الصناعات الثقافية .. رؤية اقتصادية
15-1-2023

مدحت بشاي
* كاتب صحفى

منذ تم فصل قطاع الآثار عن وزارة الثقافة وإنشاء وزارة للآثار، باتت المؤسسات الثقافية تشكو قلة الموارد المالية التى كانت تدرها المواقع الأثرية السياحية وغيرها من الأنشطة والبرامج السياحية التى تعتمد على العنصر الأثرى، والتى كان من شأنها دعم توسيع دوائر العمل الثقافى لتشمل كل مدن وقرى ونجوع محافظات مصر.

وفى هذا السياق كتبت العديد من المقالات عن أهمية منح مؤسسات الثقافة والإعلام صلاحيات إنشاء أنشطة لتشجيع الشباب على ممارسة كل الفنون الإبداعية التى تدر عوائد تستثمر كموارد مالية، ولعل تجارب القطاع الخاص فى هذا الإطار تمثل نجاحات ونماذج يمكن البناء عليها وتعميمها مثل تجربة "ساقية الصاوى" الناجحة فى تشكيل منفذ للتعبير والعمل الثقافى والتنويرى عبر تسويق وبيع منتجات ثقافية وإبداعية.

وقد لا أتفق مع بعض الأصوات الزاعقة بدون تمهل ولا دراسة بتقديرهم أن مثل تلك الأنشطة الثقافية التى تحقق عائدا ماديا هى نوع من تسليع الثقافة وجعل المنتج الثقافى سلعة للبيع والشراء، بينما الأنشطة الثقافية وإتاحة ممارستها بالمجان هى خدمة تقدمها الدولة كضرورة تنويرية، وأرى أن تصميم مثل تلك الصناعات الثقافية سيسهم فى دعم تلك الأنشطة التى تقدم ــ وستظل تقدم ــ بالمجان والمساهمة فى انتشارها وتنوعها بالجودة المطلوبة.

وعليه، أسعدنى إعلان وزيرة الثقافة د.نيفين الكيلانى اتخاذ مجموعة من الخطوات التنفيذية للشراكة من خلال توقيع بروتوكول التعاون بين الهيئة العامة لقصور الثقافة والشركة المتحدة للإنتاج السينمائى والفنى فيما يخص مشروع "سينما الشعب"، على أن تتولى الشركة المتحدة مسئولية المحتوى الفنى المعروض من خلال مشروع سينما الشعب وذلك بالتنسيق مع الهيئة بما يضمن أعلى إيرادات ممكنة، فيما تقوم الهيئة بتشغيل السينمات ودور العرض واستغلال الإمكانات المتاحة فى هذا الشأن، وأن تقوم المتحدة بأعمال الدعاية والإعلان لتسويق المحتوى الفنى المعروض وكل ما يتعلق بالأمور التسويقية الخاصة به، سواء كان ذلك داخل أو خارج جمهورية مصر العربية، بالإضافة إلى تسويق المساحات الإعلانية الخاصة بمواقع مشروع سينما الشعب وكل ما يتعلق بعرض الإعلانات المصورة. وأيضا الاتفاق مع وزارة التعليم العالى على تنفيذ ورش مشروع "السينما بين يديك" التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة داخل الجامعات. وأرى أن مثل تلك الأنشطة والتعاون بين الوزارات تفكير جيد وحلول طيبة لإثراء العمل الثقافى عبر دعم ما يمكن أن يطلق عليها "الصناعات الثقافية".

ولا شك أن تعبير "الصناعات الثقافية" أصبح مصطلحا فنيا مهنيا ذا معنى خاص يختلف عن صناعة الثقافة، أى صناعة الإنتاج الثقافى. ففى حين تعنى هذه الصناعة المنتجات الثقافية المصنوعة: كالكتاب، واللوحة، والبرنامج التلفزيونى، وقطعة النحت، فإن الصناعات الثقافية تعنى العمل التجارى والاقتصادى والمهنى القائم على الإنتاج الثقافى، الشركات ورأس المال والقدرات التقنية والبشرية والمؤسسات والكليات.

ومعلوم أن اليونسكو تحدد مصطلح الصناعات الثقافية بأنه ينطبق على تلك الصناعات التى تجمع بين ابتكار المضامين وإنتاجها والمتاجرة بها، وهى ذات طبيعة ثقافية غير ملموسة (غير قابلة للتغيير)، مضامينها محمية بقانون حقوق المؤلف، ويمكن أن تأخذ شكل البضاعة أو الخدمات.

وعموما يشمل مفهوم "الصناعات الثقافية" الطباعة والنشر والوسائط المتعددة والوسائل السمعية والبصرية، والمنتجات الفوتغرافية والسينمائية وكذلك الحرف والتصميم. وفى بعض البلدان يشمل هذا المفهوم المعمار، الفنون البصرية والأدائية والرياضة، وتصنيع الأدوات الموسيقية أو الإعلان والسياحة الثقافية.

 


رابط دائم: