الذكاء الاصطناعى .. حل سلمى أم تهديد للبشرية؟
12-2-2023

د. عمـرو حسـن فتـوح
* أستاذ مساعد تكنولوجيا المعلومات، ومدير وحدة المكتبة الرقمية والانتحال العلمى بجامعة الوادى الجديد

 أصبح الذكاء الاصطناعي المسار السريع لبعض الدول لتحقيق الهيمنة العالمية فى القرن الحادي والعشرين؛ حيث بدأت معظم الدول اعتماده فى رسم الخطط المستقبلية، واتخاذ القرارات العاجلة، وتقديم رؤى حول القضايا الجيوسياسية المعقدة؛ فضلا عن استكشاف نقاط القوة والضعف لخصومها بشكل دقيق، والتنبؤ بالأحداث المستقبلية، ووضع الاستراتيجيات المناسبة لها؛ وذلك من خلال تحليل كميات كبيرة من البيانات بسرعة ودقة دون تدخل بشرى، ما يسمح باتخاذ قرارات أكثر استنارة. كما سارعت بعض الدول فى استخدامه لتحسين العلاقات الدبلوماسية من خلال تقديم رؤى حول كيفية تفاعل الثقافات المختلفة مع بعضها بعضا وفهم وجهات النظر، وتطوير الاستراتيجيات لحل النزاعات بطريقة سلمية؛ بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي الدول على تحديد مجالات التعاون المحتملة فيما بينها.
الحروب المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعى:
أثبتت الاستخدامات العسكرية للذكاء الاصطناعى جدواها فى مجال الدفاع الجوى، وتطوير الأجهزة والأنظمة الهجومية الذكية،ويتوقع السياسيون والعسكريون أندمج تقنيات الذكاء الاصطناعى فى الشئون العسكرية- لأتمتة العمليات - سيصبح أمرا حتميا، وثمة اتجاهان رئيسيان إزاء هذا الموضوع؛ الأول يرى أن الذكاء الاصطناعى سيكون حلا للنزاعات الدولية بطريقة سلمية من خلال تحليل الأنماط فى العلاقات الدولية،وتحديد النزاعات المحتملة قبل ظهورها، واكتشاف التهديدات السيبرانية، والتصدى لها بسرعة ودقة. بينما يراه أصحاب الاتجاه الثانى أنه تهديد للبشرية من خلال ابتكار الأسلحة والصواريخ الفتاكة التى يمكن التحكم بها عن بعد. حيث تقلل أنظمة الأسلحة المستقلة المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعى من الأخطاء البشرية فى العمليات القتالية، مع تقليل الحاجة إلى الأفراد فى مناطق القتال التى تشكل خطورة كبيرة على الجنود المقاتلين، ويستند هذا النموذج إلى المنصات غير المأهولة – الطائرات دون طيار "درونز" على سبيل المثال – بشكل يحقق هزيمة العدو دون اللجوء إلى الحروب القتالية الساخنة؛ حيث تقوم تقنيات الذكاء الاصطناعى بالبحث عن الأهداف،واتخاذ قرار بالاشتباك معها، والقضاء عليها تماما دون تدخل بشرى. وقد استغلت كثير من الدول هذه التقنية لمصلحتها مثل الصين، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية. لهذا يرى الخبراء العسكريون أن تجريد الحرب من العامل البشرى يجعل القتل سهلا، وبلا تكلفة تقريبا.
الحرب الروسية الأوكرانية ساحة لاختبار أسلحة الذكاء الاصطناعى:
يرى الخبراء العسكريون أن الحرب الحديثة لا نسمع فيها صوت هدير الطائرات، وضجيج الدبابات؛ حيث إن هناك جانبا يتميز بالسكون والصمت، يعرف باسم الحرب الإلكترونية أو السيبرانية، التى استخدمت فيها لأول مرة تقنيات الذكاء الاصطناعى لتنفيذ المهام القتالية بدقة عالية دون خسائر بشرية تذكر.ذكرت مجلة "نيوزويك"الأمريكية، أن الحرب الروسية الأوكرانية بمنزلة اختبار لهذه التقنيات،مشيرة إلى أن الهدف منها هو محاولة فرض السيطرة مع أدنى قدر من التدخل البشرى.هل سَلِمَتْ أوكرانيا من بطش الذكاء الروسى الاصطناعى؟ هناك مقولة مشهورة للرئيس الروسى فلاديمير بوتين"من يمتلك تقنيات الذكاء الاصطناعى المتطورة سيملك العالم"؛ لذا تعد روسيا من أكبر الدول إنفاقا فى مجال تطوير الأسلحة فى العالم؛ حيث بلغ حجم الإنفاق 62 مليار دولار وفقا لإحصاءات البنك الدولى، تليها الولايات المتحدة والصين. الآن يختبر الجيش الروسى أسلحته الذكية فى أوكرانيا من خلال الطائرات دون طيار من طراز KUB-BLA التى يمكنها قطع مسافة تصل إلى 130 كيلومترافى الساعة، ومزودة بتقنيات الاستكشاف الذكى التى تمكنها من التعرف إلى الأهداف وتدميرها بسهولة. ومن ناحية أخرى، تعمل روسيا حاليا على تطوير منصة صواريخ موجهة بالذكاء الاصطناعى يمكنها تحديد الأهداف والتعامل معها وفقا لدرجة الأهمية. وفى الوقت الذى تصاعدت فيه حدة التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا، بشأن الأزمة الأوكرانية أعلن الجيش الروسى أنه بدأ فى اصطفاف أولى وحداته التى تضم دبابات آلية المعروفة باسم"الروبوت القاتل "" (Uran-9)،وهى مسلحة بالآلات الموجهة عن بعد، وبالمدافع الرشاشة، وقاذفات اللهب، والصواريخ المضادة للدبابات.وعلى الجانب الآخر، لجأت أوكرانيا للذكاء الاصطناعى من خلال تقنية التعرف على الوجوه المملوكة لشركة "كليرفيو إى آي" (Clearview AI) الأمريكية،لمساعدتها على الكشف عن هوية المتسللين الروس، والتعرف على جثث القتلى، كما زودت الولايات المتحدة الأمريكية أوكرانيا أيضا بطائرات دون طيار من طراز “Switchblade 600” التى تتطلب من البشر فقط تحديد الأهداف من خلال بث فيديو مباشر للموقع الإحداثى،وينهى الذكاء الاصطناعى المهمة بمفرده.
المخاوف المحتملة:
هناك مجموعة من المخاوف بشأن إمكانية قيام الذكاء الاصطناعى بالتحكم فى اتخاذ القرارات القاتلة مستقبلا؛ بالإضافة إلى المخاوف الأخلاقية المتعلقة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى وقت الحرب أو حتى لتعزيز الأمن فى وقت السلم، ولاسيما أنها ما زالت محل نقاش فى سياق نظريات الحرب العادلة، وعليه فإن تصميم الأنظمة العسكرية المزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعى باستخدام خوارزميات أخلاقية تقيد أفعالها بات أمرا ضروريا، وبحاجة إلى اتفاقات ومعاهدات دولية. فمن المرجح أن تقتل الآلات الجنود دون موافقة مباشرة من البشر؛ ومن ثم لايوجد تصور واضحفى المجتمع العلمى عما إذا كان الذكاء الاصطناعى يعمل لمصلحة البشرية أم لضررها.


رابط دائم: