسبب جمودها الفكري،والانقسامات بين أعضائها، وغياب الديمقراطية الداخلية في إدارة شئونها،وتحالفها مع النظام السابق.

ولم تنجح محاولات بعضها في ضم فلول الحزب الوطنى لقوائمها في الحيلولة دون تعرضها لهزيمة كبيرة على المستوي القومي. فحزب الوفد- على سبيل المثال- لم يتمكن سوى من الحصول على690  ألف صوت، بما يعادل 7% من الأصوات في المتوسط، ولم يحقق نتائج تذكر في النظام الفردي، بما تسبب في احتجاجات من جانب الأعضاء ضد قيادات الحزب .

- حزب الوسط:

لم يحقق حزب الوسط النتائج المرجوة في تنافسه مع حزب الحرية والعدالة على أصوات مؤيدي التيار الإسلامي. فرغم ما يتميز به برنامج الحزب وخطه السياسي من توازن بين تأكيد مدنية الدولة والمواطنة من جانب، والمرجعية الحضارية الإسلامية من جانب آخر، فلم تكن خبراته الانتخابية على المستوى المطلوب، فلم يحقق في انتخابات القوائم سوى465  ألف صوت، بما يعادل 6% من الأصوات الصحيحة، وخرج مرشحو الحزب في الفردي من الجولة الأولى بنتائج ضعيفة .

-تمثيل المرأة :

أحجمت المرشحات عن خوض الانتخابات البرلمانية بالنظام الفردي، نظراً لاتساع الدوائر، وعدم قدرتهن على المنافسة، في ظل تصاعد أعداد المرشحين، ولم تنجح أي من السيدات في المرحلة الأولى بالنظام الفردي. فمثلاً، تعرضت المرشحة جميلة إسماعيل لهزيمة في دائرة قصر النيل، وكذلك نهال عهدي، مرشحة حزب الوفد، العضو السابق بالحزب الوطني المنحل.

كما خرجت أسماء محفوظ مبكراً من الجولة الأولي في دائرة مصر الجديدة، ومن المرجح أن يقتصر التمثيل النسائي في البرلمان القادم على التمثيل الشرفي بالقوائم الحزبية، وسيتراجع تمثيلهن بصورة كبيرة في برلمان الثورة .

ثالثاً -دلالات المرحلة الأولي وسيناريوهات المراحل التالية:

تعبر نتائج المرحلة الأولي عن إخفاق واضح لكافة الأحزاب الليبرالية والاشتراكية التي لم تنجح في التوافق على التحالف فيما بينها لزيادة فرصها في مواجهة تيارات الإسلام السياسي الأكثر اتساقاً في تحالفاتها، والأكثر تنظيماً وتماسكاً، والأوسع في قواعدها الشعبية. لذلك، لم يكن مفاجئاً أن تتهاوى تلك الأحزاب من الجولة الأولي في تلك المواجهة، نتيجة نخبويتها، ومحدودية احتكاكها بالمواطنين، وتشابه برامجها، وإصرار قياداتها على المنافسة بقوائم منفردة، بما أدى لتفتيت أصوات مؤيديها المحدودين أصلاً.

وفي المقابل، نجحت تيارات الإسلام السياسي في الإعداد جيداً للانتخابات منذ فترة طويلة، من خلال دعاية مباشرة تعتمد على توظيف الشعارات والرموز الدينية، وتستخدم دور العبادة في حشد التصويت لصالحها بالمخالفة للقواعد المنظمة للانتخابات. وركزت دعايتها على أكبر الكتل التصويتية في الدوائر الشعبية والريفية، وهي الفقراء والمهمشون من الطبقتين الدنيا والوسطي الدنيا، باعتبارهم من سيرجح وزنهم الانتخابي .

أما عن أسباب إخفاق شباب الثورة في المرحلة الأولي، فتتمثل في اتباعهم النهج النخبوي ذاته الذي انتهجته من قبل القوى الليبرالية واليسارية المدنية، واعتمادهم على الإعلام، والمجال الافتراضي، وليس الاحتكاك المباشر بالناخب العادي، ونتيجة لانشغالهم بالصراع مع المجلس العسكري، وبالضغط لتحقيق المطالب الثورية عن المنافسة للاحتفاظ بتمثيل قوي في المجلس التشريعي.

كما تأثر شباب الثورة بضعف خبراتهم الانتخابية، وافتقادهم للتمويل، واتساع مساحة الدوائر الانتخابية بما يفوق قدرتهم على المنافسة. ومن المؤكد أن نتائج الانتخابات تسحب من شباب الثورة قدرا كبيرا من شرعية تمثيل مطالب المواطنين، ولكنها لن تؤدي لفقدانهم لأدوات الحشد الجماهيري الاحتجاجية في الضغط على شاغلي السلطة السياسية، استناداً لحقوق المواطنين الدستورية في التظاهر والاحتجاج .

وعلى مستوى تفسير نتائج أحزاب فلول الوطني، فيمكن القول إن الناخب المصري مارس حقه في حرمان قيادات وأعضاء الحزب المنحل من الوصول لمقاعد البرلمان، دونما انتظار لقانون العزل السياسي الذي صدر دون أي فاعلية في منع قيادات الحزب الوطني من الترشح. وبالتأكيد، كان للدعاية ضد قيادات الحزب المنحل تأثير كبير في توجيه الناخبين ضد قوائمهم الحزبية ومرشحي الفردي.

ونالت الأحزاب القديمة التي ضمت فلول الحزب الوطني على قوائمها نصيبها من العقاب الشعبي، فلم تحصل قوائمها على نسب تؤهلها للتمثيل البرلماني، باستثناء حزب الوفد الذي حصل فقط على 7% في المتوسط من أصوات الناخبين، بما لا يتناسب مع التاريخ السياسي للحزب .

سيناريوهات المراحل التالية:

من المتوقع أن يستمر التنافس بين حزب الحرية والعدالة والكتلة السلفية على صدارة انتخابات القوائم والفردي، ومن المرجح أن يتصاعد تمثيلهم السياسي، نظراً لأن محافظات المرحلتين الثانية والثالثة تضم قطاعات واسعة من مؤيدي التيار الإسلامي في محافظات الدلتا والصعيد. كما أن تأثير الدعاية الدينية التي يتبعها هذا التيار سوف يؤدي لحشد الأصوات ضد القوى الليبرالية والمدنية بصفه عامة والكتلة المصرية بصفة خاصة، نتيجة ارتباطها برجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس، وادعاء أنصار التيارات الدينية على الكتلة بأنها قبطية التوجه والانتماء.

لا يعني ذلك أن المنافسة حسمت لصالح كتلتي الحرية والعدالة والنور، لأن التحالفات والأحزاب الأخرى بدأت في الانتباه لضرورة الاستعداد لخوض الجولة الثانية بجدية أكبر للحفاظ على تمثيلها في البرلمان القادم. فمثلاً، بدأت الكتلة المصرية في التنسيق مع دائرة أكبر من الأحزاب والمرشحين المستقلين، وتوسيع دائرة تحالفاتها الانتخابية لاحتواء المد الإخواني- السلفي في المراحل المقبلة.

وعلى الصعيد ذاته، بدأت القوى المدنية الليبرالية واليسارية على السواء في الاصطفاف خلف الكتلة المصرية الأكثر حظاً في المنافسة، في محاولة للحد من تفتيت أصواتهم، والإفادة من تفتيت الأصوات بين مؤيدي الإخوان والكتلة السلفية. وبدأ شباب الثورة في تكثيف دعايتهم الانتخابية في دوائر المرحلة الثانية، وترك بعضهم الاعتصام في التحرير للإعداد للمعركة الانتخابية للحفاظ على تمثيلهم في المجلس التشريعي لاستكمال الاستحقاقات الثورية .

ومن المتوقع أن تكون الجولات الانتخابية المقبلة أكثر شراسة وتنافسية من جانب كافة الأطراف. فحزب الحرية والعدالة وكتلة النور يسعيان للحفاظ على مكاسبهما، وتوسيع قاعدة مؤيديهما، والكتلة المصرية تسعى للارتقاء بتمثيلها ليصل على الأقل إلى نحو 30% من مقاعد المجلس علي الأقل، وحزب الوسط يسعى لتحسين أدائه السياسي، واختصام أصوات القطاع المعتدل من قاعدة مؤيدي تيارات الإسلام السياسي، والأحزاب القديمة تسعى لتجنب مصير الانهيار السياسي والتصدع الذي بات يهددها بصورة كبيرة، وأحزاب الفلول تحاول تجنب المصير ذاته، بعد وضوح انقلاب الناخبين ضدها، نتيجة الدعاية المضادة .

وقد يكون العنف والمصادمات والممارسات غير التنافسية، مثل شراء الأصوات  في المرحلة الثانية، سبيلاً تسلكه قوى سياسية عديدة للمنافسة على المقاعد، في مواجهة توظيف الشعارات الدينية بكثافة من جانب تيارات الإسلام السياسي.

وإذا ما نجحت تيارات الإسلام السياسي في تحقيق أغلبية تشريعية في مجلس الشعب القادم، كما تشير كافة المؤشرات، فإنها لن تكتفي بالدور المنصوص عليه في الإعلان الدستوري بإعداد الدستور الجديد، وإنما ستسعى بجدية لتشكيل حكومة تحظى بثقة المجلس التشريعي، وهو ما دلت عليه تصريحات قيادات حزب الحرية والعدالة أخيرا. وهو ما قد يفتح مجالاً للصدام مع المجلس العسكري لتوسيع اختصاصات مجلس الشعب، وتشكيل حكومة ائتلافية من قيادات التيارين، أو تشكيل حكومة توافق وطني بين مختلف القوى السياسية حتى نهاية المرحلة الانتقالية .


رابط دائم: