الجيل زد ماذا يقرأ وكيف يقرأ؟
19-12-2022

م. زياد عبد التواب
* خبير التحول الرقمي وأمن المعلومات، الرئيس السابق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء

يوجد تصنيف مهم للأجيال بناء على عام الميلاد، منها جيل زد Generation Zالذى نسمع عنه كثيرا هذه الأيام، وينتمى إلى هذا الجيل كل المواليد فى الفترة من 1997 إلى 2012، أى من أصبح عمرهم الآن بين 10 إلى 25 عاما وهو الجيل الذى يمكن القول بأن أكبر المنتمين إليه قد ولد بعد وصول شبكة الإنترنت إلى مستوى كبير من النضج والانتشار، ليس هذا فحسب بل تعدى ذلك إلى الفترة التالية لهذا الاستقرار، وهى الفترة التى بدأت وانتشرت ونضجت فيه شبكات التواصل الاجتماعى بتطبيقاتها المختلفة وباتت فى نظر البعض هى كل ما يعرفونه عن شبكة الإنترنت تقريبا. يتميز هذا الجيل أيضا بأن طفولته المبكرة كانت إلكترونية رقمية عبر الشبكات والتطبيقات المختلفة، وهو يختلف عن الجيل السابق له مباشرة –جيل الألفية - والمولود بين عامى 1981 و1996 الذى يمكن القول بأنه الجيل الأخير قبل سيطرة الشبكات والتطبيقات بالصورة التى نراها اليوم. فأطفال جيل الألفية كانت لديهم الفرصة لبدء حياتهم فى أجواء شبه تقليدية كان فيها التلفاز وبعض ألعاب الفيديو البسيطة هى غاية التكنولوجيا ومنتهاها ما سمح لهم ببعض من التقليدية فى ممارسة أنشطتهم المختلفة، ومنها اللعب والتعلم بخلاف جيل زد الذى نحن بصدده فى هذا المقال.

هنا، يبقى السؤال عن كيفية القراءة لدى جيل زد الذى تفتحت عينه على الشاشات المختلفة - حواسب وتليفونات ذكية - ووجد الكتاب والصحيفة الورقية فى أيدى الكبار والأجيال السابقة له مباشرة، والحقيقة إن الإجابة عن هذا السؤال فى غاية الصعوبة، فهل الأمر مجرد اختلاف فى الوسيط - من ورقى إلى إلكترونى أو رقمى- وإذا كان الأمر كذلك فإن المنطق يقودنا إلى حقيقة أن هذا الجيل يفضل القراءة من الوسائط الرقمية أكثر من الوسائط التقليدية، وهو للعجب ليس الحقيقة تماما وللتدليل على هذا نجد العديد من الدراسات واستطلاعات الرأى تشير إلى عدم تراجع المطبوعات الورقية بالقدر الذى نتخيله فى مقابل الوسائط الرقمية؛ بل على العكس نجد أن بعضا من تلك الدراسات تشير إلى أن هذا الجيل أكثر اهتماما بالقراءة والمعرفة مقارنة بالجيل السابق له، ربما بفعل انتشار مصادر المعرفة وتنوعها ووفرتها مقارنة بالندرة التى كانت حادثة فيما هو قبل أو ربما لأن هذا الجيل تعرض للعديد من الابتكارات والاختراعات والأنماط الجديدة فى جميع مناحى الحياة ما أسهم فى تحفيزه على المزيد من الاطلاع، وربما أيضا نتيجة التسارع الكبير فى تغير وتطور التقنيات المختلفة، وكذا أيضا الأحداث التى تدور من حوله على مستوى البيئة الملاصقة أو على المستوى الإقليمى والعالمى - الدولى- أيضا، أو ربما بسبب تلك العوامل مجتمعة أو بوجود عوامل أخرى لم يرد ذكرها أيضا.

من المناسب النظر إلى أدوات العصر وما لها من خصائص مختلفة فى التواصل وتلقى المعلومات والمعارف، وفى التعبير عن النفس أيضا، فالتواصل قبل هذا الجيل كان منظما ومحدودا ومرهقا أيضا، أما التواصل الذى مارسه ويمارسه هذا الجيل فهو تواصل سهل  وسريع بكل الوسائل من كلمة مكتوبة ومقطع صوتى مسموع أو مقطع فيديو مسموع ومرئى، ولا يقتصر التواصل على زمن محدد أو على مكان محدد بل يتم على مدار الساعة، ومع أى طرف فى أى مكان على وجه الأرض بل لا يستلزم التواصل أيضا وجود الطرفين متصلين معا مثلما كان الحال فى السابق بل يمكن أن يكون المتلقى نائما أو منفصلا عن الشبكةOffline ، ومع ذلك تتم عملية الاتصال والتواصل بنجاح ولا يشعر أى من طرفيها بأى غضاضة أو انزعاج.

بالإضافة إلى هذا فإنه ونتيجة تغلغل شبكات التواصل الاجتماعى وانفتاح المستخدمين عليها بات من الطبيعى التواصل بصورة يومية مع عدد كبير جدا من الأصدقاء ربما احتاج جيل الألفية إلى عدة ساعات - أو عدة أيام- للتواصل مع نفس العدد بالفاعلية المطلوبة، وهو وإن كان يزيد من مساحات التواصل وتبادل الآراء والأفكار والمعلومات، فإنه يصيب المستخدمين بحالة من التوتر العقلى وزيادة فى معدلات الانتباه مع قصر زمن الانتباه للأمر الواحد بدرجة كبيرة، وهو ما نلاحظه بسهولة فى إصابة هذا الجيل بالضجر وعدم التركيز فى حالة أن تحدث إليه أحد بالوسائل التقليدية أو قرأ كتابا أو استمع إلى محاضرة أو دخل فى نقاش أو حتى مقال بهذا النمط.

مستقبلات الجيل زد للمؤثرات الخارجية:

مما سبق يتضح أن هذا الجيل مختلف تماما فى نمط التنشئة والتفاعل مع العالم الخارجى بصورة كبيرة عن الأجيال السابقة له، فالسرعة هى كلمة السر، بالإضافة إلى إمكانية استخدام وسائط متعددة فى التواصل - فى الإرسال والاستقبال- ما يجعل الكلمة المقروءة أقل جاذبية وأكثر إثارة للملل وقلة الاهتمام. لذلك، نجد أن أغلب التركيز من الخبراء يكون حول كيف نغير من عادات هذا الجيل ليعود إلى ما كانت تقوم به الأجيال السابقة من تواصل ومن تلقى للمعلومات وخلافه، وهى محاولات باءت بالفشل بخصوص التواصل لا شك فى هذا، ومن المنطقى أيضا ألا تكون ناجحة فى إعادة هذا الجيل إلى أنماط القراءة والتعلم السابقة، ليس على مستوى الأداة كما أفردنا من قبل ولكن على مستوى شكل وأسلوب صياغة المعلومة. ولا يمكن أن أتصور أحد أفراد الجيل زد يقرأ كتابا يتكون من 500 صفحة مثلما كان الحال، ولا يمكن لهم متابعة أحداث رواية طويلة أو شرح لأحد الموضوعات العلمية بنفس الصورة والوتيرة التى اعتادها من سبقوه، ولكن يجب التفكير فى أساليب جديدة لإعادة صياغة المعلومات، وكذا أيضا لأساليب جديدة لكتابة الأعمال الأدبية تكون مناسبة لعقلية وذهنية هذا الجيل السريع الذى يميل دائما إلى الدخول فى لب المواضيع متجاهلا ومنزعجا من المقدمات الطويلة والحشو غير المرغوب فيه أو الإسهاب فى التعريفات والأشكال الجمالية الخيالية، فمحركات البحث متاحة أمامهم طوال الوقت ويستخدمونها كما يتنفسون، وعليه فإن الأسلوب الأمثل هو أسلوب الاختصار الشديد مع استخدام الوسائط المتعددة وإثارة القارئ وحثه على الرجوع إلى العالم الرقمى للبحث عن أى جزئية يرى أنها خافية عنه وتحتاج إلى توضيح أو إسهاب.

 


رابط دائم: