"شابيلا" .. تفعيل القوة الناعمة المصرية
17-1-2023

وليد عتلم
* باحث دكتوراه ـــ كلية الدراسات الأفريقية العليا

عرضت قناة "القاهرة الإخبارية" الإنتاج الوثائقى المصرى الأول من داخل إقليم "شابيلا" فى دولة الصومال،. "شابيلا" إقليم يقع فى جنوب شرق الصومال، وهو الإقليم الأخطر والأكثر بؤسًا وفقرًا فى دولة الصومال. وهو التجسيد الأكثر واقعية للدولة الفاشلة؛  حيث تتضافر فيه عوامل التناحر القبلى والحرب الأهلية، والإرهاب مع تداعيات التغير المناخى ممثلة فى التصحر والجفاف والمجاعة.

"شابيلا" يضرب أكثر من عصفور بفيلم واحد؛ فهو تفعيل مباشر للقوة الناعمة المصرية، وبداية العودة للريادة الإعلامية، خاصة أن التلفزيون المصرى منذ بداية إرساله فى يوليو من عام 1960 كان سباقا فى الإنتاج التسجيلى والوثائقى، إلى جانب الإنتاج الفنى والروائى. وهو ما ذكرتنا به "القاهرة الإخبارية" من خلال "شابيلا" حيث المنتج الوثائقى الوطنى الذى يرصد أوجه النشاط الإنسانى فى تفاعله مع محيطه فى عوالم الجنوب، بمختلف محدداتها: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية، والأمنية.

سياسيًّا؛ الفيلم يعالج إشكالية مهمة فى مسار العلاقات المصرية الإفريقية الفاعلة تماما على المستوى الرسمى، ويقدم اقترابا جديدا لمعاجلة أزمة المدركات السلبية المتبادلة بين الطرفين على مستوى الشعوب غير الرسمى، حيث بعض الغياب المصرى الطويل عن التفاعل مع النخب الإفريقية خلق فجوة فى الإدراك والتواصل والفهم بين الطرفين.

أمنيًّا؛ لمس الوثائقى نقطة حساسة جدا فى العصب الإفريقى؛ فالصومال هى "كعب أخيل" القاتل فى القرن الإفريقى؛ إذ تمثل الصومال أهمية استراتيجية كبيرة لموقعها المؤثر فى القرن الإفريقى؛ حيث يحتل القرن الإفريقى موقعا استراتيجيا مؤثرا فى منطقة جنوب البحر الأحمر، ويتمتع بخصائص استراتيجية وأهمية جيوبولوتيكية، حيث يمثل القرن الإفريقى أحد أهم معطيات أمن الطاقة العالمى والإقليمى، وذلك لاتصاله المباشر بمضيق باب المندب الشريان الرئيسى للاقتصاد العالمى، فهناك 52 سفينة، و4 ملايين برميل من النفط تمر عبر المضيق يوميًّا، و50 مليون طن من المنتجات الزراعية. وطبقًا لتقرير الطاقة السنوى الصادر عن جامعة كولومبيا عام 2018، فإن إغلاق باب المندب كممر مائى، ولو مؤقتًا، يمكن أن يؤدى إلى زيادات كبيرة فى تكاليف الطاقة الإجمالية، وأسعار الطاقة العالمية؛ حيث إن إغلاق باب المندب سيمنع وصول نفط الخليج العربى إلى قناة السويس، أو خط أنابيب سوميد، وتحويلها إلى الطرف الجنوبى من إفريقيا، ما يزيد من وقت العبور وتكلفته. بالإضافة إلى ذلك، لن يعود بالإمكان لتدفقات النفط الأوروبى والجنوبى الإفريقى التوجه إلى الأسواق الآسيوية عبر قناة السويس وباب المندب. وطبقًا للتوقعات الاقتصادية فإن التكاليف الإضافية للنقل البحرى سوف تتزايد بمقدار 45 مليون دولار يوميًّا، إضافة إلى الارتفاع فى تكاليف الشحن المترتبة على زيادة مسار الناقلات بنحو 6000 ميل بحرى. لذلك، الصومال أهم دول منطقة القرن الإفريقى من حيث الأهمية الاستراتيجية والأمنية؛ غير أنها فى الوقت ذاته أكثرها ضعفًا وخطورة.

بيئيًّا؛ جسد لنا الفيلم فى واقعية صارمة، التأثير الحقيقى، والصورة الفعلية لتداعيات التغير المناخى؛ حيث التصحر والجفاف، وما نتج عنهما من مجاعات إلى جانب الحرب الأهلية والنزاعات العشائرية، وكلها شكلت بيئة خصبة للإرهاب والتطرف، وجلها عوامل أدت إلى شيوع نمط "اللاجئين البيئيين/ لاجئى المناخ" أو "النازحين البيئيين"، حيث أسفرت التغيرات المناخية الحادة، عن اضطرار الآلاف للهرب من الجوع والجفاف، وحكم الميليشيات بحثًا عن فرص اقتصادية آمنة، كنتيجة مباشرة للصراعات الداخلية والعابرة للحدود من جانب، والتغيرات المناخية الحادة مثل: ارتفاع مستوى البحار، والجفاف والتصحر، وندرة المياه وتقلص المساحات القابلة للزراعة  من جانب آخر، ما يدل بجلاء تام على عدالة القضايا والتوجهات التى تتبناها الدولة المصرية، وعلى رأسها قضايا التطرف والإرهاب، وتداعيات التغير المناخى.

"شابيلا" عكس مدى الاهتمام المصرى بتلك القضايا على مستوى القارة؛ فالقارة الإفريقية على وجه الخصوص تعج بعديد النماذج والأمثلة التى تعاني؛ سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وأمنيا نتيجة للتغيرات المناخية وما نتج عنها من اتساع نطاق الجفاف والتصحر وندرة المياه.

لقد أصبحت الصراعات الحدودية قائمة على التنافس على المناطق الرعوية، حيث تندلع صراعات عنيفة حول الثروة الحيوانية، ومناطق الرعى والمياه، والصومال النموذج الأبرز؛ لذلك "شابيلا" أكثر من مجرد فيلما وثائقيا. "شابيلا" رؤية ورسالة مصرية.


رابط دائم: