الشرق ضد الغرب حتمية تاريخية
24-5-2023

لواء طيار أ. ح/ د. عماد عبد المحسن منسى
* مدير الكلية الجوية الأسبق، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية

فى تصور "هيجل"[1] للعملية التاريخية على أنها "انتقال أُحادى الاتجاه من الشرق إلى الغرب، ما يُظهر وعيا تقدميا بالحرية، ويصل إلى ذروتها فى الحضارة الغربية"، أى إنه ينظر إلى العالم على أنه إما: "شعوب بدائية أو شعوب كانت متحضرة ذات يوم لكنها سقطت فى الاضمحلال"، وتتوافق وجهة النظر هذه تماما مع السياسة الاستعمارية الغربية، من حيث إنها قدمت أيديولوجيتها الإمبريالية تحت غطاء: "مهمة حضارية" تجاه العالم غير الغربى.

لذلك لم تبالِ الدول الغربية بإبادة شعوب بأكملها (5 ,13 مليون من الهنود الحمر)، كذلك فعل الاستعمار الأوروبى (المتحضر) فى أرجاء العالم، على أساس أن تلك شعوب مُسخَّرة لهم ولا يستحقون الحياة ولا يستبقون أحدا إلا لخدمتهم، راجع مقولة "المليار الذهبى"، والفكرة الأساسية القائم عليها هذا المصطلح هى أن ثراء الغرب قائم جزئيا على استغلاله لمستعمراته السابقة فى العالم الثالث، وترى نظرية المليار الذهبى أن موارد الأرض لا تستطيع أن تلبى سوى حاجات مليار نسمة من البشر ليعيشوا بمستوى دخل مناظر لما هو عليه الحال فى الدول الغنية.

لقد نبذت الشعوب الغربية القيم والأخلاق الحضارية (النابعة من الأديان والثوابت الأخلاقية)، ورأت أن تلك "القيم العليا" ما هى إلا معوق للنجاح والتقدم، بل هى دليل على التخلف، فهجروها وبدلوها، وفى بعض الأحيان حوروها للتدليل على وجوب احتلال وإذلال الشعوب الشرقية والإفريقية والآسيوية بحجة نشر الحضارة.

إن مقولة  "West against the rest"[2]، "الغرب ضد باقى العالم"، تتوافق تماما مع كل التوجهات الغربية، فالحضارة الغربية فى جوهرها تُكن النظرة الدونية والاستعلاء على باقى شعوب العالم، ولم تعد هناك اعتبارات إنسانية لتتحكم فى تلك القوة الغاشمة، فاستعبدوا الشعوب ونهبوا خيراتهم، حتى الآثار التى لا تقدر بثمن.. سرقوها وتمتلئ بها قصورهم ومتاحفهم، ولا يستحون!

مقتطات من "تاريخ" الحضارة الغربية "المتمدنة" و"حاضرها":

لقد تم أكبر تهجير قسرى فى التاريخ، 12 مليون عبد إفريقى[3] جلبوا لزراعة القطن فى الولايات المتحدة الأمريكية (راعية الحريات)، وتسابقت الدول الأوروبية فى نقلهم كتجارة رائجة مربحة إلى أمريكا – راجع: الدستور الأمريكى الوحيد فى التاريخ الذى نص ونظم العبودية لمدة 400 سنة – راجع: تاريخ الذل والتفرقة العنصرية فى الولايات المتحدة (راعية الحرية)، راجع: أبطال الغرب (تجار الرقيق) الذين نُحتت لهم التماثيل التى ما زالت قائمة فى ميادين الدول الأوروبية.. يبدو أنهم ما زالوا نخاسين ولكن بملابس أنيقة والكثير من مساحيق التجميل.  

كل الدول الغربية بلا استثناء هى دول استعمارية، الفكرة أساسية فى مكونات الفكر الغربى، (راجع رفض اعتذار ماكرون للجزائر عن الاستعمار الوحشى 130 سنة، 11 يناير 2023)، على الرغم من حاجتهم الشديدة إلى الغاز الجزائرى فى ظل توقف إمدادات الغاز الروسى، ولكن هو الاستعلاء الغربى على باقى العالم، لم ننسَ أن العبودية كانت أحد ثلاث عناصر فى الدورة الاقتصادية فى التجارة الثلاثية بين أوروبا وإفريقيا والأمريكتين، وما زالت تلك الدول تمتص دماء الأفارقة ولكن من خلال المواد الخام غير المصنعة.

"فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ"[4]، نعم العقاب لذلك اللاعب المصرى المحترم الذى رفض دعم جنس "الميم" وتأييده؛ حيث طلبت رابطة الدورى الفرنسى من اللاعبين ارتداء قمصان تحمل الأرقام فى ظهرها بألوان "قوس قزح" لدعم "مجتمع الميم"، وأعلن نادى "نانت" الفرنسى لكرة القدم أنه سيغرم اللاعب ماليا؛ لأنه رفض ارتداء قميص يحمل شعار قوس قزح، وقرر النادى التبرع بملغ العقاب المالى لجمعيات دعم مجتمع
 "الميم"، نكاية فى اللاعب الذى "تطهر"، لا تعاقبوه هو بل عاقبوا كل شعوب العالم المحترمة، وبالتأكيد أنا لا أتكلم عن الشعوب الداعمة لمجتمعات "الميم".

"مصطفى محمد"، لم تعد مجرد لاعب كرة قدم له موقف مشرف، أنت الرجل الذى قال "لا"
لــــ"غول الغرب ذى العين الحمراء"، الاحتراف فى أوروبا هو أمنية لجميع لاعبى العالم، ولكن أنت أيها المصرى المتحضر، رفضت الهمجية الغربية، وأنت تعلم أن ذلك قد يكلفك الكثير،  ولكن أيها السادة.. إنه الشرقى ذو الحضارة الراقية والخلق والمثل العليا، لقد حُزتَ درجات الاحترام وأصبحت قدوة ومثلا أعلى لكل الشرقيين فى مقابل التدنى الأخلاقى  للغرب، على الرغم من التجاهل الإعلامى فى كثير من الدول وخاصة الإسلامية (؟). "مصطفى محمد" لقد أصبحت علامة فارقة ونقطة مضيئة فى الحرب ضد الاجتياح الغربى للقيم والمثل الحضارية (لجميع الأديان).

إن حقوق الإنسان، والمساواة بين الرجل والمرأة، والديمقراطية... إلخ، كل هذا هراء غربى بحت، وسائل مستجدة للدول الغربية للضغط على الدول الفقيرة (وإحدى صور الاستعلاء الغربى)، فهى أدوات ضغط ليس إلا، ضد الدول الشرقية لنشر الثقافة الغربية (الشاذة) وتدمير تقاليدها التى تمثل محور وجودها، وندل على ذلك بما قاله "مصطفى محمد":  "أحترم كل الاختلافات وأحترم جميع المعتقدات والعقائد، ويمتد الاحترام للآخرين لكنه يشمل أيضا احترامى لمعتقداتى الخاصة، وبالنظر إلى أصولى وثقافتى لم أستطع أن أشارك فى هذه الحملة، وأتمنى أن يتم احترام قرارى إلى جانب رغبتى بألا أجادل فى ذلك وأن يعامل الجميع باحترام"، إنها الحرية الغربية، أنت حر على أن تتبع التقاليد الغربية "الشاذة"، وإلا فأنت رجعى غير متحضر، وتستحق العقاب!

فى  22 مايو  الحالى (2023) موقف عنصرى تعرض له لاعب ريال مدريد "فينيسيوس"؛ حيث تعرض لإهانات عنصرية من الجماهير فى ملعب ميستايا خلال مباراة فى الدورى الإسبانى لكرة القدم، وتوقفت المباراة لمدة 5 دقائق بسبب الصيحات العنصرية التى وجُهت إلى فينيسيوس من جماهير فالنسيا، ودخل الرئيس البرازيلى "لولا دا سيلفا" على خط الأزمة وأعلن تضامنه مع اللاعب، ورغم نص قانون الفيفا على وقف المباراة وإلغائها، ولكن ذلك لم يحدث، هل يكفى ذلك لتعرف مدى تأصل العنصرية فى الشعوب الغربية.

وفى ذلك المقام فمن أهم خصائص الحضارة الغربية الكذب على شعوبهم، إنهم محترفون فى ذلك، فهم لا يحتلون دولا أخرى، بل ينشرون الحضارة، إنهم لا يستنزفون موارد تلك الدول، بل يساعدونهم بشراء تلك المواد الخام، إنهم لا يُسخرونهم فى العمل واستخراج مواد شديدة السمية
(حتى الآن)[5]، ولكن تلك الشعوب تحتاج إلى المال ونحن نساعدهم.

 أما الجزء الأهم فهو شيطنة المعارضين للسياسات الغربية (كوريا الشمالية– العراق- أفغانستان- روسيا – الصين "محتمل" قريبا..) والقوس مفتوحة لضم أى دول طبقا للمصلحة، نحن لسنا مغيبين، تلك الشعوب الغربية هى المغيبة وراء إقناعهم بمدنيتهم مقابل تخلفنا، هم متحضرون مقابل همجيتنا، تلك آلة الإعلام الغربى الكاذبة، لتجميل جشع تلك الدول وطمعها فى مواردنا،  تلك هى الحقيقة المطلقة. أما دولنا فى الشرق فليس من حقها أن يكون لديها أمن قومى تحميه، وليس من حق الحكومات السيطرة على الغوغاء والإرهاب (راجع الدول التى تدخل فيها الغرب بلا استثناء حيث دمرت وتفشت فيها الحرب الأهلية بلا حلول حتى الآن)، هم محترفون الكيل بمكيالين، هذه حقيقة  الغرب، حلال لهم حرام علينا.

هل الشرق متخلف؟

لماذا الشرق متخلف ولا يحترم حقوق الإنسان ولا يمارس الديمقراطية؟ بداية الذى قال ذلك هو الغرب، طبقا لمعتقداتهم وقيمهم المتغيرة اعتمادا على ما يحقق مصالحهم فقط، فعن أى شىء تتحدثون؟! إننا لم ننسَ ولن ننسى ماذا فعل الغرب فى بلادنا باسم الديمقراطية، التى هى حكر عليهم، تطالبوننا بها، ولا تسمحون بها، نحن نعرف ماذا فعلتم، نحن نراكم ماذا تفعلون، نحن سوف نعلمكم مرة أخرى طال الوقت أو قصر، أولادنا أو أحفادنا سوف يعلمونكم مرة أخرى المعنى الحقيقى "للحضارة".

لقد فجرت الحرب الروسية – الأوكرانية مشاعر شعوب دول العالم الباقية (غير الغربية) التى ظلت مكتومة طوال عقود كثيرة، فى ظل عدم وجود قوى أخرى ضد الغرب، ترفع سقف الاعتراض ضد ما يفعله الغرب بلا خوف من شيطنتهم، لقد تحول مركز القوة قليلا (أخيرا) تجاه الشرق،  كفَر من فى الشرق بالغرب، وتحركوا نحو الصين، ليس حبا فيها بقدر ما هو انكشاف للغرب المستعمر الأنانى، ولن تعود أبدا عقارب الساعة إلى الوراء، فقد رست بوصلة سفينة الشرق تجاه الصين، وليذهب السيد "هيجل المبجل إلى حيثما كان".

فى الأخير، قبل الحرب الروسية – الأوكرانية، كانت الدول تعرف تماما ماهية الدول الغربية، ولكن لم يكن هناك البديل أو من يستطيع توفير الحماية، عانينا الأمرين من ظلم الغرب وجوره علينا والعبث بمقدراتنا دون القدرة على مجرد الاعتراض الخفيف "المؤدب"، تغيرت الحال وتغيرت الظروف والأوضاع، وبقى علينا البحث عن مصالحنا القومية وعدم الانجراف وراء ما يتقنه الغرب (الحروب – النزاعات)، فنحن وقوده، فهل آن الآوان؟!

الهوامش:


[1]جورج فيلهلم فريدريش هيجل : فيلسوف ألمانى (1770 —1831)، ويعد أحد أهم الفلاسفة الألمان، وأهم مؤسسى المثالية الألمانية فى الفلسفة فى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.

[2]صامويل فيليبس هنتنجتون (18 إبريل 1927 - 24 ديسمبر 2008) : هو عالم وسياسى أمريكى، وبروفسور فى جامعة هارفارد لـ 58 عاما، عمل فى عدة مجالات فرعية منبثقة من العلوم السياسية والأعمال، تصفه جامعة هارفارد بمعلم جيل من العلماء فى مجالات متباينة على نطاق واسع، وأحد أكثر علماء السياسة تأثيرا فى النصف الثانى من القرن العشرين.

[3]الشبكة العنكبوتية : https://www.wikiwand.com/ar/العبودية_في_الولايات_المتحدة، فى الفترة بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر نقل ما يقرب من 12 مليون إفريقى.

[4]سورة النمل آية:٥٦.

[5]الشبكة العنكبوتية : https://www.nok6a.net/ أنشطة- التعدين - كارثة - بيئية – فى – إفريقيا. فى "أرليت" فى شمال النيجر، يدعى مشغلو التعدين أنهم يستخدمون 7 إلى 10 ملايين متر مكعب من المياه سنويًا لمعالجة الخام، لذلك فإن الطبقات الأحفورية هى التى تتعرض للإفراغ والتلوث، منذ نصف قرن، احتكرت شركة أريفا الفرنسية، التى أصبحت أورانو فى يناير 2018، المياه على حساب السكان، الذين لا يحصل معظمهم على مياه الشرب، وفقا لـ Bruno Chareyron، رئيس مختبر اللجنة المستقلة للبحوث والمعلومات حول النشاط الإشعاعى (Criirad)، فإن الموارد الطبيعية وسكان Akokanو Arlit، يتعرضون للإشعاع غير المرئي، "يبعث اليورانيوم وبعض مشتقاته المشعة إشعاعًا يسمى إشعاع غاما، وهو إشعاع غير مرئى قوى يمكن أن يمر عبر الرصاص والجدران، لذلك، يتعرض عمال مناجم اليورانيوم باستمرار لهذا الإشعاع الذى لا يمكن منعه؛لأن الملابس المصنوعة من الرصاص لا توقفه.


رابط دائم: