تقرير المخاطر العالمية 2023
30-1-2023

م. زياد عبد التواب
* خبير التحول الرقمي وأمن المعلومات، الرئيس السابق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء

منذ عدة أيام وتحديدا فى الحادى عشر من شهر يناير أصدر المنتدى الاقتصادى العالمىWorld Economic Forum  تقريره السنوى الذى يسرد فيه المخاطر التى تواجه العالم مرتبة من الأكثر خطورة إلى الأقل خطورة. وفى مقدمة التقرير نجد الإشارة إلى أن هذا العقد من القرن الحادى والعشرين حمل منذ بداياته جائحة كورونا وما أحدثته على المستويين الاقتصادى والصحى، ثم ما فتئ العالم يعود تدريجيا إلى حالته ما قبل تلك الجائحة إلا قد دخل فى حالة جديدة من الاضطراب من جراء الأزمة الروسية الأوكرانية وتحديدا منذ فبراير من عام 2022.

ومع بدايات هذا العام ومع انحسار الجائحة وظهور تبعات الحرب بشكل واضح،نجد أن العالم قد عاد مرة أخرىإلى إعادة ترتيب قائمة المخاطر التى يتعرض لها، تلك القائمة ليست مختلفة فى أنها جديدة أى تحتوى على عناصر لم يمر بها العالم من قبل ولكنها جديدة من حيث شدتها واتساع نطاق تأثيرها وانتشارها، تلك القائمة تشمل بصورة أساسية التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة وحروب التجارة وهروب رءوس الأموال من الاقتصادات الناشئة وانكماشها فى الاقتصادات المستقرة أيضا، هذا بالإضافة إلى العديد من الاضطرابات الاجتماعية والعديد من المواجهات الجيوسياسية وصولا إلى التلويح والتهديد باستخدام السلاح النووى.

يشير التقرير أيضا إلى أن هذا الكم من المخاطر لم يظهر مجتمعًا وبهذه الصورة فى أى عصر من العصور السابقة ما يجعل مهمة القادة وصناع القرار أصحاب الأعمال فى غاية الصعوبة، خاصة مع تزايد معدلات الديون العالمية وانخفاض معدلات الاستثمار والنمو وتراجع معدلات التنمية البشرية بعد عقود من النمو، بالإضافة إلى التغيرات المناخية السلبية وتأثيراتها المتوقعة، على الرغم من المحاولات والجهود المبذولة والمنشودة ما يجعل هذا العقد يتسم بصفتين رئيسيتين هما: التقلبات العنيفة، وعدم اليقين.

يعتمد تقرير المخاطر العالمية فى إصداره هذا العام على منهجية استطلاعات الرأى المعتمدة على التصور Perceptionأى تصور المبحوثين لتلك المخاطر وذلك على ثلاثة آماد زمنية، الأول هو الأمد الزمنى القصير، مدته سنتان. والثاني،على الأمد الطويل، عشر سنوات. أما الثالث فينظر إلى الأمد المتوسط، خمس إلى سبع سنوات، مع اعتبار المخاطر فى كل من الأمدين السابقين فى محاولة للوصول إلى تصور بحلول عام 2030.

وقبل أن نبدأ فى استعراض المخاطر المذكورة فى تقرير هذا العام، 2023، دعونا نستعرض سريعا ترتيب المخاطر فى التقرير السابق، 2022، حيث أتى فى المركز الأول فشل الجهود الساعية لاحتواء الآثار السلبية للتغيرات المناخية، تليه التقلبات الجوية العنيفة، ثم فقدان التنوع البيولوجى، ثم تآكل التماسك الاجتماعى، ثم أزمات سبل المعيشة، ثم الأمراض المعدية والأوبئة، ثم الأضرار البيئية الناجمة عن الأنشطة التى يقوم بها البشر، ثم الأزمات الناجمة عن نقص الموارد الطبيعية، ثم أزمات الديون، ثم المواجهات الجيواقتصادية. ومن الملاحظ أن تلك المخاطر وهذا الترتيب الوارد فى التقرير الصادر فى يناير من العام الماضى أى قبل بدء العمليات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا بشهر على الأقل ويعتمد على استطلاعات للرأى استمرت خلال العام السابق لصدور التقرير، 2021، وعليه فإن تلك النتائج لم تضع فى الحسبان ما حدث بعد ذلك. كما يحتوى هذا التقرير على جزء مخصص لكل دولة يضع أكبر خمسة مخاطر خلال السنتين التاليتين، بناء على القائمة الكبيرة التى تم استخراجها من الاستطلاع الأول الخاص بالمخاطر على مدى عشر سنوات، ويحتوى هذا الجزء من التقرير على المخاطر الخمسة التى تتعرض لها مصر، وهى أزمات نقص الموارد الطبيعية، تليها الأمراض المعدية والأوبئة، ثم أزمة الديون،تليها أزمة التضخم وارتفاع الأسعار، ثم ارتفاع البطالة وتكاليف المعيشة.

وبالنظر إلى باقى الدول نجد أن أغلبها يتشابه مع قائمة المخاطر السابقة مع اختلاف الترتيب، فعلى سبيل المثال نجد أن البطالة وأزمات ارتفاع تكاليف المعيشة تأتى على قائمة المخاطر التى تتعرض لها دول كإسبانيا وتركيا والسنغال، أما أزمة الديون فقد أتت فى المركز الأول فى دول كجمهورية التشيك وكندا والسنغال والأردن والهند وإيطاليا. والحقيقة أن التقرير يحتوى على الكثير من البيانات الأخرى التى لن يتسع المجال هنا لسردها، ولكن يمكن لمن يرغب فى التعرف عليها تفصيلا الدخول على موقع المنتدى الاقتصادى العالمى وتحميل الملف كاملا.

عودة إلى تقرير هذا العام الذى تم إعداده بعد عدِّ المتغير شديد الأهمية والخطورة والتأثير، وهنا أقصد الأزمة الروسية الأوكرانية وتبعاتها وصولا إلى التهديد باستخدام السلاح النووى كما سبقت الإشارة، حيث نجد المخاطر كما يلى:

المخاطر على الأمد القصير(سنتان):

التغيرات والمستجدات الأخيرة خلال عام 2022 جعلت ترتيب المخاطر على المدى القصير تختلف كثيرا؛ حيث أتى ارتفاع تكاليف المعيشة فى المركز الأول، يليه الكوارث الطبيعية والتقلبات المناخية الحادة، ثم المواجهات الجيواقتصادية، ثم الفشل فى التقليل من الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية، ثم تآكل التماسك الاجتماعى وزيادة الاستقطاب المجتمعى فى المركز الخامس، يلى ذلك الأضرار البيئية الناجمة عن الحوادث الكبرى، ثم الفشل فى التكيف مع  التغيرات المناخية، ثم انتشار الهجمات والجرائم السيبرانية، ثم أزمات نقص الموارد الطبيعية ويأتى فى المركز العاشر انتشار الهجرة غير الشرعية على نطاق واسع.

المخاطر على الأمد البعيد (عشر سنوات):

أما ترتيب المخاطر على الأمد البعيد، فيذكر التقرير أنها تبدأ بفشل جهود التخفيف من حدة التغيرات المناخية، يليهالفشل فى التكيف مع التغيرات المناخية، ثم الكوارث الطبيعية والتقلبات المناخية الحادة، ثم فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام البيئي، ثم انتشار الهجرة غير الشرعية على نطاق واسع فى المركز الخامس، ثم يلى ذلك أزمات نقص الموارد الطبيعية، ثم تآكل التماسك الاجتماعى وزيادة الاستقطاب المجتمعى،ثم انتشار الهجمات والجرائم السيبرانية، ثم المواجهات الجيواقتصادية، ثم يأتى فى المركز العاشر المخاطر المرتبطة بالأضرار البيئية الناجمة عن الحوادث الكبرى.

الخلاصة:

وبنظرة سريعة على مستوى الدول نجد أن تكاليف المعيشة والديون تأتى فى المركز الأول والثانى أو الثانى والأول فى العديد من دول العالم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، وفرنسا، وإندونيسيا، وإسرائيل، واليونان، وسلطنة عمان، والأردن، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، وقطر، والبحرين، وتونس. كما يأتى ارتفاع معدلات التضخم فى المركز الثالث وربما فى المركز الثانى أو الأول فى أغلب دول العالم الباقية.

 والحقيقة أن هذا التقرير المرعب يشير بما لا يدع مجالا للشك إلى أن العالم كله فى أزمة كبيرة، وفى تقديرى فإن المخاطر المذكورة خلال عشر سنوات هى مجرد توقعات لا تضع فى حسبانها أى عوامل أخرى مفاجأة مثلما كان الحال فى تقرير العام الماضى،وبغض النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف مع ما جاء بالتقرير أو المنهجيات التى استند إليها؛ فالموقف فى غاية الصعوبة ويحتاج بالفعل إلى تكاتف الجهود وإلى التعاون على مستوى التكتلات الاقتصادية، وعلى مستوى الأمم للجلوس ربما فى مؤتمر اقتصادى عالمى تتم الدعوة إليه على الفور لإنقاذ العالم كله ورفع المعاناة عن الجميع، وهذا المؤتمر يجب ألا يكون تقليديا مثلما هو الحال مع منتدى دافوس، فالمنتدى الأخير عقد بالفعل فى الفترة من 10 إلى 16 يناير هذا العام، ولكن يبدو أنه لم ينظر إلى تلك المخاطر بالجدية والفاعلية المطلوبتين.


رابط دائم: