الممارسة الديمقراطية الجديدة .. بناء ثقة أم صدمة؟
27-3-2023

رشدى الدقن
* مدير تحرير روزاليوسف

دعك من التشفّى، ومنهج "كيد النسا" الذى يجيده البعض ويقتات عليه ويتربح منه، ودعك من عبارات السخرية التى راجت بين أهل الإعلام على مواقع التواصل الاجتماعى، ودعك أيضا من حفاوة لها ما يبررها بسقوط هذا ونجاح ذاك فى انتخابات مجلس نقابة الصحفيين التى أجريت الجمعة 17 مارس 2023. فبحسب اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات، فاز الكاتب الصحفى خالد البلشى بمنصب نقيب الصحفيين بعدد أصوات بلغ ألفين و450 صوتا، بينما حصل منافسه الأبرز الكاتب الصحفى خالد ميرى (رئيس تحرير صحيفة الأخبار) على ألفين و211 صوتا. كما أعلنت اللجنة فوز كل من: عبدالرءوف خليفة، جمال عبد الرحيم، هشام يونس، محمود كامل، محمد يحيى، محمد الجارحى بالمقاعد الستة لعضوية المجلس فى التجديد النصفى وفقا للقانون.

ما حدث قد حدث، لكن كيف حدث ولماذا؟ هذا هو السؤال الذى دار فى عقلى مبكرا بعد تصريح مقتضب وذكى من البلشى نفسه بعد إعلان الفوز بقليل، قال البلشى لـ "دوتش فيله الألمانية": "كل الملفات ستكون مفتوحة للتفاوض مع الدولة، ولدينا أساس ننطلق منه وهو أن لدينا حوارا وطنيا مفتوحا ولدينا مساحات للحركة فيها، وأظن أن هذا سيظل متاحا لنا". الرجل يعلن خريطة طريق محددة، التفاوض مع الدولة عبر الحوار الوطنى الذى دعا له الرئيس عبدالفتاح السيسى وكان شعاره "وطن يسع الجميع".

كيف حدثت الصدمة كما يحب البعض أن يسميها؟ من البداية علينا أن ننتبه لخصوصية انتخابات الصحفيين بشكل عام، وهذه الانتخابات بشكل خاص، إجمالى الحضور بلغ 5 آلاف و62 صوتا،عدد الأصوات الصحيحة بلغ 4 آلاف و888 صوتا، فيما  بلغ عدد الأصوات الباطلة 174 صوتا. وفى يقينى أن العدد كان أكبر من هذا بكثير، فأحد أهم عوامل النجاح والفشل فى الوقت نفسه التى رصدتها بعينى، كان طول فترة اجتماع الجمعية العمومية، التى بسببها اضطر كثير من الناخبين لمغادرة الطابور، بعدما رأينا أسوأ تنظيم للعملية الانتخابية كاملة، فكثير من الصحفيين بعد الوقوف ساعة ونصف الساعة على الأقل فى الطابور دون فتح باب التصويت، ودون زجاجة مياه واحدة أو كرسى يستريح عليه شيوخ المهنة فضلوا الرحيل بهدوء دون الإدلاء بأصواتهم، وفى ظنى أن هذه الكتلة الصلبة كانت قادرة على تغيير النتائج. أضف إلى ذلك التركيز والتلاحم والاصطفاف الواضح من جبهة الأستاذ خالد البلشى والوضوح التام من اليوم الأول فى حملتهم الانتخابية.

وأخيرا، من وجهة نظرى التغيير الكبير فى التكوين البنيوى لأعضاء النقابة، دخول أعداد كبيرة من الصحفيين الجدد جعل المعادلة تختلف تماما، خاصة الأجيال الجديدة ليست لديها رموز للمهنة، ولا تجد من يحتويها أو من يأخد برأيها، وللأسف فى أماكن كثيرة تعامَلَ المسئولون فيها مع هذه المجموعات بشكل غير صحيح، وللأسف أيضا فإن أكثر هؤلاء المسئولين لم تكن لديهم القدرة على الإقناع.

خصوصية ما حدث فى انتخابات الصحفيين يدفعنى للتأكيد أنه غير قابل للتكرار، وسيظل خاصا بنقابة اعتادت ممارسة مختلفة وتقديم وجهة نظر خاصة بها.

نعود إلى سؤال: ماذا حدث فى غير هذه الانتخابات من أحداث؟ الأمر الذى يثير العديد من الأسئلة، الأغلب أنها لا تزال تشغل مساحة كبيرة من مناقشات بين قطاعات وشرائح واسعة من المثقفين والمنشغلين بالشأن العام، إضافة إلى شرائح لا بأس بها من خارج هذه الدوائر بكل حساباتها وتبايناتها ومنطلقاتها الفكرية والاجتماعية، فماذا جرى حتى سقط من سقط، ونجح من نجح، بهذه السلاسة؟

ودعنى أنبهك مبكرا لهذه الكلمة "السلاسة"، قبل انتخابات الصحفيين كانت هناك مؤشرات على متغيرات تحدث. فى شهر مارس نفسه لكن العام الماضى2022 كان هناك مذاق مختلف فى الحياة السياسية المصرية، حيث وقع حدثان فى منتهى الأهمية وتقودنا للكلمة نفسها "السلاسة": الحدث الأول جاء مع خسارة وكيل مجلس الشيوخ المستشار بهاء الدين أبو شقة انتخابات الرئاسة لحزب الوفد، أعرق الأحزاب المصرية، أمام مرشح غير معروف بشكل كبير فى الأوساط السياسية والإعلامية المصرية، وهو د.عبد السند يمامة، رئيس قسم القانون الدولى الخاص بجامعة المنوفية وعضو الهيئة العليا للوفد، وهى أيضا انتخابات فئوية جدا. فاز الدكتور عبد السند يمامة بـ 1668 صوتا، فيما حصل المستشار بهاء أبوشقة على 1548 صوتا، مع الأخذ فى الحسبان أن الجمعية العموية للحزب شديدة الخصوصية. فى التوقيت نفسه تقريبا أعلنت اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات نقابة المهندسين المصريين خسارة النقيب السابق للمهندسين ووزير النقل الأسبق "هانى ضاحى"؛ حيث حصل على 8 آلاف صوت أمام المهندس طارق النبراوى الذى ينتمى إلى تيار الاستقلال النقابى، وحصل على 10 آلاف صوت.

فى بداية عام 2023 كان لدينا موعد آخر مع إشارة قوية للسلاسة التى باتت تدار بها الدولة المصرية فى جمهوريتها الجديدة، الحكومة تتراجع عن الفاتورة الإلكترونية التى رفضتها نقابتا الأطباء والمحامين لأسباب كثيرة لن نناقشها هنا.

لكن علينا أن نعرف أن بناء الثقة وإحياء الممارسة الديمقراطية بحرية يحتاج إلى الكثير من أجل حلحلة قناعات تراكمت عدة عقود، أهمها أن المعارضة الحقيقية هى التى تبنى وأنها جزء أصيل من النظام، وأن العشوائية والصوت العالى وتبنى أجندات خارجية ليس معارضة ولا يصلح نموذجا.

نعود للمشهد الأخير فى انتخابات نقابة الصحفيين وإعلان فوز الزميل خالد البلشى نقيبا وفوز 3 محسوبين على تيار المعارضة فى التجديد النصفى، ماذا يعنى ذلك؟

فى رأيى أن ما حدث فى انتخابات الصحفيين هو جزء صغير يكمل الصورة ويوضح ما يحدث فى الجمهورية الجديدة، يؤكد أن قناعات الإقصاء انتهت بلارجعة، ومساحات الحرية فى الترشح والدعاية والتحرك وعدم تدخل أى جهة فى الأمر بات أمرا واقعا، فكلنا مصريون ومن حق الجمعيات العمومية اختيار من يمثلها بحرية كاملة، والدولة فى متنهى الاستعداد للتعامل مع الجميع، نقيب الصحفيين - قبل مرور أسبوع واحد على انتخابه - شارك بدعوة رسمية فى فعاليات رئاسية.

إذن ما حدث لم يكن زلزالا كما وصفه البعض ولا يحتمل أكثر من كونه رؤية موضوعية للقائمين على الجمهورية الجديدة، وأن السلاسة والوضوح وعدم الإقصاء ومشاركة المعارضة فى الحكم باتت واقعا حقيقيا وملموسا، لابد من أن نعرف أن ما حدث لا يخرج عن كونه إعلانا رسميا بأن كل الفرص باتت للجميع ومتساوية، فقط عليك أن تكون أنت أيضا موضوعيا وتشارك فى بناء وطن يسع الجميع.


رابط دائم: