قضايا المرأة المصرية والحوار الوطنى
7-5-2023

د. علياء عبدالرءوف عامر
* خبير ديموجرافى

 انطلقت مؤخراً دعوة مفتوحة للحوار الوطنى الذى يحمل فى طيه كثيرا من ديمقراطية الحوار ورؤى تطرح العديد من الآمال والآفاق المرتهنة بالقدرة على أن الحوار يمثل بداية وانطلاقة للوقوف على حجم التغيرات والمستجدات التى شهدها المجتمع المصرى منذ عشر سنوات، وما فرضته تلك المتغيرات من تعميق لتداعيات إشكاليات قضايا المرأة المتوارثة والممتدة عبر الأجيال، وما يعكسه الواقع الراهن من تحديات وقضايا تمس المجتمع المصرى من ثقافات وموروثات ليست وليدة اللحظة، لكنها رُسخت منذ قديم الأزل.
وعند الحديث على قضايا المرأة الأساسية بصفتها مجموعة من الإشكاليات والمطالب المحددة بدءاً من التعليم والعمل وحق المرأة فى المشاركة السياسية، والاجتماعية، ومروراً بقضايا أحدث عهداً مثل الاختلافات الجندرية المجتمعية والحقوق الإنجابية واتخاذ القرارات فى المشاركة فى قرارات الإنجاب وتحديد عدد الأطفال المرغوب بهم، بالإضافة إلى قضايا العنف ضد المرأة والتسرب من التعليم والزواج المبكر، وإنتهاء بتحديات إدماج المرأة فى تحقيق التنمية ومشاركتها الفعالة فى صنع القرار ووضعها على أجندة الحوار الوطني. تحتل قضية المرأة المصرية مكانة متقدمة فى النقاش المجتمعى المصري، ومكانة مركزية فى الخطاب العام، وما سيتناوله الحوار الوطني، كما تعكس أوضاع المرأة فى أى مجتمع حال المجتمع برمته، بوصفها مرآة للمجتمع، فالمرأة المصرية هى أحد العناصر الرئيسية فى الجهود الرامية إلى تحقيق التحولات الاقتصادية، والبيئية، والاجتماعية اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة، ويمثل ضمان تمكينها أمراً حيوياً ليس لرفاهتها فحسب، بل أيضاً لرفاه أسرتها ومجتمعها المحلي، ومع ذلك؛ فإنها تواجه العديد من التحديات على طول الطريق؛ بما فى ذلك محدودية فرص الحصول على الائتمان وفرص العمل والتعليم، وبدأت تلك التحديات فى التفاقم مع نشوب الأزمات الاقتصادية والغذائية العالمية الأخيرة.
ويشير مفهوم الحوار الوطنى إلى اتحاد كافة أطياف الشعب والتنسيق الكامل فيما بينها وبين فصائلها المختلفة لتعيد لحمة الصف ووحدة كل القوى خلف القيادة السياسية وذلك من أجل الوصول لحلول مرضية فى القضايا والمشكلات العامة التى تهم المواطن وتواجه الوطن، ومن خلال هذا الحوار الوطنى المثمر يتم تبادل الآراء والنقاش بين جميع فصائل وأطياف الشعب وذلك من أجل بلوغ الأهداف التى تسعى الدولة لتحقيقها من خلال النقاش الوطنى والحوار المثمر، ويتم طرح القضايا والمشكلات التى تواجه المواطن العادى والجماعات وكافة فصائل الدولة من خلال الحوار الوطنى حيث تبادل الآراء ووجهات النظر المختلفة والاجتماعات والحوارات الوطنية، وذلك  بهدف الوصول لرأى موحد صحيح والاتفاق عليه يدعم مصالح الوطن والمواطن مع تجنب كافة المصالح الحزبية والشخصية الفردية.
 فالحوار الوطنى هو عملية سياسية تمسك بزمامها أياد وطنية تستهدف توليد توافق الآراء بين طيف واسع من الجهات الوطنية ذات المصلحة فى أوقات الأزمات السياسية الحادة، وهو باختصار مسعى قصير الأمد يُتخذ استراتيجيًا كوسيلة لحل القضايا بأبعادها المختلفة.
وتعد إشكالية الحوار الوطنى وتضافره لتحقيق حقوق الانسان والعمل على تمكين المرأة فى مصر من أكثر القضايا المجتمعية المثيرة للجدل والمهمة بسبب انعكاسها على المجتمع فهى أحد المحددات المهمة لعناصر التوازن القومى والمجتمعى نظرا لتأثيرها على تحقيق التنمية المستدامة من ناحية وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية من ناحية أخري، حيث أن التأثير المتبادل الذى يمثله الحوار الوطنى واستعراض الوضع الحالى لقضايا  المرأة من خلال تضافر جهود الجهات الوطنية المختلفة وانعكاساتها على التنمية، الاقتصادية، والاجتماعية، من أهم القضايا التى يمكن أن يتضمنها هذا الحوار من خلال تفعيل الحوار المجتمعى حول قضايا المرأة بأبعادها المختلفة، والذى يعمل بدوره على  تعزيز دور المرأة فى دفع عجلة التنمية من خلال القضايا المهمة والرئيسية  كمشاركتها فى سوق العمل، أو توليها المناصب القيادية، أو قضايا العنف والتمييز الناتجة عن الموروثات والثقافات المجتمعية القديمة،  ومدى كفاية الأنظمة والإجراءات والتدريب والتوعية لتمكينها، بالإضافة إلى دورها محليا ودوليا ومشاركتها الفاعلة فى كل الميادين. وفى هذا الإطار، يمكن رصد وتقييم واقع هذه القضايا المجتمعية وأبعادها الكلية ووضعها على الأجندة الوطنية والمأمول الذى يمكن أن يسفر عنه توصيات من خلال الحوار الوطنى لعلاج هذه القضايا والإشكاليات المهمة.
فى هذا الإطار، واتساقاً مع الرؤى السابقة؛ سيتناول هذا المقال قضايا المرأة المصرية والحوار الوطني، وذلك من خلال ثلاثة محاور رئيسية تتمثل فى الإشكاليات والتحديات التى تثيرها قضايا تمكين المرأة، ودوافع الحوار الوطنى فى أبعاده وإمكانية تفعيل آليات تمكين المرأة، بالإضافة إلى متطلبات التمكين وتعدد الأدوار سواء على المستوى الحكومى أو المجتمعي.
أولاً- الإشكاليات والتحديات التى تثيرها قضايا تمكين المرأة:
عاش المجتمع المصرى قرونًا طويلة لا يعى الدور الحقيقى للمرأة ولعل ذلك ما أدى إلى تأخر مسيرتها لفترات طويلة، بينما اختلف الأمر الآن وأصبح المجتمع المصرى على درجة عالية من الوعى والنضج لتقبل فكرة المساواة، فقد  أصبحت قضية المشاركة السياسية للمرأة موضع اهتمام رئيسى على المستويين المحلى والدولي، وتأتى أهمية المشاركة السياسية للمرأة انطلاقاً من كون المرأة جزءًا لا يتجزأ من المجتمع، وبدورها تكتمل جميع الأدوار المجتمعية، حيث إن قضية المشاركة السياسية للمرأة هى قضية مجتمعية وليست قضية تخص النساء فقط، ومن ثم فأن مشاركة المرأة فى الحياة السياسية هى مسئولية جميع أفراد المجتمع وليست مسئولية المرأة نفسها، فلم يعد من الممكن إغفال الدور الحيوى الذى يمكن أن تقوم به المرأة إذا ما أتيحت لها الفرصة للنهوض بالمجتمع، لاسيما وضع المرأة الحالى وأهمية هذا الدور كجزء مهم وفعال فى تقدم هذا المجتمع، لذلك فقد اهتمت الدولة بالمرأة ومشاركتها فى الحياة العامة وبمشاركتها فى المؤسسات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، ذلك فهى على قدم المساواة مع الرجل، إلا أنها تواجه أيضاً العديد من العقبات التى تعترى طريقها وتعوقها عن المشاركة السياسيةو ذلك بسبب الثقافة المجتمعية الناتجة عن الموروثات القديمة، حيث يرتبط وجودها فى المشهد السياسى واتخاذ القرارات إلى رفع مستوى الكفاءة الإنتاجية لها وزيادة نصيبها من الوظائف العليا، وكذا توسيع نطاق المشاركة لها ودخولها المجالس التشريعية ودعم دورها فى البرلمان والحياة السياسية بوجه عام.
واستطاعت المرأة تحقيق تقدم ملحوظ خلال العقد الأخير فى المشاركة فى الحياة العامة، وإظهار دورها فى المجتمع من خلال عملها ومشاركتها فى الإنتاج، وذلك أكسبها قيمة فى المجتمع كفرد له كيانه ودوره الفعال فى عملية التنمية، كما انعكس ذلك أيضاً على مكانتها الاجتماعية ودورها داخل أسرتها. ولكن على الرغم من مشاركة المرأة فى مجالات العمل المختلفة، إلا أن احتلالها للمناصب الإدارية العليا مازال محدوداً، مقارنة بالرجل، فعلى الرغم من انخفاض نصيب المرأة فى وظائف الإدارة العليا، فإن هناك تطوراً سريعاً فى هذا النصيب مع الزمن، حيث تشير البيانات الواردة فى بحث الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء 2020،  إلى أن نسب المعينين والمعينات فى وظائف الإدارة العليا بالحكومة والقطاع العام فى الفترة من 2011 إلى 2017 تحمل قدرا من التذبذب الطفيف لنسبة الإناث فى وظائف الإدارة العليا، بين الارتفاع والانخفاض وذلك نتيجة الاتجاه العام نحو تقليل الفجوة الجندرية فى هذا المجال بالإضافة إلى التحسن الملحوظ فى مستوى تعليم المرأة الناتج عن الجهود المبذولة من قبل الدولة وتطور الوعى المجتمعى لتعليم المرأة.    
لكن إذا تم تقسيم وظائف الإدارة العليا إلى مجموعتين: الأولى تضم وظائف الوزير ونائب الوزير، والثانية تضم بقية الوظائف فسنجد أن حظ المرأة من وظائف المجموعة الأولى (وزير ونائب وزير) لازال ضعيفاً، بالرغم من أنه ولأول مرة فى تاريخ مصر، يكون ربع أعضاء الحكومة من النساء، بالإضافة إلى 8 وزيرات فى حكومة واحدة، ما يعنى الاهتمام بالمرأة وتمكينها فى عملية صنع واتخاذ القرار ووضعها على الخريطة السياسية، إلا أنه من خلال رصد نسبة من يشغلن منصب وزير ونائب وزير نجد أنها لم تصل إلى 5% عام 2011 وانخفضت إلى نحو 4.9% عام 2015-2016، ثم ارتفعت إلى نحو 6.7% مؤخراً، وبرغم تضاعف أعداد النساء المقيدات فى جداول الانتخابات إلا أن مساهمة المرأة فى الحياة السياسية مازالت محدودة، وطبقاً لبيانات مجلس النواب المصرى 2021، اتضح  أن نصيب النساء فى عضوية مجلس النواب مازال لا يتعدى ثلث نصيب الرجال  فى عام 2017 بنسبة 26% مقابل 75.1% للرجال من إجمالى الأعضاء، فقد زادت نسبتهن من 2.4%  فى الفترة من عام 2000 إلى 2005، لتصل إلى 14.93%  فى الفترة من 2016-2021، ثم وصلت إلى أقصى مدى تمثيل نيابى للمرأة فى البرلمان فى الفترة الأخيرة وحتى عام 2026 وذلك نتيجة تعيين بعض العضوات بالمجلس لزيادة نصيب المرأة نوعاً ما، والقضاء على الفجوة النوعية وتمكينها سياسياً، وعلى الصعيد القضائي، تزايد عدد القاضيات بالمحاكم المصرية بنسبة 57.1% حتى وصل إلى 66 قاضية فى 2021، بعد أن كان عدد القاضيات 42 قاضية فى عام 2012، كما تم تعيين 3 سيدات بمنصب رئيس هيئة النيابة الإدارية على التوالى منذ عام 2017، وأيضا 37 مستشارة تم تعيينهن بمنصب نائبات لرئيس هيئة قضايا الدولة منذ أكتوبر 2013، ليكون إجمالى عدد المستشارات الحالى 677 مستشارة بهيئة قضايا الدولة،و يُعدّ هذا خطوةً مهمةً وواعية من قبل الدولة لتحقيق المساواة والقضاء على التمييز فى اعتلاء منصة القضاء بعد عقود من الزمان هُمشت فيها المرأة المصرية.
أما عن رصد الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للمرأة، فهى من الأمور الأساسية فى أى عملية تخطيطية؛ فصناع القرار يحتاجون لمعرفة الأوضاع الاجتماعية التى توضع عائقا أمام تمكين المرأة والمتمثلة فى الأمية والتسرب من التعليم بالإضافة إلى الزواج المبكر.
وتشير إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء المتمثلة فى التعدادات الرسمية  إلى أن نسبة الأمية على مستوى إجمالى الجمهورية قد بلغت 29.7% طبقاً لتعداد 2006 مقابل 25.8% فى تعداد 2017، وقد سجلت نحو 15%، 14.4% للذكور، مقابل 38%، 26.0% للإناث على التوالى وذلك للسكان منذ 10 سنوات فأكثر،  بينما انخفضت معدلات الأمية فى الفترة 2019- 2020 لتصل إلى 24.9 % بانخفاض ما يقرب من 5 درجات مقارنة بتعداد 2006، بالإضافة إلى   أن الإناث قد حققن أقل نسبة أمية فى عام 2020 حيث بلغت 23.7% بفارق نحو 1.2 درجة مئوية عن المستوى القومى، مقابل 13.7% للذكور بفارق ما يزيد على 11 درجة مئوية عن المستوى القومى فى الفترة نفسها، بينما بلغت نسبة الأمية بين الذكور أعلى مستوى لها فى عام 2018 بمقدار 22.2%، وكذا الإناث أيضاً فقد حققن أعلى نسبة أمية فى العام نفسه حيث بلغت  33.8 % .
كما اتضح من بيانات النشرة السنوية للتعليم قبل الجامعى المنشورة من قبل الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاءالفترة من 2013-2020، أن أعداد ونسب إجمالى المتسربين من التعليم فى المرحلة الابتدائية والإعدادية قد انخفضت؛ كما اتضح أيضاً انخفاض أعداد ونسب المتسربين فى المرحلة الابتدائية مقارنة بالمرحلة الإعدادية فى كافة الفترات، بالإضافة إلى انخفاض أعداد ونسب المتسربات من الإناث مقابل الذكور فى المرحلتين فى معظم الفترات.
ويعتبر الزواج المبكر (قبل بلوغ السن الرسمى 18 عاماً) أحد أهم الإشكاليات  التى تقف حائلاً أمام  تمكين المرأة بالإضافة إلى الآثار السلبية التى تتعرض لصحتها الإنجابية وصحة طفلها، حيث ترتبط الفترة الزمنية التى تتعرض فيها السيدة لخطر الحمل ارتباطاً قوياً بالسن عند الزواج الأول، كما أن زواج القاصرات هو انتهاك صريح لحقوق المرأة المصرية وعائق أمام تعليمها وانخراطها فى العمل كما أنه يعد تحدياً لايستهان به فى زيادة أعداد المواليد وزيادة نسب الطلاق ومعدلات زيادة أطفال الشوارع فى مصر، فهو يساهم فى زيادة عدد السكان بشكل عام دون وعى الأسر المصرية إلى خطورة الزيادة السكانية على الأجيال القادمة وتحقيق الاستفادة المثلى من معدلات النمو، وبالرغم من أن الزواج المبكر ممنوع قانوناً إلا أنه وجد من واقع بيانات تعداد 2017 أن نحو 117 ألف من النساء تزوجن قبل سن الثامنة عشرة أى ما يعادل 0.8% لمجمل السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و17 سنة، منهم 96٫533 فى المناطق الريفية وحدها من إجمالى حالات الزواج.
وأشار تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2015 إلى كيفية مساهمة العمل فى تعزيز التنمية البشرية فى ظل تغيرات متسارعة تؤثر على سوق العمل؛ وتحديات كبرى تحتاج إلى جهود ضخمة للتغلب عليها، ففى العمل قوة المجتمعات فعندما يتجه السكان إلى العمل والإنتاج لا يزيدون رفاهيتهم المادية فحسب، بل يكونون مخزوناً معرفياً تراكمياً تبنى عليه الثقافات والحضارات. ومن هنا، جاءت أهميـة تخطـيط القـوى العاملـة بـشكل خـاص فى الـدول الناميـة، حيـث إن مقتـضيات التنمية فيها تعتمد فى الأساس على القوى العاملة وإعدادها الإعداد المناسب، حيث تبرز أهمية التخطيط المستقبلى للقوى العاملة فى التنبؤ بالاحتياجات من القوى العاملة كماً ونوعاً، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد البشرية المتاحة وتنمية قدراتها.
وقد أظهرت بيانات النشرة السنوية للقوى العاملة للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عام 2020، تزايد حجم القوى العاملة بالدولة المستمر، فقد ارتفع عدد العاملين الملتحقين فعلياً بالأنشطة الاقتصادية من 20.6 مليون نسمة عام 2006 إلى نحو 26.1 مليون نسمة عام 2020. كما ارتفعت معدلات المشتغلين للذكور مقابل الإناث فى كافة الفترات. وارتفع معدل المشتغلين بالدولة خلال الفترة بين عامى 2006-2020 من 89.4% إلى 92.1% من إجمالى السكان فى سن العمل، وقد تباينت نسبة الزيادة خلال الفترتين التعداديتين تبعاً لمقدار الزيادة العددية التى تُضاف إلى جملة القوى العاملة، إلى جانب مدى ما توافر لها من فرص حقيقية للعمل، بالإضافة إلى انخفاض حجم البطالة بالدولة من 2.43 مليون نسمة عام 2006 إلى نحو 2.41 مليون نسمة عام 2020، وبالرغم من انخفاض معدل البطالة من 10.6% فى 2006 ليصل إلى 7٫9% فى 2020، إلا أن  معدلات البطالة مازالت مرتفعة للإناث مقابل الذكور فى كافة الفترات.
الجدير بالذكر أنه برغم كل هذه البيانات التى تمثل الإصلاحات الاقتصادية والجهود المبذولة من قبل الدولة لتحسين الأوضاع الاقتصادية ورصد الاختلال المجتمعي؛ إلا أنها مازالت أمام أهم التحديات التى تمثل عائقاً لا يمكن تجاهله؛ من خلال مشكلات عدة أهمها مشكلة العمالة غير المنتظمة التى تزيد من العوائق أمام الدولة لتحقيق التنمية، حيث اتساع دائرة العمل غير المنتظم فى مصر لتشمل أعداداً أكثر من العاملين وتبتلع أقساماً جديدة وقطاعات صناعية متنوعة؛ كما تتوزع العمالة غير المنتظمة على عدة قطاعات رئيسية أبرزها قطاع المقاولات، والباعة الجائلون، والعمالة الزراعية الموسمية، فضلاً عن قطاعات العمالة غير المنظمة فى الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر؛ كل هذا يؤدى إلى ارتفاع معدلات الفقر ناتجاً عن التحديات المجتمعية والاقتصادية والاختلافات الجندرية التى تقف عقبة أساسية فى سبيل تحقيق التنمية المستدامة ورفع معدلات النمو الاقتصادى والازدهار المجتمعي؛ لذا اتجهت الدولة لتكاتف الجهود الحكومية الوزارية والتعاون مع صانعى القرار والمنظمات المجتمعية لإطلاق سياسة الحوار الوطني؛ والتى تمثل اتخاذ رؤية  ديمقراطية تنم عن التطور  العلمى الفكرى والتنوير الثقافى للوقوف على أهم التحديات  والإشكاليات والقضايا المعاصرة لتمكين المرأة المصرية.
ثانياً- دوافع الحوار الوطنى فى أبعاده وإمكانية تفعيل آليات تمكين المرأة:
تشهد التطورات المجتمعية والاقتصادية تغيرات سريعة النسق؛ تؤثر مباشرة على تطور الوضع العام المحلى، والإقليمى، والدولي، وتفرض ضرورة اتخاذ مسارات متعددة فى سبيل التعامل مع هذه الأوضاع وتداعياتها. وفى هذا الإطار يتم طرح دوافع الحوار الوطنى فى إمكانية تفعيل مشاركة المرأة فى المراحل المختلفة من مسار التحولات الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية العامة، حيث يتم التشديد على ضرورة إدماجها فى دعم واتخاذ القرار، وضمان تفعيل مشاركتها فى مختلف المراحل وعلى جميع الأصعدة، وقد دعمت المواثيق والقرارات الدولية مبادئ مشاركة المرأة  فى مفاوضات السلام، وأكدت ضرورة منع الانتهاكات والممارسات العنيفة التى تستهدفها؛ ومن ضمن أهم هذه المواثيق الدولية؛ نجد قراراً  يدعو الدول الأعضاء والمجتمع الدولى إلى دعم إدماج المرأة فى عملية صنع القرار؛ وذلك لضمان نجاحها، وشمولية إنجازاتها.
واتساقاً مما سبق؛ نجد أن أحداث 2011، وثورة 2013؛ قد أتت بفرص جديدة للمرأة للمشاركة فى المجال العام، وتم إنشاء ما يقرب من 4000 منظمة ومبادرة عقب الثورة، بما فى ذلك المنظمات غير الحكومية الجديدة والمواقع الإلكترونية التفاعلية وحركات الشباب الفنية؛ وتم تشكيل تحالفات متعددة بين المنظمات النسائية ومنظمات حقوق الإنسان، كان أهمها التحالف المصرى لمشاركة المرأة (المكون من 454 جمعية ومنظمة نسائية)، الذى يدعم اليوم مشاركة المرأة فى الحياة العامة. كما أقيمت شراكات من خلال ائتلاف المنظمات النسائية المصرية الذى يتألف من 11 جمعية تنادى بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. «حركة نساء مصر الحرة» التى ضمت ناشطات شابات. وحركة «معا» التى تضمنت تطوع شابات متعلمات فى مكافحة التحرش وسوء المعاملة؛ و«تحالف المرأة المصرية» الذى يهدف إلى دعم مشاركة المرأة فى صنع القرار داخل وخارج القاهرة.
 وقد قدمت المرأة العاملة المصرية بعد كل هذه الأحداث السياسية؛ مساهمة كبيرة فى زيادة عدد النقابات والنقابات العمالية، حيث بدأت النساء فى تنظيم وإنشاء النقابات الخاصة بهن وساهمن فى إنشاء نقابات أخرى جنباً إلى جنب مع الرجال، وعلى سبيل المثال،  قامت المرأة المصرية بتأسيس نقابات التمريض والقيادات الريفية، والتى تتألف حصريًا من العضوات، كما ساعدت فى إنشاء نقابة المعلمين المستقلة ونقابة عمال البريد المصريين، بالإضافة إلى المنظمات المتخصصة والإقليمية والوطنية الأخري، هذه المنظمات لم تنفذ تدابير خاصة لتشجيع وتعزيز إدماج المرأة، ولم تنفذ النقابات والنقابات العمالية نظام الحصص أو الأهداف بعد؛ أو السياسات والإجراءات الداخلية للمساعدة فى تحقيق التمثيل المتكافئ فى مناصب صنع القرار؛و توفير تدريب متخصص لمساعدة النساء فى الحصول على الترقيات أو التكريم؛ وغالبًا ما تكون الإجراءات التى تتخذها النقابات العمالية لتمكين ودعم مشاركة المرأة المتزايدة نتيجة القيادة المكرسة لمثل هذه القضية، وقد أجرت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية مقابلات مع بعض القادة النقابيين الذكور الذين جسدوا هذه الروح، ومع ذلك يمكن للقيادة أن تتحول، وبالتالى هناك حاجة لتدوين هذه الممارسات الجيدة بشكل صريح فى اللوائح الداخلية للنقابات والنقابات العمالية من أجل ضمان الاستمرارية والالتزام المنهجى بمبادئ المساواة بين الجنسين فى أى حال وتحت كل قيادة.
وعلى الرغم من الأعداد المتزايدة لأعضاء النقابات وبما فيها النقابات العمالية -تشير التقديرات إلى أن 3.9 مليون عضو - إلى 24 نقابة مهنية فى مصر -لا تزال النساء يمثلن أقلية من قادة وأعضاء تلك المنظمات. وبحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فإن تمثيل المرأة أفضل كأعضاء فى نقابة المعلمين (28.4٪) ونقابة المهن الزراعية (17.7٪) ونقابة المهن التجارية (16.1٪).
ثالثاً- متطلبات التمكين وتعدد الأدوار سواء على المستوى الحكومى أو المجتمعي:
إن نهج الحوار الوطنى يسمح لنا بفحص دقيق للالتزامات السياسية والاقتصادية للدولة تجاه مواطنيها، بالإضافة إلى التأكيد على التأثير الذى يمكن أن يحدثه توافق قوى الدولة، سواء على المستوى الحكومى أو المجتمعى وعلى العلاقات بين الدولة والمجتمع، كما يعكس الحوار الوطنى كيفية تفاوض الأطراف المختلفة مع بعضها البعض، وبالتالى تكمن أهميته فى تحقيق التوازن بين توقعات والتزامات مؤسسات الدولة وتوقعات والتزامات بقية المجتمع.
وانطلاقاً من فرص مشاركة المرأة فى صنع واتخاذ القرار، وحرصاً على تعميق الحوار وجنى فوائده وثماره، ولو بشكل متدرج وبقدر ما يتوافق مع عمق المشكلات والقيود ومتطلبات التغيير، تتجلى أهمية تضافر أدوار المنظمات المجتمعية والأهلية مع الحكومة فى تفعيل قوى الحوار الوطنى وامتداده إلى المستويات والشرائح المختلفة من المجتمع، وبحيث لا يقتصر على النخبة والفاعلين على الساحة؛ وذلك من خلال طرح بعض الأفكار والتصورات المتعلقة برؤية وتعاون الأنظمة الحكومية مع الهيئات الخاصة والأهلية فى صياغة وتنفيذ الأجندة الوطنية، لاسيما فى شقها التنموى المستند إلى الحقوق بالمعنى الواسع للحقوق، وذلك انطلاقاً من رؤية واقعية لطبيعة مكونات المنظمات المجتمعية المصرية التى تعانى من اختلالات هيكلية على مستوى القيم والأدوار والمسئوليات والتنظيمات، فضلاً عن قصور العلاقة الارتباطية بين القطاعات الثلاثة (الأهلي، والخاص، والحكومي) التى تقف عند مستوى الحد الأدنى المرتبط بالتعاون فى تنفيذ بعض المشروعات والبرامج.
ويعتبر التكامل بين الهيئات الحكومية والمنظمات الأهلية أمراً حتمياً لتعزيز المشاركة المجتمعية وتنظيمها وتفعيل مكوناتها بالقدر الذى يعظم من قدرات الدولة على تنفيذ خططها التنموية المستقبلية، والعمل على تعزيز وحماية الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية للمرأة الذى يتيح فرصة فريدة للربط بينها وبين استراتيجيات الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية ووضعها على الأجندة الوطنية فى دعم واتخاذ القرار، كما أنه يطعن فى كثير من الافتراضات القائمة بشأن تهميش دور المرأة فى المجتمع، ويؤدى إلى تغييرات موضوعية فى علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة والقائمة على الاختلافات الجندرية النوع الاجتماعى الناتجة عن المورثات والتقاليد القديمة، فالمنظمات المجتمعية تمثل الإطار القاعدى والأفقى للمجتمع، نظراً لما تعبر عنه عملية تكوينها وأدوارها الرعائية والخيرية البسيطة، وما تحمله من قيم تكامل وتضامن؛ وبالتالى تبقى أدوار ومنظمات الهيئات الحكومية والمجتمعية فى طابعها ووظائفها وقيمها ممثلة للإطار الرأسى للمجتمع والمخترق لكل شرائحه وفئاته، فالوظائف المتعددة المتمثلة فى المنظمات المجتمعية تتطلب وعياً مجتمعياً ونخبوياً، وتبلور قوى مدنية قادرة على إعادة تنظيم مكونات هذه المنظمات فى إعادة صياغة السياسات وتكامل الأدوار فى الأمور الخاصة بالمرأة بالقدر الذى يمكنها من لعب أدوارها التنموية والحقوقية والتوعوية. فى معالجة هذه القضايا والإشكاليات المتوارثة والمعاصرة.

المصادر:
-الكتاب الإحصائى السنوي، الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، 2021.
-المركز العربى للبحوث والدراسات، تقديرات موقف، أثر البُعد الثقافى على المشاركة السياسية للمرأة: دراسة مقارنة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية (2014-2019)، 2021.
-أميرة تواضروس، علياء عامر، وآخرون، التحديات والمعوقات التى تواجه المرأة فى ظل الأزمات والكوارث غير المتوقعة، سلسلة أوراق ديموجرافية، أوراق سياسات، العدد الثالث، المركز الديموجرافي، القاهرة، 2020.
-أميرة تواضروس، علياء عامر، تحليل الخصائص الديموجرافية للسكان فى المناطق التابعة لإدارات تعليمية مختلفة، سلسلة أوراق ديموجرافية، أوراق سياسات، العدد الأول، المركز الديموجرافي، القاهرة، 2020.
-أهم مؤشرات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك، الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، 2017/2018.
-أيمن عبدالوهاب، الحوار الوطنى والمجتمع المدني، أولوية الرؤية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2022.
-برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2015، ص 6.
-علياء عامر، ديموجرافية أفريقية بنكهة غربية، «حالة جمهورية جنوب أفريقيا»، 2021.
-علياء عامر، المتغير الديموجرافى وتأثيره فى الشخصية المصرية، مؤسسة الأهرام، مجلة الديمقراطية، العدد 84، أكتوبر 2021.
-علياء عامر، المرأة المصرية من التمكين السياسى إلى النفاذ القضائي، مؤسسة الأهرام، مجلة الديمقراطية، العدد 85، يناير 2022.
-Qandil, Amany, Studying the Egyptian Women Case, Arab Women Organization,2014 


رابط دائم: