عام على الحرب الروسية - الأوكرانية
13-3-2023

عميد/ د. هيثم الطواجنى
* متخصص فى الشئون الاستراتيجية والسياسية

فى فبراير عام 2022 بدأت موسكو تدخلها في أوكرانيا بهدفتحقيق نصر سريع، لكن هذا لم يحدث؛ فالقوات الروسية تخوض الآن حربا أطول مما خططت دوائر صنع واتخاذ القرار فى موسكو، فقد مر أكثر من عام ولم يتحقق الهدف الرئيسى من الحرب؛ حيث كان الهدف الروسى من هذه الحرب هوالإطاحة وبسرعة بالحكومة الأوكرانية بعد أن استندت الحملة الروسية إلى معلومات استخباراتية غير كافية وتفاؤل مفرط بالانتصار، فظل قادة أوكرانيا فى مناصبهم ولم تسقط القوات المسلحة الأوكرانية بفضل الدعم الخارجى لأوكرانيا بالإضافة إلىعوامل أخرى نوجزها من واقع ما نتابعه.

- الحرب البرية:

أوضحت وقائع الحرب استمرار أهمية دور الأسلحة المشتركة فى الحرب البرية؛ حيث كان للمشاة والدبابات والعربات المدرعة والمدفعية فائدة لكل جانب، وبات جليا نقاط ضعف المركبات المدرعة الروسية، وذلك لسهولة تدميرها بواسطة صواريخ جافلين الأمريكية والأسلحة الخفيفة المضادة للدبابات الأنجلو سويدية (NLAWs) مع استخدام الطرفين النيران غير المباشرة وقذائف الهاون والمدافع وقاذفات الصواريخ على نطاق واسع. لقد ألحقت النيران المركزة غير المباشرة خسائر فادحة فى كلا الجانبين ليس فقط للأفراد ولكن أيضا للمركبات المدرعة الخفيفة، كما شكلت الصعوبات الروسية فى عبور الأنهار ضرورة نتج عنها إبراز الدور الحاسم للمهندسين العسكريين.

- الحرب البحرية:

كشف الصراع عن أوجه القصور فى قدرات وعمليات وتدريب أسطول البحر الأسود الروسى؛ حيث برزت القدرات الأوكرانية فى استغلال الفرص غير المتكافئة وظروف التشغيل المختلفة ما أدى إلى فقدان الطراد موسكفا الروسى مع التذكير بالتهديد الذى تشكله القدرات المضادة المتواضعة نسبيا للسفن على سفن السطح الكبيرة، كما سلط الهجوم على قاعدة سيفاستوبول البحرية تحديدا الضوء على الدور المتزايد للأنظمة السطحية والجوية "الدرون" فى المجال البحرى حتى لو استخدمت هذه الأنظمة فى  تنفيذ التكتيكات البحرية القديمة. وعلى الرغم من كل الصعوبات التى واجهتها البحرية الروسية فى تأكيد سيطرتها على البحر الأسود فلقد أظهرت قدرتها على التأثير فى الحملة البرية وذلك بمساندة الهجوم البرى من البحر، وفى الوقت نفسه كانت حوادث خط أنابيب الغاز نورد ستريم دلالة واضحة على نقاط ضعف البنية التحتية البحرية.

- الحرب الجوية:

لم يكتسب أى من الطرفين المتحاربين التفوق الجوى حتى الآن، لكن هذا لا يعكس نقص النشاط أو الجهد ولكنه يبرز التحدى المتمثل فى العمل فى مجال جوى متنازع عليه؛ إذ يمتلك كلا الجانبين دفاعا جويا أرضيا، بالإضافة إلى الطائرات المقاتلة التى تقوم بدور الدفاع الجوى؛ حيث فقدَ الجانبان المتقاتلان أعدادا كبيرة من الطائرات، وفى الحالة الروسية فقدت عددا مشابها من طائرات الهليكوبتر الهجومية والنقل. وتمكنت روسيا من الحفاظ على حملتها الجوية؛ حيث استخدمت القوات الجوية الروسية جميع أنواع القاذفات الثقيلة والمتوسطة لشن الهجمات، وبشكل عام تمكنت القوات الجوية الروسية من تقييد العمليات الجوية الأوكرانية.

- حرب الإمداد:

برزت الحاجة الملحة إلى تخزين كميات كبيرة الحجم من الإمدادات الرئيسية مثل الوقود والذخيرة وقطع الغيار؛ وذلك نظرا لمعدلات الاستخدام المرتفعة للأسلحة الموجهة وذخيرة المدفعية والاستنزاف الشديد للمركبات المدرعة والذخائر التقليدية وذخائر التوجيه الدقيق.

- الضغط على الموارد:

لقد أدت الحرب إلى إجهاد الموارد الروسية؛ حيث إن الدخل الحقيقى آخذ فى الانخفاض؛ فقد سجلت روسيا ثانى أعلى عجز فى الميزانية منذ تفكك الاتحاد السوفيتى، وهرب من البلاد ما يقرب من مليون مواطن أغلبهم من الحاصلين على تعليم عال. فى الوقت نفسه ارتفع الإنفاق الفيدرالى كنتيجة مباشرة للحرب بنسبة 58.7٪ خلال العام الماضى مع تخصيص ما يقرب من ثلث الإنفاق الحكومى الفيدرالى للدفاع والأمن الداخلى.

- وكما أشار وزير المالية السابق ميخائيل زادورنوف فى الآونة الأخيرة، فإن موارد الغرب "لا تضاهى"؛ حيث إن روسيا أضعف بكثير مقارنة بالغرب مما كان عليه الاتحاد السوفيتى فى أثناء الحرب الباردة، وإذا التزم الغرب بإعطاء أوكرانيا الوسائل لكسب الحرب فستكون المنافسة غير متكافئة للغاية.

- القدرة والموارد التى تحتاج إليها روسيا أكبر من تلك التى كانت فى الاتحاد السوفيتى خلال الحرب الباردة، على هذه الخلفية شنت موسكو أكثر تكلفة فى البلاد منذ حرب الشتاء 1939-1940 ضد فنلندا، ولا توجد دلائل حتى الآن على بداية نهاية الصراع.

- كانت معدلات الاستخدام للجانبين كبيرة، هذا لا يشير فقط إلى أن القدرة العسكرية المستقبلية التى تعتمد بشكل كبير على الأسلحة الدقيقة ستكون باهظة الثمن، ولكن أيضا على المخططين أن يدرسوا بعناية قضايا إعادة الإمداد، وهذا بدوره يزيد من التركيز ليس فقط على القدرة الصناعية الدفاعية بما فى ذلك مرونة الإنتاج والإمكانات من مبادرات التعاون المتعددة الجنسيات، ولكن أيضا على حجم الأسلحة الوطنية التى تخزن؛ فالحرب هى مثال صارخ على تكلفة صراع حاد من الناحيتين البشرية والمادية.

- أهمية العامل البشرى فى الحرب؛ حيث نجحت أوكرانيا فى حشد الشعبوالقوات المسلحة للدفاع عن البلادوإطالة أمد الحرب،ومن ثمتظهر قيمة الاستثمار فى الفرد التى دونها يمكن إهدار الاستثمارات فى المعدات، بالإضافة إلى إعادة تأكيد أن الكفاءة هى أساس القدرة العسكرية؛ حيث أظهرت الحرب مدى أهمية أن تكون القوات المسلحة قادرة على التكيف مع ظروف القتال. وفيما قامت أوكرانيا بسرعة دمج الأسلحة والتكنولوجيا الأجنبية مثل المدفعية الصاروخية الدقيقة HIMARSالأمريكية وواصلت تطوير قدرتها على استخدام الطائرات الجوية بدون طيار "الدرون" (UAVs)مع تزايد درجات إلمام القوات بالمتغيرات وظروف التشغيل مثل المراقبين الذين يتحكمون فى الطائرات بدون طيار فى حين، كان الفشل الروسى فى المحاولة الأولية للاستيلاء على البلاد كنتيجة مباشرة للنقص الروسى فى أنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، فأعادت روسيا تشكيل هجماتها للتركيز على دونباس، كما نفذت عمليتى انسحاب من جميع أنحاء كييف وخيرسون، فيما استفادت اوكرانيا من المعلومات الاستخباراتية التى قدمتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى.

- هذه كانت بعضا من دروس الصراع الروسى الأوكرانى، فمن الجلى الواضح أن من يمتلك القدرة على حشد وتكديس المؤن والذخائر وتجهيز مسرح العمليات المنتظر بالإضافة إلى انتهاج واعتماد أساليب التدريب والتخطيط الحديثة مع عدم إغفال دمج الطرق التقليدية بالأسلحة الحديثة المتطورة، تصبح له الغلبة فى الصراع.

- الدور المهم جدا للمعلومات وتحليل البيانات والوقوف على نقاط القوة والضعف بالأسلحة والمعدات للخروج بنتائج تؤثر فى الصراع، فليس من الطبيعى أن تؤثر أسلحة دفاعية، مثل المدفعية الصاروخية الدقيقة HIMARS، والمقذوفات المضادة للمركبات المدرعة JAVELIN"الأمريكية" فى أكبر قوة مدرعة فى العالم.

- ضرورة التخطيط الجيد ودراسة الظروف والمتغيرات العالمية، فلم يعد العالم الآن سوى جسد واحد تؤثر فيه كل الأحداث والنزاعات والصراعات بدرجات متفاوتة ولكنها فى مجملها مؤثرة وليس أدل على هذا مما يحدث فى العالم بأسره الآن وبالتحديد فى أوروبا من أزمات الطاقة والغذاء. أنا هنا أتكلم عن الدول الأوروبية الثرية والأقل ثراء وما يجرى فى العالم بأسره من أزمات كسلاسل التوريد وارتفاع الأسعار وكساد بعض الأسواق الناشئة وغيرها من الأزمات، فضلا عن الكوارث الطبيعية. لقد كان الصراع بمنزلة تذكير بالترابط بين الاقتصاد العالمى على الأقل عبر المجال البحرى، وقد انعكس هذا فى المخاوف بشأن إمدادات الحبوب والاعتماد المتبادل للطاقة والموارد العالمية وأمن خطوط الاتصال البحرية.

- فى تقديرى، إن هذا الصراع لن يحسم لأى من الطرفين إلا فى حالة أن يقوم الغرب بإمداد أوكرانيا بالأسلحة والوسائل التى تضمن لها الثبات والصمود بل التفوق، وهذا لن يؤدى إلا إلى الدخول فى صراع عالمى، أو بالتعبير الدارج، حرب عالمية، أو أن تحسم روسيا الصراع، وذلك فى حالة تخلى الغرب عن دعم أوكرانيا، أو أن تستجيب أوكرانيا للضغوط الأوروبية بقبول التخلى عن الأراضى التى ضمها الروس.

وفى الحقيقة، إن من أشعل الصراع فى البداية لم يحقق أهدافه حتى الآن والمتمثلة، فى رأيى المتواضع، فى استنزاف روسيا بشكل كبير لضمان تحييدها خلال الصراع المرتقب الذى يعدُّ له منذ فترة وبعناية شديدة مع عدم السماح بانهيارها وذلك للحفاظ على التوازن الدولى.

- إن العالم يتشكل من جديد، ولا بد لنا من دراسة ما يحدث واستقراء واستنباط ما سوف يحدث، وذلك من أجل الوصول إلى المكانة التى نستحقها بين الأمم، وليس هذا فحسب بل الاحتفاظ بها.


رابط دائم: