المحور السياسى فى الحوار الوطنى
7-5-2023

د.إكرام بدر الدين
* أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة

يمكن القول إن المشهد السياسى المصرى شهد درجة مرتفعة من الزخم والنشاط خلال صيف 2022، وربما بدرجة غير مألوفة خلال السنوات السابقة، نتيجة لمبادرة الحوار الوطنى التى دعا إليها السيد رئيس الجمهورية فى حفل إفطار الأسرة المصرية مما أدى إلى تحريك المياه فى نهر السياسة المصرية واستجابة مختلف القوى والأطراف الفاعلة والنشطة لهذه الدعوة الرئاسية للحوار، ولعل الحوار ينطوى ويعكس قيم مهمة مرتبطة بالديمقراطية وما تنطوى عليه من مبادئ وأفكار، فالحوار وما يعنيه من قيم مثل التعددية وقبول الآخر، وعدم التعصب، ومواجهة التحديات، وإيجاد حلول للمشكلات بالطرق السلمية من سمات الدول الديمقراطية، فالمجتمع الديمقراطى ليس ذلك المجتمع الذى تغيب فيه الاختلافات والصراعات، بل هو المجتمع الذى يعمل على حل الصراعات بالطرق السلمية، ومواجهة التحديات والصعوبات بأفضل الطرق والأفكار الممكنة والتى يمكن الوصول إليها بطريقة سلمية أى من خلال الحوار وتبادل الآراء والأفكار(1)، وما ينطوى عليه ذلك من تعددية سواء كانت تعددية الأطراف، والقوى،والخبراء، والمتخصصين المشاركين فى الحوار، أو تعددية الآراء، والاجتهادات، والحلول المطروحة لمواجهة المشكلات والتحديات، وبعبارة أخرى فإن الحوار يهدف دائما إلى الوصول إلى الأفضل و  خاصة عندما يكون تحت مظلة عامة تجمع الكل وهى مظلة الوطن، ولذلك يمكن فهم لماذا يطلق عليه «الحوار الوطني»،أى ما يهدف إليه جميع الأطراف المتحاورة هو مصلحة الوطن وأمنه القومي، والابتعاد عن المصالح الخاصة أو الضيقة أو الفئوية، وهو ما يتيح للحوار إمكانية النجاح نظرا لتوافق الجميع على الهدف الأسمى الذى يعملون على الوصول إليه وهو المصلحة العليا للوطن.
وينطوى الحوار على عديد القضايا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتنموية، والبشرية، مع ملاحظة أن الفصل بين هذه القضايا لا يعدو أن يكون فصلا تحليليا أو نظريا، وترتبط هذه القضايا من الناحية الواقعية ببعضها البعض، وبحيث يؤثر كل منها بالآخر ويتأثر به، ويظهر فى هذا الإطار مهارة الأطراف المشاركة فى الحوار، وقدرتهم على التحليل الموضوعى السليم من أجل الوصول إلى الأفضل.
ويمكن أن يتضمن المحور السياسى فى الحوار الوطنى عدة قضايا مهمة وذلك على النحو التالي:
أولا- الأحزاب السياسية:
تعد الأحزاب السياسية من المؤسسات المهمة والمؤثرة فى أى نظام سياسى وتكسبه خصوصيته وتؤثر عليه من حيث درجة المشاركة السياسية والديمقراطية، ووضع الحلول للمشكلات المختلفة التى يواجهها النظام، كما يمكن أن تلعب دورا مهما فى تحقيق التكامل القومى والالتفاف حول القضايا الوطنية والمصيرية للوطن، كما تحاول الأحزاب الحصول على الالتفاف الجماهيرى حول برامجها وأهدافها، وتعمل دوما على الوصول إلى السلطة من خلال الحصول على أغلبية المقاعد فى الإنتخابات التشريعية، ولعل ذلك هو أهم ما يميز الحزب عن المؤسسات الأخرى، فالحزب فى تعريفه السياسى هو جماعة سياسية منظمة لها برنامج وتسعى للوصول إلى السلطة بالطرق المشروعة، أى من خلال الحصول على أغلبية المقاعد البرلمانية فى الانتخابات ويطلق على الحزب الذى يحصل على هذه الأغلبية اصطلاح الحزب الحاكم، ويعمل على تحويل برنامجه من الإطار النظرى والفلسفى إلى سياسات عملية، بينما يطلق على الحزب أو الأحزاب الأخرى التى لم تحصل على أغلبية المقاعد التشريعية اصطلاح أحزاب المعارضة، مع امكانية تبادل الأدوار بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة وفقا لما تسفر عنه نتائج الانتخابات من فترة إلى أخرى(2).
وبالنسبة للأحزاب المصرية، يمكن القول إن وجود درجة كبيرة من التناقض بين عاملى الكم  والكيف، ويقصد بذلك وجود عدد كبير من الأحزاب السياسية تصل إلى نحو 105 أحزاب، بينما عدد الأحزاب التى تفوز بمقاعد فى الانتخابات التشريعية و تمثل فى البرلمان لا يصل إلى 14 حزب، ومعنى ذلك أن الأغلبية الساحقة من الأحزاب السياسية المصرية أى أكثر من 90 حزبا غير ممثلة فى البرلمان ولا تحصل على أى مقعد فى الانتخابات التشريعية(3)، كما أن المواطن المصرى العادى والمثقف غالبا ما لا يعرف من هذه الأحزاب سوى عدد محدود قد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، بينما الأحزاب الأخرى لا يعرف عنها فى الغالب أى معلومات بمعنى أنه لا يعرف اسم الحزب ولا برنامجه، وليس لديه معلومات عن النخبة الخاصة بكل حزب، ومعنى ذلك أنها أحزاب مجهولة للمواطن العادى وبالتالى تفقد معظم الأحزاب المصرية سمة مهمة من سمات الأحزاب السياسية وهى القدرة على الوجود فى الشارع واجتذاب الأعضاء والقدرة على حل المشكلات، فأغلبية الأحزاب المصرية هى عبارة عن اسم، ولافته، ومقر دون أن تكون معروفة للمواطن، بل يمكن وصفها بأنها أشبه بالأحزاب الخفية.
ونتيجة لذلك، فإن تدعيم الأحزاب السياسية وزيادة قوتها كمؤسسات سياسية يمكن أن يكون من القضايا المهمة فى المحور السياسى للحوار الوطني، وربما يكون من الأفضل الاهتمام بعنصر الكيف بالنسبة للأحزاب،أى تقوية الأحزاب وزيادة فاعليتها ولعل من المقترحات التى يمكن أن تفيد فى هذا الإطار أن الحزب الذى لا يحصل على أى مقعد فى انتخابين متتاليين لا يستحق أن يبقى كحزب، لأنه فى هذه الحالة يكون قد فقد إحدى السمات المهمة للأحزاب السياسية وهى الوصول للسلطة، ويصبح أقرب إلى كونه جماعة ضاغطة، كذلك قد يكون من المفيد أن يشترط القانون حصول الحزب على حد أدنى من الأصوات الإنتخابية (نسبة مئوية)، وإذا لم يحصل عليها توجه إلى الحزب الحاصل على أعلى الأصوات وهو ما يطلق عليه العتبة الانتخابية ويوجد ذلك فى بعض النظم (ألمانيا)، والهدف من ذلك تقوية وتدعيم الأحزاب السياسية، كذلك قد يكون من المقترحات المهمة أيضا أن تتجه الأحزاب ذات الاتجاه السياسى الواحد أو الأيديولوجية المشتركة إلى التكتل معا فى حزب واحد أو ائتلاف حزبى مشترك، فالاتجاهات والأيديولوجيات السياسية فى علم السياسة معروفة وهى اليمين، والوسط، واليسار، والقومي، أى لا يوجد احتياج إلى 20 حزب على سبيل المثال تعبر عن اليمين، أو 30 حزبا تعبر عن اليسار وهكذا، وفوائد ذلك تقليل عنصر الكم الضخم للأحزاب السياسية وتقليل حيرة الناخب فى الاختيار بين عدد كبير من الأحزاب، وفى الوقت نفسه زيادة فرص الأحزاب التى لا تستطيع الحصول على أى مقعد من خلال الانضمام إلى كيانات أكبر ويجعل لها مزيدا من القوة والقدرة على التمثيل والفوز بالمقاعد(4).
ثانيا- الوعى السياسي:
تعتبر قضية الوعى السياسى من القضايا المهمة التى ينطوى عليها البعد السياسى فى الحوار الوطنى لما لها من أهمية كبيرة فى زيادة قدرة الدولة المصرية على مواجهة التحديات والأنماط المستحدثة من الحروب التى يتعرض لها العالم فى الآونة الراهنة. فالصراعات والحروب الحديثة لم تعد تقتصر على المواجهة العسكرية المباشرة بين الجيوش النظامية، بل ظهرت أشكال أخرى من الحروب تعتمد على نشر الشائعات والأخبار المغلوطة والتشكيك فى الإنجازات، وإضعاف الروح المعنوية والتماسك الداخلي، والعمل على إيجاد الفرقة والانقسامات بين قطاعات مختلفة من المواطنين، وبين المواطنين ومؤسسات الدولة بهدف التأثير سلبا على التكامل القومى والاستقرار السياسى والأمن داخل الدولة، وإثارة مشاعر اليأس والإحباط وهو ما يطلق عليه حروب الجيل الرابع، أى ذلك النمط من الحروب الذى لا تستخدم فيه القوات المسلحة بشكل مباشر، ولكنه نمط من الحروب لا يقل فى شدته وضراوته وآثاره عن الحروب التقليدية، بل ربما يفوقها فيما يحدث من أضرار وآثار ولذلك يطلق عليه الحرب النفسية(5).
ويحتاج النجاح فى مواجهة هذا النمط المستحدث من الحروب إلى رفع الوعى السياسى للمواطنين، وغرس القيم الإيجابية كالمشاركة، والعمل التطوعي، وتقبل الآخر، والتسامح والبعد عن التعصب، وتعتبر هذه العملية المتعلقة برفع الوعى السياسى للمواطنين، أو ما يمكن أن نطلق عليها التثقيف السياسى من المهام المطلوب ممارستها من قبل مؤسسات الدولة المختلفة وأجهزتها وأدوات التنشئة الاجتماعية منها والسياسية، وبحيث تتضافر جهود الجميع للوصول إلى النتيجة المرجوة وهى رفع الوعى السياسى للمواطن لزيادة قدرته على مواجهة الشائعات المغرضة والحرب النفسية، ودعاوى اليأس والإحباط، ويوجد دور شديد الأهمية فى هذا الإطار يمكن أن تمارسه الأحزاب السياسية وخاصة إذا تم تدعيمها وتقويتها كمؤسسات سياسية، حيث يمكن للأحزاب من خلال أنشطتها وما تعقده من ندوات ولقاءات جماهيرية، وما تطرحه من حلول للمشكلات والتحديات، وما تقوم به من متابعة للتطورات السياسية فى الداخل والخارج أن تسهم فى رفع الوعى السياسى للمواطنين، كما يوجد دور مهم أيضا للأسرة والمدرسة فى غرس هذه القيم الإيجابية، وكذلك تسهم بفعالية فى ذلك الجامعات ومراكز الأبحاث من خلال ما تقوم به من أبحاث ودراسات، إضافة إلى دور شديد الأهمية بالتأكيد لوسائل الإعلام والاتصال الجماهيرى المرئية والمسموعة والمكتوبة، حيث تقوم أيضا بتعريف المواطنين بالتحديات والمستجدات السياسية وتقوم بنشر القيم الإيجابية التى تسهم فى رفع وعى المواطنين السياسي(6).
كما يمكن أن تسهم مؤسسات ووزارات الدولة المختلفة كل فيما يخصه فى رفع الوعى للمواطنين ومن ذلك على سبيل المثال وزارة الشباب والرياضة من خلال أنشطة مراكز الشباب وما يمكن أن تقوم به من لقاءات وندوات واستضافة للمتخصصين لمخاطبة الشباب وتعريفهم بالتطورات والمستجدات السياسية، ويوجد أيضا دور مهم لوزارة الثقافة وأنشطتها وذلك من خلال قصور الثقافة وما تقوم به من تواصل مع المواطنين، وهنك بالضرورة دور شديد الأهمية لمؤسسات المجتمع المدني، والنقابات، والمؤسسات الدينية، وقادة الرأى والفكر فى غرس هذه القيم الإيجابية ورفع وعى المواطنين.
ويتطلب الأمر أن تقوم هذه المؤسسات كافة بأدوارها وفقا لخطة أو استراتيجية موحدة ومتجانسة وبحيث يكون هناك توافق فى عملها، وأن تعمل جميعا على تحقيق نفس الهدف وهو زيادة الوعى السياسى للمواطنين وبحيث لا تتناقض هذه الأدوات المختلفة فى الأداء، وربما يتطلب الأمر من وجهة نظرى ايجاد هيئة أو جهة تتولى الأشراف على أداء المؤسسات المختلفة والتنسيق بينها قد تكون تابعة لمؤسسة الرئاسة، أو لرئاسة مجلس الوزراء مثل مجلس أعلى للتثقيف السياسي، أو لجنة عليا أو هيئة تتولى القيام بوضع الاستراتيجية ومراقبة الأداء والتنفيذ، وبما يضمن رفع الوعى السياسى للمواطنين.
ثالثا- المحليات:
عرفت مصر أول قانون للإدارة المحلية منذ عام 1883 ثم مرت بتحولات مختلفة وقوانين متعددة للإدارة المحلية وذلك نظرا للتعديلات القانونية والتغييرات الدستورية.  ولعل من أهم القوانين الخاصة بالمحليات فى مصر القانون رقم 124 لسنة 1960 والذى تضمن توصية بنقل السلطة تدريجيا إلى المجالس المحلية المنتخبة، والقانون رقم 57 لسنة 1971 والذى ميز بين الأعضاء المنتخبين الذين يشكلون المجلس الشعبى المنتخب، والأعضاء المعينين الذين يشكلون المجلس التنفيذى والذى استحوذ على معظم صلاحيات واختصاصات المجالس المحلية بموجب القانون رقم 49 لسنة 1979 والمعمول به حتى الآن، ووفقا لقانون الإدارة المحلية، توجد عدة مستويات للإدارة المحلية وهى المحافظات، والمراكز، والمدن، والأحياء، والقرى، ولقد كان من المقرر أن تجرى انتخابات المحليات فى مصر فى 8 أبريل 2008، وكان عدد المقاعد المخصصة لهذه الانتخابات 52 ألف مقعد، ولكن تم تأجيل الإنتخابات المحلية لمدة عامين فى فبراير 2008 بناء على اقتراح رئيس الجمهورية والذى تمت الموافقة عليه، ولم تشهد مصر منذ هذا التاريخ انتخابات محلية أى طوال فترة 14 عام.
وفى تقديرى أن إحدى القضايا المهمة فى الحوار الوطنى بالنسبة للمحور السياسى هى قضية المحليات، وهو ما يثير تساؤلات عن المحليات وأهميتها، وسلطات المجالس المحلية، ودور المحليات فى النظام السياسى وهو ما نوضحه فى مايلي:
أهمية التوجه نحو الحكم المحلي:
يمكن أن تلعب المحليات دورا إيجابيا مهما داخل النظام السياسي، يسهم فى دفع وتطوير عملية المشاركة السياسية وتحقيق فائدة الدولة والمجتمع، وترجع أهمية المحليات إلى كونها تسهم فى تدعيم اللامركزية السياسية ويمكن من خلالها تخفيف الأعباء عن الحكومة والمجلس التشريعى لأن المحليات تهتم فى المقام الأول بما يتعلق بمطالب ومصالح المواطنين اليومية، والمشكلات المحلية والتى يمكن أن تختلف من محافظة إلى أخرى ومن مركز إلى آخر داخل المحافظة، وكذلك قد يكون من المفيد الأخذ بفلسفة الحكم المحلى وليس الإدارة المحلية، بمعنى أن يكون للمجالس المحلية المنتخبة سلطة رقابية على المجالس التنفيذية المعينة، وبحيث يتم حل أغلب المشكلات فى الإطار المحلى ويمكن أن يحقق ذلك فوائد متعددة وهى تخفيف الأعباء والمطالب على المجلس التشريعى (البرلمان)، لأن كثير من القضايا يتم حلها على مستوى   محلي، كما إنه يعطى درجة أكبر من القوة للمجالس المنتخبة على حساب المجالس المعينة، وهو ما يحقق ويدعم الديمقراطية إضافة إلى تدعيم اللامركزية من خلال تقوية المجالس المحلية المنتخبة.
ولذلك فإن قانون المحليات الجديد والمطروح على مجلس النواب ووافقت عليه لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان يمكن أن يكون أيضا من القضايا المهمة التى تناقش فى إطار الحوار الوطنى، بهدف الإستفادة من التجارب والخبرات السابقة والوصول إلى أفضل تصور ممكن لنظام المحليات فى مصر، وخاصة ما يتعلق بالتشكيل والإختصاصات، والوظيفة الرقابية والمالية.
كما تجدر الإشارة إلى قضية على مستوى كبير من الأهمية بالنسبة للمحليات، وهى قضية فساد المحليات(7) أو الفساد على المستوى المحلي، حيث عرفت المحليات ارتفاع فى مؤشرات الفساد لسنوات طويلة، وهو مادفع أحد أقطاب الحزب الوطنى قبل 2011 إلى الاعتراف علنا باستشراء الفساد فى المحليات وذلك فى عبارته الشهيرة (الفساد للركب فى المحليات)لذلك، فإن هذه القضية قد تكون من القضايا المهمة المثارة فى الحوار الوطنى فى المحور السياسى، وهى كيفية حماية المحليات من الفساد وكيفية مكافحته فى حالة ظهوره،إضافة إلى تدعيم سلطات المجالس المحلية الشعبية من الناحية الرقابية.
كذلك من المفيد أن يتطرق الحوار الوطنى إلى تحديد القضايا التى يتم التركيز عليها على المستوى المحلي، وأولوية هذه القضايا وهى قضايا متعددة ومنها مواجهة البطالة وخاصة لدى الشباب، وتدعيم المشاركة والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، والصناعات والحرف اليدوية، والصناعات المرتبطة بالبيئة، ومكافحة الأمية وخاصة لدى المرأة، ويمكن أن يندرج فى ذلك أيضا قضايا الحفاظ على البيئة والمناخ وهى قضايا تشغل العالم حاليا، وكذلك الاهتمام وتطوير المناطق السياحية فى بعض المحافظات والأقاليم بهدف اجتذاب السياحة، والقيام بمشروعات تعتمد على المنتجات المحلية بالجهود الذاتية، وتشجيع عمل الفتيات فى الحرف اليدوية والمرتبطة بالبيئة، وكيفية استخدام وإدارة ممتلكات الوحدة المحلية بأفضل الطرق الممكنة، ويندرج فى ذلك أيضا تحقيق الأمن الغذائى على المستوى المحلي، حيث يمكن أن تكون هذه القضايا المختلفة والمتعددة على المستوى المحلى سواء كانت سياسية أو اقتصادية، أو اجتماعية مجالا للاهتمام على مستوى الحوار الوطني.
رابعا- البعد التشريعى وآليات التنفيذ:
بطبيعة، الحال فإن الحوار البناء يرتبط بما يسفر عنه من نتائج يتم التوافق عليها وآليات تنفيذ هذه النتائج، وبعبارة أخرى فإن الحوار ليس من أجل الحوار فقط، بل إن أهميته فيما يسفر عنه من مخرجات تجد مجالا للتنفيذ على أرض الواقع، وما يتطلبه تنفيذ هذه المخرجات من تشريعات جديدة أو تعديلات فى تشريعات سابقة لتنفيذ نتائج ومخرجات الحوار والتغلب على التحديات والصعوبات التى تواجه الوطن فى الآونة الراهنة، ولعل أهم التشريعات أو القوانين المطلوبة فى هذا الصدد بالنسبة للمحور السياسى تتعلق بما يلي:
1- القوانين والتشريعات التى تساعد على تقوية الأحزاب السياسية وتدعيم دورها فى النظام السياسي، ويمكن أن يكون ذلك من خلال تعديل التشريعات والقوانين الخاصة بنشأة الأحزاب السياسية بمعنى وضع ضوابط تنظيمية لنشأة أى حزب سياسى يراعى فيها بعض الضوابط التنظيمية مثل الحد الأدنى للأعضاء المنتمين إلى الحزب، وجود الحزب فى محافظات متعددة فى الجمهورية سواء من حيث العضوية  أو المقرات الحزبية، وألا يكون برنامج أى حزب ينطوى على تكرار أو تقارب شديد مع برامج الأحزاب القائمة، إضافة إلى البحث فى إصدار تشريع خاص بدمج الأحزاب السياسية ذات البرامج المتشابهة أو الاتجاه السياسى الواحد، وأن يحدد التشريع مدى بقاء الحزب واستمراريته فى حالة عدم الحصول على مقاعد فى الانتخابات التشريعية أو عدم حصول الحزب على نسبة معينة من أصوات الناخبين كحد أدنى يحدده القانون، وربما الهدف الأساسى من هذه القوانين المقترحة هو تقوية وتدعيم النظام الحزبى وتنشيط الأحزاب السياسية، وبحيث يكون لها دور مؤثر على الساحة السياسية وليس مجرد الوجود الشكلى دون فاعلية(8).
2- القوانين والتشريعات الخاصة برفع الوعى السياسى والتثقيف السياسى للمواطنين ودور أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة فى هذا الإطار، والنظر فى إمكانية إنشاء هيئة متخصصة للتثقيف السياسى للمواطنين قد تأخذ شكل لجنة عليا أو مجلس أعلى للتثقيف السياسي، أو وزارة خاصة للتوجيه والإرشاد القومى على نحو ما عرفته مصر عقب 23 يوليو 1952، وبطبيعة الحال إنه فى حالة التوافق على ذلك من خلال الحوار الوطنى فإن الأمر يتطلب بالضرورة إصدار التشريعات والقوانين المنفذة لذلك من خلال البرلمان.
3- القوانين والتشريعات المنظمة لعمل المحليات فى مصر وخاصة بعد توقف انتخابات المحليات لفترة 14 سنة منذ عام 2008، ولذلك يكون من المرغوب فيه أن تكون عودة المحليات قوية ومؤثرة نظرا لما تؤدى إليه من توسيع دائرة المشاركة وتدعيم الديمقراطية والقدرة على حل المشكلات المحلية فى إطار محلي، وتخفيف الأعباء على الحكومة والبرلمان فى هذا الإطار، ويكون من المرغوب فيه أيضا النظر والتباحث فى قانون المحليات والذى وافقت على مشروعه لجنة الإدارة المحلية بالمجلس النيابي، وأن يكون الهدف هو الأخذ بفلسفة الحكم المحلى وتحديد الأساليب الرقابية والاختصاصات التنفيذية على المستوى المحلي، وخاصة فى ظل المبادرة الرئاسية حياة كريمة والتى تهدف إلى رفع مستوى المعيشة للمناطق والقرى الأكثر فقرا فى الريف المصرى وتزويدهم بالمرافق والخدمات، إضافة إلى سياسة الحماية الاجتماعية وبما يحقق التنمية السياسية والإجتماعية لسكان الريف المصرى والذين تصل أعدادهم إلى نحو ثلثى السكان وبطبيعة الحال، فإن تحقق ذلك يساعد فى تحقيق التكامل القومى وتدعيم الهوية الوطنية.
بناء على ما تقدم, فإن الحوار الوطنى واهتمامه بالقضايا المختلفة المتعلقة بالمحور السياسى التى أشرنا إليها إضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بالمحور الاقتصادى والمحور الاجتماعى ومحور الهوية والأمن وبناء الإنسان، والوعي، إضافة إلى تحديد آليات التنفيذ يمكن أن تسهم إلى حد كبير فى مواجهة المشاكل والتحديات وبناء الإنسان الجديد فى الجمهورية الجديدة.

المصادر:
 انظر:  إكرام بدرالدين، «فلسفة الحوار الوطنى وقضاياه»، فى جريدة الأهرام فى 25 مايو 2022.
 انظر فى الأحزاب ونماذج النظم الحزبية:  - Giovanni Sartori, Parties and Party Systems: A Framework for Analysis, (European Consortium for Political Research Press, Colchester, 2005).
 انظر فى تطور الأحزاب السياسية  المصرية فى عهود مختلفة:  - https://www.sis.gov.eg/section/10/258?lang=en-us
وانظر أيضا:   صلاح سالم زرنوقة،المنافسة الحزبية فى مصر 1976-1990، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2015).
4- انظر فى مشكلات الأحزاب السياسية المصرية، د. عمرو هاشم ربيع، الأحزاب السياسية المصرية.. مشكلات كثيرة تطرح آليات للمواجهة على الرابط التالي: - https://www.idsc.gov.eg/DocumentLibrary/View/5721?id=5721
5- انظر فى مفاهيم ومقتربات دراسة الوعى السياسي:  - Niels Norgaard Kristensen, Thomas Denk, Maria Olson and Trond Solhaug (editors), Perspectives on Political Awareness. Conceptual, Theoretical and Methodological Issues, https://link.springer.com/content/pdf/10.1007/978-3-030-90394-7.pdf
 المصدر السابق ص ص115-131.
انظر فى اهتمام الدولة المصرية بمكافحة الفساد، د. إكرام بدرالدين، «الحوكمة والحكم الرشيد فى الجمهورية الجديدة»، مجلة الديمقراطية، العدد 83 يوليو 2021,  ص27 .
 إكرام بدرالدين، «آليات تنفيذ مخرجات الحوار الوطني»، فى إصدارة قضايا ملحة، الصادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، العدد الأول يوليو 2022، ص18 ومابعدها.
 


رابط دائم: