تزييف الوعى
15-12-2022

عميد/ د. هيثم الطواجنى
* متخصص فى الشئون الاستراتيجية والسياسية

الوعى هو ما يتكون لدى الإنسان من أفكار ومفاهيم ووجهات نظر عن الحياة والطبيعة من حوله.

وينقسم إلى :

- الإنسان الواعى هو ما يتكوَّن لديه من أفكار ومفاهيم ووجهات نظر عن الحياة وما يحيط به
     من كل مناحى الحياة. 

- الإنسان غير الواعى الذى قد يكوِّن وعيا زائفا عندما تكون أفكاره ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله أو قد يكون وعيا غير واقعى أو جزئيا عندما تكون الأفكار والمفاهيم مقتصرة على جانب أو ناحية معينة ولا تشمل كل النواحى والجوانب والمستويات. 

وتختلف مدلولات الوعى من مجال إلى آخر، فهناك من يقرنه باليقظة (فى مقابل الغيبوبة أو النوم)، وهناك من يقرنه بالشعور ويشير به إلى جميع العمليات السيكولوجية الشعورية، ومن ثم يمكن أن نفهم الدلالة العامة للوعى على أنه ممارسة نشاط معين (فكرى – تخيلى - يدوى)، ولهذا يمكن تصنيف الوعى إلى أصناف أربعة، هى:

- الوعى العفوى التلقائى:

وهو ذلك النوع من الوعى الذى يكون أساس قيامنا بنشاط معين دون أن يتطلب منا مجهودا ذهنيا كبيرا، بحيث لا يمنعنا من مزاولة أنشطة ذهنية أخرى.

- الوعى التأملى:

 وهو على عكس الأول يتطلب حضورا ذهنيا قويا ويرتكز على قدرات عقلية عالية كالذكاء والإدراك والذاكرة، ومن ثم فإنه يمنعنا من أن نزاول أى نشاط آخر.

 -الوعى الحدسى:

وهو الوعى المباشر والفجائى الذى يجعلنا ندرك أشياء أو علاقات أو معرفة دون أن نكون قادرين على الإتيان بأى استدلال.

- الوعى المعيارى الأخلاقى:

وهو الذى يجعلنا نصدر أحكاما قيمة على الأشياء والسلوكيات فنرفضها أو نقبلها بناء على قناعات أخلاقية، وغالبا ما يرتبط هذا الوعى بمدى شعورنا بالمسئولية تجاه أنفسنا والآخرين.

أما وقد تكلمنا عن الوعى فاسمحوا لى بأننلقى الضوء على تزييف الوعى، وهو إحدى وسائل العمل وأدوات التحكم الأساسية للسيطرة على الفكر الثقافى، ويمارس بغرض السيطرة على الفكر الثقافى والإعلام من خلال إعادة ترتيب الأولويات وإعلاء شأن القضايا الثانوية فى مقابل تهميش القضايا الأساسية.

 - تزييف الوعى بداية من ثمانينيات القرن الماضى، حيث ألف اليسارى المصرى محمود أمين العالم كتاب "الوعى والوعى الزائف فى الفكر العربى المعاصر"، فى غمرة الصراع الأيديولوجى المحتدم فى ذلك الوقت بين الرأسمالية والشيوعية من أجل التوسع والانتشار، كشف فيه عن كيف كانت عملية تزييف الوعى بغرض السيطرة على الفكر الثقافى والإعلام والتعليم، وذلك بتسليط الضوء على القضايا الثانوية وتهميش القضايا الأساسية. وتولت الكاتبة والمؤرخة البريطانية "Frances s Saunder" فضح الخفى من خبايا وأسرار تلك الحقبة ضمن كتابها الرائع من يدفع للزمار "الحرب الباردة الثقافية" من خلال وقوفها على الأموال الضخمة التى أنفقت من أجل السيطرة على الفكر العالمى عن طريق إنتاج وعى مزيف فى أنحاء العالم تدعمه بقوة البرامج ]الإخبارية "الصحافة – التلفاز- الإذاعة"- والثقافية (الأفلام – الكتب – المؤتمرات – الندوات)[.

- إن الانفتاح الذى تعرفه وسائل التواصل الاجتماعى يؤدى إلى تدفق المعلومات لكن السؤال حول نوع وطبيعة وحقيقة المعلومات المتدفقة يظل قائما، فليس كل ما يلمع ذهبا أو كما يقال "كثرة المعلومة تقتلها"؛ حيث يتحول طوفان المعلومات السائل فى وسائل التواصل الاجتماعى إلى مدخل للتلاعب وتزييف الوعى.

-وقد نبه عالم الاجتماع الأمريكى رايت ميلز "Wright Mills" إلى هذا الخطر مبكرا حتى قبل ثورة التكنولوجيا حين أكد أن الناس لا يحتاجون إلى المعلومات فى عصر الحقيقة الذى تسيطر فيه المعلومات على انتباه الناس وتركيزهمبقدر مايحتاجون إلى نوعية من المنطق والتفكير والأدوات التى تساعدهم على استثمار المعلومات وحسن توظيفها وتطوير تفسيرها كى يتمكنوا من فهم واستيعاب ما يدور فى العالم الخارجى، ويكفى أن نعرج سريعا على ما يطرح من معلومات وأفكار وقضايا وموضوعات فى رحاب مختلف وسائل التواصل الاجتماعى (فيسبوك - تويتر - ..) حتى ننتهى بخلاصات تكاد تكون قاسما مشتركا بين رواد هذه الوسائل، فمن ناحية أولى تفتقد هذه الوسائل إلى أدوات "ميكانيزمات" تمكن روادها من التمييز بين الحقيقة والإشاعة أو الأخبار الزائفة ما يعرف بـ "fake news" التى تنتشر فيها مثل انتشار النار فى الهشيم حتى إن محترفى الإشاعات يستغلون جمهور هذه الوسائل لنشرها تحقيقا لمصالح أو خدمات لجهات معنية، ومن ناحية ثانية يتضح أن النقاش حول موضوع أو قضية ما تنتهى بانتهاء مفعول الخبر الذى كان وراء مشاركتها بين أكبر عدد من الأفراد أو بظهور خبر جديد أقوى وأكثر إثارة من سابقه، وبذلك يدخل الجمهور فى دوامة لا متناهية من الأخبار أو المعلومات التى ينسى بعضها بعضا بلا توقف، ومن ناحية ثالثة لا يتجاوز النقاش حول هذه القضايا والموضوعات سطحية الحدث وإغراءات الخبر.

أخطار تزييف الوعى، يؤدى تزييف الوعى دورا خطيرا فى مختلف البيئات والمجتمعات الإنسانية. لذا، فإنها تؤثر فى الأمن والاستقرار وتكدر الأمن والسلم المجتمعى عبر خلق حالة عامة من التشكيك والبلبلة والرفض والتخوين فى كل الأوقات لاسيما فى فترات اتخاذ القرارات بكل مستوياته حتى تصل إلى التحريض على الدولة، ومن ثم تهدد تماسك المجتمع وأمنه وتحرك اللاوعى لدى الجماهير تمهيدا للوصول إلى مرحلة هشاشة الدولة وسقوطها، وتتنوع تلك الأخطار إلى سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية، ولنا فيما يدور بمجتمعنا من أمثلة للدلالة على خطورة تزييف الوعى وبيان مدى تأثيره فى الدولة المصرية الكثير والكثير، سنستعرض بعضها كالآتى:

- أخطار سياسية:

 مثال:الانبطاح أمام الدول الأخرى – إدعاء وجود استقبال فاتر لكبار المسئولين فى زياراتهم الرسمية الخارجية، وذلك بهدفالتشكيك وإثارة البلبلة والتهويل ومحاولة إرباك صانع القرار. 

- أخطار اقتصادية:

مثال:عدم الجدوى الإقتصادية للمشروعات - المصريون يأكلون من القمامة – انهيار الجنيه ما يؤثر بشكل مباشر فى الفرد والمجتمع (معدل البطالة – العملة المحلية) ويؤدى إلى صعوبة اتخاذ القرار السليم بواسطة السلطات النقدية والمالية.

- أخطار عسكرية:

مثال:خير أجناد الأرض حديث ضعيف لمحاولة إشاعة الروح الانهزامية والتأثير فى معنويات الشعب بإشاعة عدم جدوى المجهودات العسكرية.

- أخطار اجتماعية:

 مثال:إذكاء التعصب الكروى والاهتمام بحالات الطلاق بين الفنانين مع عدم إلقاء الضوء على ما تقوم به الدولة من مجهودات؛ لبث مفاهيم مغلوطة وكاذبة عن الدولة، ومحاولة زرع اليأس والإحباط فى العقول والنفوس والتشكيك بصورة مستمرة فى مشروعات الدولة.

- ولكى ننمى الوعى ومن ثم الولاء للوطن علينا اتباع الآتى:

 - تطبيق النظام:

وهو أول ما يجب اتباعه والمحافظة عليه عند العيش فى جماعة، كما يجب أن يكون هناك نظام يقنن علاقات الأشخاص ببعضهم، ويكون هذا النظام بمنزلة قوانين لهم، ويعرف النظام بأنه مجموعة من المبادئ والتشريعات والأعراف التى يجب على الفرد أن يتبعها، وينقسم النظام إلى جزأين، هما: 

- الجزء الدينى وهى القوانين التى يحددها لنا الله سبحانه وتعالى.

- الجزء الدنيوى وهى القوانين التى يحددها لنا البشر.

- المحافظة على الذوق العام:

الذوق هو تصرفات الإنسان بشكل مهذب ولائق يراعى مشاعر الآخرين من حوله والحرص على عدم التصرف بطريقة تجرح مشاعر أو كرامة أو حياء الآخر، وذلك بالآتى:

- الحفاظ على نظافة الأماكن التى نوجد فيها.

- الاستئذان.

- خفض الصوت.

- زيارة المريض.

-الحرص على عدم إمعان النظر فى الناس وخصوصياتهم.

- نشر السلام بين الناس.

- الابتسام فى وجه الآخرين.

- الحرص على ارتداء الملابس اللائقة.

- عدم توبيخ الآخرين أو الرد عليهم بالشتيمة.

- أسباب ضعف الذوق العام:

- غياب طرق التربية الصحيحة.

 - عدم وجود القدوة الحسنة للشباب والأطفال.

 - إهمال الذوق العام.

- تقديم العديد من الرسائل الخاطئة من وسائل الإعلام لا تتناسب مع الدين أو الأخلاق أو الذوق العام.

 - تصرف كل شخص على هواه.

- الشعور بالمواطنة والوطنية:

زيادة الشعور بالوطنية والمواطنة؛ حيث إن الولاء للوطن والوعى المجتمعى لهما قيمة كبيرة جدا، ويجب دائمًا أن نذكر هذا ونذكر به الأجيال المقبلة، ويجب أن نشعر بالفخر بأن الله سبحانه وتعالى جعل لنا وطنا ننتمى إليه وكرَّمه ليكون وطن الرسالات الخالدة (تجلى على أرضه - استضافة السيد المسيح ووالدته – ذكر مصر فى القرآن الكريم ٥مرات صراحة و۳٠مرة بالإشارة)،كما أن هناك ۳مستويات لتكوين الشعور بالمواطنة، هى:

- الشعور بالانتماء من خلال وجود روابط تربط بين الفرد وأفراد مجتمعه وتحمل الفرد للمسئولية تجاه وطنه
     ودوره فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 - شعور الفرد بالانتماء من خلال انتمائه إلى جماعه وشعوره بأن كل ما يصيب الجماعة يصيبه.

 - الشعور بواجباته تجاه وطنه وتحمل كل ما يصدر عن الشخص من أقوال أو أفعال وأن يفعل ما لا يسبب أى
     شكل من أشكال الضرر بمصالح الآخرين.

- توعية الإنسان بدوره فى الوطن:

أن يفعل الإنسان ما لا يسبب أى شكل من أشكال الضرر بمصالح الآخرين، كما أن هناك بعض المؤسسات والوسائط التى تعمل على التأثير فى سلوك الإنسان وتلك المؤسسات والمصادر هى:

- وسائل الإعلام.

- الأسرة.

- المدرسة – الجامعة. 

- دور العبادة.

- الأصدقاء.

- توعية الإنسان بدوره فى الوطن (تطوع الفرد لخدمة الوطن):

 - التطوع (بالخبرة – بالوقت – بالمال – بالجهد).

 أهمية الوعى المجتمعى والولاء للوطن:

 - يجعل الولاء للوطن الأفراد يخافون على وطنهم بشكل كبير والخوف من أن يمسه ضرر ما يساعد على
    التماسك والتلاحم بين أفراد الوطن ويجعلهم يتميزون بقوتهم تجاه من يرغب فى تدمير الوطن.

- يعمل على تقليل المشكلات الداخلية التى تتسبب فى تفرق العديد من المجتمعات مع ظهور الجرائم لكن بتنمية
  الوعى تنتهى تلك الظواهر.

- يعمل الفرد على تطوير نفسه باستمرار حتى يتمكن من إفادة الوطن والنهوض به، كما يشعر الفرد بأن له قيمة   
  كبيرة، بالإضافة إلى الشعور بالراحة والاستقرار التى لا يمكن أن يشعر بها الشخص المغترب.

- انتشار العديد من المبادئ السامية والأخلاق الكريمة، كما تجعل الإنسان يتسم بالرحمة والتعاون وتقديم ما يملك من مساعدات.

ولكى نقيس ارتفاع ونمو الوعى المجتمعى لابد لنا من ملاحظة ومتابعة الأنماط التى يعبر الفرد من خلالها عن إرتفاع الوعى المجتمعى والولاء للوطن، هى:

- مساندة الوطن والوقوف بجانبه دائما وخصوصا فى وقت الأزمات.

-عدم الهروب من الوطن والسفر للعملفى الخارجوالتمسك به والاستعداد للتخلى عن أى شىء مهما كانت
  قيمته من أجله.

- الحفاظ على جميع منشآت الوطن من أى تدمير قد يلحق بها والوقوف فى وجه كل من يرغب فى تدمير أى
   شيء يخص الوطن.

- الاستعداد الدائم للدخول فى أى حرب والاستعداد للتضحية بالروح والنفس والمال فداء للوطن فى حالة
   تعرضه لأى خطر داخليا كان أو خارجيا.

- السعى فى الحفاظ على نظافة كل الشوارع ونظافة الممتلكات العامة وتحسين المظهر العام؛ حيث إن تلك
   المنشآت ليست ملكا لأى شخص بل هى ملك للوطن.

- احترام العلم والنشيد الوطنى وعدم التقليل أو الاستهانة بأى شىء يتعلق بالوطن؛ حيث يمثل كل من النشيد
   الوطنى والعلم الصورة الأساسية للوطن.

- يجب على الفرد أن يتقن عمله داخل الوطن، وأن يحافظ على كل التعليمات والقواعد التى تحددها الدولة فى
   مجال العمل.

- يجب أن يعتز كل فرد منا برموز وطنه وعدم المساس بأى شىء يخص الوطن أو التجريح فيه أمام من
  يكرهون وطننا.

- وأود أن أسجل ملاحظاتى على الفترة الراهنة؛ حيث يمارس الآخر علينا كل أنماط تزييف الوعى، مستغلا أى تحرك للدولة المصرية داخليا كان أو خارجيا– افتتاح مشروع تنموى – الإعلان عن مشروع اجتماعى – اكتشاف (غازى) – التعاقد على شراء سلاح – افتتاح مدينة جديدة - ............إلخ عبر البرامج الإخبارية "المقرءوة – المسموعة - المرئية"- والثقافية (الأفلام – الكتب – المؤتمرات – الندوات) ووسائل التواصل الاجتماعى التابعة له والناطقة بلسانه لخلق حالة من التشكيك والتهويل والتخوين بهدف زعزعة الاستقرار وتكدير الأمن والسلم.

- ولا عجب فى هذا؛ لأن ذلك آخر ما يمتلكه الآخر بعد أن فقد حماية ودعم أغلب داعميه، ولم يعد لديه سوى قلب الحقائق وتزييف الوعى وتفريغ كل ما تقوم به الدولة المصرية من مضمونه؛ بل قد يصل الأمر إلى لىِّ عنق الحقيقة، وعلى سبيل المثال الاستقبال الفاتر (من وجهة نظرهم) للرئيس السيسى فى الرياض ونسجهم لرواية،مفادها أن هناك فتورا فى العلاقات المصرية السعودية،وأن الدور المصرى ينحسر فى المنطقة وذلك بناءً على استقبال نائب أمير منطقة الرياض للرئيس،والحقيقة أن الاستقبال تم وفقا للبروتوكول،والدليل على أن هذا الكلام غير دقيق استقبال الأمير محمد بن سلمان الحار للرئيس داخل القصر ثم اصطفاف الملوك والرؤساء للتقاط الصورة الجماعية الختامية ووقوف الرئيس بجوار الرئيس الصينى متصدرا المشهد.

- ولست هنا بصدد تفنيد ما يزعمه الآخر،فلن يسعنا المجال،ولكن اقترح قراءة تقرير الرد على تساؤلات الرأى العام المُثارة بشأن أداء الاقتصاد المصرى (يونيو - نوفمبر) 2022 الصادر عنرئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 7 ديسمبر 2022 ففيه الرد على كل المزاعم والمخاوف.لذا،فإننى أقترح أن تتحروا الدقةوتستقوا معلوماتكم من مصادرها الموثقة،وألا تلتفتوا إلى مهاترات الآخر ومحاولاته المستمرة لزعزة استقرار الدولة المصرية.

 


رابط دائم: